الضمير "ها"، في العنوان أعلاه
يعود الى إسرائيل، فتاة الغرب المدللة طوال ثلاثة أرباع القرن، ثم جاءت حربها على
غزة، وفي شهورها الأولى تبارت الدول الغربية لتبرير الحرب، ومرت سنة وإسرائيل تدك
المساكن والمرافق العامة والبنى التحتية في غزة، والغرب يصفق لكل ذلك، ثم أصبحت
صورة الأوضاع في غزة أكثر وضوحا، رغم التعتيم المتعمد عليها من كبريات شبكات
التلفزة في أمريكا وأوروبا، فقد كان هناك نفر بواسل على أرض غزة من غير أهل
القطاع، يوثقون لوقائع الحرب ويبثونها عبر وسائط التواصل التي أتاحتها الطفرة
الالكترونية، فتفجرت براكين الغضب في جامعات أوروبا وأمريكا، وتفجرت الهتافات
الداعية لوقف الحرب في الحناجر، ولكن الحكومة الإسرائيلية سدرت في غيها، وصبت حمم
الجحيم على المدارس والمستشفيات ثم صارت تتعمد طوابير المصطفين لتلقي العون
الغذائي من المنظمات الدولية، وانتبه العالم إلى أن ما يجري في غزة حرب إبادة،
يستخدم فيها التجويع أداة مكملة لمهمة القذائف، وانتبه الضمير العالمي إلى أن
الأمر لا يتعلق فقط بوقف الحرب، بل بإقامة دولة
فلسطينية حرة مستقلة.
استيقظت ضمائر الحكومات والشعوب الأوروبية، ولم يعد سلاح معاداة السامية التي ظلت إسرائيل تشهره في وجوه كل من ينتقدونها مجديا، فقد تبارت الدول الأوربية لإدانة العدوان الإسرائيلي على قطر، وارتفعت الأصوات في كل المنتديات الأوربية ذات الصوت الجهير تعلن رفضها للصهيونية كإيديولوجية تقوم عليها إسرائيل، مع ما في هذا من رفض مبطن لإسرائيل نفسها.
ولم يعد أمر الحرية لفلسطين فقط بيد
"الشوارع" السياسية في أوروبا وأمريكا، فقد أعلنت بريطانيا وفرنسا وكندا
بأنها ستعترف بالدولة الفلسطينية خلال الشهر الجاري، وقبل أيام صوت 27 من أعضاء
مجلس الشيوخ الأمريكي ضد قرار ببيع أسلحة هجومية لإسرائيل، وواقع الأمر هو أن
إسرائيل صارت ولأول مرة تجد نفسه معزولة وموصومة كدولة مارقة rogue state تماما كما كوريا الشمالية، وما من دليل حاسم
وقاصم على ذلك من أن زهران ممداني فاز فوزا كاسحا على خصمه أندرو كومو ليخوض
الانتخابات التي ستحدد من يكون عمدة نيويورك، أكبر قلعة يهودية في الولايات
المتحدة، فقد أعلن ممداني دون لبس في حملته الانتخابية إنه لا يدين إسرائيل فحسب،
بل من دعاة قيام دولة فلسطينية مستقلة، وحاولت جماعات الضغط اليهودية استدرار
عواطف ناخبي نيويورك، ولكن المدينة اليوم قلعة من قلاع القوى المناصرة للحقوق
الفلسطينية الكاملة، بدرجة أن الرئيس الأمريكي ترامب، قال لتجمع من اليهود
الممولين لحزبه الجمهوري "شعبي صار يكره إسرائيل".
بموازاة ذلك ظل رئيس الحكومة الإسرائيلية
بنيامين نتنياهو وبطانته من غلاة اليمين يعملون بمنطق "أنا الغريق فما خوفي
من البلل"، وواصلت آلة القتل الإسرائيلية الفتك بالأرواح في غزة ولبنان
واليمن وإيران، ثم جاءت الغارة الإسرائيلية على العاصمة القطرية الدوحة، في التاسع
من الشهر الجاري، فأيقن قادة العالم ومعهم
الرأي العام العالمي ان نتنياهو وصل
حالة مستعصية من العته والجنون: كيف تغير على بلد ظل بلا أعداء منذ ميلاده؟ بلد لا
يسمع عنه العالم إلا مرتبطا بمؤتمرات إقليمية ودولية، ومبادرات لتحقيق السلام بين
الأطراف المتنازعة هنا وهناك؟ بلد لمس الملايين في عام 2022، كم هو صغير وآمن
وناهض؟ حتى ترامب الذي لحم أكتافه من "خير" يهود أمريكا، وجد نفسه في
حرج بالغ، واستنكر الهجوم على قطر.
كتب دونالد جونسون في جريدة نيويورك تايمز
قبل نحو شهر من الغارة الإسرائيلية على قطر قائلا: إن ممارسة إسرائيل للإبادة بحق
الفلسطينيين ليست امرا مستحدثا بل يعود الى عقود، لكونها دولة أبارثيد (فصل
عنصري)، حتى من وجهة نظر الصهاينة اللبراليين. ويجدر بالذكر ان الرئيس الأمريكي
الأسبق جيمي كارتر وصف في عام 2006 إسرائيل بأنها دولة أبارثيد، فحاق به الغضب حتى
من حزبه "الديمقراطي"، والذي ما زال الى يومنا هذا يجاهر بمناصرة
إسرائيل خوفا من جماعات الضغط اليهودية، ولهذا لا يناصر زهران ممداني في معركة
الفوز بعمودية نيويورك، رغم انه مرشح للمنصب باسم الحزب، ولكن والحزب يتأهب لخوض
انتخابات نيابية تكميلية بعد شهرين، باتت قيادة الحزب تدرك أن قواعدها لن تقف مع
أي مرشح يدين بالولاء لجماعة ضغط يهودية. وفي هذا يقول تومي فيتور احد كبار معاوني
الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما: سيكون الفشل مصير كل من يحتضن نتنياهو،
والحزب الديمقراطي لن يعود كما كان قبل 7 أكتوبر 2023، ولا مصلحة لأمريكا في تأييد
القهر العنصري وتسليح دولة تسبب اختلالات عميقة، بسبب عدوانها المتكرر على جيرانها.
وعلى الضفة الأخرى من المحيط الأطلسي،
استيقظت ضمائر الحكومات والشعوب الأوروبية، ولم يعد سلاح معاداة السامية التي ظلت
إسرائيل تشهره في وجوه كل من ينتقدونها مجديا، فقد تبارت الدول الأوربية لإدانة
العدوان الإسرائيلي على قطر، وارتفعت الأصوات في كل المنتديات الأوربية ذات الصوت
الجهير تعلن رفضها للصهيونية كإيديولوجية تقوم عليها إسرائيل، مع ما في هذا من رفض
مبطن لإسرائيل نفسها.
بات العالم كله مدركا أن إسرائيل نموذج شرق أوسطي لجنوب إفريقيا في الحقبة العنصرية (1948-1994)، وفي الأفق تسونامي ديبلوماسي وشيك يتمثل في اعترافات متوالية بالدولة الفلسطينية، خاصة بعد انضمام نيوزيلندا وأستراليا وإيطاليا، إلى فرنسا وبريطانيا وكندا التي رفعت لواء الاعتراف بدولة فلسطين.
منذ ميلادها بعملية قيصرية، وإسرائيل تعول
على شيك على بياض من المساندة الأوروبية والأمريكية، ولكن الرأي العالمي برمته
يدين إسرائيل اليوم بأغلظ العبارات، وهي تقف اليوم عارية مكشوفة الحال في محكمة
الضمير الإنساني، وحتى عتاة الصهاينة صاروا يتحرجون من الحديث عن أن حركة حماس
إرهابية، لأنهم يدركون أن الأكثر من ألفي طفل فلسطيني الذين قتلوا في حرب إسرائيل
على غزة ليسوا حمساويين، وأن ال110 صحفي الذين قتلوا في غزة ليسوا حمساويين.
بات العالم كله مدركا أن إسرائيل نموذج شرق
أوسطي لجنوب إفريقيا في الحقبة العنصرية (1948-1994)، وفي الأفق تسونامي ديبلوماسي
وشيك يتمثل في اعترافات متوالية بالدولة
الفلسطينية، خاصة بعد انضمام نيوزيلندا وأستراليا وإيطاليا، إلى فرنسا وبريطانيا
وكندا التي رفعت لواء الاعتراف بدولة فلسطين.
وبات الإعلام الإسرائيلي منزعجا من أن
كراهية إسرائيل لم تعد تتوقف عند عتبة تلك الاعترافات، أو قرار دولة مثل المانيا
ظلت حليفا تاريخيا لإسرائيل بوقف بيع الأسلحة اليها، بل الى تنامي العداء لليهود
في أوربا عامة، وكانت ابرز تجليات ذلك العداء المظاهرات الهادرة التي شهدتها مدن
اليونان في 10 آب/ أغسطس الماضي بمسمى "يوم الغضب"، ونال السياح
الإسرائيليون في اليونان حظا كبيرا من ذلك الغضب، وفي ألمانيا منع مشجعو نادي
دسلدورف فورتونا إدارة النادي من تسجيل لاعب إسرائيلي، وشكا سفراء إسرائيل في عدد
من الدول الأوروبية من أن عددا من المطاعم منع يهودا من دخوله، بينما تعرض بعض
اليهود في كندا لاعتداءات جسمانية.
حوادث بسيطة هنا وهناك، ولكنها مؤشر على غضب
عام هنا وهناك على إسرائيل وكل من يرتبط بإسرائيل بوشيجة، فالكيان بأكمله، وليس
فقط نتنياهو وجوقة وزرائه، صار موضع كراهية مستحقة.