ملفات وتقارير

هجوم إعلامي إسرائيلي عن فيلم "هند رجب": أثار جدلا فنيا وأخلاقيا رغم نجاحه العالمي

انضم مشاهير من هوليوود لإنتاج فيلم "صوت هند رجب" الذي يجسد مأساة الطفلة الفلسطينية التي قتلها الاحتلال- جيتي
اهتمت وسائل الإعلام والصحافة الإسرائيلية بفيلم "صوت هند رجب - The Voice Of Hind Rajab" للمخرجة كوثر بن هنية، مرشح تونس للمنافسة على جائزة أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة "الأوسكار" عن فئة أفضل فيلم دولي، وهو الذي حصل على نجاح واسع عند عرضه في مهرجان البندقية السينمائي.

وانضم عدد من مشاهير الممثلين الأمريكيين في هوليوود، لإنتاج فيلم "صوت هند رجب"، الذي يجسد مأساة الطفلة الفلسطينية التي قتلها جيش الاحتلال وعائلتها بمدينة غزة في كانون الثاني/ يناير 2024، وذلك قبل عرضه الأول في مهرجان البندقية السينمائي الذي حاقق نجاحا كبيرا.

"استغلالي ومثير للجدل"
ركزت صحيفة "يديعوت أحرنوت" على فوز الفيلم بجائزة "الأسد الفضي"، وهي جائزة لجنة التحكيم الكبرى في مهرجان البندقية السينمائي، وهي ثاني أرفع جائزة في هذا المهرجان، قائلة إن هند رجب أصبحت رمزًا، وأن الفيلم تفوق على أعمال جديدة لمخرجين مرموقين ومحترمين مثل نوح بومباخ، ويورغوس لانثيموس، وكاثرين بيغلو، وغييرمو دي تورو، وغيرهم.


وقالت الصحيفة إن مخرجة الفيلم أهدت الجائزة للهلال الأحمر الفلسطيني وقوات الإنقاذ، وهاجمت "إسرائيل" بشدة، ودعت إلى إنهاء الحرب.

وحاولت الصحيفة التقليل من إنجاز الفيلم باعتبار أنه "حتى قبل انطلاق المهرجان، سُلِّط الضوء على فيلم 'صوت هند رجب' كمرشح رئيسي، حيث ساهم عدد من النجوم مثل براد بيت وخواكين فينيكس وروني مارا ومخرجي هوليوود مثل ألفونسو كوارون وجوناثان جليزر للفيلم كمنتجين منفذين".

وأضافت أن الدورة الحالية من مهرجان البندقية السينمائي تُعقد تحت شعار الحرب في غزة، بدءًا من عريضة أطلقها مخرجون من جميع أنحاء العالم يطالبون فيها إدارة المهرجان بزيادة الوعي بالحرب، وصولاً إلى دعوات لإلغاء مشاركة فيلم "بين يدي دانتي" من بطولة الممثلة الإسرائيلية الداعمة لجيش الاحتلال غال غادوت.


وقالت: "بالطبع - مظاهرة حاشدة نظمتها منظمات مؤيدة للفلسطينيين خلال المهرجان، داعيةً إلى 'وقف الإبادة الجماعية في غزة'. في غضون ذلك، دُعي عدد من المخرجين في المؤتمرات الصحفية إلى مناقشة قضية غزة، ومسألة مقاطعة الفنانين والأعمال والممثلين الإسرائيليين".



وذكرت أنه "من المهم الإشارة إلى أن بعض النقاد، بمن فيهم نقاد من دول عربية، اعتبروا الفيلم إشكاليًا ومثيرًا للجدل، بل ووظفوا قصة هند بشكل استغلالي وغير أخلاقي، ومع ذلك انطلق العرض الأول الكبير للفيلم، وما حدث في قصر المهرجان كان على الأرجح حدثًا غير مسبوق في تاريخ ثاني أهم حدث سينمائي عالميًا: مع انتهاء العرض، هتف الجمهور طويلًا، ولوّح بعض الحضور بالكوفيات والأعلام الفلسطينية. هزّت هتافات 'فلسطين حرة' القاعة. استمر التصفيق لأكثر من عشرين دقيقة، وهو بلا شك رقم قياسي. وقبل بدء العرض، سار طاقم الفيلم على السجادة الحمراء حاملين صورة هند رجب، وخلال التصفيق، لوّحوا بصورتها في القاعة".

وأكدت الصحيفة أن "هذا الفوز يُبرز مكانة هند رجب، التي أصبحت بمثابة الرد الفلسطيني على آن فرانك"، وهي فتاة يهودية ألمانية الأصل تُعد واحدة من أشهر ضحايا "الهولوكوست"، وصاحبة "يوميات آن فرانك" التي أصبحت رمزًا عالميًا لمعاناة المدنيين تحت الاضطهاد النازي.

وختمت بالقول: "رفض القائمون على الفيلم بيع الحقوق لعرضه في إسرائيل أو إجراء مقابلات مع وسائل الإعلام الإسرائيلية، بينما صرحت مخرجته كوثر بن هنية لممثلي وسائل الإعلام الدولية بأنها ستكون سعيدة بعرض الفيلم في إسرائيل، وذلك فقط بعد السماح بعرضه في غزة".

وعُرض في البندقية فيلم "بين يدي دانتي"، وهو فيلم للفنان جوليان شنابل من بطولة الإسرائيلية غال غادوت، لكن تم ذلك خارج المسابقة الرسمية. لم تحضر الممثلة المجندة السابقة العرض الأول، وفي البداية، زُعم أنها غائبة بسبب "تهديدات موجهة إليها"، لكنها نفت ذلك مع مروجي الفيلم، زاعمة أنها "لم تكن تنوي زيارة المدينة الإيطالية أصلًا".

تصفيق حار
جاء في تقرير لصحيفة "هآرتس" أن فيلم "صوت هند رجب" عُرض لأول مرة في مهرجان البندقية السينمائي، وحظي بتصفيق حار لمدة 23 دقيقة و50 ثانية. وفي الخلفية، رُفعت الأعلام الفلسطينية وهتافات "الحرية لفلسطين".


وأضاف التقرير أن الفيلم، المقتبس عن حادثة حقيقية وقعت في غزة في كانون الثاني/يناير 2024، يروي قصة الفتاة الغزية وعمال الهلال الأحمر الذين حاولوا إنقاذها، وهي محاولة انتهت بكارثة، وأصبحت رمزًا لمعاناة المدنيين تحت نيران الاحتلال في القطاع.

وذكر: "كانت رجب، البالغة من العمر ست سنوات، تنزح في سيارة مع عائلتها من حي تل الهوى بمدينة غزة، بناءً على أمر من الجيش الإسرائيلي بإخلاء المنطقة. قُتل أفراد العائلة بالرصاص على الفور، وتُركت وحدها في السيارة. لمدة ثلاث ساعات ونصف، تحدثت هاتفيًا مع ممثلي الهلال الأحمر في رام الله، الذين حاولوا تهدئتها وإرسال المساعدة. أصبحت التسجيلات الحقيقية لمكالمة الطوارئ، التي سُمعت فيها هند وهي تتوسل قائلة: 'أخرجوني من هنا، أنا خائفة.' شهادةً مروعة. لمدة اثني عشر يومًا، ظل مصيرها مجهولًا، ونُشر اسمها ووجهها في جميع أنحاء العالم. في 10 فبراير/شباط، عُثر عليها ميتة، وقُتل أيضًا المسعفان اللذان أُرسلا لإنقاذها".


وأضاف: "حظي العرض الأول بتغطية إعلامية واسعة حول العالم. وكتبت رويترز أن الفتاة 'أذهلت المهرجان' وأن الجمهور لم يبق غير مبالٍ بصوتها. وكتبت مجلة 'فوغ' أن الفيلم 'يستحق جائزة الأسد الذهبي' ووصفته بأنه 'تجربة سينمائية فارقة لا تُنسى'".

انتقاد فني
وجاء في مراجعة موقع "سيريتا" الإسرائيلي المتخصص في المحتوى السينمائي، أنه "في ظلّ الأجواء الداعمة للفلسطينيين في الأوساط الثقافية، وفي مهرجان البندقية السينمائي عمومًا، يُعدّ الفيلم المقتبس عن قصة حقيقية لفتاة أصبحت أحد رموز الحرب الدائرة، من أكثر الأفلام تداولًا. ويحظى الفيلم بدعم عدد من ممثلي ومخرجي هوليوود الذين شاركوا في توزيعه وحصلوا على شهادات إنتاج.

تجدر الإشارة إلى أن الفيلم لم يأتِ من فراغ: فمخرجته التونسية كوثر بن هنية تحظى باهتمام كبير في المهرجانات السينمائية العالمية لأفلامها السابقة (وخاصةً 'أربع فتيات') التي لم تتناول بالضرورة إسرائيل وفلسطين".

واعتبرت المراجعة أن "عنوان الفيلم يشير إلى أحد العناصر التوثيقية المدمجة فيه: التسجيل الحقيقي لهند رجب، تلك المكالمة التي تُعد الأساس للفيلم. إلى جانب هذه المكالمة الحقيقية، عمّقت المخرجة الدراما بمشاهد ذات مستوى متباين من المصداقية والنجاح بين أعضاء الطاقم، الذين يجسدهم ممثلون. بعض هذه المشاهد تعليمية الطابع وغير مقنعة. ومن بين المواضع التي يفشل فيها الفيلم أيضًا محاولة المخرج كسر اللغة البصرية للدراما التي تدور أحداثها في فضاءين، لا نرى منهما إلا واحدًا. هذه المحاولة لا تُلقي بظلالها على الفيلم".


وأضافت أنه "بالعودة إلى جوهر الفيلم، هناك قصة يصعب بل يكاد يستحيل أن يظل المرء غير مبالٍ تجاهها. دراما الطفلة تنفذ حتى في الوقت الذي تعاني فيه دراما عناصر الهلال الأحمر من ضعف الاتساق أحيانًا. كلما استند الفيلم أكثر إلى مواد توثيقية، وهو في جزئه الأخير يجد طرقًا إضافية للقيام بذلك، يصبح أكثر إبداعًا وإقناعًا وفعالية. إلى درجة يمكن معها الدفاع عن الجوائز التي يُتوقّع أن يحصل عليها، في هذا المهرجان وفيما بعد، من منظور فني أيضًا".

منذ انتشار خبر انضمام فريق هوليوود إلى الفيلم، ارتفعت أسهمه وآفاقه بشكل كبير. نفدت تذاكر العرض الأول في البندقية قبل أيام قليلة، ومن الواضح أن هذا الحدث سيُثار حوله وسيُعلن عنه. في الوقت نفسه، أعرب البعض، في محادثات أجريتها مع زملاء من الخارج، عن قلقهم من أن الفيلم يستغل قصة هند رجب بشكل استغلالي، ومن احتمال حصوله على جوائز مهمة ليس بالضرورة بسبب جودته.