كلما ظهر بصيص
أمل في إمكانية الاتجاه إلى إصلاح الحالة السياسية
المصرية، ولو بقليل من الحريات،
أو بعض من المصالحة المجتمعية، جاءت الممارسات على أرض الواقع تؤكد أن ما يقال مجرد
شائعات، وما يُتداول مجرد تكهنات، لا تستند إلى معلومات حقيقية يمكن البناء عليها،
من قريب أو بعيد، ما يشير إلى أن النية لم تنعقد بعد لدى القيادة السياسية، لتدارك
ما يمكن تداركه، بعد ما يزيد على أحد عشر عاما في سدة الحكم، كانت خلالها قضية حقوق
الإنسان الأكثر انتهاكا، والانقسام الشعبي الأكثر تهديدا للحاضر والمستقبل.
ربما كانت
الانتخابات البرلمانية الحالية، النموذج الواضح لهذه الحالة من الإصرار على استمرارية
الوضع الحالي، بكل ما يحمل من مساوئ الكبت والقهر والاعتقال والتنكيل والانتقام والاستقطاب
والتزوير، إلى غير ذلك كثير ،سطرته طعون المرشحين أمام القضاء، وهو ما اعترف به الرئيس
عبد الفتاح
السيسي شخصيا، في أعقاب إجراء الجولة الأولى من الانتخابات، التي شابها
تزوير فاضح متعدد الأوجه، مطالبا بتدارك الموقف، ما دعا اللجنة العليا للانتخابات إلى
الإقرار فورا بإعادتها في 19 دائرة، من بين 70 دائرة، ثم بعد ذلك قررت المحكمة الإدارية
العليا بطلان الانتخابات في 26 دائرة أخرى، ليصل إجمالي التزوير إلى 45 دائرة، وهو
ما يمثل 63 في المئة.
ربما كانت الانتخابات البرلمانية الحالية، النموذج الواضح لهذه الحالة من الإصرار على استمرارية الوضع الحالي، بكل ما يحمل من مساوئ الكبت والقهر والاعتقال والتنكيل والانتقام والاستقطاب والتزوير
أما الجولة
الثانية من الانتخابات، والتي جرت في 73 دائرة، فلم تكن أفضل من سابقتها، بل ربما على
العكس، فقد شهدت الكثير من التجاوزات المشينة، ما جعل الطعون أمام اللجنة الانتخابية
والقضاء الإداري أكبر بكثير، وهو ما يُتوقع معه بطلان وإلغاء الانتخابات فيما يزيد
على الثلثين هذه المرة، ما يؤكد الإصرار على هذه الحالة، من التلاعب بإرادة الجماهير،
والضرب باختياراتهم عرض الحائط، ناهيك عن تجاهل الدستور والقانون، وكل ما من شأنه الحفاظ
على كرامة المواطن.
الجدير بالإشارة
هنا، أن توجيهات رئيس الدولة، التي صدرت في أعقاب المرحلة الأولى -وعلى غير العادة-
لم توضع في الاعتبار بأي شكل من الأشكال في المرحلة الثانية، ما يؤكد أنها كانت تصريحات
تلفزيونية، لا تهدف أبدا إلى إصلاح الأوضاع، كما بدا للوهلة الأولى، ذلك أن القائمين
على أمر الانتخابات من أجهزة أمنية وقضائية، استمروا في غيّهم، بعد أن ارتفع سقف التفاؤل
في أوساط المرشحين والناخبين على السواء، بأن الأوضاع سوف تتجه إلى منحى أكثر نزاهة.
وإذا علمنا
أن كل ما نتحدث عنه يتعلق بانتخابات فردية مباشرة، تمثل نصف البرلمان فقط، لأيقنّا
أننا ندور في حلقة مفرغة هزلية منذ البداية وحتى النهاية، ذلك أن النصف الآخر تم اختيارهم
مسبقا، من خلال ما يعرف بالقائمة المطلقة، التي جرى حولها ما يشبه الاستفتاء الوهمي،
بخلاف 28 عضوا سوف يتم تعيينهم بقرار من رئيس الجمهورية، وهو ما يؤكد انعدام الإرادة
نحو الاتجاه لحياة سياسية أفضل، أو برلمانية أكثر رقيّا، في واحد من أقدم برلمانات
المنطقة، وأكثرها صخبا، حتى خلال الحقبة الملكية التي ربما كانت أكثر ثراء على المستوى
السياسي، من كل الوجوه.
بالتزامن مع
الانتخابات البرلمانية، كان الرئيس المصري في الكلية الحربية يجمع علماء الدين، من
حَمَلة درجة الدكتوراة من التابعين لوزارة الأوقاف، بالزي الرسمي الأزهري، تحت عنوان
ما يسمى دورة تدريبية في الأكاديمية العسكرية!! وقد ظهروا وهم يقفون أمام ضباط القوات
المسلحة في وضع الانتباه، ما أثار امتعاض الشارع بشكل عام، ذلك أن المعتاد والمستساغ
أن يقف الجميع ويجلس رجال الدين، وليس العكس، إلا أنها العسكرة التي بدا أنها طالت
كل أركان الدولة المصرية، بما فيها الدين ورجاله.
وليس أدل على
ذلك من توجيهات السيسي الغريبة لهم: "خليكم حراس
الحرية، ولا تكونوا حراسا على
العقيدة أو الشريعة، واتكلموا عن ربنا، مش عن الشريعة".. "عايزين تيار مستنير،
يجابه تراكم شكل من أشكال التخلف والانحطاط الديني، علشان في 1400 سنة حصل غث كثير!!"،
وهي التوجيهات التي أثارت غضبا عارما على مواقع التواصل الاجتماعي، حتى أن البعض رأي
أن الرئيس يجب أن يجدد إيمانه.
لا أمل في أي تقدم أو تطور، نحو ما يمكن اعتباره حرية سياسية، بعد القفز عليها بما أطلق عليه الرئيس، الحرية الدينية
وإذا وضعنا
في الاعتبار ما قاله السيسي ذات يوم من أن "مليار ونصف مليار مسلم يريدون أن يفرضوا
إرادتهم على العالم" و"أنا مسؤول عن كل شيء في البلد، حتى عن دينكم"
و"من حق أي مواطن أن يعتقد فيما يشاء أو لا يعتقد"، نجد أننا أمام مخطط خطير
وضحت معالمه، فيما هو أبعد مما يسمى بالديانة الإبراهيمية، ذلك أن الإلحاد لن يكون
سرا في المستقبل، كما هو شائع الآن، حيث لا مجال عن الحديث عن الردة وتبعاتها الشرعية،
ما دام الأمر سوف يكون في حماية ورعاية الدولة الرسمية، وهو ما ينذر بصدام حتمي مع
النسبة الأكبر من رجال الدين، من خارج حظيرة الأوقاف، على أقل تقدير.
الشاهد في
الأمر، أن الممارسات الرسمية للدولة المصرية، وفي مقدمتها ممارسات رئيس الدولة الذي
يتصدر بنفسه كل القضايا تقريبا، دينية وسياسية واقتصادية واجتماعية وفنية (تحقيقا لمقولته
أنه يفهم في كل شيء، ولديه الحلول لكل شيء، ويستطيع توصيف كل القضايا، وأن الله سبحانه
وتعالى خلقه طبيبا وفيلسوفا..)؛ تؤكد ألا أمل في أي تقدم أو تطور، نحو ما يمكن اعتباره
حرية سياسية، بعد القفز عليها بما أطلق عليه الرئيس، الحرية الدينية، بمعنى أن من حق
الفرد أن يكفر بالله سبحانه وتعالى، إلا أن أحدا لا يستطيع الكفر بالرئيس أو النظام
السياسي القائم.
وتبقى الانتخابات
البرلمانية شاهدة على أن أحد عشر عاما من الديكتاتورية، ليست كافية في العرف العسكري،
لعقاب شعب ثار ذات يوم على سعر سبعة جنيهات لأنبوبة البوتاجاز، أما وقد أصبح سعرها
الآن 300 جنيه، فلا صوت يعلو فوق الصمت والخوف والسجون والمعتقلات، وعلى هذا يمكن القياس
في كل المجالات والمنتجات والأسعار.. إنه العقاب الإلٰهي.