كتاب عربي 21

الشكل الوحيد المقبول لمعاداة السامية

جوزيف مسعد
"يرفض معظم مناهضي الصهيونية ادعاء إسرائيل بتمثيل جميع اليهود، ويُصرّون على أن إسرائيل لا تتحدث باسم جميع اليهود"- إكس
"يرفض معظم مناهضي الصهيونية ادعاء إسرائيل بتمثيل جميع اليهود، ويُصرّون على أن إسرائيل لا تتحدث باسم جميع اليهود"- إكس
شارك الخبر
يُعدّ تأييد الصهيونية اليوم الشكلَ الوحيدَ المقبولَ لمعاداة السامية؛ وهو شكلٌ ترحّب به الحكومة الإسرائيلية ومؤيدو الصهيونية في كل مكان، بوصفه مكسبا للدولة التي أعلنت نفسها "دولة يهودية". وفي المقابل، يُصوَّر الموقفُ المناهضُ للصهيونية، وهو موقف تبنّاه معظم اليهود وغير اليهود حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، ولا يزال يتبنّاه عددٌ كبير من اليهود وغير اليهود اليساريين منذ ذلك الحين؛ على أنه تجسيد لمعاداة السامية. ووفق هذا المنطق، بات يُنظر اليوم إلى أي انتقاد لإسرائيل، بما في ذلك إدانة إبادتها الجماعية المستمرة في غزة، أو حتى إلى أي دعمٍ محدودٍ للحقوق الفلسطينية المعترف بها دوليا، على أنه شكلٌ من أشكال معاداة السامية.

في أعقاب المجزرة التي وقعت في سيدني وأودت بحياة ما لا يقلّ عن خمسة عشر شخصا خلال احتفال بعيد الأنوار (حانوكا) على شاطئ بوندي، حمّل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نظيره الأسترالي أنتوني ألبانيزي مسؤولية المذبحة، بزعم أن اعتراف حكومته بدولة فلسطينية، غير قائمة أصلا في أيلول/ سبتمبر الماضي، من شأنه إذكاء معاداة السامية. وبدلا من أن يتحمل نتنياهو وحكومته مسؤولية تصاعد معاداة السامية، نتيجة إصرارهم على تقديم جرائم الحرب الإسرائيلية ضد الفلسطينيين بوصفها دفاعا عن اليهود في أنحاء العالم، لا باعتبارها تعبيرا عن مشروع استعماري استيطاني، يواصل نتنياهو الزعم بأن الاعتراف بدولة فلسطينية غير موجودة هو ما "يُؤجّج نار معاداة السامية.. ويُشجّع أولئك الذين يُهدّدون اليهود الأستراليين، ويُؤجّج كراهية اليهود التي تجتاح شوارعكم الآن".

عندما يحتفي المؤيدون للصهيونية بالغزوات والجرائم الحربية الإسرائيلية ويقدمونها على أنها إنجازات "يهودية"، يحظى هذه الموقف بتصفيقٍ وتشجيعٍ من إسرائيل وحلفائها، أما عندما يدين مناهضو الصهيونية الجرائم والغزوات الإسرائيلية باعتبارها جرائم الحكومة الإسرائيلية، لا جرائم الشعب اليهودي، فإن إسرائيل وحلفاءها من مؤيدي الصهاينة يسارعون إلى وسمهم بـ"معاداة السامية"

ولأن إسرائيل لا تزال تُعرّف نفسها بوصفها "الدولة اليهودية" وتدّعي التحدث باسم اليهود في جميع أنحاء العالم -على الرغم من أنهم لم ينتخبوها أو يفوّضوها قط لتمثيلهم- فإن المعادين للسامية يتبنّون هذا الادعاء ويحولونه إلى مسوغ أخلاقي وسياسي لمهاجمة اليهود غير الإسرائيليين، باعتبارهم شركاء أو متواطئين في جرائم تتحمل الحكومة الإسرائيلية وحدها مسؤوليتها. في المقابل، يرفض معظم مناهضي الصهيونية ادعاء إسرائيل بتمثيل جميع اليهود، ويُصرّون على أن إسرائيل لا تتحدث باسم جميع اليهود، وأن جرائمها أو "إنجازاتها" هي جرائم و"إنجازات" إسرائيل والحكومة الإسرائيلية، وليست جرائم أو إنجازات يهودية.

عندما يحتفي المؤيدون للصهيونية بالغزوات والجرائم الحربية الإسرائيلية ويقدمونها على أنها إنجازات "يهودية"، يحظى هذه الموقف بتصفيقٍ وتشجيعٍ من إسرائيل وحلفائها، أما عندما يدين مناهضو الصهيونية الجرائم والغزوات الإسرائيلية باعتبارها جرائم الحكومة الإسرائيلية، لا جرائم الشعب اليهودي، فإن إسرائيل وحلفاءها من مؤيدي الصهاينة يسارعون إلى وسمهم بـ"معاداة السامية". وتتجلى هذه الازدواجية بوضوح في الإدانات الأخيرة التي وجهت إلى شخصيات أمريكية يمينية مثل تاكر كارلسون وكاندس أوينز، اللذين احتُفي بمواقفهما السابقة المؤيدة لإسرائيل باعتبارها شكلا من أشكال "محبة السامية"، قبل أن يعاد توصيف انقلابهما الأخير منذ إدانتهما الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة بأنه "معاداة للسامية". وبغض النظر عن وجاهة أو عدم وجاهة هذه الاتهامات، تبقى الحقيقة أن مواقف كارلسون وأوينز من اليهود لم تتغير؛ وما تغير هو موقفهما من إسرائيل.

على الرغم من الكشف المتكرر عن الجذور المعادية للسامية التي قامت عليها الصهيونية البروتستانتية منذ القرن السادس عشر، ثم الصهيونية اليهودية منذ القرن التاسع عشر، فضلا عن توثيق التحالفات والتقاطعات التي نسجتها الحركة الصهيونية منذ تأسيس منظمتها عام 1897 وحتى اليوم مع قوى وشخصيات معروفة بعدائها لليهود، لا يكفّ مؤيّدو الصهيونية عن الترويج لادعاءٍ مضلل مفاده أن معاداة الصهيونية، لا تأييدها، هي المحرّك الأساسي لمعاداة السامية.

وفي حين أنه لطالما تمثّلت الدوافع الغالبة لمعظم مناهضي الصهيونية، من اليهود وغير اليهود على السواء، في مناهضة الاستعمار، والدفاع عن قيم الديمقراطية، والمعتقدات اليهودية الأرثوذكسية العريقة، ورفضت الصهيونية من حيث المبدأ، لا يمكن إنكار أن بعض المناهضين للصهيونية قد تبنّوا، في حالات بعينها، مواقف معادية للسامية. غير أن الثابت، اليوم كما كان عبر تاريخ الصهيونية البروتستانتية واليهودية، هو أن أبرز المروّجين للأيديولوجيا المؤيّدة للصهيونية -لا خصومها المناهضين لها- كانوا في الغالب، ولا يزالون، من التيارات والشخصيات التي تحمل تصوّرات ومواقف معادية لليهود.

وُجّهت إلى ثيودور هرتسل، مؤسس المنظمة الصهيونية، اتهاماتٌ واضحة بمعاداة السامية قبل وبعد تأسيس منظمته في أواخر القرن التاسع عشر، وهي اتهامات لا يعارضها أيٌّ من الباحثين الأكاديميين المرموقين، باستثناء بعض المُنظّرين المُؤيدين للصهيونية. فقد عبّر هرتسل صراحة، في كُتيّبه "دولة اليهود" الصادر عام 1896، عن تقاطعٍ جوهري بين المشروع الصهيوني والخطاب المعادي للسامية، حين أقرّ بأن الصهاينة يتشاركون مع معادي السامية في الرغبة في إخلاء أوروبا من يهودها ونقلهم إلى مستعمرة خارجها. ولم يكتفِ هرتسل بتبنّي هذا المنطق الإقصائي، بل أعاد إنتاج الصور النمطية المعادية لليهود، واصفا إياهم -من منظور معادٍ للسامية-بأنهم "شعب برجوازي". كما أصرّ على رفض العبرية لغة لـ"دولة اليهود"، وازدرى اللغة اليديشية بوصفها "لغة الغيتو" و"لغة مشوّهة بائسة"، بل و"ألسنة سجناء متقزّمة"، مفضّلا عليها اللغة الألمانية في تعبيرٍ فاقع عن نزعة اندماجية أوروبية تنظر إلى الثقافة اليهودية ذاتها باعتبارها عبئا ينبغي التخلّص منه.

ذهب هرتسل إلى أبعد من مجرد تبرير معاداة السامية، إذ كتب أنها ليست مفهومة فحسب، بل "مفيدة" و"مُثمرة للشخصية اليهودية"، لأنها -بحسب تعبيره- تشكل نوعا من "التثقيف الجماعي [لليهود] على يد الجماهير [المسيحية المعادية للسامية]". وأضاف أن "الصدمات القاسية" كفيلة بأن تُنتج، داخل الجماعة اليهودية، ما سماه "محاكاة داروينية [للمسيحيين]".

ولم يكن هذا المنظور طارئا على فكر هرتسل السياسي، بل سبقه في أعماله الأدبية؛ إذ تعرّضت مسرحياته، التي كتبها قبل تأسيس المنظمة الصهيونية، لانتقادات لاذعة من نقّاد يهود بسبب اعتمادها منظورا "مسيحيا" في تصوير اليهود. كما لم يتردّد هرتسل في استخدام أوصاف معادية للسامية بحق منتقديه اليهود، واصفا إياهم بتعابير مثل "حشرات يهودية" و"يهودي حقير".

وقد صرّح هرتسل بوضوح في كتابه الشهير "دولة اليهود" قائلا: "ستكون حكومات جميع الدول التي ابتليت بمعاداة السامية مهتمة بشدة بمساعدتنا في الحصول على السيادة التي نريدها". وذهب أبعد من ذلك في مذكراته، حين كتب: "سيصبح المعادون للسامية أصدقاءنا الأكثر جدارة بالثقة، وستصبح الدول المعادية للسامية من حلفائنا". وانطلاقا من هذا المنطق، وصف لوسيان وولف، المدافع اليهودي البريطاني عن حقوق اليهود، الصهيونية بعد ذلك بوقت قصير، وتحديدا في عام 1904، بأنها ليست رد فعل على معاداة السامية، كما يحاول بعض أنصارها تصويرها، بل هي "الحليف الطبيعي والدائم لمعاداة السامية وأقوى مبرر لها". وإذا كان الحكم على هرتسل بوصفه معاديا للسامية، استنادا إلى هذه التصريحات والوقائع، يُعدّ اليوم "تحيّزا" في نظر المدافعين عنه، فمن المؤكد أن من يصدرون هذا الحكم يستخدمون تعريفا مختلفا تماما لمعاداة السامية عن التعريف التقليدي الذي يستخدمه معظم الأكاديميين.

وعلى خلاف رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيزي، الذي لم تسجّل عليه أي تصريحات معادية لليهود، فقد دأب الرئيس دونالد ترامب على الإدلاء بتعليقات تنطوي على معاداة سافرة للسامية، في تعبيرٍ لا عن زلّات فردية، بل عن تقليدٍ طويل من معاداة السامية المتماهية مع التأييد الصهيوني. فقد برر، في تموز/ يوليو الماضي، هجومه على "مصرفيين عديمي الضمير" بوصفهم "شايلوك وأناسا سيئين" بادعائه الجهل بأن الإحالة إلى شخصية شايلوك في مسرحية شكسبير "تاجر البندقية" -وهي إحدى أكثر الصور النمطية المعادية لليهود رسوخا في الأدب الأوروبي- تُعدّ "إساءة". لم تكن هذه التصريحات زلة لسان معزولة من شخص يصف نفسه بأنه "أقل إنسان معادٍ للسامية رأيتموه في حياتكم". ففي خطاب ألقاه عام 2019 أمام المجلس الإسرائيلي الأمريكي في ولاية فلوريدا، وأمام "قاعة مليئة باليهود"، عبّر ترامب عن استيائه من اليهود الأمريكيين الذين "لا يحبون إسرائيل بما فيه الكفاية"، مضيفا: "كثير منكم يعملون في مجال العقارات، لأني أعرفكم جيدا. أنتم قتلة متوحشون، لستم أناسا طيبين على الإطلاق.. لكن عليكم التصويت لي، ليس لديكم خيار آخر". وقد قوبلت هذه التصريحات باستنكار الجماعات اليهودية بأنها معادية للسامية.

حين قال ترامب لليهود الأمريكيين، خلال احتفال عيد الأنوار (حانوكا) في البيت الأبيض في كانون الأول/ ديسمبر 2018، إن نائبه "يكنّ محبة كبيرة لبلدكم"، لم تُبدِ إسرائيل أي اعتراض على هذا الافتراض الذي يُسقِط على يهود الولايات المتحدة هوية سياسية ودولية لا يحملونها بالضرورة، ولم تعترض أيضا عندما قال ترامب، في عام 2019، لمجموعة من اليهود الأمريكيين إن بنيامين نتنياهو هو "رئيس وزرائكم"، في إعادة صريحة لإنتاج الفكرة ذاتها التي تدمج اليهودي الأمريكي بالدولة الإسرائيلية قسرا.

ويتّضح هذا التساهل الإسرائيلي مع الخطاب المعادي لليهود الأمريكيين على نحوٍ أكثر فجاجة في رفع أنصار ترامب من دعاة تفوّق العرق الأبيض، خلال مسيرتهم سيئة الصيت في شارلوتسفيل بولاية فرجينيا عام 2017، شعار "لن يحلّ اليهود محلّنا". ومع ذلك، دافع ترامب عن المسيرة، معتبرا أن فيها "أناسا طيبين من كلا الجانبين".

ولم تمضِ سوى أشهر حتى نفّذ متطرّف أبيض معادٍ للسامية هجوما على كنيس يهودي في مدينة بيتسبرغ، أسفر عن مقتل أحد عشر يهوديا. وبينما حمّل يهود بيتسبرغ ترامب مسؤولية نشر خطاب الكراهية، واحتجّوا على زيارته المرتقبة لمدينتهم باعتبارها عاملا إضافيا في تأجيج الكراهية، التزم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الصمت، ولم يوجّه إلى ترامب أي اتهام مماثل، في مفارقة تُبرز مرة أخرى أن معاداة السامية لا تُدان حين تصدر عن حلفاء إسرائيل السياسيين.

وعلى النقيض من ألبانيزي، الذي فقدت حكومته شرعيتها في نظر الإسرائيليين رغم مواقفها المؤيدة لإسرائيل، بسبب اعترافها بدولة فلسطينية مستقبلية تديرها السلطة الفلسطينية المتعاونة مع إسرائيل، يُقدَّم دونالد ترامب بوصفه الداعم الأعظم لإسرائيل عالميا، وبالطبع على أنه "أقل شخص معادٍ للسامية" في العالم.

لم يتردد نتنياهو، شأنه شأن القادة الصهاينة منذ هرتسل، في بناء تحالفات وثيقة مع معادين صريحين للسامية، طالما أنهم مؤيدون لإسرائيل. ومن المثير للدهشة أنه عندما اعتمد الاتحاد الأوروبي تعريف "التحالف الدولي لإحياء ذكرى المحرقة" لمعاداة السامية في عام 2016، والذي تضمن "مظاهر.. استهداف دولة إسرائيل، باعتبارها كيانا يهوديا جماعيا"، وتعريف معاداة السامية بأنها تشمل المواقف المعادية للصهيونية والمواقف المنتقدة لإسرائيل، كانت الحكومة النمساوية اليمينية، التي ضمت أعضاء في حزب نازي جديد، هي التي سعت جاهدة لاعتماده.

وبلغ هذا المنطق ذروته حين أقدم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على توبيخ السفير الإسرائيلي في بودابست، لمجرّد إبدائه قلقا محدودا إزاء الخطاب والسياسات العنصرية المعادية للسامية التي ينتهجها رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان. وبأوامر مباشرة من نتنياهو، سارعت وزارة الخارجية الإسرائيلية إلى سحب التصريح، في خطوةٍ عكست بوضوح أن إدانة معاداة السامية تصبح غير مقبولة حين تصدر بحقّ حليفٍ سياسي. وليس مستغربا، في هذا السياق، أن يرفض أوربان اعتقال نتنياهو -المطلوب من قبل المحكمة الجنائية الدولية- خلال زيارته الأخيرة إلى المجر قبل بضعة أشهر، في تجلٍّ صريح لتغليب التحالفات السياسية على أي اعتبارات قانونية أو أخلاقية.

وفي أوكرانيا، قدّمت إسرائيل دعما عسكريا لمليشيات نازية جديدة، وفي مقدّمتها كتيبة آزوف، رغم سجلّها الأيديولوجي المعلن. فقد صرّح زعيمها أندريه بيليتسكي عام 2014 بأن "المهمة التاريخية لأمتنا.. هي قيادة الأعراق البيضاء في العالم في حملةٍ صليبية أخيرة من أجل بقائها، حملةٍ صليبية ضدّ الأوغاد الذين يقودهم الساميون".

في رؤية نتنياهو للعالم، لا يُتوقَّع لرجلٍ سوري -تتعرّض بلاده لقصفٍ إسرائيلي شبه يومي، يُسفر عن مقتل مدنيين سوريين، بينهم أطفال، وتُنهَب فيه أراضٍ سورية- أن يكون مرشّحا لمفهوم "البطولة اليهودية". فأن يدرك أحمد الأحمد ببداهة إنسانية وسياسية الفرق بين اليهود الأستراليين وبين الحكومة الإسرائيلية هو بالضبط ما يعجز نتنياهو عن استيعابه أو الاعتراف به

وفي ألمانيا، يُثير الصعود المتسارع لحزب "البديل من أجل ألمانيا"، وهو حزب يميني متطرف يتصدر حاليا استطلاعات الرأي للانتخابات المقبلة، ويتهمه منتقدوه بالترويج للأفكار النازية الجديدة ويصفونه بأنه "ملاذ للمعادين للسامية والمتطرفين اليمينيين"، قلق الطائفة اليهودية في البلاد. ومع ذلك، لا يتعارض هذا السجل مع دعم الحزب الصريح لإسرائيل. فقد صرّحت نائبة رئيس الحزب، بياتريكس فون شتورخ، حفيدة آخر وزير مالية لهتلر، لصحيفة "جيروزاليم ريبورت" عام 2017، بأن "إسرائيل يمكن أن تكون نموذجا يحتذى به لألمانيا "كدولة" تبذل جهودا للحفاظ على ثقافتها وتقاليدها الفريدة".

ويتردد صدى هذا الخطاب بوضوح في تصريحات ريتشارد سبنسر، أحد أبرز رموز النازية الجديدة في الولايات المتحدة، الذي وصف مشروعه الأيديولوجي بأنه "نوع من الصهيونية البيضاء"، مضيفا أن إسرائيل "هي أهم دولة عرقية، وربما أكثرها ثورية، وهي التي أستلهم منها توجهي". ومع ذلك، لم تصدر عن إسرائيل أو قادتها أي إدانة تُذكر لهذه التصريحات، في استمرارٍ لنهجٍ يتسامح مع الخطاب العنصري متى اقترن بتأييد إسرائيل.

إن تبني الصهيونية المستمر لحجج معادية للسامية، والتي تُردد مواقف الحكومات الإسرائيلية منذ عام 1948، وتخلط بين إسرائيل واليهود، لهو منظور معاد للسامية ومُشين يلقي بجرائم الحكومة الإسرائيلية على عاتق الشعب اليهودي ككل.

وحتى لحظة كتابة هذه السطور، تشير المعطيات المتوافرة إلى أن الهجوم الدموي في سيدني نفّذه أنصار تنظيم "داعش"، وهو تنظيم إرهابي يستهدف المسلمين في المقام الأول، الذين يمثلون النسبة الأكبر من ضحاياه. وتُفيد آخر المعلومات إلى أن أحد مطلقي النار هنديّ الجنسية، فيما كان الثاني ابنه، أستراليّ الجنسية.ومع ذلك، لم يتردّد بنيامين نتنياهو في توظيف الحدث ضمن خطابه المألوف، من دون أن يدرك أن الرجل الذي واجه أحد المسلّحين، ونزع سلاحه، وأنقذ حياة عدد من اليهود رغم تعرّضه لإطلاق النار مرارا، هو أسترالي مسلم من أصل سوري يُدعى أحمد الأحمد. ومع ذلك، وصف نتنياهو هذا الفعل بأنه مثال على "البطولة اليهودية".

في رؤية نتنياهو للعالم، لا يُتوقَّع لرجلٍ سوري -تتعرّض بلاده لقصفٍ إسرائيلي شبه يومي، يُسفر عن مقتل مدنيين سوريين، بينهم أطفال، وتُنهَب فيه أراضٍ سورية- أن يكون مرشّحا لمفهوم "البطولة اليهودية". فأن يدرك أحمد الأحمد ببداهة إنسانية وسياسية الفرق بين اليهود الأستراليين وبين الحكومة الإسرائيلية هو بالضبط ما يعجز نتنياهو عن استيعابه أو الاعتراف به.

ولهذا السبب تحديدا، لم يتردّد نتنياهو في تحميل رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيزي مسؤولية الهجوم، رغم أن الأخير -وعلى خلاف زمرة من الزعماء الصهاينة، مسيحيين ويهودا، وعلى خلاف من يصف نفسه بأنه "أقل شخص معادٍ للسامية رأيتموه في حياتكم"- لم يُدلِ في مسيرته السياسية بتصريحٍ واحدٍ معادٍ لليهود.
التعليقات (0)