ملفات وتقارير

ما هي حظوظ السوداني بولاية ثانية بعد أزمة تصنيف حزب الله والحوثيين؟

وصفت فصائل مسلحة تصنيف الحكومة العراقية لحزب الله اللبناني وجماعة الحوثيين "ضمن المنظمات الإرهابية" بأنه "خيانة" – رئاسة الوزراء
شنت الفصائل المسلحة المرتبطة بإيران هجومًا غير مسبوق على الحكومة العراقية، في خضم الجدل الواسع الذي أثاره إدراج حزب الله وجماعة أنصار الله "الحوثي" ضمن قوائم المنظمات "الإرهابية"، وتجميد أموالها في العراق، رغم مسارعة لجنة تجميد الأموال إلى النفي، مؤكدة أن ما نُشر في الجريدة الرسمية كان نتيجة "خطأ سيتم تصحيحه"، فيما أمر رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بفتح تحقيق عاجل.


وأعلنت لجنة تجميد الأموال في البنك المركزي العراقي أن إدراج حزب الله والحوثيين ضمن قوائم تجميد الأموال، كما ظهر في الجريدة الرسمية، كان نتيجة خطأ في النشر، وأن النسخة ستُصَحَّح بعد رفع الكيانات التي "لا ترتبط بأي نشاط إرهابي".

وأكدت اللجنة أن الموافقة الحكومية اقتصرت على إدراج الأفراد والكيانات المرتبطين بتنظيمي داعش والقاعدة، وأن نشر القائمة قبل تنقيحها أدى إلى ظهور كيانات أخرى بشكل خاطئ، كما شددت اللجنة على استمرار التزام بغداد بالقرارات الدولية الخاصة بمكافحة تمويل الإرهاب.



حُكِم بالإعدام على الولاية الثانية للسوداني
ووصفَت حركة النجباء بزعامة أكرم الكعبي، تصنيف الحكومة العراقية لحزب الله اللبناني وجماعة أنصار الله اليمنية ضمن المنظمات الإرهابية بأنه "خيانة"، فيما أوضح قيادي في ائتلاف الإعمار والتنمية بزعامة محمد شياع السوداني أن ما حدث "خطأ فني" ويجري التحقيق في الدوافع التي تقف خلفه، وقال رئيس المجلس السياسي لحركة النجباء، علي الأسدي، في تدوينة على منصة "إكس"، إن "ترشيح (ترمب) لجائزة نوبل من قبل العراق، يعد استخفافًا بالدماء وإهانة لتضحيات الشهداء وتجاوزًا حقيقيًا على إرادة الشعب".


وأضاف: "اليوم وعبر الوقائع العراقية يُصنَّف حزب اللّٰه وأنصار اللّٰه (الحوثيين) على قائمة الإرهاب، وهم من سالت دماؤهم على أرض العراق حفظًا لكرامته ومقدساته!! هذه خيانة"، وختم بالقول إن "مثل هذه الحكومة لا تمثل الشعب العراقي الأبيّ". وأرفقه بهاشتاك "قرار إعدام الولاية الثانية".


أما المتحدث العسكري باسم عصائب أهل الحق، جواد الطليباوي، فقد اتهم رئيس الحكومة محمد السواني بالتنصل مما وصفه "واجب الأخوّة والعقيدة"، وقال إن: "أعظم البلاء الذي يصيب الأمة في ساعات الضيق ليس بطشَ العدوّ ولا شدّةَ سلاحه. بل انكشافُ من ظُنّ أنهم ركائزُها فإذا هم أوهى من أن يقفوا ساعة الشدّة"، وأضاف: "من يتخلّى عن نصرة المظلوم ساعة الصدع فقد عزل نفسه عن صفوف الثابتين والصادقين وخرج من دائرة الوفاء وأسقط اسمه من سجلّ الشرف".

السوداني: "سنحاسب المقصرين"
من جهته، أمر رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بإجراء تحقيق عاجل لتحديد المسؤوليات ومحاسبة المقصرين، معتبرًا أن النصوص التي تضمنها القرار عكست "مواقف غير حقيقية". وقال إن موافقة العراق على تجميد الأموال بناءً على طلب ماليزي اقتصرت فقط على الكيانات والأفراد المرتبطين بداعش والقاعدة، وأكد السوداني أن المواقف السياسية والإنسانية للحكومة العراقية تجاه "العدوان" على الشعبين اللبناني والفلسطيني "مبدئية ولا تخضع للمزايدات"، وتعكس إرادة العراقيين في دعم حق الشعوب الشقيقة بالتحرر والعيش الكريم.


هل ورد القرار سهوًا؟
منذ اللحظة التي نُشر فيها القرار رقم (61) لسنة 2025 في جريدة الوقائع العراقية، أثار النص تساؤلات بشأن قدرة الدولة على اتخاذ قرارات لها تشعبات إقليمية حساسة، فالجريدة الرسمية ليست منصة إعلامية عادية، بل هي المكان الذي تتحول فيه القرارات إلى واقع قانوني ملزم التنفيذ، وهو ما جعل أزمة إدراج حزب الله اللبناني وأنصار الله الحوثيين تتخذ منحى مختلفًا.

كما أن الطلب الذي وصل من ماليزيا، وتمت صياغته من قبل لجنة تجميد أموال الإرهابيين، مرّ عبر سلسلة من الخطوات المتعارف عليها داخل الدولة، بدءاً من مراجعة المعلومات مرورًا بالمصادقة الإدارية وصولًا إلى الإحالة للنشر، إلا أن طبيعة الأسماء المدرجة كانت تتطلب مستوى أعلى من المناقشة، بالنظر إلى أن حزب الله والحوثيين يمثلان جزءًا محوريًا من شبكة النفوذ التي ترتبط بها قوى سياسية وفصائل مسلحة داخل العراق ومشاركة في الحكومة وتمتلك مقاعد برلمانية.

الحوثيون وحزب الله حلفاء لأحزاب العراق
صحيفة واشنطن بوست، نقلت عن مسؤولين عراقيين تحدثا لها شريطة عدم الكشف عن هويتهما لأنهما غير مخولين بمناقشة هذه القضية، قالا إن: "التراجع عن التصنيف جاء نتيجة لحملة ضغط شنتها الفصائل السياسية والجماعات المسلحة المتحالفة مع إيران في العراق". كما أكد المسؤولان أن الفصائل اتهمت الحكومة باستهداف الحلفاء الإقليميين والمخاطرة بمواجهة مع طهران.

أما موقع "ميدل إيست آي"، فقال إن حزب الله والحوثيين لا يُعتبرون قريبين من إيران المجاورة فحسب، بل هم أيضًا حلفاء للعديد من الأحزاب القوية والفصائل المسلحة والشخصيات في العراق، لافتاً إلى أن الكثير نظر إلى التصنيف بأنه إشارة إلى انهيار رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، الذي تتألف حكومته المنتهية ولايته إلى حد كبير من أحزاب مرتبطة بإيران، تحت الضغط الأمريكي.

وأضاف الموقع أن أعدادًا متزايدة من المسؤولين الأمريكيين، بما في ذلك مبعوث الرئيس ترامب المعين حديثًا إلى العراق مارك سافايا، باتوا يضغطون على الحكومة لاتخاذ إجراءات صارمة ضد الجماعات المسلحة وقطع العلاقات مع إيران، فضلًا عن الزيارة الأخيرة لمبعوث الرئيس الأمريكي الخاص إلى سوريا توم باراك، الذي قيل إنه أبلغ القيادة العراقية أن إسرائيل تخطط لمواصلة عملياتها "حتى نزع سلاح حزب الله"، وأنه إذا شاركت الفصائل الموالية لإيران، مثل كتائب حزب الله، في القتال، فستقوم إسرائيل بضربها من دون أي تدخل أميركي، وفق ما أكده دبلوماسي أوروبي في واشنطن.


التوقيت والدعاية السيئة 
باحثون في معهد "تشاتام هاوس" قالوا إن تداعيات قرار تصنيف حزب الله والحوثيين كانت في المقام الأول بسبب التوقيت والدعاية السيئة التي أحدثتها، وأضافوا: "هذا النوع من الإدراج أداة بيروقراطية تأتي ضمن التزامات العراق الأوسع نطاقًا بشأن مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، بما في ذلك الالتزامات التي تعهد بها البنك المركزي مع الشركاء الدوليين"، مشيرين إلى أن هذا الإجراء قد يكون له وزن كبير على الورق، ولكن في العراق ينظر إليه العديد من الأطراف باعتباره إجراءً شكليًا وليس علامة على التنفيذ الحقيقي".


وأوضح الباحثون أن العراق لا يزال في خضم عملية تشكيل الحكومة بعد الانتخابات التي جرت الشهر الماضي، وأن نشر التصنيف على منصة حكومية رسمية قد يبدو بمثابة "تحدٍ مباشر" للأحزاب المدعومة من إيران في العراق، وعقب ما حدث من هزة سياسية، سارع رئيس الوزراء وآخرون إلى القول إن الأمر كان خطأ والنأي بأنفسهم عنه.

حظوظ السوداني بالولاية الثانية تتراجع وقرار استبعاده يقترب
بدورها، أفادت صحيفة "ذي ناشيونال" أن فرص رئيس حكومة تصريف الأعمال محمد شياع السوداني "ضئيلة" في تولي ولاية ثانية لرئاسة الحكومة العراقية، مشيرة إلى أن معايير الإطار التنسيقي في اختيار رئيس الوزراء تشير إلى أن استبعاد السوداني يقترب.

ونقل تقرير الصحيفة عن الباحث في "معهد واشنطن" الأمريكي مايكل نايتس، قوله إن "السوداني لم يكن من المحتمل أبدًا أن يحصل على ولاية ثانية، لأن لديه مقاعد قليلة وكثيرة في الوقت نفسه"، وأوضح أن "السوداني لديه عدد قليل لأنه يتطلب ما لا يقل عن 60 إلى 70 مقعدًا ليكون قادرًا على المطالبة برئاسة الوزراء كجهد منفرد، وأشار إلى أن "معظم الأحزاب السياسية، وخصوصاً الشيعية، لديها قناعة قوية بأن السماح لأي رئيس وزراء بتولي أكثر من ولاية واحدة يخلّ بالتوازن السياسي".

وتابع التقرير أن "من يعتقد أن السوداني يسعى للحصول على ولاية ثانية، يرى أنه قد راكم غالبًا الخبرة وشبكات التأثير داخل مؤسسات الدولة، مما يجعله أكثر استقلالية وأقل عرضة للضغط"، لافتًا إلى أن "ذلك يثير احتمالًا لتشكيل دولة عميقة تمتد إلى قطاعات الأمن والاقتصاد والشؤون الخارجية، مما يحول السلطة التنفيذية إلى نظام مغلق".

ويسعى السوداني حاليًا إلى الحصول على فترة ولاية جديدة كرئيس لوزراء العراق، وهو الأمر الذي يتطلب موافقة مجموعة من الأحزاب المرتبطة بإيران وحلفائها، على الرغم من فوزه بأكبر عدد من المقاعد، ومع ما حدث، سيبقى السؤال المطروح فيما إذا كان قادرًا على التغلب وتجاوز أزمة البرلمان التي خلفت تأثيرًا دائمًا على طموحاته القيادية.