بمبادرة من نشطاء معظمهم أتراك، نظم في إسطنبول لقاء بين 7 و8 كانون الأول/
ديسمبر، جمع العديد من أنصار "
مؤتمر الشرق"، هذا المؤتمر الذي عقد لقاءه
التأسيسي في سنة 1994، لكن أحداثا متتالية حالت دون استمرار دوراته بشكل منتظم.
وحتى تحافظ المبادرة على استقلاليتها لم تعتمد على أي جهة رسمية أو حزبية لتغطية
نفقات أنشطتها، معتمدة أساسا على صيغة التمويل الذاتي، فتجنبت بذلك التوظيف الحزبي
والحكومي.
عنوان مثير للاهتمام تصدر أشغال المؤتمر وهو "البحث عن السلام في
الشرق الأوسط"، لأن هذه المنطقة بالذات أصبحت من بين المناطق في العالم التي
تتعرض بشكل مستمر لمخاطر جدية من شأنها أن تهدد استقرارها ووجودها. فالحرب على غزة
كشفت عمق الهشاشة التي تشكو منها البنية الداخلية للدول المجاورة لفلسطين، وهو ما
جعلها محدودة الفاعلية والتأثير قبل اندلاع هذه الحرب وبعدها. لهذا كان السؤال
الأول الذي طرح في هذا اللقاء: "هل بناء نظام جديد في الشرق الأوسط أمر ممكن
بدون
ديمقراطية"؟ فالتاريخ السياسي لدول هذه الشرق يكشف بوضوح أن الأنظمة الاستبدادية
هي التي سادت وترسخت حتى أصبح القول بالاستبداد الشرقي مفهوما شائعا، وكلما توفرت
ظروف لفتح قوس للحريات والتعددية، تظافرت عوامل عديدة وقوى متنوعة لتجهز على تلك
المحاولة، وتغلق ذلك القوس بإحكام.
السؤال الأول الذي طرح في هذا اللقاء: "هل بناء نظام جديد في الشرق الأوسط أمر ممكن بدون ديمقراطية"؟ فالتاريخ السياسي لدول هذه الشرق يكشف بوضوح أن الأنظمة الاستبدادية هي التي سادت وترسخت حتى أصبح القول بالاستبداد الشرقي مفهوما شائعا، وكلما توفرت ظروف لفتح قوس للحريات والتعددية، تظافرت عوامل عديدة وقوى متنوعة لتجهز على تلك المحاولة، وتغلق ذلك القوس بإحكام
لهذا تحدثت الباحثة هبة رؤوف (من مصر) عن تحديات
التغيير السياسي في
المنطقة، وتعرض مهدي مبروك (من تونس) عن تلازم الحرية والمقاومة، متسائلا بدوره
حول إمكانية أن نكون ممانعين دون أن نكون ديمقراطيين؟ ودعا الباحث الجزائري زبير
عروس إلى التخلي عن مصطلح الشرق الأوسط واستبداله بمصطلح "الشرق التاريخي
الحضاري" بحثا عن "إعادة بناء الذات الثقافية المتعددة". وبما أن
الهدف من المؤتمر دعم فكرة "المقاومة المدنية الاجتماعية من أجل تحقيق السلام"
حسب اعتقاد أوميت أكتاز، قام مورينو بسكينلي بشرح كيفية "بناء شبكة عالمية
جديدة مناهضة للإمبريالية"، وذلك بهدف يربط حركات المقاومة في الشرق الأوسط
بالحراك العالمي الذي اكتسح معظم الدول الغربية، بالخصوص ضد
الصهيونية والهيمنة
الأمريكية.
كل الذين تدخلوا سواء في المحور الأول أو في بقية المحاور، وجدوا أنفسهم
دون تخطيط مسبق ينسجون وحدة في المضمون والطرح، وأسسوا لأطروحة تقوم على تلازم
المقاومة بالديمقراطية والعالمية والحرية والسلام. واعتمادا على هذه الأهداف
والمبادئ، توالت بقية المحاور الخاصة ببناء السلام في سوريا "نحو التعددية
والعدالة والمستقبل المشترك"، حيث تحدث برهان غليون عن "تحديات المرحلة
الانتقالية"، رافضا إدانة النظام الجديد برئاسة أحمد الشرع بناء على ماضيه
ومساره السابق، ومحذرا في الآن نفسه من الأطماع الإسرائيلية في الأراضي والخيرات
السورية، وطالب بتأجيل الخلافات التي يعمل أصحابها على تأجيج الصراعات الطائفية.
ومن سوريا انتقل الحديث إلى مستقبل فلسطين، وحلقة النقاش التي دارت حول
معاداة الصهيونية. وتشابك ذلك مع الجلسة الخامسة حول "إيران ومكانتها في
النظام الإقليمي الجديد"، وخُتم هذا التسلسل بـ"قصة السلام غير المكتملة
التي تتعلق بالقضية الكردية في تركيا والبحث عن حوار متجدد".
أما الجلسة السابعة والأخيرة التي خُصصت للإجابة عن مستقبل مؤتمر الشرق
"هل حان الوقت للانطلاق من جديد؟"؛ فقد كشفت عن نفس نضالي لدى المشاركين
بمختلف قناعاتهم ومساراتهم ومعتقداتهم وجنسياتهم. دافعوا عن أن الشرق لم يمت، وأنه
رغم الصراعات والحروب والأطماع والاختراقات والمؤامرات، فهو باق ككيان جغرافي
وسياسي وحضاري صامد لا يزال يقاوم بكل الوسائل، وأن القوى المقاومة فيه تعتقد
بكونها مطالبة بتوثيق علاقاتها الاستراتيجية بالحركات المناهضة للصهيونية والإمبريالية
في العام، والتي ظهرت بوضوح خلال الأشهر الأخيرة. فمعركتهم واحدة، ونجحوا في إظهار
زيف الادعاءات الاسرائيلية وبطلانها. وبفضل تلك القناعات يرتقي التضامن من مستواه
الإقليمي إلى درجة العالمية ليعانق الفضاء الإنساني.
ولعل القيمة الأساسية التي تَوافَق عليها المشاركون تتمثل في التأكيد على
أهمية التعدد والتنوع، إذ مهما كانت قناعتك ولونك الفكري والسياسي، فإن مؤتمر
الشرق يرحب بك، ويضمن حريتك ويحترم رأيك، ويطلب منك أمرا واحدا وهو أن تكون
ديمقراطيا في سلوكك وفكرك، وأن تكون مناهضا للصهيونية ومحاربا للاستعمار.