صحافة دولية

إيكونوميست: "إسرائيل" تعتمد على العلاقة مع واشنطن وسط عزلتها أمام العالم

الاعتماد على واشنطن قد يوهم إسرائيل بالأمن- الأناضول
الاعتماد على واشنطن قد يوهم إسرائيل بالأمن- الأناضول
أعلن رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في الرابع عشر من أيلول/سبتمبر،  بعد زيارة للسيناتور الأمريكي ماركو روبيو مع وزير الخارجية الأمريكي إلى حائط البراق في القدس، أن التحالف مع الولايات المتحدة "قوي ومتين مثل الحجارة التي لمسناها للتو"، إلا أن مجلة إيكونوميست اعتبرت أن هذا الوصف لا يعكس حقيقة العلاقة.

وازدادت عزلة "إسرائيل" بسبب حربها على غزة، ما ضاعف من اعتمادها على واشنطن،كما أن بعض الحلفاء التقليديين مثل أستراليا وبريطانيا وكندا وفرنسا يستعدون للاعتراف بدولة فلسطينية، رغم أن الاستيطان الإسرائيلي في الضفة يجعل الأمر شبه مستحيل عمليا، وتبقى الولايات المتحدة الحاجز الوحيد الذي يمنع تحول إسرائيل إلى دولة منبوذة دوليا، وهو ما قد تكون له تبعات دبلوماسية وقانونية وعسكرية خطيرة.

اظهار أخبار متعلقة



وقالت إيكونوميست إن نتنياهو حرص على إظهار متانة العلاقة مع واشنطن، لكن سجله مع إدارة ترامب كشف عن خلافات عميقة، واعتبرت المجلة أن الناخبين الديمقراطيين ابتعدوا تدريجياً عن "إسرائيل"، بينما بدأ جزء من الجمهوريين أيضا بفقدان الثقة بها، محذرة من أن فقدان الدعم الشعبي الأمريكي سيشكل كارثة على "إسرائيل" التي لا يتجاوز عدد سكانها عشرة ملايين نسمة وتقع في منطقة خطرة.

وأشارت إيكونوميست إلى أن استطلاعات الرأي الأخيرة أظهرت تراجعاً مقلقاً في صورة إسرائيل، حيث وصلت نسبة الأمريكيين الذين يدعمونها في الصراع مع الفلسطينيين إلى أدنى مستوى منذ 25 عاما.

وذكرت أن 42 بالمئة من الأمريكيين كانت لديهم نظرة سلبية عام 2022، لترتفع النسبة إلى 53 بالمئة حالياً. كما نقلت عن استطلاع "يوغوف" بالتعاون مع "ذي إيكونوميست" أن 43 بالمئة من الأمريكيين يعتقدون أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة.

وبحسب إيكونوميست، ارتفعت النظرة السلبية بين الديمقراطيين فوق سن الخمسين بـ23 نقطة مئوية خلال السنوات الثلاث الماضية، كما تراجع الدعم بين الجمهوريين دون الخمسين لينقسم بالتساوي بعدما كان 63 بالمئة عام 2022. وأوضحت المجلة أن نسبة تأييد الإنجيليين تحت سن الثلاثين تراجعت من 69 بالمئة عام 2018 إلى 34 بالمئة عام 2021، وسط مؤشرات على استمرار هذا التحول.

اظهار أخبار متعلقة



ورأت أن جذور التحالف الأمريكي الإسرائيلي كانت قائمة على مزيج من القيم والمصالح المشتركة، حيث نظر الطرفان إلى نفسيهما كديمقراطيتين أسسهما مهاجرون فروا من الاضطهاد، واعتبر كل منهما نفسه نموذجاً استثنائياً: الأول "مدينة مشرقة على تل"، والثاني "نور للأمم".

وأوضحت أن مصالح الطرفين تداخلت خلال مراحل مختلفة، إذ مثلت إسرائيل حصناً ضد النفوذ السوفيتي في المنطقة خلال الحرب الباردة، ثم ظل الحليفان متحدين ضد إيران بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، بينما عززت هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001 التنسيق بينهما في مواجهة ما سمي "الإرهاب الإسلامي".

وأكدت أن التغيرات السياسية الداخلية لعبت دوراً بارزاً في التباعد. فالديمقراطيون الشباب باتوا يربطون واقع الفلسطينيين بسياسات الاستعمار والعبودية في التاريخ الأمريكي، فيما ساهم التحول نحو اليمين في إسرائيل بتعميق الهوة. وأشارت المجلة إلى أن نتنياهو وضع بلاده بشكل صريح في معسكر الجمهوريين، على أمل تجنب ضغوط الإدارات الديمقراطية.

وقالت إن تراجع دعم الجمهوريين يعكس مصالح أكثر من قناعات، حيث امتد الغضب من تمويل أوكرانيا ليشمل المساعدات الأمريكية لإسرائيل التي تجاوزت 300 مليار دولار منذ 1948. ولفتت إلى أن الضربات الإسرائيلية في قطر وسوريا قوضت مساعي الرئيس ترامب لإحلال سلام إقليمي، بينما بدأ بعض الممولين الجمهوريين يتجهون نحو دول الخليج.

وأضافت أن حرب غزة فاقمت الهوة أكثر، فصور الأطفال الجوعى أثارت استياء الرأي العام الأمريكي. ونقلت عن محللين جمهوريين مثل تاكر كارلسون قلقهم من احتمال أن تجر إسرائيل واشنطن إلى مواجهة جديدة مع إيران. وأوضحت أن تهمة "معاداة السامية" فقدت كثيراً من فعاليتها بسبب الإفراط في استخدامها، ما أضر باليهود في إسرائيل والعالم.

اظهار أخبار متعلقة



وأشارت إلى أن بعض المتفائلين يرون أن الوضع ليس خطيراً، مستدلين بأن العلاقات بين الحكومتين شهدت توترات سابقة دون أن تمنع استمرار التعاون العسكري، الذي بلغ ذروته في حزيران/يونيو الماضي بعمليات مشتركة ضد إيران. وأضافت أن هؤلاء يعتقدون أن انتهاء حرب غزة وصعود قيادة جديدة قد يعيد العلاقات لمسارها الطبيعي، خاصة مع احتفاظ إسرائيل بتفوقها العسكري الإقليمي.

وحذرت إيكونوميست من أن هذا الرأي يتجاهل التحولات طويلة الأمد في المزاج الشعبي الأمريكي، مؤكدة أن عكسها صعب للغاية. وأشارت إلى أن تغيّر قناعات الناخبين يفتح الباب أمام انهيار المحظورات السياسية بشكل مفاجئ، ونقلت عن محللين إسرائيليين خشيتهم من أن يكون الرئيس جو بايدن آخر رئيس أمريكي يحمل تعاطفاً فطرياً مع الصهيونية.

اظهار أخبار متعلقة



ولفتت إلى أن الدعم العسكري لإسرائيل يقوم على اتفاق يمتد لعشر سنوات ينتهي عام 2028، يوفر لها 3.8 مليارات دولار سنوياً. وأوضحت أن تل أبيب تخشى رفض ترامب لتجديد الاتفاق بصيغته المالية، وتسعى لإعادة صياغته كشراكة، لافتة إلى أن الأهمية لا تكمن فقط في الأموال، بل أيضاً في تبادل التكنولوجيا وضمان الوصول إلى الأسلحة المتقدمة.

وختمت إيكونوميست بالقول إن خليفة نتنياهو لن يتمكن بسهولة من ترميم العلاقات مع واشنطن، في ظل انقسام داخلي وصعود تيارات قومية دينية متشددة، مع بقاء غزة جرحاً مفتوحاً ورغبة أطراف مؤثرة في توسيع الاستيطان وضم غزة وأجزاء من الضفة.

وأشارت إلى أن نتنياهو وصف هذا الأسبوع إسرائيل بأنها "أسبرطة العظمى" المستعدة للنهوض وحدها، معتبرة أن الرهان على الهيمنة العسكرية وهم مأساوي قد ينتهي بخسارة الحليف الأمريكي، وهو ما وصفته المجلة بأنه أكبر خطأ استراتيجي لإسرائيل حالياً.
التعليقات (0)