ملفات وتقارير

ماذا حدث في المسجد الأقصى منذ حريق عام 1969؟

أفرج الاحتلال عن مرتكب جريمة الإحراق عام 1969 بزعم أنه "مختل عقليا"- جيتي
مرّ على المسجد الأقصى طوال 56 عامًا منذ حريقه في 21 آب/أغسطس 1969، العديد من الأحداث التي هدفت إلى تهويده وإحكام السيطرة الإسرائيلية عليه، وذلك سواء من خلال القرارات والقوانين الإسرائيلية، أو من خلال تركات على الأرض من قبل المستوطنين والجهات الداعمة لهم.

في العقود الأخيرة، استمرت الانتهاكات والسياسات التي أثرت على إدارة المسجد والوضع القائم فيه، وهي التي تنوعت ما بين حظر مجموعات المرابطين عام 2015، وأزمة البوابات الإلكترونية عام 2017، وصولًا إلى الاقتحامات المتكررة خلال شهر رمضان بين 2021 و2023، والمداهمات الليلية.

الحريق
في الساعة السادسة وعشرين دقيقة من صباح 21 آب/أغسطس 1969، أشعل شاب يهودي يدعى مايكل دنيس وليم روهان النار في المسجد الأقصى، واستمر اشتعال النيران في المسجد حتى الساعة الثانية عشرة ظهرًا، مما أدى إلى حرق وتدمير منبر صلاح الدين، وحرق وإتلاف معظم خشب السقف الجنوبي منه، وأوشكت أن تصل النار إلى قبته.

وتم إحراق المسجد بطريقة لا يمكن للسلطات الإسرائيلية أن تكون بعيدة عنها. فقد قامت هذه السلطات بقطع المياه عن منطقة الحرم فور ظهور الحريق، وحاولت منع المواطنين العرب وسيارات الإطفاء التي هرعت من البلديات العربية من القيام بإطفائه، وكاد الحريق يأتي على قبة المسجد المبارك لولا استماتة المواطنين في إنقاذه، بحسب ما أفادت وكالة الأنباء الفلسطينية.

واندفع الفلسطينيون عبر النطاق الذي ضربته وفرضته قوات شرطة الاحتلال، وتمكنوا من إطفاء الحريق. وادعت "إسرائيل" في البداية أن تماسًا كهربائيًا كان السبب في الحريق. ولكن تقارير المهندسين الفلسطينيين أوضحت بجلاء أن الحريق كان بفعل متعمد مع سبق الإصرار والتصميم، الأمر الذي اضطر حكومة الاحتلال إلى الادعاء بأنها قبضت على الفاعل وهو شاب يهودي أسترالي كان دخل فلسطين المحتلة قبل أربعة أشهر من وقوع الحريق، وأنها ستقدمه للمحاكمة. ولكن لم يمض وقت طويل حتى أعلنت أن دنيس هذا شخص "معتوه" وأطلقت سراحه.

وأدانت الأمم المتحدة الحادث، وأصدر مجلس الأمن قرارًا (رقم 271) يعبر عن القلق ويطالب بمنع أي إجراءات تغيّر وضع القدس. الحادث كان أحد المحركات الرئيسة لتجميع موقف إسلامي دولي موحّد تجاه القدس.

القوانين الإسرائيلية
بعد حرب النكسة في حزيران/يونيو 1967 أصدر الكنيست الإسرائيلي قانون حماية الأماكن المقدسة الذي ينص رسميًا على "حماية الأماكن المقدسة" وضمان حرية الوصول للأديان المختلفة.

وخصص القانون الإطار القضائي والتصرفات الإدارية لسلطات الاحتلال الإسرائيلية في شرق القدس، ما شكّل أساسًا قانونيًا ناقش حوله الأطراف لاحقًا فيما يتعلق بـ "الوضع القائم" في الحرم.

أما في 1980، أقرّ الكنيست قانونًا أساسياً يؤكد أن القدس "الكاملة والموحّدة" هي عاصمة "إسرائيل"، ونصّ القانون على جهود الدولة لتطوير المدينة وحمايتها.

اعتُبر إقرار هذا القانون خطوة دستورية داخلية أساسية أثّرت على إدارة المدينة وفتحت جدلاً دوليًّا حول الوضع القانوني لشرق القدس باعتبارها أرضًا محتلة وفقًا لمجلس الأمن والقانون الدولي.

وأعطت هذه القوانين سلطات الاحتلال القدرة على فرض إجراءات إدارية على الحرم، ما قلل من قدرة الفلسطينيين على إدارة شؤونهم الدينية، واعتُبر انتهاكًا للوصاية الأردنية التاريخية على المسجد الأقصى، وأثار جدلًا دوليًا حول الوضع القانوني لشرق القدس.

قبة الصخرة
في 11 نيسان/أبريل 1982، اقتحم عنصر إسرائيلي يرتدي زيًّا عسكريًّا الحرم وأطلق النار داخل باحات قبة الصخرة، ما أسفر عن استشهاد اثنين وجرح آخرين. الجاني عُرِف بأنه ألان هاري غودمان، وهو أمريكي المولد.

وأدانت الحادثة وانتشرت صدمة واسعة وأثرت على أمن وسلامة الزوّار في الموقع.

وفي العام نفسه حاولت إحدى المجموعات السرية اليهودية تفجير مصلى قبة الصخرة، ولكن هذه الخطة أفُشلت عندما تم اكتشاف المتفجرات قبل انفجارها.

وفي عام 1984 أعلن عن كشف خلية سرية في سلاح الجو في جيش الاحتلال الإسرائيلي كانت تخطط لقصف المسجد الأقصى من الجو.

مجزرة الأقصى
في 8 تشرين الأول/أكتوبر 1990 شهد الحرم مواجهات دامية استشهد خلالها عدد من الفلسطينيين، وهي التي باتت تُعرف باسم "مجزرة الأقصى" أو "مجزرة الإثنين الأسود"، وأثارت الحادثة إدانات أممية وقادت إلى قرار مجلس الأمن رقم 672 الذي أعرب عن الصدمة واستدعى التحقيق والإجراءات. الحادث مثّل نقطة سوداء في تاريخ التوترات داخل الحرم.

واستشهد بسبب ذلك 17 فلسطينيًا على الأقل وجرح عشرات آخرون أثناء الاحتجاجات داخل الحرم، وهو ما عمل على تعزيز مشاعر الغضب الفلسطيني والدولي، وأدت إلى إدانات أممية وقرارات مجلس الأمن، كما زادت من الإحساس بالتهديد اليومي للمصلين.

نفق حائط البراق
في أيلول/سبتمبر 1996 افتتح مخرج جديد لنفق الحائط الغربي المعروف بنفق حائط البراق (يطلق عليه إسرائيليًا اسم "حائط المبكى") قرب البلدة القديمة، ما أثار احتجاجات فلسطينية واسعة وتحولًا عاجلًا إلى مواجهات دامية لعدة أيام، وأسهم في تصعيد التوتر حول الموقع وأثر على العلاقات بين السكان الفلسطينيين وسلطات الاحتلال.

وأدى ذلك إلى استشهاد عشرات الفلسطينيين وإصابة آخرين، وتصعيد التوتر حول الحرم، وزادت من العزلة السياسية الفلسطينية، وأظهرت الانتهاكات المتكررة للحقوق الدينية للفلسطينيين.

اقتحام شارون
جاء اقتحام أرئيل شارون، زعيم المعارضة الإسرائيلية آنذاك، إلى باحات الحرم مصحوبًا بحماية شرطة كبيرة؛ اعتُبر ذلك حالة استفزاز كبيرة وأشعل شرارة تصعيد باتجاه اندلاع الانتفاضة الثانية أو انتفاضة الأقصى.

واستمرت الانتفاضة منذ 28 أيلول/سبتمبر 2000 وتوقفت فعليًا في 8 شباط/فبراير 2005 بعد اتفاق الهدنة الذي عقد في قمة شرم الشيخ والذي جمع رئيس السلطة الفلسطينية المنتخب حديثًا محمود عباس، ورئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي أرئيل شارون.

وتسببت الانتفاضة بآلاف الشهداء والجرحى الفلسطينيين، ودمار واسع في البنى التحتية، ما كشف هشاشة الوضع في القدس، وتسبب توترات دائمة في المسجد الأقصى، وزادت من مشاعر الغضب الشعبي والدولي تجاه الجرائم الإسرائيلية.

الوصاية الهاشمية
ينصّ مقرّ معاهدة السلام بين الأردن و"إسرائيل" في عام 1994، على "احترام الدور الخاص للمملكة الأردنية الهاشمية في المقدسات الإسلامية في القدس" وإعطاء أولوية لهذا الدور عند التفاوض على الوضع النهائي.

لعبت هذه المادة لاحقًا دورًا مرجعيًا في مطالب الأردن بالحفاظ على "الوصاية الهاشمية" على الحرم، وهي التي كانت محور توتر بين حكومة الاحتلال والأردن حتى الوقت الحالي.

حظر المرابطين
أعلنت حكومة الاحتلال في 2015 قرارًا متعلّقًا بتقييد أو حظر نشاط عددٍ من المجموعات المرتبطة بالفرع الشمالي للحركة الإسلامية داخل "إسرائيل"، وهي مجموعات مثل المرابطات والمرابطين الذين يحمون الحرم ويواجهون مستوطني اليمين.

وأثار القرار نقاشًا داخليًا ودوليًا حول حرية العمل المدني والديني في الحرم.

أزمة البوابات الإلكترونية
بعد عملية أطلقت فيها النار داخل الحرم في 14 تموز/يوليو 2017، نصّبت "إسرائيل" بوابات ومجسات تفتيش إلكترونية عند مداخل الأقصى، ما اعتبره الفلسطينيون وتكتلات إسلامية تغييرًا للوضع القائم وحفز احتجاجات ومواجهات واسعة انتهت بقرار الحكومة إزالتها واستبدالها بكاميرات مراقبة بعد وساطات إقليمية ودولية.

"الصلاة الصامتة"
خلال 2021 صدرت أحكام قضائية محلية ناقشت ما إذا كانت الصلاة "الهادئة" لليهود في باحات الحرم تُعدّ جناية أم لا؛ أثارت هذه القرارات غضبًا وخوفًا لدى الفلسطينيين من محاولات تغيير الوضع، وواجهت أحكام ابتدائية استئنافًا قضائيًا قضى بتعديل وإلغاء بعض القرارات لتفادي تغيير "الوضع القائم".

اقتحامات رمضان
في رمضان 2021 شهد الحرم اشتباكات عنيفة بين قوات الشرطة الإسرائيلية والمصلّين والمرابطين في الحرم، وأبلغت مصادر طبية ومحلية عن مئات الإصابات، ثم تطوّرت المواجهات لتشمل صواريخ من وإلى قطاع غزة، فيما بات يعرف باسم الحرب الرابعة على قطاع غزة.

وشهد عام 2023 وما بعده موجات اقتحامات وعمليات شرطة ليلية داخل المصلى القبلي وباحات الحرم خلال رمضان وأوقات أخرى، وأسفرت عن إصابات واعتقالات وأدت إلى تبادل إطلاق نار، وإلى ردود فعل واسعة وصواريخ من غزة ولبنان ورد إسرائيلي، كما شهدت هذه الفترة اقتحامات استفزازية لمسؤولين إسرائيليين متطرّفين.

وشملت هذه الاقتحامات ما يقوم به بعض الوزراء والشخصيات اليمينية المتشددة إلى باحات الحرم أو إلى ساحات المحيطة به، وتصريحات علنية تُؤكد "السيادة الإسرائيلية" على الموقع أثّرت سلبًا في التوترات وأثارت انتقادات من الأردن ومن شركاء إقليميين ودوليين.

مخطط "إي 1"
يأتي مخطط "إي 1 - E1" الإسرائيلي، الذي يقع بين مستوطنتي "معاليه أدوميم" و"بسجات زئيف" ضمن مناطق (ج) الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية، ويمتد على مساحة نحو 12 كيلومترًا مربعًا بين بلدات عناتا والعيساوية والزعيم والعيزرية وأبو ديس في القدس، بهدف تغيير الأوضاع بشكل كامل ونهائي لمصلحة الاحتلال الإسرائيلي.

ويُعد المخطط جزءًا من استراتيجية التوسع الاستيطاني الإسرائيلي التي تهدف إلى فرض السيطرة على القدس ومنع تأسيس دولة فلسطينية متصلة جغرافيًا. وجاء القرار بعد أيام قليلة من اقتحام وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير، رفقة مجموعة ضخمة من 4000 مستوطن للمسجد الأقصى، وإقامة صلاة وطقوس دينية يهودية كاملة داخله، وهو أمر غير مسبوق. ويُعد ذلك بمثابة الكسر الرسمي لاتفاقية "الوضع الراهن" المستمرة منذ العهد العثماني، التي تنص على أن المسجد الأقصى حكر على المسلمين فقط.

الوضع الراهن
مصطلح يشير إلى التفاهمات التاريخية والقانونية التي تحدد الحقوق والسلطات المتعلقة بالمقدسات المسيحية والإسلامية في مدينة القدس، وبخاصة في المسجد الأقصى. ويُعرف هذا الوضع باللاتينية باسم "الستاتيكو - Status Quo"، الذي يعني حرفيًا "بقاء كل شيء كما هو"، ونشأ في العهد العثماني عام 1757، ويهدف إلى الحفاظ على التوازن بين الطوائف الدينية المختلفة في القدس، خاصة فيما يتعلق بالمسجد الأقصى.

ويُعتبر هذا المفهوم واحدًا من أهمّ الأعمدة القانونية التي يعتمد عليها الجانبان الأردني والفلسطيني أمام القانون الدولي في مسألة الحفاظ على المسجد الأقصى. ويعود ذلك إلى عدم اعتراف العالم بالاحتلال الإسرائيلي لشرقي القدس والضفة الغربية وغزة في نكسة 1967، ولذلك فإنَّ الواجب حسب القانون الدولي أن تبقى الأوضاع على ما هي عليه في المناطق المحتلة.

وكان الأردن المسؤول عن الأماكن المقدسة في القدس حتى احتلال شرقيها في 7 حزيران/يونيو 1967، فإنَّ الواجب قانونيًا أن تُحافظ "إسرائيل" على الوضع القائم في تلك الأماكن بحيث تبقى تحت إدارة وسيادة الأردن، ولذلك ما زالت دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس تتبع لوزارة الأوقاف الأردنية. وقد تم تأكيد هذا الوضع بعد احتلال "إسرائيل" لشرق القدس عام 1967، حيث تم الاعتراف به من قبل الأردن وفلسطين والمجتمع الدولي كمرجعية قانونية لإدارة الأماكن المقدسة.

ونشأ هذا الترتيب في القرن التاسع عشر نتيجة صراعات متكررة بين الطوائف المسيحية حول إدارة الأماكن المقدسة، فصدر السلطان العثماني عبد المجيد الأول عام 1852 مرسومًا يحفظ الوضع القائم للمقدسات بلا تغيير. وعملت معاهدة باريس عام 1856 على تعزيز هذا المرسوم الذي جاء بعد اتفاق، وهو ما تكرر أيضًا في معاهدة برلين عام 1878، حيث نصّت المادة 62 منها على "عدم تعديل الوضع الراهن في الأماكن المقدسة".

ويتضمن اتفاق الوضع القائم أو الراهن ثلاثة مواقع مقدسة رئيسية في القدس وهي: المسجد الأقصى والحرم القدسي الممتد على 144 دونمًا، وحائط البراق وهو جانب من سور الأقصى الغربي، وكنيسة القيامة. وبلَوْر العثمانيونُ الوضع القائم لإدارة المقدسات المسيحية أولًا في القدس، ثم شملته الصكوك الدولية للقدس القديمة عامة. ومع انتهاء الانتداب البريطاني وانقسام القدس، استلم الأردن رسميًا الوصاية على الأقصى ومقدساته.

وبعد احتلال "إسرائيل" لكامل القدس بعد حرب النكسة عام 1967، التقى وفد أوقاف القدس آنذاك مع وزير الحرب الإسرائيلي موشيه ديان، وأكد الأخير أن "الوضع سيستمر على ما كان عليه سابقًا". وبعد الاحتلال أعلنت "إسرائيل" شكليًا التزامها بالوضع القائم لتجنب أي ردّ فعل دولي، لكن الممارسات على الأرض لم تلبث أن خرقت أحكام الاتفاق، بهدف تقسيم المسجد زمانيًا ومكانيًا، وصولًا إلى الاقتحامات والطقوس التلمودية الكاملة غير المسبوقة.مرّ على المسجد الأقصى طوال 56 عاما منذ حريقه في 21 آب/ أغسطس 1969، العديد من الأحداث التي هدفت إلى تهويده وإحكام السيطرة الإسرائيلية عليه، وذلك سواء من خلال القرارات والقوانين الإسرائيلية، أو من خلال تركات على الأرض من قبل المستوطنين والجهات الداعمة لهم.

في العقود الأخيرة، استمرت الانتهاكات والسياسات التي أثرت على إدارة المسجد والوضع القائم فيه، وهي التي تنوعت ما بين حظر مجموعات المرابطين عام 2015، وأزمة البوابات الإلكترونية عام 2017، وصولًا إلى الاقتحامات المتكررة خلال شهر رمضان بين 2021 و2023، والمداهمات الليلية.