كتاب عربي 21

عن تشابك والتباس الموقف المصري من غزة (1-2)

شريف أيمن
"توالت اللقاءات المتبادلة بين الطرفين، مع بقاء العداء السياسي لحماس يغلب على الموقف المصري"
"توالت اللقاءات المتبادلة بين الطرفين، مع بقاء العداء السياسي لحماس يغلب على الموقف المصري"
شارك الخبر
منذ لحظة طوفان الأقصى تراوح الموقف المصري بين الاستجابة للإملاءات الصهيو-أمريكية وبعض المشاكسات، مع ملاحظة أن الإطار العام هو التوافق مع المطالب الصهيونية فيما يخص الجانب الفلسطيني، واقتصرت المشاكسات على ما يتعلق بالجانب المصري مثل تهجير الفلسطينيين إلى سيناء أو البقاء الصهيوني في محور صلاح الدين، ما يضعنا أمام تساؤل: هل الموقف المصري منحاز لفلسطين أم لا؟

هذا التساؤل لا يمكن الإجابة عنه بإجابة قطعية بأنه منحاز كُلية أو مُعادٍ كلية، إذ تتلوى الإجابة في منحنيات الموقف المصري الذي تداخلت فيه عوامل الأجهزة الوطنية، ربما للمرة الأولى منذ تولي السيسي الحكم، ووصْفِها بالمرة الأولى متعلق بموقف السيسي "الودود" من الكيان الصهيوني، وموقفه "العدائي" من حماس.

إذا حاولنا وضع تسلسل للموقف المصري المعادي لحماس فسنجده كالآتي:

- شنّت طائرة إسرائيلية من دون طيار غارة في شمال سيناء 9 آب/ أغسطس 2013 وقُتل على إثرها خمسة مواطنين، بزعم أنهم جهاديون. ونقل موقع الجزيرة نت عن القناة الأولى في التلفزيون الإسرائيلي أن الجيش المصري هو الذي حوَّل المعلومات إلى الاحتلال، ما مكّنه من تنفيذ الهجوم على "جماعة جهادية" في سيناء. وأضافت القناة أن "سماح" وزير الدفاع المصري، الفريق أول عبد الفتاح السيسي، بالهجوم الإسرائيلي المفترض على سيناء جاء لإقناع المنظمات اليهودية الأمريكية بالوقوف إلى جانبه ضد خصومه السياسيين المناصرين للرئيس المعزول محمد مرسي.

- هدّد وزير الخارجية المصري، نبيل فهمي، في أيلول/ سبتمبر 2013 بإمكانية تدخل عسكري في قطاع غزة: "إذا شعرنا بأن هناك أطرافا في حماس أو أطرافا أخرى تحاول المساس بالأمن القومي المصري"، ولم يصدر تصريح بتلك القوة في مواجهة الخروق الإسرائيلية.

تتلوى الإجابة في منحنيات الموقف المصري الذي تداخلت فيه عوامل الأجهزة الوطنية، ربما للمرة الأولى منذ تولي السيسي الحكم، ووصْفِها بالمرة الأولى متعلق بموقف السيسي "الودود" من الكيان الصهيوني، وموقفه "العدائي" من حماس

- تم اتهام الرئيس الراحل، محمد مرسي، بالتخابر مع "حماس" في 26 تموز/ يوليو 2013، وحُظرت أنشطة الحركة في مصر في 4 آذار/ مارس 2014.

- في عدوان عام 2014 كان أحمد موسى، المعروف بصلته الوثيقة بالأجهزة الأمنية، يطالب بإبادة حماس، وقبل توسط مصر لاتفاق وقف إطلاق النار، قدمت مقترحا لوقف إطلاق النار دون التشاور مع الحركة، فرفضته، وبالتالي زاد التوغل البري الصهيوني. وهذه الطريقة في التعامل تهدف إلى منح الغطاء السياسي للاحتلال للاستمرار في عمليته العسكرية، بذريعة رفض الحركة مقترح تهدئة، وفقا لماجد مندور في مقاله "تحول سياسات مصر تجاه حماس".

- أعلنت مصرُ "حماس" حركة إرهابية في كانون الثاني/ يناير 2015، ثم تراجعت عن وصفها بالإرهاب بحكم قضائي أيضا بعد شهر فقط، كما أُسقطت الجنسية المصرية عن القيادي في الحركة، محمود الزهار، و11 فردا من أسرته.

- اتهم وزير الداخلية آنذاك مجدي عبد الغفار؛ حماس وجماعة الإخوان باغتيال المدعي العام المصري هشام بركات، وبعدها بشهر واحد دعا أحمد موسى إلى شن هجوم عسكري عربي مشترك ضد حماس، وقال: "أطلب ضرب معسكرات الإرهاب داخل غزة، لأن الإرهاب يأتي دائما من داخلها، وعلى الدول العربية التحرك لرفْض حركة حماس المتورطة في اغتيال النائب بركات، وفق تدريبات قامت بها داخل غزة تهدف لاغتياله".

- قال السيسي، في حوار له مع "واشنطن بوست" في آذار/ مارس 2015 إنه يتصل بنتنياهو كثيرا. كما دعا في أيلول/ سبتمبر 2015 إلى توسيع معاهدة السلام مع إسرائيل، لتشمل دولا عربية أخرى، وهو ما تحقق عام 2020 بما تسمى "الاتفاقيات الإبراهيمية".

- أعلنت مصر في 10 نيسان/ أبريل 2016 إعادة ترسيم الحدود البحرية مع السعودية، وتنازلها عن جزيرتيْ تيران وصنافير، الأمر الذي يفيد حركة الملاحة الصهيونية في الممر المائي الحيوي، ومهَّد للقاءات سعودية-صهيونية "مُعلنة" بذريعة الترتيبات المتعلقة بالاتفاقيات المتصلة بالجزيرتين.

- خطب السيسي في محافظة أسيوط في 17 أيار/ مايو 2016، وقال إن حل القضية الفلسطينية سيحقق سلاما أكثر دفئا بين الشعوب في المنطقة، مؤكدا أنه يشدّد على هذه النقطة، في لقاءاته مع الأشقاء العرب ورؤساء وفود الجاليات اليهودية في العالم، فبات عرَّابا للصهيونية، وهو الذي يعادي أبناء شعبه وفصائل وطنية مصرية!

- وزير الخارجية الأسبق سامح شكري التقى بنتنياهو في القدس المحتلة في 10 تموز/ يوليو 2016، وهي أول زيارة لمسؤول مصري في القدس، وأظهرت مودة كبيرة بين الرجلين اللذيْن جمعهما عشاء ومشاهدة مباراة أوروبية.

- احتجزت مصر أربعة شبان -وجميعهم أعضاء في كتائب عز الدين القسام- في ظروف غامضة في آب/ أغسطس 2015، لدى دخولهم الأراضي المصرية عبر معبر رفح، عندما كانوا في طريقهم للسفر إلى تركيا، وبعد إنكار وجودهم في مصر لسنوات، أفرجت عنهم السلطات المصرية في شباط/ فبراير عام 2019.

- سحبت مصر مشروع قرار لها في مجلس الأمن، يدين الاستيطان الإسرائيلي، في كانون الأول/ ديسمبر 2016، لتتقدّم أربع دول أخرى بمشروع القرار، وتتم الموافقة عليه من أغلبية الدول، بما فيها مصر التي قدمت تبريرا ساذجا للموقفين.

- إحكام إغلاق معبر رفح وتقييد الحركة منه طوال فترة حكم السيسي، وقبله كذلك، وإغراق الأنفاق التي تغذي القطاع ببعض أنواع التجارة، وإنشاء منطقة عازلة في الجانب المصري من مدينة رفح.

تطول هذه القائمة حتى يومنا هذا، لكن حدث تغيُّر في الموقف المصري بدءا من عام 2016 بعد أن "أصبح التعاون معها لمواجهة تنظيم داعش في سيناء مسألة حياة أو موت"، بحسب مندور. فتوالت اللقاءات المتبادلة بين الطرفين، مع بقاء العداء السياسي لحماس يغلب على الموقف المصري، باعتبار العقيدة الأمنية التي ترى التنظيمات السياسية الإسلامية عامل خطر.

هذه الصورة التاريخية للموقف المصري في ظل حكم السيسي من حركة حماس والقضية الفلسطينية، لكن ماذا عن الحاضر المرتبط بعملية طوفان الأقصى؟ هذا ما سيتعرض له المقال اللاحق بإذن الله.
التعليقات (0)

خبر عاجل