يُعد
الاحتلال الإسرائيلي من القوى الرائدة عالميًا في تطوير واستخدام الطائرات المسيّرة، لا سيما "رباعية المراوح - Quadcopter" ذات الإقلاع العمودي. وبدأ جيش الاحتلال في عام 2018 في
غزة باستخدام مسيرات صغيرة تجارية مُعدّلة لأغراض عسكرية، ومن ثم تكثفت هذه الظاهرة في حرب الإبادة الحالية.
وبدأ استخدام هذه المسيرات الخفيفة بشكل بارز خلال قمع مسيرات العودة الكبرى، ومنذ ذلك الحين تطورت بفضل التعاون مع شركات إسرائيلية متخصصة وأخرى أمريكية ودولية، إلى أن وصلت إلى مسيرات تستطيع حمل ذخيرة وعبوات شديدة الانفجار تُستعمل في عمليات النسف الواسعة في قطاع غزة.
الشركات الإسرائيلية
شركة "إلبيت سيستمز - Elbit Systems" شركة عسكرية وأمنية إسرائيلية كبرى، طوّرت المسيرة رباعية المروحيات “كواد كابتر”، والتي استخدمها جيش الاحتلال منذ 2018 في الاستطلاع والاغتيالات بغزة والضفة.
وتتميّز هذه المسيرة بصغر حجمها الذي يقل عن 1.6 متر، وخفة وزنها نسبيًا بـ50 كغم، مع سرعة تصل إلى 72 كم في الساعة، وقدرة صعود حتى 450 مترًا، ويمكن تزويدها بسلاح نصف آلي يطلق قنابل 40 ملم طورته شركة "سمارت شوتر" الإسرائيلية.
وتختلف "كواد كابتر" عن باقي الحوامات بوجود مروحيات في كل زاوية من زواياها، وتتميز بسهولة برمجتها واستخدامها بشكل سلس، كما أنها لا تحتاج لمهارة عالية في الاستخدام مع إمكانية توظيفها في الميدان مباشرة.
وعملت شركة "إكستيند - Xtend" الإسرائيلية على تطوير طائرة مشابهة حملت اسم "سكوربيو كوادروتور - Scorpio Quadrotor" رباعية المراوح عالية الكفاءة للحرب الحضرية، وقد وُثق استخدامها على الأرض في غزة.
وتعمل هذه الطائرة بتقنيات معززة بالذكاء الاصطناعي، مما يشكل سابقة خطيرة في الإعدامات الآلية، بحسب تقرير لوكالة "سند" للتحقق الإخباري.
وتشمل القائمة شركة "أيرونوتيكس - Aeronautics Defense Systems"، و"أيروروبوتيكس - Airobotics"، و"تكتيكال روبوتيكس - Tactical Robotics"، و"سمارت شوتر - SmartShooter"، التي تقدم حلولًا متخصصة في المراقبة، والقتال، والحرب الإلكترونية.
وعملت هذه الشركات على تقديم حلول مسيّرات أوتوماتيكية للاستطلاع الصناعي، تتعاون مع شركة أمريكية اسمها "شوت سبوتير - ShotSpotter" لدمج الاستشعار الصوتي مع مسيّراتها، إضافة إلى طائرات مستقلة قادرة على العمل بدون طيّار بشري.
وتركز شركة "يو فيجن - UVision" على إنتاج ذخائر مسيّرة انتحارية متطورة مثل "سكاي لارك - Skylark"، واستعرضت أثناء مؤتمر "UVID 2024" مشاهد من ضربات جوية واقعية لطائراتها بغزة كدعاية تجارية.
وعملت شركة "رافائيل - Rafael" البارزة على تطوير أنظمة الذخائر المسيّرة الذكية، وذكر اسمها أيضًا ضمن المتحدثين في UVID 2024 الذين عرضوا لقطات من ضربات مسيرات موثّقة على المدنيين بغزة.
الشركات الدولية
أعلنت شركة "ماخ للصناعات - Mach Industries" الأمريكية المتخصصة بالتصنيع العسكري المتقدم، شراكة استراتيجية مع شركة "HevenDrones" الأمريكية أيضًا لكن بمؤسسين إسرائيليين، لإنتاج طائرات مسيّرة تعمل بخلايا وقود الهيدروجين.
وبحسب شركة "بي آر نيوزواير" المتخصصة في توزيع البيانات الصحفية، ستركز الشراكة على تصنيع نماذج "H2D55" و"H100" و"Raider" في مصانع ماخ في الولايات المتحدة، مع تطوير مشترك للمكونات من أجل بناء سلسلة توريد محلية ودعم الحلفاء ضد هيمنة الشركات الصينية في قطاع الطائرات المسيّرة.
بينما تعمل شركة ShotSpotter الأمريكية على إنتاج نظام لاستشعار إطلاق النار صوتيًا، وتتعاون مع Airobotics الإسرائيلية لتطوير نظام طائرات مسيّرة تكميلي يُزوّد بالبيانات الصوتية لتوجيه الدوريات والردّ الفوري.
أما في الصين، فلم تتعاون شركة "دي جي أي - DJI"، وهي أكبر شركة عالمية لبيع الطائرات المدنية، مع "إسرائيل" رسميًا، لكن جيش الاحتلال يشتري طائراتها التجارية بكثافة.
واستخدم جيش الاحتلال طائرتها في غزة منذ 2018؛ مثلًا استُخدم الطراز "Matrice 600" لإلقاء غاز مسيّل للدموع على المشاركين في مسيرات العودة الكبرى، ومن ثم عدّل طائرات مثل "DJI Agras" الزراعية لتحمل قنابل شديدة الانفجار.
واستطاعت "Agras" حمل حمولة كبيرة والتحليق بدقة عالية، مما جعلها فعالة في استهداف مواقع بعيدة، إضافة إلى استغلال طرازات أخرى كـ"DJI Mavic" و"Avata" التي استُخدمت للمراقبة والاستطلاع.
وتصنع شركة "أوتيل روبوتات - Autel Robotics" الصينية طائرات تصوير مدنية عالية الأداء ضمن سلسلة "إيفو - EVO"، وهي التي ظهرت في غزة بطراز "EVO Max 4T" وكانت تابعة بشكل مباشر لجيش الاحتلال.
وكشفت تحقيقات مجلة "
+972" الإسرائيلية أن جيش الاحتلال الإسرائيلي استخدم آلافًا من طائرات "Autel EVO" المُسلّحة بالقنابل لتفريغ الأحياء ودفع السكان للنزوح، وذكرت المصادر أن الجيش أصدر طلبات ضخمة لشراء مئات الطرازات الشركة، واستخدمها لتحويل الطائرات الاستخباراتية التجارية إلى أسلحة فتاكة.
إنتاج ضخم
أطلق جيش الاحتلال الإسرائيلي في 2024 مناقصة ضخمة لإنتاج 20 ألف مسيرة بشكل محلي، بهدف تقليل الاعتماد على الواردات الصينية، ووقّعت وزارة الحرب عقدًا بقيمة 40 مليون دولار مع شركة "إلبيت سيستمز" لتزويد الجيش "بطائرات مسيّرة وأنظمة مستقلة متطورة".
في آذار/ مارس 2025، أُعلِن عن شراكة Mach Industries الأمريكية وHevenDrones لتصنيع مسيرات هيدروجينية في الولايات المتحدة، ويُنتظر بموجب الاتفاق إنتاج نماذج ومسيرات بكميات ضخمة.
أما في نيسان/ إبريل 2024، وقّعت شركة الصناعات الجوية الإسرائيلية "IAI" مذكرة تفاهم مع شركة Aerotor لتطوير مشترك للطائرة متعددة الدوارات “Apus” بمحرك بنزين مركزي وزعانف متغيرة الزاوية.
"صنعت لهم وجربت عليهم"
في عام 2021، جاء في تقرير لصحيفة "هآرتس" أن شركة الاحتلال بدأت الشرطة باستخدام الطائرات المسيرة لإلقاء قنابل الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين، بعد ثلاث سنوات من تجربتها في قطاع غزة.
وذكر التقرير حينها أن فرع العمليات وافق على تشغيلها، وتم استخدامها لأول مرة خلال مظاهرات فلسطينية قرب بيت لحم وحاجز قلنديا، وقالت الشرطة إن الطائرات المسيرة تعمل بفعالية، وتقلل من "خطر المواجهة المباشرة بين القوات والمتظاهرين".
وأضاف أنه "منذ التجربة خلال المظاهرات في قطاع غزة، عملت الشرطة وحرس الحدود على تطوير الطائرة المسيرة، بمساعدة الصناعات الدفاعية الإسرائيلية، باعتبار أنها بالإضافة إلى قدرتها على تحييد أي خطر على المقاتلين، يُمكّنها من الوصول إلى أماكن لم يكن الوصول إليها متاحًا من قبل".
ورصد باحثون عددًا من الشركات الصغيرة التي تُسوِّق لبضائعها على أنها مُجرَّبة في الحرب الحالية، وفي تصريح لمجلة "+972" الإسرائيلية، قال نعوم بيري، منسق الأبحاث في لجنة خدمة الأصدقاء الأمريكية "الكويكرز"، وهي منظمة مقرها الولايات المتحدة تتتبع الأسلحة المستخدمة في حرب "إسرائيل": "جُرِّبت أنظمة أسلحة جديدة متعددة لأول مرة في غزة".
وفي خضم احتجاجات غير مسبوقة في الخارج، وجلسات استماع كانت أمام محكمة العدل الدولية بشأن الإبادة الجماعية في غزة، التزمت شركات الأسلحة متعددة الجنسيات الصمت نسبيًا بشأن ضلوعها في الجرائم الإسرائيلية، بينما أكد بيري أن "شركات ناشئة إسرائيلية أصغر حجمًا، مثل سمارت شوتر، تخوض حملة علاقات عامة ضخمة للترويج لمنتجاتها".
بالنسبة للشركات الناشئة، يُتيح النطاق غير المسبوق ومدة الدمار فرصةً غير مسبوقة لبيع الأسلحة، بحسب ما أكد تقرير لموقع "ذا واير".