كتاب عربي 21

كيف استمر نتنياهو في الحكم؟

شريف أيمن
يستمر العدوان الصهيوني على القطاع نتيجة تخاذل عربي كبير عن نصرة الفلسطينيين، وليس معقولا أن يُحمَّل الفلسطينيون جرائم الصهاينة لأنهم استخدموا حقهم المشروع في النضال.. الأناضول
يستمر العدوان الصهيوني على القطاع نتيجة تخاذل عربي كبير عن نصرة الفلسطينيين، وليس معقولا أن يُحمَّل الفلسطينيون جرائم الصهاينة لأنهم استخدموا حقهم المشروع في النضال.. الأناضول
بُعيْد انطلاق عملية طوفان الأقصى، رجَّح المحللون أن أيام نتنياهو في الحكم باتت معدودة، ومستقبلَه السياسي انتهى تمامًا، فلن يستطيع الاستمرار في الحكم لبضع أشهر في أحسن الأحوال بالنسبة إليه، وبعد قرابة عامين، لا يزال نتنياهو في موقعه، فكيف استطاع البقاء في عين العاصفة؟

قبل محاولة فهم كيفية استمرار هذا السياسي الدموي الخبيث؛ ينبغي النظر في الظروف المحيطة به عقب هجمة المقاومة الفلسطينية المشروعة في مسار نضالها الوطني.

حظي الكيان الصهيوني بحملة دعم عالمية غير مسبوقة في الأسابيع الأولى من عدوانه البربري على قطاع غزة، ورغم القصف العشوائي للمدنيين والقتل غير المسبوق في هذه الفترة، فقد تحول كيان الاحتلال إلى مزار يتسابق القادة الغربيون إلى إظهار الدعم له من داخله، بل وكان للمسؤولين العسكريين قسط وافر من تلك الزيارات التي كانت عملياتية ولم تقتصر على الدعم المعنوي فقط.

منح ترامب نتنياهو الضوء الأخضر للإجهاز على الفلسطينيين، والقضاء على حركات المقاومة، وتهجير الفلسطينيين من الضفة وغزة، وذهب رئيس مجلس النواب الأمريكي إلى القول بأن "الولايات المتحدة تعترف بالحق التاريخي لإسرائيل في السيادة على الضفة الغربية لنهر الأردن، وإن جبال يهودا والسامرة [الضفة الغربية] وعد بها الشعب اليهودي"، بالإضافة إلى الدعم اللا محدود من السفير (الأمريكي الصهيوني) في كيان الاحتلال لإجراءات وسلوكيات حكومة نتنياهو.
جاءت الهدنة الأولى في تشرين الثاني/نوفمبر 2023 لتزيح الستار عن اشتعال نار داخلية تجاه رئيس الوزراء الذي مرَّغ الفلسطينيون أنفه في التراب، فأوقف استمرار التهدئة التي كان يمكن أن تفضي إلى وقف إطلاق نار، فقد باتت أيام بقائه في الحكم مرهونة بانتهاء عدوانه على قطاع غزة واسترداد الأسرى، فقرر اختيار مصلحته الشخصية وتمديد الحرب، بل ومعارضة مطالب واشنطن لانتهاء الحرب، فظل يماطل على أمل أن تأتي الانتخابات الرئاسية بترامب بدلا من هاريس، وبالفعل جرت رياح نتنياهو بما يشتهيه.

تزامن مقدم ترامب مع اتفاقية وقف إطلاق النار، ونسَبها ترامب إلى نفسه، لكن يبدو أن هذه الاتفاقية كانت لخداع الفلسطينيين لاسترداد أكبر قدر من الأسرى ثم العودة للقتال، وهي عملية خداع تكررت فيما بعد مع الإيرانيين بدعوتهم للتفاوض، ثم قصفهم في وسط تلك العملية، وتكررت أيضًا عندما طلب الإفراج عن عيدان ألكسندر، مقابل إدخال مساعدات للقطاع، وبعد خروجه لم تدخل مساعدات حقيقية إلى القطاع.

منح ترامب نتنياهو الضوء الأخضر للإجهاز على الفلسطينيين، والقضاء على حركات المقاومة، وتهجير الفلسطينيين من الضفة وغزة، وذهب رئيس مجلس النواب الأمريكي إلى القول بأن "الولايات المتحدة تعترف بالحق التاريخي لإسرائيل في السيادة على الضفة الغربية لنهر الأردن، وإن جبال يهودا والسامرة [الضفة الغربية] وعد بها الشعب اليهودي"، بالإضافة إلى الدعم اللا محدود من السفير (الأمريكي الصهيوني) في كيان الاحتلال لإجراءات وسلوكيات حكومة نتنياهو.

مثَّل الدعم الأمريكي، المصحوب بعداوة متجذرة لترامب وأعضاء حكمه تجاه المسلمين والعرب، طوق نجاة لنتنياهو وسط موجة شرسة داخل كيانه لا يمكن لنظام صهيوني أن يصمد أمامها، خاصة مع الاستقالات المبكرة لآيزنكورت وغانتس، ومخالفة وزير الحرب الصهيوني غالانت ورئيس أركانه هاليفي لتوجهات نتنياهو، لكن هذا الدعم الأمريكي لم يكن سبب البقاء الوحيد لنتنياهو وبالتالي استمرار المجزرة في قطاع غزة.

تسببت الدول العربية أيضًا في بقاء نتنياهو، وأعطته طوق نجاة لم يعطِه له سياسيو كيانه المغتصِب، فتغاضوا متعمدين عن الدماء الفلسطينية والمجاعة في قطاع غزة، ولم يضغطوا ضغطًا حقيقيًّا لإيقاف العدوان أو إدخال المساعدات أو إخراج الجرحى والمرضى للعلاج، بل عقدوا اتفاقيات اقتصادية، أو زادوا التبادلات التجارية مع القتلة.

هذه الحالة الأمريكية ـ العربية تجعل نتنياهو يتخفف من الضغوط المحلية، ويكتفي بالهمِّ الداخلي من جهة، والضغط الأوروبي الذي بدأ يتصاعد مؤخرًا فقط، لكنه يدرك أن الضغوط الأوروبية ستواجَه بحائط أمريكي صلب، يُفقدها قوتها وتأثيرها، فأصبح أكثر تعنتًا في موقفه التفاوضي، وبدلا من كسب الوقت بخبث وإرسال وفود دون صلاحيات، انتقل إلى رفض التفاوض، وصار يضع الشروط، وهذه مؤشرات تدل على أنه يدرك مدى ضعف أو عدم جدية الضغوط التي تمارس ضده الآن، بل يذهب الآن إلى احتمالية تحجيم دور قطر ومصر في التفاوض، والانتقال إلى الإمارات صاحبة أوثق علاقة مع الكيان الصهيوني في السنوات الأخيرة.

تسببت الدول العربية أيضًا في بقاء نتنياهو، وأعطته طوق نجاة لم يعطِه له سياسيو كيانه المغتصِب، فتغاضوا متعمدين عن الدماء الفلسطينية والمجاعة في قطاع غزة، ولم يضغطوا ضغطًا حقيقيًّا لإيقاف العدوان أو إدخال المساعدات أو إخراج الجرحى والمرضى للعلاج، بل عقدوا اتفاقيات اقتصادية، أو زادوا التبادلات التجارية مع القتلة.
في السياق ذاته، لا تنتفي مسؤولية القوى المجتمعية التي استجابت لضغوط الأنظمة، فلم تضغط على الأنظمة العربية وتثير الشوارع ضد الاحتلال وجرائمه، وضد الأنظمة المتواطئة على الفلسطينيين، ومعلوم أن الشارع لا يتحرك من تلقاء نفسه، بل لا بد من تنظيم يدفعه وينظِّم حركته، لكن النقابات والأحزاب والحركات الاجتماعية استجابت لقمع الأنظمة، ولم تقدم تضحية سياسية يستحقها الفلسطينيون في تلك الكارثة التي تحيط بهم.

كان المأمول أن تتحرك الأحزاب لمحاصرة سفارات الدول المتواطئة على الفلسطينيين، أو سفارات الاحتلال في الدول التي لديها تمثيل له في أوطانهم، بل وتصعيد الحراك ضد الأنظمة المحلية إن لم تتحرك تحركًا يناسب حجم العدوان، والمطالبة بعزل الدول العربية التي تحتفظ بعلاقات دبلوماسية أو اقتصادية أو عسكرية مع الاحتلال، والضغط على الأنظمة العربية كلها أو فرادى لإعلان الاعتراف بدولة فلسطينية على الحدود المنصوص عليها في القرار 181 لسنة 1947 كحد أدنى يمكن القبول به، لا على حدود عام 1967.

للأسف يستمر العدوان الصهيوني على القطاع نتيجة تخاذل عربي كبير عن نصرة الفلسطينيين، وليس معقولا أن يُحمَّل الفلسطينيون جرائم الصهاينة لأنهم استخدموا حقهم المشروع في النضال، فالخطأ ليس في الفعل النضالي بل في ترك المحيط العربي والإسلامي للفلسطينيين يواجهون هذه الآلة الدموية الوحشية وحدهم، بل حتى دون إسناد إنساني يُدخل الطعام والدواء ويداوي الجرحى والمرضى، وإن كان الفلسطيني المقاوم لم يحسب حساب التخاذل العربي بهذه الصورة، فهذا ليس سببًا لتحميله الخطأ، فالمتخاذل هو المخطئ والمتواطئ هو الخائن، ويظل فعل النضال والمقاومة حقًّا لكل مظلوم سُلبت أرضه ويُراد سحق كرامته، وعندما يمرِّغ أنف عدوه في لحظة استطاع فيها أن يكافئ قوته معه على الأرض انتصارًا لكرامته ووطنه، فلا ينبغي تحميله تبعات الهوان حوله رغم صموده على الأرض حتى اليوم.
التعليقات (0)

خبر عاجل