أكدت صحيفة
"
الغارديان" البريطانية، في مقال نشرته للصحفي الإسرائيلي ميرون
رابوبورت، أنّ "تل أبيب كانت في الماضي تكذب حول قتلها
الصحفيين الفلسطينيين،
أما اليوم فلا تهتم".
واستعرضت الصحيفة في المقال
الذي ترجمته "عربي21"، "نتائج التحقيق الداخلي الذي نشره الجيش
الإسرائيلي في أيلول/ سبتمبر، والذي يتعلق بقتل الصحفية في قناة الجزيرة شيرين أبو
عاقلة في جنين".
وجاء في ملخص التحقيق أن
هناك احتمالا كبيرا في أن تكون أبو عاقلة قد أصيبت عن طريق الخطأ بنيران الجيش
الإسرائيلي الذي أُطلق باتجاه مشتبه بهم تم تحديدهم على أنهم مسلحون فلسطينيون.
وأعرب الجيش الإسرائيلي عن "تعازيه الحارة" بوفاتها. وأضاف: "حرية
الصحافة والحفاظ على سلامة الصحافيين جزء من المكونات الأساسية للديمقراطية
الإسرائيلية، التي يلتزم الجيش الإسرائيلي بدعمها".
ولم يكن لهذا البيان علاقة
تذكر بالحقائق، فلم تشر التحقيقات المستقلة العديدة إلى أن أبو عاقلة قتلت على يد
جنود إسرائيليين فحسب (وهو ادعاء نفاه الجيش الإسرائيلي في البداية، قائلا:
"هناك احتمال، قيد البحث الآن، أن الصحافيين قد أصيبوا، ربما بنيران أطلقها
مسلحون فلسطينيون"، بل ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز " أيضا بعد
مراجعة موقع الحادث أنه "لم يكن في المكان مسلحين فلسطينيين بالقرب منها
عندما أُطلق عليها النار".
وفي تقرير صادر عن
"لجنة حماية الصحافيين" نشر بعد عام، خلص التقرير إلى أنه لم يتم توجيه
اتهامات إلى أي جندي إسرائيلي في قتل عشرين صحافيا، 18 منهم فلسطينيون في الضفة
الغربية وغزة بين عامي 2001 و2023، ما يجعل التزام الجيش الإسرائيلي المزعوم بحرية
الصحافة فارغا من أي معنى حقيقي.
اظهار أخبار متعلقة
ويقول رابوبورت إنه "لا
يسعنا الآن إلا أن نتوق إلى هذا النوع من أنصاف الحقائق والأكاذيب والكلمات
الجوفاء من الجيش الإسرائيلي. ففي أوائل آب/ أغسطس، أعلن الجيش الإسرائيلي بفخر أن
صواريخه قتلت صحافي الجزيرة أنس الشريف في مدينة
غزة. ولم يحاول الجيش حتى التظاهر
بأن قتله كان خطأ، فقد كان هو المستهدف".
وهنا تلاشى الالتزام بحرية
الصحافة، حيث زعم الجيش أن الشريف كان من عناصر حماس، لكنه لم يقدم
أدلة تذكر على مشاركته في العمليات العسكرية خلال الحرب. ولم يكلف الجيش
الإسرائيلي نفسه عناء "التعبير عن تعازيه الحارة" بمقتل خمسة صحافيين
آخرين تصادف أنهم كانوا نائمين في الخيمة القريبة من الشريف، ولم يذكر أي ادعاء
بانتمائهم لحماس، لقد كانوا أضرارا جانبية.
ولكن حتى هذا التبرير
المريب يبدو راسخا تماما مقارنة بالهجوم الأخير على مستشفى ناصر في خان يونس،
والذي أودى بحياة 20 فلسطينيا على الأقل، من بينهم خمسة صحافيين، ليصل عدد
الصحافيين الذين قتلوا في غزة إلى 248 على الأقل منذ بداية الحرب، وفقا للأمم
المتحدة.
وفي هذه المرة، لم يكن
الهدف "عنصرا من حماس" كما في حالة الشريف، بل كاميرا. بالنسبة للجيش
الإسرائيلي، كانت الكاميرا، المعروف موقعها، حيث استخدم الصحافيون هذا الموقع للبث
المباشر من خان يونس لفترة طويلة، كافية لإطلاق قذيفتي دبابة أو أربع قذائف. وإذا
كان الجيش، قبل ثلاث سنوات، يشعر بالحرج من مقتل صحافي، فقد أصبح الآن أمرا
روتينيا.
وغياب الشعور هو الآن أحد
السمات الرئيسية لحرب إسرائيل على غزة. ولطالما كان التزام إسرائيل بالقانون
الدولي إشكاليا، على أقل تقدير. ولكن كما يظهر مقتل أبو عاقلة، فقد كانت تحاول
الحفاظ على مظهر من مظاهر احترامها له. وسواء خدمة للذات أم لا، فقد ظل
الجيش الإسرائيلي يحاول إقناع المجتمع الدولي، وإلى حد ما، بأنه "الجيش
الأكثر أخلاقية في العالم".
ومنذ ذلك الحين، تراجع هذا
التصور، وهناك أسباب مختلفة لهذا التغيير. فقد اعتبر هجوم حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 في إسرائيل مبررا
لأي نوع من رد الفعل، بغض النظر عن أخلاقيته أو قانونيته.
اظهار أخبار متعلقة
ووفقا لاستطلاعات الرأي،
فإن غالبية الإسرائيليين يتفقون مع الادعاء القائل بأنه "لا يوجد أبرياء في
غزة". وهذا ينطبق أيضًا على الصحافيين الفلسطينيين، الذين ينظر إليهم على
نطاق واسع على أنهم دعائيون لحماس، إن لم يكونوا أسوأ. وقد لعب نفوذ أحزاب اليمين
المتطرف وسياسيوه، بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير وآخرون في حكومة بنيامين
نتنياهو دورا هاما أيضا. وقد شهدنا ذلك في الإصلاح القضائي الذي دفعت به هذه
الحكومة حتى قبل الحرب، بهدف واضح هو زعزعة استقرار المؤسسات الديمقراطية
الإسرائيلية الضعيفة أصلا وإضعافها. وقد سرعت الحرب من وتيرة هذه التحركات.
وهناك عنصر هام آخر، فعندما
قتل جنود إسرائيليون أبو عاقلة في عام 2022، كان جو بايدن في البيت الأبيض، وكانت
أبو عاقلة مواطنة أمريكية وشعرت إسرائيل بأنها مضطرة لإظهار احترامها للقانون
الدولي. ومع وجود دونالد ترامب الآن في البيت الأبيض، فإن إسرائيل ليست تحت أي ضغط
للامتثال للقانون الدولي فحسب، بل يبدو أنها تشعر بالحاجة الملحة لإثبات أنها تستطيع
أن تدوس عليه.
ومع غياب الاحترام للقواعد
والمؤسسات الدولية، فإن نتنياهو وحكومته حريصون على إظهار أنهم يستطيعون فعل ما هو
أفضل، وأن إسرائيل يمكن أن تكون قدوة لنظام عالمي جديد مبني على القوة والقوة
والمزيد من القوة. كما لو أن دور إسرائيل هو تنفيذ رؤية ترامب للعالم على الأرض،
بالطائرات والدبابات والجرافات.
وختمت الصحيفة بقولها إن "الهجوم
على الكاميرا في خانيونس، هو مجرد مظهر من مظاهر هذا النظام العالمي الجديد".