قضايا وآراء

غزة.. صمود الإنسان فوق الرماد والنصر الذي لا يُقاس بالخراب

لؤي صوالحة
"خرجت غزة لتقول للعالم: نحن هنا، وسنستمر"- جيتي
"خرجت غزة لتقول للعالم: نحن هنا، وسنستمر"- جيتي
في قلب الشرق الأوسط، حيث تتقاطع الصراعات وتتساقط القنابل على المدنيين، هناك غزة، المدينة التي تحمل على أكتافها أعباء التاريخ والمعاناة الإنسانية، لكنها رغم كل شيء، تبقى شامخة، صامدة، ومتمسكة بحياتها وكرامتها.

لم يكن الانتصار في غزة مجرد لحظة عسكرية أو تحرك سياسي، بل كان انتصار الإنسان على آلة الموت، والصمود على اليأس، والكرامة على الإذلال. كل قنبلة، كل لحظة خوف، كل ساعة من الحصار لم تنجح في كسر إرادة هذا الشعب. بل على العكس، كل لحظة ألم ولدت عزيمة أقوى، وارتسمت معالم النصر في وجوه الأحياء، في صمود الأطفال والنساء والرجال، في إرادة الحياة التي لا تُقهر.

قمة شرم الشيخ: البداية الفعلية للسلام

في خطوة تاريخية، وقع قادة الولايات المتحدة ومصر وتركيا وقطر، الاثنين (13 تشرين الأول/ أكتوبر 2025) في شرم الشيخ، وثيقة اتفاق غزة لإنهاء الحرب بين إسرائيل وحركة حماس في القطاع المدمر.

وسط هذا الدمار، ظهر الإنسان الغزاوي بأبهى صور الإنسانية والصمود؛ الأمهات والأطفال، الأطباء والمهندسون، الصحفيون والناشطون، كل واحد منهم أصبح جزءا من المقاومة الأخلاقية والإنسانية، يحول الألم والمعاناة إلى صمود وإرادة حياة

وقال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي ترأس القمة مع نظيره المصري عبد الفتاح السيسي، إن الوثيقة ستفصل القواعد والنظم والأطر الضرورية، مؤكدا أن الاتفاق "سوف يصمد"، وأعلن أن إعلان انتهاء الحرب في غزة يعني تحقيق "سلام في الشرق الأوسط".

من جانبه، أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي أن الاتفاق يمهد الطريق لتنفيذ حل الدولتين، ويجب تثبيت كافة مراحل الاتفاق لضمان التعاون والتكامل بين شعوب المنطقة، واصفا اللحظة بأنها تاريخية وفارقة، وبارقة أمل لإنهاء صفحة أليمة من تاريخ البشرية وفتح الباب لعهد جديد من السلام والاستقرار.

شارك في القمة أكثر من 20 زعيما ومسؤولا دوليا، بينهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وأمير قطر تميم بن حمد، والرئيس الفلسطيني محمود عباس، إلى جانب زعماء من فرنسا وألمانيا وبريطانيا وإسبانيا.

وأكدت الوثيقة، المعروفة بـ"وثيقة شرم الشيخ"، على أهمية حل النزاعات المستقبلية عبر الحوار والتفاوض، وعلى الالتزام بالسلام الدائم، مؤكدين أن الشرق الأوسط لا يمكن أن يتحمل دوامة مستمرة من الحروب، وأن السلام الدائم هو السبيل الوحيد لازدهار جميع شعوب المنطقة.

الجانب الإنساني: أرقام مأساوية ومعاناة غير قابلة للنسيان

منذ بدء العدوان الإسرائيلي المدعوم أمريكيا في 8 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ارتكب الاحتلال ما وصفتها جهات دولية بالإبادة الجماعية في غزة، والتي خلفت 67,869 شهيدا و170,105 جرحى، معظمهم من النساء والأطفال. كما أزهقت المجاعة أرواح 463 فلسطينيا بينهم 157 طفلا.

وسط هذا الدمار، ظهر الإنسان الغزاوي بأبهى صور الإنسانية والصمود؛ الأمهات والأطفال، الأطباء والمهندسون، الصحفيون والناشطون، كل واحد منهم أصبح جزءا من المقاومة الأخلاقية والإنسانية، يحول الألم والمعاناة إلى صمود وإرادة حياة.

هذا الصمود لم يكن مجرد مقاومة جسدية، بل رمزا أخلاقيا للعالم، يثبت أن القوة الحقيقية ليست في الطائرات أو الدبابات، بل في القدرة على الوقوف أمام آلة الموت والاحتفاظ بالكرامة والوعي الإنساني.

الانتكاسة الإسرائيلية ومحاولة رسم صورة انتصار زائف

رغم إعلان القادة الإسرائيليين انتصارهم العسكري في وسائل الإعلام، فإن الواقع على الأرض كان مختلفا تماما؛ فكل محاولة لإظهار النصر كانت محاولة لإيهام العالم، وسط مشاهد الدمار، وفقدان الأبرياء، والأرقام المأساوية للضحايا المدنيين.

حتى البرلمان الإسرائيلي شهد تحديا داخليا: طُرد النائبان أيمن عودة وعوفير كسيف من الكنيست أثناء خطاب ترامب، لمطالبتهما بالاعتراف بدولة فلسطين، في مشهد يعكس إصرار الفلسطينيين على المطالبة بحقهم حتى داخل أروقة السلطة الإسرائيلية.

هذا المشهد يوضح أن أي محاولة رسمية لتزوير الصورة الحقيقية للفلسطينيين وواقع الحرب، لا يمكن أن تصمد أمام الوعي الشعبي والدولي الذي شهد مأساة غزة وصدمة الإنسانية العالمية.

الإعلام: جبهة جديدة للمقاومة

في مواجهة آلة الدمار، أصبحت الكلمة والصورة سلاح المقاومة الأخلاقي؛ الصحفيون الغزاويون، الذين عملوا تحت القصف، استطاعوا نقل الحقيقة للعالم، والصور والفيديوهات التي توثق لحظات القصف، وشهادات الناجين، وأصوات الأطفال والنساء الذين فقدوا أحباءهم، كل ذلك خلق وعيا عالميا لم يسبق له مثيل، وأعاد تعريف معنى الصمود والمقاومة.

هذا الانتصار الإعلامي جعل غزة رمزا أخلاقيا عالميا، وأكد أن الحق، مهما حاولت آلة الدمار قمعه، لا يموت.

الإنسان الغزاوي: معجزة لا تُقهر

كل فرد في غزة أصبح جزءا من قصة الصمود: الأم التي تحافظ على ابتسامة طفلها رغم الدمار، الطفل الذي يشارك أخاه الأكبر في توزيع الماء على الجيران، الطبيب الذي يعمل بلا توقف لإنقاذ حياة مجهولين وسط الركام، الصحفي الذي ينقل الحقيقة للعالم من تحت الأنقاض.. كل هؤلاء صنعوا صورة الإنسان الذي لا يُقهر، الذي يقف فوق الرماد ليصنع الحياة من جديد.

إن الإنسان الغزاوي هو الانتصار الحقيقي، لأنه أثبت للعالم أن الكرامة لا تُقصف، وأن الحرية لا تُباع، وأن الإرادة أقوى من كل جيوش العالم.

المقاومة رغم الإمكانيات المحدودة

ما يميز غزة أن المقاومة انتصرت رغم الإمكانيات المحدودة، فالمقاومون لم يمتلكوا طائرات أو دبابات متقدمة، بل امتلكوا إيمانا بالحق، وعزيمة صلبة، وخطة ذكية تعتمد على معرفة الأرض والوعي الشعبي.

هذا الانتصار أظهر للعالم أن القوة لا تُقاس بالعدد أو المعدات، بل بالإرادة والحق، وأن الفلسطينيين، رغم كل الحصار والدمار، قادرون على تحويل كل ضعف إلى مصدر قوة، وكل ألم إلى صمود.

كل معركة، كل مواجهة، وكل لحظة تحدٍ، تثبت للعالم أن غزة ليست مجرد مدينة صغيرة، بل مختبر الإنسان أمام آلة الموت، ودرس للعالم في معنى المقاومة الإنسانية.

من الرماد يولد الضوء

بعد كل الدمار، وبعد كل القتل، وبعد عشرات الآلاف من الأرواح التي أزهقت، تقف غزة شامخة، ليس لأنها لم تفقد المباني، بل لأنها لم تفقد روحها، ووعيها، وكرامتها الإنسانية.

الأجيال الجديدة التي وُلدت أو عاشت الحرب، تعرف اليوم أن الحرية لا تُمنح، وأن الكرامة واجبٌ لا يُستبدل. هؤلاء الأطفال والشباب سيحملون مشعل الوعي الفلسطيني، وسيكتبون التاريخ القادم من الصمود، وفصلا عن الإنسان حين يقف أمام الظلم بكل إرادته.

القمة ودور المجتمع الدولي

قمة شرم الشيخ، برئاسة ترامب والسيسي، وبمشاركة أردوغان وقطر وفلسطين والأردن والدول الأوروبية، شكلت نقطة تحول دولية. الاتفاق على وقف إطلاق النار لم يكن مجرد إجراء سياسي، بل خطوة عملية نحو إعادة إعمار غزة، وإنهاء دوامة الحرب، وفتح صفحة جديدة للسلام في الشرق الأوسط.

الاتفاق يُظهر أن المجتمع الدولي لم يعد قادرا على تجاهل مأساة غزة، وأن أي حل مستدام يجب أن يكون قائما على حماية المدنيين، وتعزيز الحقوق الإنسانية، وتكافؤ الفرص لجميع شعوب المنطقة

ترامب أعلن أن المرحلة الثانية من خطة وقف إطلاق النار بدأت، مع التأكيد على التقدم الكبير في مسار السلام، مشيرا إلى دور إيران في المستقبل، وإلى الحاجة لجهود دولية لمساعدة غزة على النهوض من الركام.

هذا الاتفاق يُظهر أن المجتمع الدولي لم يعد قادرا على تجاهل مأساة غزة، وأن أي حل مستدام يجب أن يكون قائما على حماية المدنيين، وتعزيز الحقوق الإنسانية، وتكافؤ الفرص لجميع شعوب المنطقة.

وفي الختام: النصر الحقيقي لغزة والرسالة العالمية

النصر الحقيقي لغزة ليس في الخراب، ولا في عدد الصواريخ أو الضحايا، بل في إصرار الإنسان على البقاء حيا، على حماية كرامته، وعلى تحويل الألم إلى إرادة حياة.

غزة اليوم ليست مجرد مدينة، بل مرآة للعصر، تبرهن على أن الإنسان قادر على الصمود، وأن الحق لا يموت مهما حاولت الآلة العسكرية الكبرى أن تقمعه.

من بين الركام، ومن بين الدموع، ومن بين الألم، خرجت غزة لتقول للعالم: "نحن هنا، وسنستمر". هذا هو النصر الذي لا يُقاس بالخرائط أو التقارير العسكرية، بل بالقلب، وبالروح، وبالإنسانية التي لا تموت.

غزة انتصرت، ليس بالرصاص وحده، بل بالإنسانية، بالكرامة، وبالوعي، وبالحق الذي يضيء الطريق لكل من يعتقد أن العدالة يمكن أن تُقتل.

ولكل القارات، ولكل الشعوب التي تبحث عن العدالة الإنسانية، فإن غزة اليوم تعلم أن الحق لا يحتاج إلى سلاح، وأن الإنسان قادر على الصمود، وأن الكرامة الفلسطينية ستبقى شعلة أبدية في وجه الظلم.
التعليقات (0)

خبر عاجل