الكتاب: الثقافة الإسلامية: نحو تأسيس علم
الثقافة الإسلامية
المؤلف: د عزمي طه السيد أحمد
الناشر: المعهد العالمي للفكر الإسلامي
الطبعة الأولى: 2025
عدد الصفحات: 226
يعتبر مصطلح الثقافة من أكثر المصطلحات
إثارة للجدل، ليس فقط لعموميته واتساع الدلالات التي يحملها، ولكن أيضا لأن الذين
تناولوه حتى داخل الحقل المعرفي الواحد، لم ينتهوا بشأنه إلى تحديد مفاهيمي مشترك،
يتواضع عليه الباحثون، بما في ذلك علماء علم الإناسة (الأنثروبولوجيا)، ذلك الحقل
الذي يعتبر أكثر الحقول المعرفية انشغالا بقضية الثقافة.
وإذا كان هذا الإشكال يثار في الإنتاجات
النظرية الغربية، فإن الأمر يصير أكثر تعقيدا في التداول الثقافي العربي الإسلامي،
وذلك بسبب من امتداد تداول المصطلح، وندرة الذين اشتغلوا بتحديد دقيق لمفهومه،
وسعة الدلالات التي يحملها.
وإذا كان هذا هو حال اصطلاح الثقافة، فإن
اصطلاح المثقف نفسه، تثار بشأنه نفس الإشكالات، إذ لم يعد أحد يعرف ما هي السمات
التي ينبغي توفرها من أجل أن نطلق اصطلاح المثقف على هذا دون الآخر، وما هي
الضوابط التي يتطلب اشتراطها في المثقف.
هذه الصعوبات، أو الإشكالات التي تعترض
تحديد مفهوم الثقافة العربية الإسلامية، وأيضا مفهوم المثقف في التداول الثقافي
العربي الإسلامي، تطرح سؤالا آخر، يتعدى مطلب التحديد المفاهيمي، إلى إمكان الحديث
عن علم للثقافة الإسلامية، بما يعنيه العلم من حضور القواعد التي يفترض أن تتأسس
الثقافة الإسلامية عليها.
يحاول هذا الكتاب الذي نعرضه للقراء أن
يتناول هذه الإشكالات جميعها، منطلقا من إشكالات التعريف في التداول الثقافي
الغربي، ثم التداول الثقافي العربي الإسلامي، إلى تقديم مساهمة للتأسيس لعلم
الثقافة الإسلامية.
في واقع الأمر، قد يبدو
عرض وتحليل ونقد
النماذج المعرفية التي تتناول قضية الثقافة أمرا ميسورا، فقد قام عدد مهم من
الباحثين بهذا الدور، وتعرض مفهوم الثقافة لنقد كثيف سواء من قبل الباحثين
والمثقفين الغربيين أو حتى من قبل المثقفين في العالم العربي، لكن، الانتقال من
مهمة التحديد المفاهيمي الدقيق لاصطلاح الثقافة الإسلامية إلى تأسيس علم لها، ربما
يثير أسئلة عدة، تتعلق بالشرائط التي يتطلبها العلم، وهل تنطبق على الثقافة
الإسلامية، وهل صفة السعة والعموم التي اكتسبها مفهوم الثقافة الإسلامية في
التداول الثقافي العربي والإسلامي يساعد على مهمة التأسيس لعلم الثقافة الإسلامية؟
يحاول هذا الكتاب أن يخوض هذه المغامرة
المعرفية، ويدرك المؤلف كما صرح بذلك في مقدمته أنها ليست مهمة سهلة، بسبب من غموض
مفهوم الثقافة الإسلامية واتساع مشمولاته، لكن هذه العوائق نفسها، فضلا عن غياب
منهجية علمية في التعاطي مع الثقافة الإسلامية، والافتقاد إلى تأسيس علمي دقيق
وتأصيل فكري سليم لما يكتب حول الثقافة الإسلامية سواء أكانت بحوثا تناولت قضايا
مرتبطة بالثقافة العربية الإسلامية أم كتابات مدرسية، أو بحوثا مقترحة ضمن برامج
جامعية تدرس ضمن مشمولات الثقافة الإسلامية، هذه العوائق هي التي حفزت الكاتب إلى
خوض هذا الغمار، وتقديم مساهمته في توضيح الرؤية الجديدة للثقافة الإسلامية،
وعلاقتها بكل من الدين والعلم والحضارة والمدنية والفكر والأدب واللغة، مع تمييز
مفهومها.
وقد قسم الكاتب مؤلفه إلى مقدمة وستة فصول
وخاتمة، تناول في الفصل الأول نقد واقع مصطلح الثقافة، وتناول في الثاني بالتحليل
والنقد مفاهيم الثقافة في التعريفات العربية والغربية، وحاول في الفصل الثالث
تقديم مفهومين جديدين لكل من الثقافة والثقافة الإسلامية مع بيان أسس الثقافة
الإسلامية، في حين تناول في الفصل الرابع علاقة الثقافة الإسلامية بالمفاهيم ذات
الصلة من قبيل الدين، والعلم، والحضارة
والمدنية والفكر والأدب، وحاول في الفصل الخامس أن يبحث مصادر الثقافة الإسلامية
وخصائصها لينهي كتابه (الفصل السادس) بتقديم مساهمته في التأسيس لعلم الثقافة
الإسلامية، مبينا الحاجة الحضارية إلى علم
الثقافة الإسلامية، وشروط تأسيس هذا العلم، والشروط العلمية لتأسيس علم الثقافة
الإسلامية وتحققها، كما فضل أن يلحق بكتابه ببلوغرافيا ازانة بأهم مؤلفات الثقافة
الإسلامية ما بين عام 1990 و2024.
نقد واقع مصطلح الثقافة
ينطلق الدكتور من واقع الاستعمال الكثيف
والمتعدد لمصطلح الثقافة، وكيف أضحت عدد من المؤسسات الرسمية وغير الرسمية تنتسب
إلى الثقافة وتضيفها إلى اسمها، وكيف أضحت عدد من الندوات والمؤتمرات تناقش
المسألة الثقافية والهوية الثقافية والأمن الثقافي، والغزو الثقافي ودور المثقف في
المجتمع، والعلاقة بين المثقف والسلطة، إذ أضحت الثقافة قضية عالمية تهتم بها
الأمم المتحدة، وتختص إحدى مؤسساتها بها، وتعقد مؤتمرات دولية لمعالجة قضاياها.
لكن مع شيوع المصطلح وكثرة تداوله، والأهمية
والجاذبية التي استأثرت بها قضية الثقافة عالميا، ينبه الباحث إلى غموض مفهوم هذا
المصطلح، حتى داخل الحقول المعرفية الأكثر صلة ببحثه ودراسته، فعلم الانسان
الاجتماعي والثقافي (الانثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية) كرس معظم بحوثه
وانشغالاته لقضية الثقافة، لكن كثرة التعريفات التي تناولت هذا المصطلح من داخل
الحقل نفسه، وتعددها واختلافها، صار يكرس غموض المفهوم وسعة دلالاته وعدم وجود
تحديد علمي دقيق لمشمولاته، إذ صار من الصعب جدا، التماس هذه التعاريف للتمييز بين
مفهوم الثقافة وغيرها من المفاهيم المقاربة له في الحقل المعرفي الذي ينتمي إليه.
الثقافة تعني معرفة عملية مكتسبة، تنطوي على جانب معياري، وتتجلى في السلوك الواعي للإنسان فردا أو جماعة، في تعامله في الحياة الاجتماعية مع الوجود بأجزائه المختلفة.
ويعرض الباحث لعدد مهم من إسهامات الباحثين
من داخل هذا الحقل المعرفي الطين تواطؤوا على توصيف مفهوم الثقافة بالغموض وعدم
الثبات والتضليل من داخل هذا الحقل المعرفي (لويس دوللو، روري واجنر، ت.س أليوت،
إدجار موران) ويتساءل إن كان من الضروري أن يستمر الاعتراف بواقع مصطلح الثقافة،
وغموض وعموم مفهومه وصعوبة التوصل بإزائه إلى تعريف جامع مانع، ثم يتم بعد ذلك تبرير معالجة ما يريد الباحثون
معالجته تحت مسمى الثقافة دون تأطير علمي دقيق.
يلاحظ المؤلف إلى جانب غموض مفهوم مصطلح
الثقافة غياب المنهجية في البحوث الثقافية، سواء عند تحديد مفهوم الثقافة أم عند
تحديد مفهوم المثقف، ويرى أنه عند وضع التعريف الاصطلاحي لمفهوم الثقافة وجب أن
يتم مراعاة جملة من الشروط الضرورية مثل الوضوح والتمييز والقدرة على توضيح وفهم
المشكلات المرتبطة بالمصطلح، والقدرة على اقتراح حلول للمشكلات المرتبطة بالمصطلح
سواء على المستوى النظري، أم على مستوى الواقع العلمي. ويستقرئ الباحث جملة من الأخطاء المنهجية في
تحديد مفهوم المثقف، من قبيل تحديده بمعزل عن مفهوم الثقافة، والحديث عن المثقف
دون تحديد دقيق بالمقصود به، ووضع تعاريف للمثقف لا تنسجم مع تحديد الباحث نفسه
لمفهوم الثقافة أو يتعارض معه داخل الباحث الواحد أحيانا.
ويضيف الباحث في سياق استكماله لمهمته
النقدية توصيفا ثالثا لواقع مصطلح الثقافة، هو غياب المنهجية الملائمة عند بحث
المشكلات الثقافية، فلاحظ الكاتب بهذا الخصوص غياب التحديد للمصطلحات المستخدمة في
البحث عدا مصطلح الثقافة، مما يجعل المتلقي يفهم من المصطلح ما يريده هو لا ما
يريده الكاتب، واستخدام المصطلح الواحد، وخاصة مصطلحي ثقافة ومثقف بأكثر من معنى
في البحث الواحد، مما يسبب تيها وارتباكا لدى المتلقي، ومعالجة القضايا الثقافية
للأمة الإسلامية باستخدام نظريا وأطروحات غريبة عنها.
في نقد مفهوم الثقافة في التداول النظري
الغربي والعربي
استعرض الباحث في الفصل الثاني نماذج من
التعريفات الغربية لمفهوم الثقافة، فتناول تعريف كل من إدوارد تايلور، وتعريف
العالمين كروبير وكلاكون، وقدم مناقشة مستفيضة لكل تعريف على حدة، مبينا من جهة
مشمولاته، ومظاهر غموضه وعدم دقته، هذا فضلا عن الالتباسات التي يثيرها، وحجم
الاختلافات والتباينات التي تنشأ من جراء مقابلة هذه التعاريف بعضها مع بعض، ليخلص
في نهاية المطاف إلى أنها لا تصلح في واقع الأمر لفهم مشكلات الأمة الإسلامية، ولا
تساهم في تمليك القدرة على تقديم حلول لها.
وإلى جانب التعريفات الغربية، قدم الباحث
بعض النماذج العربية في تعريف الثقافة، مكتفيا في هذا السياق بنموذج المفكر
الجزائري مالك بن نبي، والأستاذ ساطع الحصري، وعبد الله عبد الدايم والأستاذ معن
زيادة ثم تعريف الجامعة العربية.
وفي سياق تحليل ونقد هذه النماذج من
التعريفات سواء منها الغربية أم العربية، لاحظ الباحث أن أغلبها ينتمي إلى العلم
المعروف باسم علم الإنسان الاجتماعي والثقافي، وأنه صادر عن علماء وباحثين في هذا
الحقل المعرفي، مذكرا في هذا السياق بالتباسات نشأة هذا العلم وصلته بالوظيفة
الكولونيالية، وكيف كان الباحثون الموجهون بخلفية استعمارية، يدرسون ثقافة شعوب
المستعمرات، وهم ينطلقون من مسبق إيديولوجي يرون فيه أنهم يعرفون مصلحة شعوب
المستعمرات أكثر مما يعرفونها هم أنفسهم، وكيف تحولت إنتاجاتهم المعرفية إلى وسيلة
لإقناع بقرارات الإدارة الاستعمارية، كما لاحظ على التعريفات العربية وجود هم
معرفي للبحث عن تعريف خاص للثقافة، لكن بنفس توفيقي بين التعريفات المتاحة، وأنهم
في واقع الأمر لم يكونوا مشغولين بوضع تعريف جديد أو تأصيل مبتكر لمفهوم الثقافة،
وأنهم لو فكروا فيه لأمكن أن يصلوا إليه.
ويقرر الباحث واقع شعور المثقفين العرب بعدم
القدرة على إنتاج تعريف جديد للثقافة غير التعاريف التي أسهم الباحثون الغربيون في
وضعها وصياغتها، وأن هذا العجز، إلى جانب الإشكالات التي سجلها في نقده للتعاريف
الغربية، هو الذي حفزه على تقديم مساهمته ليس فقط في تقديم مفهوم جديد للثقافة،
ولكن أيضا التأسيس علم الثقافة الإسلامية.
من أجل تعريف جديد للثقافة والثقافة
الإسلامية
يقدم الباحث ما يصفه بأنه تعريف جديد
للثقافة، ويرى أن الثقافة تعني معرفة عملية مكتسبة، تنطوي على جانب معياري، وتتجلى
في السلوك الواعي للإنسان فردا أو جماعة، في تعامله في الحياة الاجتماعية مع
الوجود بأجزائه المختلفة. ويجتهد الباحث في الفصل الثالث من هذا الكتاب في تقديم
شروحات توضيحية لأجزاء هذا التعريف، ثم يستثمر شرحه لنقطة التعامل مع الوجود
بأجزائه المختلفة، ليميز بين الثقافة العامة والثقافة الخاصة، كما يقدم في الفصل
نفسه، تعريفه الجديد لمفهوم الثقافة الإسلامية، فيحافظ على تعريف الثقافة الذي
قدمه، ثم يضيف إليه إضافة نوعية تشرح هوية هذه الثقافة وطبيعتها (الإسلامية)، وهي عبارة :"مستمد من شريعة الإسلام ومؤسس
على عقيدته" مضافة إلى "جانب معياري" الواردة في تعريف الثقافة.
وعلى نفس النسق في توضيح مفهوم الثقافة، عرض
الباحث لتوضيح عناصر تعريفه، لاسيما الإضافة التي فرضتها "إسلامية
الثقافة" لينتقل بعد ذلك إلى تعداد بعض مجالات الثقافة الإسلامية (ثقافة
إسلامية في التعامل مع الخالق، ثقافة إسلامية في التعامل مع الذات، ثقافة إسلامية
في التعامل مع الآخر، ثقافة إسلامية في التعامل مع الطبيعة، ثقافة إسلامية في
التعامل مع الأفكار، ثقافة إسلامية في التعامل مع الأدوات والوسائل، ثقافة إسلامية
في التعامل مع الزمن، وثقافة إسلامية في التعامل مع الغيب).
كما حرص الباحث أن يقدم تعريفه الجديد لكل
من المثقف والمثقف الإسلامي، فعرف المثقف بأنه الشخص الذي اكتسب ثقافة أو لديه
ثقافة أو يمارس ثقافة، بحيث، يصير مفهوم المثقف مرتبطا بمفهوم الثقافة.
وبعد توضيح أجزاء هذا التعريف، انتهى الباحث
إلى التمييز بين المثقف التام والمثقف غير التام، وذلك بحسب طبيعة تعامله مع جوانب
الوجود المختلفة، ويضع تحت المثقف غير التام تفريعات كثيرة من الأنواع: فيذكر في
هذا السياق المثقف بالقوة، والمثقف العاطل، والمثقف التائه، والمثقف الضال،
والمثقف الضال المضل، والمثقف المنحرف، والمثقف المنحرف المضل.
وقد اختار المؤلف أن يعرف المثقف المسلم
بأنه الذي يستمد الجانب المعياري من الشريعة الإسلامية وينضبط بضوابطها، ويلتزم
بمبادئها وقيمها والقواعد الكلية والمقاصد التي انطوت عليها.
وعلى نسق التفريعات التي ذكرها تحت خانة
المثقف غير التام، قدم الباحث تقسيمين للمثقف المنسوب إلى الإسلام هما: المثقف
المسلم، والمثقف المتمسلم، وقدم تحت كل صنف أقساما وأنواعا كثيرة بحسب تجسيد
المثقف لعناصر التعريف أو انحرافه عنها.
الناطر في حقول العلوم الشرعية بجميع أصنافها، يصل إلى قناعة أن بناءها لم يكتمل إلا بعد أن تأصلت قواعدها، وأن الموضوع والحدود والغرض والاستمداد (المصادر) والشرائط لا تغني في تأسيس العلم ما لم تنضج قواعد علمية تبرر التأسيس من جهة، والتمايز عن الحقول المعرفية الأخرى من جهة ثانية.
وفي سياق استعراضه لأسس الثقافة الإسلامية
أشار الكاتب إلى ثلاثة أسس، هي الأساس الوجودي والمعرفي والأخلاقي، لينتقل بعد ذلك
إلى تـأطير علمي للعلاقة التي تجمع الثقافة بكل من الدين الإسلامي، والعلم،
والحضارة والمدنية، والفكر والأدب، مستعينا في ذلك بمنهجية التفريع في ضبط
المصطلح، وبيان أقسامه، ثم علاقته بالثقافة الإسلامية.
وفي المحور المرتبط بمصادر الثقافة
الإسلامية وخصائصها، ميز الكاتب بين المصادر المباشرة، وذكر منها الشريعة
الإسلامية ممثلة في القرآن والسنة، والإجماع والاجتهاد، والمصادر غير المباشرة
مشخصة في الإنجازات الثقافية للحضارة الإسلامية والعلم واللغة العربية. واستعرض
جملة من الخصائص للتي تميز الثقافة الإسلامية مستعينا في ذلك بما كتبه كل من سيد
قطب في "خصائص التصور الإسلامي ومقوماته" ويوسف القرضاوي في
"الخصائص للعامة للإسلام"، فذكر من هذه الخصائص (إلهي المصدر، الشمول،
التوازن، الاتساق والتكامل، الوسطية، الإيجابية، المثالية والواقعية، الثبات
والمرونة، العقلانية، الإنسانية.
هل بالإمكان التأسيس لعلم الثقافة
الإسلامية؟
يقدم الباحث جملة من المبررات التي حفزته
لخوض غمار التأسيس لعلم الثقافة الإسلامية، كانت في واقع الأمر ثمرة معاناة في
تدريس مادة الثقافة الإسلامية في الجامعة، واحتكاك بالمراجع والدراسات والبحوث في هذا المجال،
فاعتبر الباحث أن أهم داع لخوض هذه المغامرة المعرفية هي أولا الحاجة الحضارية
لتأسيس هذا العلم، لينتقل بعد ذلك إلى تحديد شروط تأسيس هذا العلم، فيرى أنه لا بد
أولا من تحديد موضوع هذا العلم تحديدا دقيقا وواضحا، وأنه تشترط لذلك وجود مادة
علمية في هذا الموضوع وصلت إلى حد يسمح بإفرادها تحت اسم جديد مستقل، وتشكل بداية
هذا العلم الجديد، وأنه لا بد من تحديد منهج البحث الذي يستخدمه هذا العلم المطالب
بتأسيسه، ولا بد من وجود عدد من المفاهيم الاصطلاحية الخاصة بهذا العلم، وضرورة
تحديد صلة هذا العلم بالعلوم الأخرى القريبة منه، وتوضيح طريقة إعداد العالم
المتخصص في هذا العلم.
ويضيف الباحث إلى هذه الشروط العامة، شروطا
أخرى علمية، تتعلق ابتداء بتحديد موضوع علم الثقافة الإسلامية ومبادئه مسائله
وغرضه وغايته، ووجود مادة علمية يمكن
الانطلاق منها في هذا العلم، وتحديد منهج
البحث في الثقافة الإسلامية، ووجود مفاهيم اصطلاحية خاصة بعلم الثقافة الإسلامية،
وتحديد صلة الثقافة الإسلامية بالعلوم الإسلامية مثل الفقه وأصول الفقه وعلم
الكلام وعلوم القرآن وعلوم الحديث، وصلته أيضا بعلوم أخرى مساندة مثل علم الأخلاق
الإسلامية وتاريخ الحضارة الإسلامية وتاريخ الحضارة الغربية الحديث والمعاصر وعلم
المنطق، وأن هذه المهمة تتطلب إعداد
العالم المتخصص في علم الثقافة الإسلامية.
خاتمة:
في الجملة، يبدو هذا المجهود العلمي مهما في
سياق التحليل والنقد، لكن يبدو أن مهمة البناء والتركيب، بقيت محدودة، ولم تغادر
فكر الخصائص والشروط، فالباحث الذي دفعته خبرته في تدريس مادة الثقافة الإسلامية
إلى الانشغال بكيفية وقف الفوضى المنهجية التي تخترقها، سكنه هم تأسيس علم الثقافة
الإسلامية، دون أن يتجاوز سقف الحديث عن شروط بناء هذا العلم، ومتطلبات هذه
الخطوة. في حين، يتطلب العلم بعد وضوح المفاهيم وبيان الغرض والموضوعات، بسط
القواعد المميزة له، فهذه القواعد التي هي التي تمكن من معرفة ما ينتمي إلى موضوع
الثقافة الإسلامية، وما ينتمي إلى غيرها من العلوم الشرعية والإنسانية.
فالناطر في حقول العلوم الشرعية بجميع
أصنافها، يصل إلى قناعة أن بناءها لم يكتمل إلا بعد أن تأصلت قواعدها، وأن الموضوع والحدود
والغرض والاستمداد (المصادر) والشرائط لا تغني في تأسيس العلم ما لم تنضج قواعد
علمية تبرر التأسيس من جهة، والتمايز عن الحقول المعرفية الأخرى من جهة ثانية.
ومع ذلك، يمكن القول بأن الكتاب يقدم جهدا
نظريا في مجاله، أي في مجال النقاش المفاهيمي الخاص بمفهوم الثقافة في أبعادها
المختلفة.