قضايا وآراء

فرصة ترامب العظيمة ليست لنا!

نزار السهلي
جيتي
جيتي
من سوء السياسات العربية ارتباطها بمصالح الولايات المتحدة، واختلال مصالحها المتعلقة بقضاياها المصيرية، وبالتحديد قضية فلسطين، فما كان سرا في عقود النكبة الفلسطينية صار فجورا زمن الإبادة الجماعية على غزة؛ وما سجلته من خذلان وتآمر وتراجع عند حدود ودلالات وأهداف رسمتها الإدارة الأمريكية كنتائج لحرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على الشعب الفلسطيني، ولتكون هذه الجولة من الصراع مع المستعمر الصهيوني عامل كبحٍ ذاتي وخارجي لمقاومة الفلسطينيين لمحتلهم، وجعل المقاومة وليس الاحتلال والسياسات التي تدعمه هي العامل الأساسي لويلات انتكاسة مشروعهم الوطني.

بعض مظاهر التردي السياسي والأمني العربي بعد عامين من جرائم الابادة في غزة، وتغييب دور الاحتلال الإسرائيلي وسياساته في إجهاض وقتل كل فرص "السلام" التي يزعم العالم العربي الإيمان بها في علاقته مع المشروع الاستعماري في فلسطين، وبدعم أمريكي لهذا التوجه، عمّق عوامل التراجع والتفكك السياسي والأمني العربي، وظهر ذلك جليا في خاتمة العدوان الأخير على الدوحة، وكيفية الرد العربي على إسرائيل في بيان القمة العربية الاسلامية في قطر، بالإضافة لبعض ثوابت عربية لديها القدرة للاستماع لوقاحة وأكاذيب مجرم حرب وفاشي مثل بنيامين نتنياهو من على منبر الأمم المتحدة، والاجتماع به ومنحه ابتسامات ثقة ودعم لجرائمه، كدولة الإمارات على سبيل المثال.

بعد كل ذلك، لا بد من وقفة أو إيضاح لما تسرب عن قمة ترامب مع قادة عرب ومسلمين، على هامش اجتماعات الأمم المتحدة، لمناقشة خطته لوقف الحرب على غزة، واستعداد القادة لمساعدة ترامب على تنفيذ رؤيته. ولكي لا نقع في أوهام ما تمخضت عنه هذه القمة، نرى أن من الواجب التنبيه لمعظم المواقف الأمريكية من العدوان على غزة طيلة عامين، والتي تعكس بشكل ملموس طبيعة العلاقة الأمريكية الإسرائيلية، والمبنية على أسس دينية واستعمارية خالصة، بخلاف العلاقة العربية الذيلية مع الولايات المتحدة، والمبنية على استيراد شرعية سياسية وأمنية ووجودية لبعض النظام العربي من الولايات المتحدة. وهذه حقائق تجاوزت ما يشاع عن مصالح مشتركة مع الولايات المتحدة، كما هي علاقة التطبيع العربي مع إسرائيل؛ فميزان المصلحة يميل بقوة لمصلحة الاحتلال، وميزان العلاقة العربية الأمريكية هو لخدمة الكفة الإسرائيلية.

فمن أين يستلهم ترامب التفاؤل عن قرب التوصل لاتفاق وقف الحرب، مع أنه كرر العبارة عشرات المرات؟ فإذا كانت المبادرة الأمريكية لوقف العدوان على غزة، وعلى الشعب الفلسطيني في الضفة، لا تنطلق من سؤال عربي وجيه للرئيس ترامب: هل أنت فعلا جاد وتريد التغلب على مصاعب وقف العدوان على غزة، والتوقف عن رؤية ملايين المعذبين هناك؟ فهناك ما يسمى اتفاق المبادئ (أوسلو) 1993، وهناك مبادرة عربية للسلام على أسس القانون الدولي، لقيام دولة فلسطينية على حدود 4 حزيران/ يونيو 1967، وهناك احتلال غاشم لهذه الأراضي واستيطان مخالف للقانون الدولي، فهل أنت مستعد للعمل وفق هذه المبادئ؟ وإذا كنت ستمنع إسرائيل من ضم الضفة، فهل ستمنعها من الاستيطان هناك؟ وهل ستؤيد قرارا في مجلس الأمن يدين عدوان وإرهاب المستوطنين؟

نقول هذا افتراضا عن التفاؤل بخطة ترامب، لكن فضيحة الخداع الأمريكي الإسرائيلي للجانب العربي والفلسطيني، أصبحت أكثر من ممجوجة، فمجرد طرح مشاريع انتدابية واستعمارية على الشعب الفلسطيني في غزة، بوجود أطراف عربية على طاولة الاستماع وغياب الطرف الفلسطيني ضحية الاحتلال وجرائم الإبادة والاستيطان والتهويد، وغياب هذه الصراحة والجرأة في إظهار هذه الحقوق والتأكيد عليها، يفسر ويشرح الأفكار المطروحة، ويغرق الفلسطينيين مجددا في متاهات "تحليل" المبادرة الأمريكية، وهل سيكون توني بلير المندوب السامي على غزة، على اعتبار أن الشعب الفلسطيني قاصر وسنقدم له قيادة معتلة وثاقبة تدير شؤونه.

الحديث عن غزة ووقف جرائم الإبادة الصهيونية يُفترض أن يكون ضمن إطار فلسطيني وعربي، من خلال التركيز على جزء مهم ومتفاعل من مكونات القضية الفلسطينية، وأن عوامل المعاناة المتزايدة للشعب الفلسطيني في مدن الضفة والقدس بسبب إرهاب وعدوان المستعمرين، تتزايد لأسباب لها علاقة بالاحتلال وليس لوجود المقاومة لهذا الاحتلال، ونتيجة للحالة السائدة من العدوان والإرهاب الإسرائيلي، فإن الكثير من المؤشرات تؤكد أن العقبة الأساسية لكل المبادرات المطروحة إن كان لغزة، أو لبقية القضية (حل الدولتين) والتطبيع وغيره، هي إسرائيل نفسها، وهو ما لا تقر به كل الإدارات الأمريكية المتعاقبة لأسباب بديهية قدمتها أمريكا للعرب والفلسطينيين منذ نكبتهم، باستخدام "الفيتو" لحماية الاحتلال وجرائمه.

أما حديث ترامب عن فرصة عظيمة في الشرق الأوسط؛ لا تعني فرصة لفلسطين وخلاص شعبها من الاحتلال، فهو حديث عن حالة انتداب أمني واقتصادي وسياسي على غزة، لا يكون حتى للسلطة دور فيه، والسيطرة الأمنية ستبقى إسرائيلية بالمطلق على القطاع، والتكنوقراط الفلسطيني المقترح لغزة سيكون تحت إشراف صهره ترامب، جاريد كوشنر، ورئيس وزراء بريطانيا السابق توني بلير، ومبعوث ترامب للشرق الأوسط ستيف ويتكوف.

إذا، الحماسة الأمريكية لإنجاز عظيم لوقف الحرب في غزة، هو تحرير الرهائن هناك، ولا حديث أو إشارة لـ"حل الدولتين" والحقوق الفلسطينية أو ضد التهجير، وضد ريفيرا غزة، فالجميع -فلسطينيين وعربا- يعرفون أن حديث المفخرة الأمريكي والعظمة في الشرق الأوسط يعني بقاء إسرائيل محتلة لأرض فلسطين في الوقت الذي يطبع معها عالم عربي فشل مع المجتمع الدولي ومع أمريكا في النوايا والسلوك وفي أن ينزع الصهينة عن وجههما الحقيقي، فما هي فرصة الإنجازات العظيمة لإدارة ترامب في الملف الفلسطيني ولمن؟

ترامب وكل مسئولي إدارته مع دعم العدوان؛ تسليحا وبدفاع مستميت عن إسرائيل في المنابر الدولية، مقابل فشل وجبن عربي صريح، وكل ذلك لم يعد يُغضب الإنسان الفلسطيني والعربي؛ لأن أنظمة عربية طوال عامين من الإبادة الجماعية أخبرتنا حقيقة خوفها ومعنى وجودها وتحالفاتها. فرصة ترامب العظيمة ليست للشعب الفلسطيني والشعوب العربية، لأن عوامل الصراع في المنطقة ستبقى أكبر من عوامل الوهم والخداع، التي تتجلى بصراحة وسلوك صهيونيين عن إسرائيل الكبرى وقدرتها على الغطرسة والقوة، والمرشحة للاندثار كأي غطرسة محتل؛ بحسب عِبر التاريخ ودروسه الجيدة التي تدل لمن العظمة أخيرا.

x.com/nizar_sahli
التعليقات (0)

خبر عاجل