نشرت منصة "
انترسبت" مقالا للصحفي جونا فالديز، سلط فيه الضوء على التناقض الصارخ بين
الاعتراف الدولي المتزايد بفلسطين كدولة، واستمرار عدد من الدول الغربية في دعم
الاحتلال الإسرائيلي عسكرياً.
وأوضح فالديز أن حكومات المملكة المتحدة وكندا وأستراليا انضمت مؤخراً إلى غالبية الدول في العالم التي اعترفت بفلسطين، في خطوة رمزية جاءت قبل اجتماع قادة العالم في نيويورك لحضور الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة. وفي بداية أعمال الدورة يوم الاثنين الماضي، أعلنت كل من فرنسا ولوكسمبورغ عن الانضمام إلى القائمة المتزايدة من الدول المعترفة بالدولة
الفلسطينية.
وأشار فالديز إلى تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي قال أمام الجمعية العامة: "لقد حان وقت السلام لأننا على بُعد لحظات قليلة من فقدان القدرة على انتزاع السلام". وسبق ذلك خطاب مسجل لرئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، الذي شدد على ضرورة إبقاء إمكانية السلام حية في ظل ما وصفه بـ"الرعب المتزايد في الشرق الأوسط".
غير أن الصحفي فالديز لفت إلى التناقض الصارخ بين هذه التصريحات وما تقوم به هذه الدول من إجراءات عملية، حيث أنها لا تزال تواصل توريد
الأسلحة والدعم العسكري للاحتلال الإسرائيلي.
وذكر فالديز أن رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رد بتحدٍ على هذه الدعوات الغربية، مؤكداً أن "لن تكون هناك دولة فلسطينية غرب نهر الأردن"، وهو الموقف الذي يعكس استمرار السياسات الإسرائيلية القائمة على التوسع الاستيطاني وضم الأراضي الفلسطينية.
وتطرق المقال إلى تقرير لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، الذي خلص الأسبوع الماضي إلى أن الاحتلال الإسرائيلي ارتكب إبادة جماعية في
غزة. وقالت رئيسة اللجنة، نافي بيلاي، إن المجتمع الدولي مُلزم قانوناً باستخدام جميع الوسائل المتاحة له بشكل معقول لوقف الإبادة الجماعية، وأضافت: "إن غياب الإجراءات لوقفه يُعد تواطؤاً".
الاعتراف الدولي المزدوج
وفقاً لمقال فالديز، يعترف حالياً 157 دولة من أصل 193 دولة عضو في الأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية. ومن بين الدول التي أعلنت مؤخراً اعترافها: المملكة المتحدة، فرنسا، كندا، لوكسمبورغ، وأستراليا. ورغم هذا الاعتراف الرمزي، فإن هذه الحكومات واصلت إرسال الأسلحة والمعدات العسكرية إلى الاحتلال.
ففي أيلول/سبتمبر 2024، فرضت الحكومة البريطانية حظراً جزئياً على الأسلحة بعد احتجاجات وضغوط واسعة، وقامت بإيقاف تراخيص تصدير بعض الأسلحة خشية استخدامها ضد المدنيين الفلسطينيين. لكن الحظر اقتصر على 30 رخصة فقط من أصل 300 رخصة تصدير إلى الاحتلال الإسرائيلي، مع الالتزام بعدم إرسال أجزاء من طائرات "إف 35" المقاتلة مباشرة إلى الاحتلال٬ رغم استخدامها في عمليات أسفرت عن مقتل مدنيين.
وأظهرت تقارير أخرى، بما في ذلك تقرير صدر في أيار/مايو الماضي بقيادة حركة الشباب الفلسطيني وعمال من أجل فلسطين حرة والتقدمية الدولية، أن المملكة المتحدة واصلت شحن مكونات طائرات "إف 35" إلى الاحتلال٬ إضافة إلى آلاف القنابل والقنابل اليدوية والصواريخ والدبابات. وأشار مقال فالديز إلى أن موقع “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلي كشف أيضاً استمرار هذه الصادرات رغم الاعتراف البريطاني بالدولة الفلسطينية.
وبالمثل، أعلنت كندا في بداية عام 2024 توقف تراخيص التصدير لمصنعي الأسلحة الذين ينوون بيعها للاحتلال الإسرائيلى٬ أقرت في آذار/مارس 2024 إجراءً غير ملزم لوقف مبيعات الحكومة الكندية من الأسلحة، إلا أن صادرات الأسلحة استمرت عبر ثغرات قانونية، وشملت عشرات الشحنات بين تشرين الأول/أكتوبر 2023 وتموز/يوليو 2025، حملت أكثر من 400 ألف رصاصة ومكونات طائرات، بما فيها أجزاء من طائرات "إف 35".
اظهار أخبار متعلقة
أما فرنسا، فقد أعلنت في تشرين الأول/أكتوبر 2024 أنها أوقفت تسليم الأسلحة للقتال في غزة، إلا أن تقريراً صدر في حزيران/يونيو الماضي كشف استمرار تسليم فرنسا أسلحة بقيمة نحو 10 ملايين دولار، تشمل قنابل وطوربيدات وصواريخ وقاذفات لهب ومدفعية وبنادق، حيث جرى توضيح أن هذه الأسلحة مخصصة للدفاع عبر "القبة الحديدية"، لكن النقاد اعتبروا أن هذا الدعم يسهم في استمرار حملة الإبادة الجماعية وضم الأراضي الفلسطينية.
وذكرت لوكسمبورغ، التي اعترفت مؤخراً بالدولة الفلسطينية، أنها تصدر أسلحة دفاعية فقط إلى الاحتلال الإسرائيلي، فيما نفت أستراليا إرسال أسلحة لجيش الاحتلال رغم تقارير تربطها بتصنيع مكونات طائرات "إف 35".
على النقيض من ذلك، تحركت بعض الدول الأوروبية لربط الاعتراف بالدولة الفلسطينية بإجراءات فعلية، مثل بلجيكا، التي فرضت حظراً شاملاً على توريد الأسلحة للاحتلال الإسرائيلي، وإسبانيا التي منعت نقل الأسلحة والتكنولوجيا والمعدات العسكرية إلى الاحتلال٬ بما في ذلك عبر موانئها ومطاراتها. كما منعت استيراد البضائع من المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، وألغت صفقات أسلحة مع شركات تصنيع كبرى.
النرويج، التي اعترفت بالدولة الفلسطينية أيضاً، سحبت استثماراتها من شركات إسرائيلية مرتبطة بطائرات جيش الاحتلال٬ بما يعكس تأثير الضغط الدولي على السياسات المحلية لدعم حقوق الفلسطينيين.
الاعتراف مقابل استمرار التسليح
يرى فالديز أن هذه التناقضات بين الأقوال والأفعال تخلق فجوة في المساءلة القانونية والأخلاقية، حيث يستمر الدعم العسكري للاحتلال الإسرائيلي رغم الاعتراف الدولي بفلسطين. ولفت إلى تصريحات نانسي عقيل، الرئيسة التنفيذية لمركز السياسة الدولية، التي رحبت بالخطوات الأخيرة للاعتراف بفلسطين لكنها انتقدت "فجوة المساءلة" بين الأقوال والأفعال. وأشارت عقيل إلى أن استمرار تدفق الأسلحة يعوق التزام الدول بالقانون الدولي وحقوق الإنسان، ويشكل عائقاً أمام التحقيقات التي تقوم بها المحكمة الجنائية الدولية بشأن جرائم الحرب الإسرائيلية.
كما نقل فالديز عن إليزابيث رغيبي، مديرة المناصرة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة العفو الدولية في الولايات المتحدة، قولها إن الحكومات يجب أن تضيف معنى عملياً لكلماتها من خلال وقف جميع عمليات نقل الأسلحة إلى الاحتلال الإسرائيلي، بما في ذلك المعدات العسكرية والمراقبة، وإنهاء التدريب العسكري المشترك. وأضافت أن هذه الإجراءات ضرورية لإنهاء الإبادة الجماعية في غزة ورفع الحصار ووقف نظام الفصل العنصري الإسرائيلي.
وأكدت عقيل أن الدعم الأمريكي غير المشروط للاحتلال يمثل أحد أكبر العوائق أمام الاعتراف الفعلي بالدولة الفلسطينية، مشددة على أهمية المظاهرات والضغط الشعبي الدولي والمحلي في التأثير على السياسات الإسرائيلية، وإظهار عيوب الصورة العالمية التي يريد الاحتلال الإسرائيلي تسويقها. وقالت: "لأن الناس يرون كيف تُصوَّر صورتهم عالمياً، فإنهم يلاحظون كل الاحتجاجات ضدهم، ويفقدون التعاطف الراسخ الذي كانوا يتمتعون به".
خلص مقال جونا فالديز في "انترسبت" إلى أن الإعتراف الدولي بفلسطين خطوة رمزية مهمة، لكنها لا تكفي إذا لم تُقترن بإجراءات عملية، مثل وقف نقل الأسلحة والدعم العسكري للاحتلال وهو ما يمثل اختباراً حقيقياً لمصداقية الدول الغربية في التزامها بالقانون الدولي وحقوق الإنسان. وأشار إلى أن عدم اتخاذ هذه الإجراءات يُظهر استمرار فجوة في المساءلة، ويحوّل هذه الاعترافات الرمزية إلى مجرد شعارات بلا تأثير على أرض الواقع، بينما يستمر العنف والإبادة الجماعية في غزة.