قضايا وآراء

رسائل محاولة الاغتيال في الدوحة وملامح المرحلة المقبلة

طارق الزمر
"إسرائيل قررت نقل المعركة خارج حدود فلسطين، وتحديدا إلى العواصم التي تراها حاضنة للمقاومة"- جيتي
"إسرائيل قررت نقل المعركة خارج حدود فلسطين، وتحديدا إلى العواصم التي تراها حاضنة للمقاومة"- جيتي
تُعدّ محاولة اغتيال قادة حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في العاصمة القطرية الدوحة -رغم فشلها- تطورا خطيرا في مسار الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، يكشف عن تحوّل نوعي في أدوات المعركة، وجرأة غير مسبوقة في تجاوز الخطوط الحمراء الجغرافية والدبلوماسية والأمنية. لم تكن هذه المحاولة مجرد عملية أمنية عابرة، بل رسالة مركّبة ذات أبعاد استراتيجية تتقاطع فيها الحسابات السياسية والأمنية والدولية.

إن تنفيذ هذه المحاولة في الحيّ الدبلوماسي في الدوحة، وباستخدام أكثر من 10 طائرات هجومية يعني أن إسرائيل قررت نقل المعركة خارج حدود فلسطين، وتحديدا إلى العواصم التي تراها حاضنة للمقاومة، أو داعمة سياسيا وإعلاميا لها. وهذه سابقة في قواعد الاشتباك، تعني أن المرحلة المقبلة قد تشهد توسعا جغرافيا خطيرا للاغتيالات الصهيونية، يستهدف تفكيك البنية السياسية للمقاومة خارج مناطق النزاع المباشر.

فشل العملية يطرح تساؤلات داخل المؤسسة الإسرائيلية عن مدى جدوى تصعيد الحرب الاستخباراتية خارج الحدود، خصوصا في ظل تعاظم العزلة الدولية التي تعاني منها إسرائيل، وازدياد الأصوات التي تطالب بوقف الحرب وفك الحصار عن غزة

رغم أن العملية لم تنجح، إلا أن مجرد تنفيذها يحمل ثلاث رسائل خطيرة:

1- إلى قادة المقاومة، أنه لا خطوط حمراء بعد اليوم، وكل من يقود أو يخطط أو يعبّر عن مشروع مقاوم هو هدف مشروع، حتى داخل أروقة الدول الصديقة أو الحليفة.

2- إلى الدولة القطرية، إن احتضانكم لقادة المقاومة قد لا يبقى بلا ثمن، والضغوط السياسية والرسائل الأمنية ستستمر طالما بقيت قطر تدافع عن رواية غزة.

3- إلى الدول العربية والأوروبية، أن الاحتلال ما يزال الطرف الأقدر على "إدارة اللعبة" وخلط الأوراق، حتى في لحظات الضغط الدبلوماسي المتزايد عليه، أو عند طرح مبادرات وقف إطلاق نار.

لكن في مقابل هذا التهور الاستراتيجي، تكشف العملية عن عدة مؤشرات مضادة لصالح المقاومة والبيئة الداعمة لها، ابتداء من اليقظة الأمنية القطرية المتقدمة، وقدرتها على إحباط العملية قبل وقوعها، والتماسك السياسي الواضح من الدولة المضيفة، وعدم وقوعها في فخ التصعيد أو الاستسلام للابتزاز، وأيضا تفهّم إقليمي متزايد بأن الاحتلال لم يعد يفرّق بين الداخل الفلسطيني والساحات العربية، مما قد يدفع بعض العواصم لإعادة النظر في حساباتها ومواقعها من الصراع.

كما أن فشل العملية يطرح تساؤلات داخل المؤسسة الإسرائيلية عن مدى جدوى تصعيد الحرب الاستخباراتية خارج الحدود، خصوصا في ظل تعاظم العزلة الدولية التي تعاني منها إسرائيل، وازدياد الأصوات التي تطالب بوقف الحرب وفك الحصار عن غزة.

لا شك أن هذه العملية ستكون نقطة تحول في تفكير المقاومة بشأن أمنها الخارجي، ومنظومة حضورها السياسي والإعلامي والدبلوماسي. فالاغتيال لم يعد فقط تهديدا في شوارع غزة، بل أصبح شبحا يحوم في العواصم أيضا. وهذا يتطلب: تطوير شبكات الحماية والتمويه، وتعزيز الردع المعلوماتي والسيبراني، وبناء تحالفات دولية جديدة تستوعب طبيعة المرحلة وتحمي قادة المقاومة في المنافي.

محاولة اغتيال فاشلة لا تقل خطورة عن عملية ناجحة، فالفشل لا يُلغي الرسالة، لكنه يمنح الوقت لبناء استجابة، والمقاومة الذكية ليست تلك التي تنتقم فورا، بل التي تحوّل التهديد إلى فرصة لبناء توازن جديد

وفي الوقت ذاته، على الدولة القطرية أن تعي أن محاولة الاغتيال ليست فقط استهدافا أمنيا لحركة على أراضيها، بل هي امتحان سيادي خطير، يستهدف دورها الإقليمي وموقعها في معادلة القضية الفلسطينية، وربما يستدعي منها ردا دبلوماسيا على من خطط ونفّذ وتغاضى.

الرد على هذه العملية الإجرامية ليس بالضرورة صاروخا أو عملية عسكرية، بل المطلوب هو بناء معادلة ردع استراتيجية، عنوانها: "لا اغتيال دون كلفة"، سواء عبر تحريك ملفات دولية، أو بناء تحالفات قانونية، أو توجيه رسائل مضادة في الإقليم، تؤكد أن اليد الإسرائيلية ليست طليقة، وأن المقاومة ليست عارية في الخارج.

فإذا لم يتم تحصين الشتات من مخالب الموساد، فإننا سندخل طورا جديدا من الاستنزاف، لا تدفع ثمنه المقاومة فقط، بل المشروع التحرري كله.

إن محاولة اغتيال فاشلة لا تقل خطورة عن عملية ناجحة، فالفشل لا يُلغي الرسالة، لكنه يمنح الوقت لبناء استجابة، والمقاومة الذكية ليست تلك التي تنتقم فورا، بل التي تحوّل التهديد إلى فرصة لبناء توازن جديد في ميدان مفتوح بات يتسع ليشمل كل مدن العرب.
التعليقات (0)

خبر عاجل