قضايا وآراء

حماس على مفترق الطرق: التحديات المحلية والإقليمية أمام خطة ترامب

رائد أبو بدوية
"أولى الأولويات التي تواجه حماس هي وقف الحرب"
"أولى الأولويات التي تواجه حماس هي وقف الحرب"
تطرح خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإنهاء الحرب وإعادة ترتيب الأفق السياسي الفلسطيني اختبارا معقدا لحركة حماس، التي تحتل موقعا محوريا على الأرض وفي قلب القرار السياسي في غزة. فالخطة، التي رحبت بها السلطة الفلسطينية كفرصة سياسية استراتيجية، تضع حماس أمام تحدٍ مزدوج: تلبية ضغط الشارع الغزي لوقف النزيف، والحفاظ في الوقت نفسه على ثوابتها السياسية وورقة نفوذها على الأرض.

فأولى الأولويات التي تواجه حماس هي وقف الحرب، إذ يمثل استمرار النزاع عبئا هائلا على السكان وتهديدا مباشرا لشرعية الحركة داخليا. القبول المبدئي بالخطة، حتى بشكل تكتيكي، يمنح الحركة صورة القوة المسؤولة القادرة على حماية الناس وتخفيف معاناتهم، ويقطع الطريق أمام محاولات تصويرها كمعرقل للسلام أو سببا لاستمرار الأزمة الإنسانية في غزة.

القبول لن يكون مطلقا. تشير خبرة حماس التفاوضية إلى اعتماد استراتيجية "القبول المشروط"، حيث تعترف بالإطار العام للخطة مع ضمان هامش تفاوضي واسع في ملفات مفصلية

لكن القبول لن يكون مطلقا. تشير خبرة حماس التفاوضية إلى اعتماد استراتيجية "القبول المشروط"، حيث تعترف بالإطار العام للخطة مع ضمان هامش تفاوضي واسع في ملفات مفصلية مثل إعادة الإعمار، ورفع الحصار، وتبادل الأسرى، وصياغة مؤسسات إدارة جديدة في غزة. هذا النهج يتيح للحركة البقاء لاعبا فاعلا، ويحول أي تنفيذ للخطة إلى مشروع تشارك فيه فعليا، وليس مجرد مراقب.

إن ترحيب السلطة بالخطة يضع حماس أمام تحدٍ سياسي إضافي، إذ قد يؤدي رفضها الصريح إلى تصويرها كمعرقل، في حين أن القبول المطلق يقلل من تمايزها السياسي ويضعف قدرتها التفاوضية. لذلك، ستسعى إلى صيغة وسطية: دعم مبدئي للخطة مع التأكيد على مشاركة فلسطينية أوسع، وفرض دور محوري لها في الترتيبات الميدانية بغزة، بما يضمن لها النفوذ والتأثير على مراحل التنفيذ.

ستتفاعل حماس مع الخطة في سياق حساس على المستوى الإقليمي والدولي. مصر وقطر، باعتبارهما فاعلين أساسيين في ملف غزة، تمثلان قنوات ضغط وتحفيز على الحركة لتبني مواقف متوازنة. فالقاهرة، التي تهدف إلى استقرار الحدود ومنع تصعيد عسكري جديد، قد تشجع حماس على القبول المشروط مقابل ضمان دورها في إعادة الإعمار والإشراف على دخول المساعدات. أما الدوحة، فتلعب دور الوسيط السياسي والمالي، ما يتيح لحماس الحفاظ على شبكات دعمها الإقليمية دون الانجرار لمواجهة مفتوحة مع السلطة أو المجتمع الدولي.

موقف حماس من خطة ترامب يمثل اختبارا لقدرتها على الحفاظ على شرعيتها الفلسطينية بعد الحرب. القدرة على تقديم نفسها كقوة مسؤولة تدير مرحلة الانتقال السياسي بذكاء تعزز موقعها محليا وإقليميا، وتثبت أنها شريك لا يمكن تجاوزه في أي اتفاق مستقبلي

أما على الصعيد الدولي، يكتسب موقف حماس أهمية استراتيجية أمام الولايات المتحدة والأمم المتحدة والدول الأوروبية، التي تراقب تنفيذ الخطة بدقة. رفض الحركة الصريح قد يؤدي إلى عزلة سياسية ودبلوماسية، بينما القبول المشروط يمنحها مساحة للمناورة والحفاظ على توازن بين دعم الشارع المحلي ومتطلبات اللاعبين الإقليميين والدوليين.

في العمق، موقف حماس من خطة ترامب يمثل اختبارا لقدرتها على الحفاظ على شرعيتها الفلسطينية بعد الحرب. القدرة على تقديم نفسها كقوة مسؤولة تدير مرحلة الانتقال السياسي بذكاء تعزز موقعها محليا وإقليميا، وتثبت أنها شريك لا يمكن تجاوزه في أي اتفاق مستقبلي. أما الانزلاق إلى رفض مطلق، فقد يؤدي إلى عزلة أمام توافق عربي ودولي حول الخطة، ويحد من خياراتها الاستراتيجية على المدى المتوسط.

الخلاصة: "نعم، مع السيطرة على التفاصيل"

من المتوقع أن تعتمد حماس استراتيجية مركّبة: قبول مبدئي للخطة يوقف الحرب ويوفر أفقا سياسيا، مع الاحتفاظ بهامش تفاوضي واسع يضمن لها السيطرة على تفاصيل التنفيذ ونفوذها على الأرض. هذا الموقف يضمن استمرارها كلاعب أساسي في مسار ما بعد الحرب، ويوازن بين الضغط الشعبي، المنافسة مع السلطة الفلسطينية، والتحديات الإقليمية والدولية، مع الحفاظ على صورتها كحركة مقاومة مسؤولة أمام جمهورها المحلي والدولي.
التعليقات (0)