قضايا وآراء

هجوم الدوحة.. رسالة إسرائيلية للشرق الأوسط

سمير العركي
"رسالة إسرائيل بالهجوم على الدوحة أنه لم يعد هناك خطوط حمراء، وأن الاعتداءات يمكن أن تطول أي عاصمة عربية أو إقليمية أخرى"- جيتي
"رسالة إسرائيل بالهجوم على الدوحة أنه لم يعد هناك خطوط حمراء، وأن الاعتداءات يمكن أن تطول أي عاصمة عربية أو إقليمية أخرى"- جيتي
رغم التهديدات الإسرائيلية المسبقة باستهداف قادة الحركة الإسلامية "حماس" في أي مكان في العالم، إلا أنه لم يكن أحد يتوقع أن تقدم دولة الاحتلال على تنفيذ تهديدها في العاصمة القطرية الدوحة، حيث استهدفت طائرات إسرائيلية مبنى كان من المفترض أن يشهد اجتماعا لوفد المفاوضات في حركة حماس للنظر في المقترح الأخير للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بشأن وقف إطلاق النار في قطاع غزة.

غموض الموقف الأمريكي

فور حدوث الهجوم اتجهت الأنظار إلى استجلاء حقيقة موقف الإدارة الأمريكية من الهجوم، فقطر دولة حليفة، وتستضيف على أراضيها قاعدة أمريكية كبيرة.

التقارير الأولية التي خرجت من تل أبيب، أشارت إلى أن العملية تمت بضوء أخضر من ترامب، لكن سرعان ما تراجع مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عن ذلك، تزامنا مع ورود الأنباء بفشل العملية ونجاة قادة حماس، حيث أكد المكتب في بيان تحمّل نتنياهو المسؤولية الكاملة عن العملية.

التصريحات تتفق مع رؤية ترامب الدنيوية للقانون الدولي، وقواعد النظام العالمي، التي لطالما شهدت خروقات من مثل هذا النوع من إسرائيل تحديدا؛ التي تعتبر أنه من حقها الاعتداء على دول ذات سيادة للوصول

وتم ترويج سردية مفادها أن الولايات المتحدة علمت بالعملية في الدقائق الأخيرة، فأبلغت الدوحة فورا، ما أدى إلى نجاة وفد حماس. لكن رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن، نفى تلك السردية في مؤتمر صحفي، مؤكدا أن واشنطن أبلغت الدوحة بالهجوم بعد عشر دقائق من وقوعه!

وإزاء تلك الورطة لم يجد ترامب بدا من غسل يديه من الهجوم، إذ أكد في بيان عبر حسابه على منصة "تروث سوسيال" أن "قرار الهجوم كان بيد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بالكامل"، وأنه لم يكن لديهم الوقت الكافي لوقف الهجوم.

وأضاف ترامب: "القصف أحادي الجانب لقطر الدولة ذات السيادة والحليف الوثيق للولايات المتحدة والتي عملت بجد وبشجاعة إلى جانبنا لتحقيق السلام، لن يخدم أهداف إسرائيل والولايات المتحدة". وأوضح ترامب أنه وجه مبعوثه الخاص ستيف ويتكوف، بإبلاغ الدوحة بـ"الهجوم الوشيك" فور ورود معلومات عنه، "لكن للأسف فات الأوان لوقفه"، مشددا على أن هجوما كهذا "لن يتكرر على الأراضي القطرية".

لكن ترامب عاد في تصريحات منفصلة ليؤكد أن استهداف حماس "هدف يستحق السعي إليه"، لكنه يشعر بالأسف لأن الهجوم وقع في الدولة العربية الخليجية.

إذا، فالرئيس الأمريكي لا يجد أي غضاضة في استهداف قادة حماس في أي مكان في العالم، لكن أسفه فقط على أن الاستهداف حدث في دولة حليفة للولايات المتحدة مثل قطر.

هذه التصريحات تتفق مع رؤية ترامب الدونية للقانون الدولي، وقواعد النظام العالمي، التي لطالما شهدت خروقات من مثل هذا النوع من إسرائيل تحديدا؛ التي تعتبر أنه من حقها الاعتداء على دول ذات سيادة للوصول إلى قادة المقاومة الفلسطينية، كما حدث في الماضي مع لبنان وتونس في حوادث تاريخية معروفة ومشهورة.

تحول استراتيجي

في تقديري أن الاعتداء الصهيوني الغادر على الأراضي القطرية لن يمر بسهولة، بل سوف يشكل ملمحا بارزا في الصراع الممتد منذ 7 أكتوبر 2023، وذلك للآتي:

أولا: قطر دولة ذات سيادة واعتراف دولي، وجاءت مشاركتها في عملية الوساطة واستضافة وفد حماس بناء على تنسيق مع الولايات المتحدة، وبالاشتراك مع دولة إقليمية وازنة مثل مصر.

ثانيا: كما تحظى قطر بوضع فعال داخل مجلس التعاون الخليجي، الذي سارع عبر أمانته ودوله المختلفة إلى إدانة الهجوم، الذي يُتوقع أن يؤثر على قطار التطبيع سواء بالنسبة للدول التي لم تؤسس بعد علاقات مباشرة مع إسرائيل، أو تلك التي ارتبطت فعلا بعلاقات دبلوماسية مع تل أبيب.

ثالثا: تمتلك قطر دبلوماسية نشطة وفعالة، أثبتت كفاءتها في تفكيك أزمات سابقة، لذا فمن المتوقع أن تنسق الدوحة حملة دبلوماسية عالمية، لفضح العدوان الإسرائيلي على أراضيها، وانتهاك سيادتها، ومطالبة المجتمع الدولي بالاضطلاع بدوره المنوط به من أجل إيقاف ممارسات نتنياهو؛ التي ستؤدي إلى اشتعال المنطقة بأسرها.

رابعا: الهجوم الإسرائيلي على الدوحة أثبت بما لا يدع مجالا للشك؛ أن حرب الإبادة التي يقودها نتنياهو على قطاع غزة تتجاوز فكرة استعادة الأسرى كما يروج لها، إلى كونها حربا دينية تلمودية يأمل رئيس الوزراء الإسرائيلي من ورائها إلى السيطرة على المنطقة وقيادتها، وفق نظرية "إسرائيل الكبرى" التي أفصح عنها منذ فترة قريبة. إن الهدف كما لخصه رئيس الوزراء القطري: "تهديد للمنطقة كلها".

استهداف الشرق الأوسط

عقب الاستهداف الصهيوني للدوحة، نشر رئيس الكنيست الإسرائيلي أمير أوحانا، مساء الثلاثاء، مقطع فيديو للهجوم على حسابه على منصة "إكس" مرفقا إياه بتهديد واضح: "هذه رسالة لكل الشرق الأوسط".

فخلال أيام قليلة هاجمت إسرائيل كلا من لبنان واليمن وسوريا وتونس قبل أن تهاجم قطر مؤخرا، إضافة إلى هجماتها الدموية اليومية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية.

هذا الاستهداف لدول عربية إضافة إلى مهاجمة إيران من قبل، يؤكد أن تهديد أوحانا لم يكن مجرد كلمات فارغة، بل رسالة إسرائيلية واضحة تعكس شعورا صهيونيا بالاستعلاء والتفوق، وهو ما يفرض على الدول العربية والإقليمية ذات الصلة حزمة من الإجراءات العاجلة أهمها:

أولا: ضرورة إدراك النظام العربي أن عدم كبح جماح نتنياهو قد يقود إلى تهديد جدي لصيرورة وديمومة ذلك النظام، على خلفية الغليان الشعبي المتصاعد بسبب عدم القدرة على إيقاف المجازر الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني، ولا ردعها عن مواصلة الاعتداءات على الدول العربية وآخرها قطر.

ثانيا: الدول العربية تمتلك من مفاتيح القوة الاستراتيجية، ما يمكنها من إجبار دول العالم على اتخاذ مواقف متقدمة لإيقاف الاعتداءات الإسرائيلية حال توظيفها، طالما أنها لا تريد الدخول في مواجهات عسكرية مباشرة، وأهم تلك المفاتيح ملف الطاقة.

ثالثا: يجب أن تعيد غالبية الدول العربية تقييم موقفها من المقاومة الفلسطينية، بعيدا عن الحسابات السياسية أو الأيديولوجية، فقد نبهت الاعتداءات الإسرائيلية إلى أهمية الحفاظ على تلك المقاومة باعتبارها خط دفاع متقدم عن الأمن القومي العربي، وأن التفريط فيها سيفتح شهية الدولة العبرية نحو التهام مزيد من الأراضي العربية واستباحة المنطقة بأسرها، كما يحدث الآن. فإسرائيل كيان استعماري توسعي، هكذا تأسس وهكذا سيستمر في سياساته، ومن الصعوبة بمكان أن يعيد تموضعه صوب السلام مع جيرانه العرب.

رابعا: إعادة ترتيب الأوضاع الداخلية، سواء داخل السلطة الفلسطينية لإكسابها حيوية ونشاطا، أو بالنسبة للجامعة العربية، لزيادة فعاليتها في لعب دور مؤثر في تنسيق الجهود العربية لمواجهة هذا الخطر الذي يتهدد الجميع دون استثناء.

رسالة خاصة لأنقرة والقاهرة على وجه الخصوص، باعتبارهما القوتين الأكبر في المنطقة اللتين يمكنهما إيقاف العربدة الإسرائيلية، بما تملكان من إمكانيات عسكرية ودبلوماسية، الأمر الذي يستلزم تنسيقا خاصا بين تركيا ومصر على المستويين العسكري والسياسي

خامسا: إدراك الدول العربية أن أمنها الاستراتيجي يبدأ من الأناضول شمالا إلى المحيط الهندي ووسط أفريقيا جنوبا، ومن الخليج العربي شرقا إلى المحيط الأطلنطي غربا، وهذا ما يفرض عليها اتخاذ خطوات متقدمة لدعم تسليح المفاصل الإستراتيجية في مواجهة إسرائيل، وخاصة سوريا، التي تحتاج إلى تدخل عربي-تركي سريع لإعادة بناء جيشها، بحيث يشكل محطة دفاع متقدم عن العمق العربي.

رسالة لأنقرة والقاهرة

إذا كان الهجوم الإسرائيلي على الدوحة رسالة للشرق الأوسط كله، فإنه رسالة خاصة لأنقرة والقاهرة على وجه الخصوص، باعتبارهما القوتين الأكبر في المنطقة اللتين يمكنهما إيقاف العربدة الإسرائيلية، بما تملكان من إمكانيات عسكرية ودبلوماسية، الأمر الذي يستلزم تنسيقا خاصا بين تركيا ومصر على المستويين العسكري والسياسي.

وقد شهدت الفترة الماضية زيارات متبادلة لوفود عسكرية رفيعة المستوى، وتوقيع اتفاقيات للتعاون المشترك في تصنيع الطائرات المسيرة. هذا التعاون يجب أن يتحول إلى إجراءات فعالة بحيث تدرك إسرائيل والدول الداعمة لها، أن الدولتين جادتان في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، وأنهما لن تسمحا بمزيد من التدهور في المنطقة مهما كانت الفاتورة المستحقة.

هذه الإجراءات العملية هي الكفيلة وحدها بكبح جماح إسرائيل، أما الاكتفاء بالبيانات والمواجهة الدبلوماسية في المحافل الدولية، فلم يعد يجدي نفعا في الحيلولة دون اشتعال المنطقة بأسرها.

والخلاصة، أن رسالة إسرائيل بالهجوم على الدوحة أنه لم يعد هناك خطوط حمراء، وأن الاعتداءات يمكن أن تطول أي عاصمة عربية أو إقليمية أخرى، كما طالت طهران وصنعاء ودمشق وبيروت، وهو ما يستدعي تحركا عربيا إقليميا عاجلا وفعالا اليوم قبل الغد.
التعليقات (0)

خبر عاجل