الفنُ كسلاحٍ لتفكيكِ السرديةِ الصهيونيةِ وبناءِ الرمزيةِ الفلسطينية
منذُ
عقودٍ، هيمنتْ السرديةُ الصهيونيةُ على الإعلامِ العالمي، تُصوِرُ الاحتلالَ
باعتبارِه "دولة ديمقراطية صغيرة محاصرة وسطَ أعداءٍ متوحشين"، بينما
يتم إسكاتُ صوت الضحيةِ الفلسطينية. غير أن الثقافةَ والفنَ باتا سلاحا استراتيجيا
لإعادةِ التوازنِ: فصوتُ الطفلةِ الشهيدةِ
هند رجب، الذي حاولتْ إسرائيلُ إسكاتَه
بالرصاصِ، ارتفع مجددا من خلالِ فيلمٍ عالمي عُرض في مهرجان فينيسيا، وهو في
طريقِه إلى الأوسكار.
هكذا
تتحولُ القصةُ الفلسطينيةُ من أرقامٍ وشهداءَ مجهولين إلى رموزٍ إنسانيةٍ تخترقُ
وعيَ الجماهيرِ، وتُعِيدُ تشكيلَ الصورةِ الذهنيةٍ عن القضيةِ الفلسطينية.
السرديةُ
الصهيونيةُ في مأزق
لم يعد الاحتلالُ قادرا على السيطرةِ على كلِ الصورِ والقصصِ، فقد انتقلت المعركةُ إلى ساحاتِ الوعي العالمي، حيث تفشلُ القوةُ العسكريةُ
الاحتلالُ
لطالما اعتمدَ على إدارةِ الصورةِ: إعلامٌ ضخمٌ، أفلامُ هوليوود، حملاتٌ
دبلوماسية، تحريفُ التاريخ. لكن
مشاهدَ مثل محمد الدرة (2000)، وهند رجب (2024)، خلخلت هذه السردية، وفضحت
التناقضَ بين خطابِ "الدفاع عن النفس" وجرائمِ الإبادة.
اليوم، لم
يعد الاحتلالُ قادرا على السيطرةِ على كلِ الصورِ والقصصِ، فقد انتقلت المعركةُ
إلى ساحاتِ
الوعي العالمي، حيث تفشلُ القوةُ العسكريةُ.
هند رجب
أصبحت رمزا عالميا للبراءةِ المغتالةِ، مثل محمد الدرة من قبل. كلُ رمزٍ فلسطيني
يحفرُ في الوعي الجمعي العالمي سردية بديلة: "شعب أعزل لكنه متمسكٌ بالحياةِ
والكرامة".
الصورةُ
كسلاح
الفيلم
الذي وثّق صوتَ هند، واللقطات التي تسربت من
غزة، أعادت التأكيدَ أن الكاميرا أقوى
من الدبابة أحيانا. الصورُ
والمشاهدُ تصنعُ من الضحية بطلا إنسانيا، وتحوّل الاحتلال إلى جلادٍ مكشوفٍ أمام
الملايين. الفنُ هنا ليس ترفا، بل سلاحُ مقاومةٍ ناعمٌ يوازي الصمودَ على الأرض.
ما حاولَ الاحتلالَ إسكاتَه في غزة بصوت هند رجب، عاد مضاعفا عبر السينما، ليخترقَ الوعيَ العالمي، ويكشفَ أن المعركةَ الحقيقية اليومَ هي معركةُ السردية
ومن هنا
يتمُ الآن إعادةُ تشكيل وعي العالم، فالوقوفُ الطويلُ للجمهور في فينيسيا، وبكاءُ
النجومِ العالميين، يعني أن الرأيَ العام الغربي بدأ يخرجُ من أسرِ الدعايةِ
الصهيونية.
لم تعد
القضيةُ الفلسطينيةُ تُقدَّم فقط كـ"نزاعٍ سياسي"، بل باتت تُرى كقضيةٍ
إنسانيةٍ وأخلاقية. هذا التحولُ يُعيد رسمَ الخريطة: من تضامنٍ هامشي إلى حركةٍ
عالميةٍ ضاغطةٍ على الاحتلالِ وحلفائِه.
الخلاصة:
من الصوتِ الفردي إلى الوعي الجمعي
إن ما
حاولَ الاحتلالَ إسكاتَه في غزة بصوت هند رجب، عاد مضاعفا عبر السينما، ليخترقَ
الوعيَ العالمي، ويكشفَ أن المعركةَ الحقيقية اليومَ هي معركةُ السردية. فحينَ
تتحولُ دموعُ هند رجب إلى رمز عالمي، فإن الأمةَ تمتلكُ ما هو أعظمُ من السلاح:
القدرةُ على تشكيلِ الوعي وإعادةُ كتابةِ التاريخ.
الرسالةُ
الأخيرة: الصهاينةُ يقتلون الأجسادَ، لكنهم لا يستطيعون قتل الأصواتِ والرموزِ، وما
بدأ في غزةَ من دمعةِ طفلةٍ، قد يتحولُ في وعي العالم إلى مطرقةٍ تُسقط جدرانَ
الأكاذيبِ الصهيونية.