أصدر مركز الزيتونة
ورقة علمية بعنون:
"رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) وطوفان الأقصى"، وهي من إعداد الأستاذ
الدكتور وليد عبد الحي، خبير الدراسات المستقبلية. وتستعرض الورقة موقف دول رابطة
آسيان من الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، خصوصًا في ظل طوفان الأقصى، وتُبيّن
الأبعاد السياسية والدبلوماسية والديموغرافية والاقتصادية لهذا الموقف.
وعرضت الورقة الواقع السياسي للدول الأعضاء
في آسيان، حيث أشارت إلى تباين في مدى استقرارها السياسي، ما يُؤثر على قدرة
الدولة على اتخاذ مواقف حاسمة تجاه القضية الفلسطينية.
أما على صعيد الموقف الرسمي من "طوفان
الأقصى" فقسّم الباحث دول آسيان إلى ثلاث مجموعات بحسب موقفها من الصراع،
الأولى تضم الدول القريبة من الموقف الإسرائيلي، حيث أنها تعترف بدولة الاحتلال،
وتدعم "حقها إسرائيل في الدفاع عن النَّفس". أما المجموعة الثانية، فهي
تضمّ الدول المناصرة للموقف الفلسطيني حيث أنها غير معترفة بدولة الاحتلال، وتنتقد
عدوانها على قطاع غزة. وتضم المجموعة الثالثة الدول البراجماتية التي تحاول
الموازنة بين مصالحها ومواقفها السياسية من دولة الاحتلال.
وأشارت الورقة إلى الدور الذي تلعبه
العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية بين آسيان و"إسرائيل"، حيث أن بعض
الدول التي كانت تدعم فلسطين تاريخيًا بدأت تُظهر انفتاحًا في العلاقات مع
إسرائيل، بسبب المصالح الاقتصادية أو الاستراتيجية. وضرب الباحث مثالاً في علاقات
فيتنام مع "إسرائيل" والتي شهدت تطوراً قوياً على مدى ثلاثة عقود، لا
سيّما في مجاليْ التجارة والتكنولوجيا، إذ نمت التجارة الثنائية بينهما من عشرات
الملايين من الدولارات الأمريكية إلى عدة مليارات دولار أمريكي في الوقت الحاضر،
ورأى الباحث في توقيع اتفاقية التجارة الحرة بين "إسرائيل" وفيتنام سنة
2023 مؤشراً على النزوع البراجماتي للحزب الشيوعي الفيتنامي.
دول آسيان صوتت بأغلبها لصالح قرارات في الجمعية العامة التي تدعو لوقف إطلاق النار، ودعم الأونروا، وإنهاء العدوان. ولفتت الورقة الانتباه إلى التطور التدريجي الذي شهدته مواقف دول أسيان، من التردد أو الامتناع إلى التأييد في غالب القرارات الأخيرة.
أما على صعيد التصويت في الأمم المتحدة ودعم
قرارات وقف الحرب، فقد أشارت الورقة إلى أن دول آسيان صوتت بأغلبها لصالح قرارات
في الجمعية العامة التي تدعو لوقف إطلاق النار، ودعم الأونروا، وإنهاء العدوان.
ولفتت الورقة الانتباه إلى التطور التدريجي الذي شهدته مواقف دول أسيان، من التردد
أو الامتناع إلى التأييد في غالب القرارات الأخيرة.
وأشارت الورقة أنّ استطلاعات الرأي لدول
الآسيان أظهرت أنّ 36.7% من الرأي العام للدول العشر في سنة 2025 يرون أنّ الصراع
في الشرق الأوسط بعد طوفان الأقصى أكثر أولوية وأهمية من الصراع في مناطق أخرى،
مثل بحر الصين الجنوبي أو أوكرانيا، لكن ذلك الموقف بدأ بالتراجع لاحقاً، خصوصاً
في الدول ذات الأقلية المسلمة، وأنّ 41.8% يرون أنّ "إسرائيل" ذهبت
بعيداً في مستوى الرد على هجوم حماس في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ولكن هذه النسبة
ترتفع في الدول ذات الغالبية الإسلامية؛ إذ تبلغ 79.2% في بروناي، و%77.7 في
إندونيسيا، و%64.4 في ماليزيا، بينما تصل في سنغافورة إلى %46.2. كما أشارت
بالمقابل، أنّ %7.5 من الرأي العام للآسيان يرى أن هجوم المقاومة في تشرين الأول/
أكتوبر لم يكن له ما يبرره، وأنّ %27.2 يُبدون قلقهم من الدعم الأمريكي لموقف
"إسرائيل" في الصراع الدائر في غزة.
أما عن الدعم الشعبي للمواقف الحكومية،
فتحدث الباحث عن تفاوت مستوى الرضا الشعبي عن أداء الحكومات في موضوع حرب غزة من
دولة لأخرى، تبعًا لمدى تطابقها مع وجهة نظر الجمهور، ورأى فيه أمراً يستحق
العناية للتعرف على كيفية استثماره، باعتبار أنه من المرجّح أن يترك أثره على
المواقف الرسمية، خصوصاً المعلنة، في الصراع الدائر في الشرق الأوسط.
وخلصت الورقة إلى أن دول آسيان ليست كتلة
موحدة في موقفها، لكن هناك ميل متزايد لديها نحو تأييد الحقوق الفلسطينية، خصوصًا
مع تزايد الضغوط الدولية وتطوّر الرأي العام، ودعت الفلسطينيين إلى إعادة بناء
استراتيجياتهم تجاه آسيا، للاستفادة من التأييد الشعبي المتنامي، ولملء الفراغ بعد
اهتزاز مكانة "إسرائيل" الدولية بشكل كبير في أعقاب ردّ الفعل العالمي
على سياساتها في المنطقة، والذي يمكن لـ"إسرائيل" أن تملأه لو تُرِكَت الأمور بدون متابعة. خاصة وأن
"إسرائيل تسعى لتعزيز نفوذها في منطقة جنوب شرق آسيا لضمان توسيع التأييد الدولي
لها ومحاولتها التواصل مع قوى في دول المنطقة ذات الأغلبية السكانية المسلمة، من
خلال العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية، أو عبر غواية بعض الدول بالتكنولوجيا أو
بالمساعدة في العلاقات مع الولايات المتحدة أو بوعود المساندة الدبلوماسية، كوعد
"إسرائيل" لإندونيسيا بمساعدتها للانضمام إلى منظمة التعاون الاقتصادي
والتنمية، مقابل أن تنخرط إندونيسيا في "اتفاقات أبراهام".
ودعت الورقة إلى توظيف الإمكانات العربية في
مثل هذا الإقليم الآسيوي المهم، لقطع الطريق على "إسرائيل" لإعادة
علاقاتها الطبيعية مع دول هذه المنطقة، ودعا الباحث لإثارة مصالح دول الآسيان مع
العالم العربي، مشيراً إلى أنّ نسبة تحويلات العاملين من دول الآسيان في الخليج
العربي، والتي تمثّل نسباً تتراوح ما بين 4% إلى %8 تقريباً لكل دولة من إجمالي
الناتج الإجمالي المحلي لرابطة الآسيان.
وأوصت الورقة دبلوماسية المقاومة الفلسطينية
إلى إيلاء اهتمام أكبر بمنطقة آسيان، خاصة وأن حوالي 42% من سكانها مسلمون
تقريباً، حيث يمكن استثمار روابط الديانة
والثقافة في تلك الدول للتواصل والدعم، كما أشارت إلى أهمية تفعيل العلاقات مع قوى
داخلية مثل بعض الشخصيات المؤثرة والكنائس ومنظمات المجتمع المدني في تلك الدول.