كتاب عربي 21

هذا ما جنته أمريكا على نفسها

جعفر عباس
علا صيت أمريكا خلال الحرب العالمية الثانية، باعتبارها القائد الجديد للعالم الغربي، ولكونها استخدمت سلاحا غير مسبوق ـ القنبلة الذرية ضد اليابان مرتين، ومنذ عام 1945 صارت أمريكا حادي ما صار يعرف بالاستعمار الجديد.. الأناضول
علا صيت أمريكا خلال الحرب العالمية الثانية، باعتبارها القائد الجديد للعالم الغربي، ولكونها استخدمت سلاحا غير مسبوق ـ القنبلة الذرية ضد اليابان مرتين، ومنذ عام 1945 صارت أمريكا حادي ما صار يعرف بالاستعمار الجديد.. الأناضول
ما من أمر أجمع الرأي العام العالمي عليه، مثل كره ومعاداة أمريكا، فما من شعب على وجه الأرض يرى خيرا في الولايات المتحدة، سوى الإسرائيليين، وهؤلاء يحبون أمريكا لنفس الأسباب التي تجعل الشعوب الأخرى تنفر منها، فالقاسم المشترك بين الامريكان والإسرائيليين، هو أن حكوماتهم المتعاقبة باطشة وتمارس غطرسة القوة، لكون كلاهما يعاني من عقدة أنهما ينتميان لدولتين قامتا على الاستعمار الاستيطاني على حساب أهل الأرض الأصليين، ولا ترعيان حقوق الجوار.

وصحيح أن وصول دونالد ترامب الى بيت الرئاسة الأبيض، وشنه حربا اقتصادية على جميع دول العالم، بمن فيها جزيرة نائية في القطب الجنوبي ليس فيها سوى طيور البطريق، وسّع دائرة كره الولايات المتحدة حتى بين حلفائها التاريخيين. استطلاع رأي في فرنسا في آب/ أغسطس الماضي كشف عن ان 75% من الفرنسيين لا يرون خيرا في الولايات المتحدة. والرأي العام في اليابان وألمانيا يرى في غالبيته أن أمريكا، وبسبب نزعاتها العسكرية، خطر على السلام العالمي.

هكذا ظهر الأمريكي القبيح مستترا وراء وجوه طغاة محليين في آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية، وتكفل جهاز المخابرات المركزية الأمريكية بإسقاط النظم الديمقراطية في تلك القارات بانقلابات عسكرية.
في عام 1983 أجرت مجلة نيوزويك استطلاعا حول رأي شعوب 44 دولة في الولايات المتحدة، ولم يظهر الاستطلاع وجود بلد واحد يفوق فيه عدد الراضين عن أمريكا عدد من يكرهونها، ثم جاء عام 2002، حيث استطلعت المجلة آراء 16,000 مواطن في 20 دولة، وكان المتوسط الكلي لسوء الظن بأمريكا 65%، ولو اقتصر الاستطلاع على الدول الإسلامية لكان النفور من أمريكا مبررا، لأن الأمريكان حكومة وشعبا قالوا في المسلمين ما لم يقوله في متلازمة الإيدز، بعد أحداث أيلول/ سبتمبر 2001، عندما فجر تنظيم القاعدة برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك، ولكن نحو 70% من البرازيليين والبيروفيين رأوا في أمريكا نفس ما رأته إيران الملالي فيها: الشيطان الأكبر، وحتى بريطانيا أقوى حلفاء واشنطن يرى 55% من شعوبها أن أمريكا هي أكبر مهدد للسلم العالمي، بينما ترى شعوب اليونان واسبانيا وفنلندا والسويد أن أمريكا اكثر خطرا على السلم من كوريا الشمالية وايران، وإذا نظرنا الى العالم الإسلامي نرى ان استطلاع عام 2002 أثبت أن 77% من الأردنيين يعتبرون أمريكا عدوا لهم بينما 85% من الإندونيسيين يعتبرونها أكبر مهدد للاستقرار في آسيا والشرق الأوسط (دعك من نتائج قياسات الرأي لعام 2025).

علا صيت أمريكا خلال الحرب العالمية الثانية، باعتبارها القائد الجديد للعالم الغربي، ولكونها استخدمت سلاحا غير مسبوق ـ القنبلة الذرية ضد اليابان مرتين، ومنذ عام 1945 صارت أمريكا حادي ما صار يعرف بالاستعمار الجديد، فبعد تلك الحرب تهاوت أركان الإمبراطورية البريطانية ونالت مستعمراتها الاستقلال، وتساقطت قطع الدومينو الأوروبية، وفقدت فرنسا وإسبانيا والبرتغال وبلجيكا مستعمراتها، فابتكرت أمريكا حيلة جديدة: أن تحكم الدول بواسطة أبنائها الذين يقبلون أن يكونوا عملاء لها، وهكذا ظهر الأمريكي القبيح مستترا وراء وجوه طغاة محليين في آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية، وتكفل جهاز المخابرات المركزية الأمريكية بإسقاط النظم الديمقراطية في تلك القارات بانقلابات عسكرية.

ثم وصل جورج بوش الثاني إلى سدة الحكم في واشنطن، وكان قد أعلن قبل خوض الانتخابات الرئاسية انه تلقى هاتفا من السماء بأن يسعى للمنصب، ثم كانت أحداث أيلول/ سبتمبر 2001 المأساوية التي راح ضحيتها قرابة 3000 شخص في غضون دقائق في نيويورك، وتعاطفت معظم شعوب الأرض مع الولايات المتحدة  في محنتها تلك، فوجدها بوش فرصة ليثبت أنه مبعوث العناية الإلهية لرد اعتبار بلاده، فأوقد فتنة الإسلاموفوبيا، ومارس ضغوطا على الدول المسلمة كي تمتنع عن تدريس بعض آيات القرآن للناشئة، ثم أوقد النيران في أفغانستان والعراق متعللا بذرائع كاذبة (اعتذر رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير قبل أسابيع قليلة عن التواطؤ مع بوش والضلوع في غزو العراق عام 2003 بزعم أنه يملك أسلحة دمار شامل)، ثم كان ما كان من أمر معتقل غوانتنامو حيث تم احتجاز العشرات وتعذيبهم بذريعة أنهم ـ على اختلاف أجناسهم واعراقهم ـ ضالعون في عملية تنظيم القاعدة، وهكذا تحول بوش الى رمز للبطش الأهوج استنادا إلى افتراءات، وحجج بلا أسانيد.

الأمر الذي لا ريب فيه هو أن إدارة ترامب باتت تدرك أن معاداة أمريكا أمر واقع، وشائع بين مختلف الشعوب، ومن ثم أعلنت مؤخرا أن المتقدمين للعيش أو العمل في الولايات المتحدة سيخضعون الآن لفحص "معاداة أمريكا"،
ثم جاء عهد ترامب، متزامنا مع حرب إسرائيل على غزة، وما زال العالم يضرب أخماسا في أسداس: كيف يفوز شخص أخرق معتل نفسيا وعقليا برئاسة دولة تفرض نفسها "قائدا" لما يسمى بالعالم الحر؟ وكيف يبرر شخص حتى بنصف عقل كترامب عمليات الإبادة في غزة ويهلل لها؟ إسرائيل معتادة أن تكون دولة منبوذة pariah state، فجماعات الهوس الديني فيها يرون في ذلك نبوءة توراتية تسبق ميلاد إسرائيل الكبرى، ولكن إدارة ترامب فاقت إسرائيل في "الانتباذ"، بوصفها شريكا في الجريمة، بل إن تلك الإدارة فوجئت بالرأي العام الأمريكي المستنير ينقلب تماما على إسرائيل، بسبب جرائمها في غزة، فانبرى ترامب يعاقب الجامعات التي انبرى اساتذتها وطلابها لإدانة إسرائيل، بحرمانها من السند المالي المستحق لها بموجب القانون، وعندما قبلت إسرائيل وحماس بمبادرة ترامب لوقف القتال، وقف ترامب أمام الكنيست الإسرائيلي مهنئا الحكومة الإسرائيلية على "انتصارها في غزة"، ثم وبلا مزعة من حياء يتباهي بأنه حقق السلام في الشرق الأوسط "لأول مرة في التاريخ"، فمن فرط جهله لا يدرك الرجل أن وقف إطلاق النار شيء، وأن السلام شيء آخر.

والأمر الذي لا ريب فيه هو أن إدارة ترامب باتت تدرك أن معاداة أمريكا أمر واقع، وشائع بين مختلف الشعوب، ومن ثم أعلنت مؤخرا أن المتقدمين للعيش أو العمل في الولايات المتحدة سيخضعون الآن لفحص "معاداة أمريكا"، بما في ذلك فحص حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، وبما يؤكد أن شن الأمريكي يوافق طبقة الإسرائيلية، فإن الفحص سيعتبر معادة السامية (إسرائيل) معاداة للولايات المتحدة.
التعليقات (0)