من المصطلحات "المحببة" لدى الغرب ومعها جوقة "الببغاوات"
العربية التي تتنفس عشق خطابات تنبعث منها الروائح الأوروبية والأمريكية "الحنونة"،
على ربيبتهم المدللة طبعا والساهرين على أمنها ورخائها مقابل خراب الآخرين؛ نجد عبارة
"اليوم التالي للحرب"، رغم أن قريحتهم لا تنتج سوى مخططات وأفكار هوليودية
لا تمت للواقع بصلة، وسرعان ما تتبخر عند صلابة صخرة
المقاومة الإعجازية التي يبديها
مغاوير قطاع
غزة.
آخر ما جادت به هذه الخلطة الهجينة برعاية صهيونية- أمريكية مقابل تابع ذليل
عربي يتلقى التعليمات وينفذها فقط، وأكبر أدواره ينحصر في خطابات إنشائية أكل الدهر
عليها وشرب مغلفة بـ"إنسانية" مغشوشة عرّتها مشاهد المجوعين في القطاع الصامد
الأبي؛ فلا صوت اليوم يعلو على الأسماء المرشحة لمنصب "حاكم غزة الجديد"،
وكأنهم حقا نجحوا في "إركاع" أهل غزة والنيل من المقاومة، وباتت كل الطرق
ممهدة لهذا الاسم أو ذاك ممن يتنافسون على كسب ود إدارة "أبو إيفانكا" أولا.
والمثير للسخرية أن ذلك لا يتم سوى عبر وسطاء مجهزين بعناية فائقة من الموساد ومن ترضى
عنهم حكومة السفاح
نتنياهو؛ فهل يحتاج الأمر لذكاء أو "فهلوة" لفهم أهداف
هذه الإدارة المزعومة، أو بالأحرى الشروط الكفيلة بدعم ملف هؤلاء المرشحين الذين من
المفترض أولا أن يتوفروا على اسم فلسطيني عربي من باب التمويه، وثانيا؛ نيل الرضا والقبول
الأمريكي بغطاء صهيوني؟
هل لو كان بإمكان هؤلاء الغزاة والقتلة تمرير مخططاتهم الدنيئة وتطبيقها بشكل حرفي وعاجل؛ سيتريثون كل هذا الوقت أو حتى طلب التشاور؛ وهم من اعتادوا على سفك الدماء ونهب الثروات دون حسيب ولا رقيب؟ ولماذا يصرفون ميزانيات ضخمة للترويج لكل هذه المخططات السامة من باب التمهيد أولا؛ لولا القلة القليلة الصامدة الصابرة المحتسبة
قمة السخرية:
قطعا هذه شروط أصلية وحقيقية وليست من بنات أفكارنا وكل "المرشحين"
المطروحين وأوفرهم حظا لحدود اللحظة (سمير حليلة) تنطبق عليهم هذه الشروط السالفة الذكر.
وهناك نقطة أخرى ثانوية لكنها جديرة باستحضارها لأنها تلخص واقع الحال المزري
الذي نحياه، وتتجلى في دخول بعض وسائل الإعلام العربية على الخط لتلميع صورة صاحب الملف
"الأقوى"، عبر تخصيص مقابلات حصرية معه وتوثيق مساره "الحافل"
في "إدارة الاعمال"، وكونه النموذج القادر على إعادة إعمار القطاع وجعله
"نموذجا" يحتذى به ويحقق "رؤية" سيد البيت الأبيض كما أطلقها منذ
عودته لسدة الحكم.
بين الواقع والخيال:
منذ السابع من أكتوبر تسربت عبر وسائل الإعلام الغربية أولا العديد من الخطط
والمصطلحات الجديدة التي تخص "مستقبل" غزة كما "يتوهم" الصهاينة
بالدرجة الأولى وبعدهم المكلفون بتنفيذ طلباتهم أو "أوامرهم" على أرض الواقع؛
ولكن النتيجة جاءت واحدة، وكان مصير كل ما سبق وجهة معلومة هي مزابل التاريخ، ولا أحد
منهم نجح في كسر إرادة الأشاوس المحاصرين المجوعين بتآمر القريب والبعيد. والسؤال الذي
يزكي هذه الحقيقة الدامغة: هل لو كان بإمكان هؤلاء الغزاة والقتلة تمرير مخططاتهم الدنيئة
وتطبيقها بشكل حرفي وعاجل؛ سيتريثون كل هذا الوقت أو حتى طلب التشاور؛ وهم من اعتادوا
على سفك الدماء ونهب الثروات دون حسيب ولا رقيب؟ ولماذا يصرفون ميزانيات ضخمة للترويج
لكل هذه المخططات السامة من باب التمهيد أولا؛ لولا القلة القليلة الصامدة الصابرة
المحتسبة التي تقاتل بضراوة وتذود عن شرفها وعرضها بالنيابة عن أمة المليار مسلم؟
رغم كل ما يعترينا من قلق ونحن نقرأ ونشاهد مئات التقارير المعدة بعناية فائقة
لإرباكنا وإقناعنا بأن مصير هذه البقعة الصغيرة العظيمة قد حُسم وانتهى (لأنني شخصيا
على يقين بأن جحافل المتخاذلين سيرددون يوما ما -لا قدر الله- لكن بعد فوات الأوان:
لقد أُكلنا يوم أُكلت غزة)، إلا أن الإرادة الغزية ودروس التاريخ تجعلنا نتماسك، والدليل
ما كتبه إسحاق رابين: "أتمنى أن أستيقظ من النوم ذات يوم وأجد البحر قد ابتلع
غزة".
استسلم رابين ومعه شارون وأمثاله من السفاحين، وظلت غزة شوكة في حلق الأعداء.
ومن هذا المنطلق ستنهار كل خططهم وملفاتهم السرية والعلنية وتنتصر القلة القليلة التي
تلقن العدو والمتخاذلين الدروس والعبر.
استسلم رابين ومعه شارون وأمثاله من السفاحين، وظلت غزة شوكة في حلق الأعداء. ومن هذا المنطلق ستنهار كل خططهم وملفاتهم السرية والعلنية وتنتصر القلة القليلة التي تلقن العدو والمتخاذلين الدروس والعبر
سلام بلا خيول:
الحديث عن سلاح المقاومة هذه الأيام يجعلني أتذكر حوارا عظيما خطته أنامل الكبير
ممدوح عدوان في مسلسل "الزير سالم" الذي أُنتج سنة 2000، من إخراج العبقري
الراحل حاتم علي، وتحديدا حين يتحدث الزير سالم لابن أخيه الجرو:
"- لا يسمحون لكم بركوب الخيل؟
- بل يسمحون ونستطيع شراء الخيول إذا أردنا.
- والسُّيوف، هل اشتروا سيوفكم أيضا؟ هل يسمحون لكم بحمل السُّيوف؟
- لا تُبالغْ
يا عمَّاه، إنها مسألةُ خيولٍ فقط، وقد كانتْ صفقة من أجلِ الماء، ولم نجد المسألةَ
خطيرة طالما السَّلامُ قائمٌ بيننا.
- سلامٌ بلا خُيول،
أيُّ ذلٍّ!
- ولكن لم تعُدْ هناك حاجةٌ للسيوف يا عمَّاه؟
- فما للبَكريِّين
وخيولكم إذا؟
- بما أنَّ الحرب
انتهتْ فنحن في غنى عنها!
- الحرب انتهتْ، وهل انتهتْ مطامحُ الرِّجال؟ هل وصلتم لحياةٍ آمنةٍ مطمئنَّة؟
- نعم!
- وكريمة، فيها أنَفةٌ وكبرياءٌ وقدرةٌ على اتخاذ قرارٍ، فيها عظمةٌ وأحلامٌ
وطموحات؟
- ما لنا ولهذا
كلِّه؟
- ما لكم وللحياة
إذا!".
وكأن الاثنين يتحدثان عن واقعنا الحالي وما يحاك للمقاومة في واضحة النهار،
كي تنصاع المنطقة برمتها وينخرط الجميع في تقديم فروض الطاعة والولاء لنتنياهو وأطماعه
الخسيسة التي أضحت علنية، ولم يعد يتردد في التصريح بحلم "رؤية
إسرائيل الكبرى"
وسط صمت عربي مخز ومخجل؛ فلماذا لا تتحلّون بكل هذا "الأدب والحياء" مع تصريحات
خليل الحية وقادة حماس على سبيل المثال؟