مجددا تتداعى المقولة السخيفة التي يروج لها البعض وقت الضرورة بعدم "إقحام
السياسة في الرياضة" بل وتسقط بالضربة القاضية، لا سيما أننا نتحدث عن رأس
هرم
الفيفا الذي اجتهد ونبش في قاموسه المكتنز بمقولات "الغزل" المخصص
لزعماء الدول كلما حل ببلد استضاف تظاهرة ما، وبالأخص الدول التي تملك رصيدا ضخما
من الأموال والمقدرات، لكنه هذه المرة أضفى جرعة قوية على "قصائده" لأن
المعني بالأمر ليس رئيسا عاديا يمكن أن تنطلي عليه بعض العبارات الوردية، فهو في
حضرة أبي إيفانكا، وسط أرضه وبين جماهيره في مركز كيندي، وبالتالي
وبعد بحث وعناء مضن اهتدى السويسري جياني إنفانتينو لفكرة "جهنمية"
باختراع جائزة اسمها "الفيفا للسلام"، دون أن يعرف أحد ومتى وكيف ومن أين
انبثقت؟ ومن هم المنافسون لسيد البيت الأبيض قبل التتويج؟
كل ذلك يبدو ثانويا أمام سعي "صهر لبنان" (نسبة لزوجته اللبنانية
لينا الأشقر وهي من بلدة الخريبة في الشوف) لكسب ود أبي إيفانكا سرا وعلانية
وتفادي إحراجه والزج به في حفرة مظلمة أمام الجميع، مع العلم أن الأمر يتعلق بحفل
قرعة بطولة كأس العالم 2026 المزمع إقامتها في الولايات المتحدة الأمريكية والمكسيك
وكندا الصيف المقبل، والمتربصون بزلات رئيس الفيفا التي باتت لا تعد ولا تحصى كُثر.
وبإلقاء نظرة بسيطة على الحفل السالف الذكر؛ سنجد "كوارث" غير
مسبوقة في ظل حالة "الجشع" المتزايدة من هذا الجهاز الوصي على كرة القدم
التي وجب التذكير بأنها اللعبة الأكثر شعبية في العالم، وهي مهددة على كل حال
بفقدان اللقب مع استمرار تشويهها عاما بعد آخر لتصبح لعبة السياسيين والأنظمة الإعلانية
الضخمة التي تبتلع جماليتها وكونها أقرب الرياضات للشعوب والفقراء، والدليل أن قرار
رفع عدد المنتخبات المشاركة في المونديال إلى 48 منتخبا بدا حتى منذ القرعة محكوما
بالارتباك، سواء في طريقة وضع المنتخبات لتفادي ضم كل مجموعة لمنتخبين من كل قارة،
وأيضا لعدم اكتمال عقد المتأهلين في انتظار التحاق ست منتخبات لم تُجر مباريات
الملحق أصلا، وستنتظر لشهر آذار/ مارس المقبل لمعرفة إمكانية مشاركتها وتصبح ملزمة
بالتجهيز لتظاهرة ضخمة مثل كأس العالم ستقام بعد ثلاث أشهر من ذلك. ما هذه الفوضى
التي لم تشهدها الساحرة المستديرة أبدا؟
كعكة العوائد الإعلانية وحقوق البث:
للإجابة على السؤال المطروح لا بد من معرفة أن عدد المباريات في المونديال
بحلته الجديدة سيصل إلى 104 مباريات، تخيّلوا هذا الكم الهائل الذي يهدف كي تغرف
الفيفا والشركات المحيطة بها من عوائد حقوق البث، وهذا ما لم يفوّت أبو إيفانكا
الفرصة كي يطرحه على السويسري المستبد بزمام كرة القدم، حين قال له بالحرف الواحد:
"هل صحيح أن كأس العالم ستحقق 30 مليار دولار؟ هذا يبدو مبلغا كبيرا من المال"،
ليرد عليه رئيس الاتحاد الدولي: "هذا جيد"، ليواصل
ترامب متحمسا: "هل
أنت متأكد؟ كم سيحصل البلد من هذا المبلغ؟".
ليخبره جياني أن الولايات المتحدة الأمريكية ستحصل على 20 في المئة من إجمالي
إيرادات كأس العالم، وطبعا هذا لم يعجب أبا إيفانكا؛ تاجر العقارات المتخصص في
الصفقات، ليرد مستنكرا: "هل هذا كله لكم؟ لا، هل نحن نحصل على جزء من إجمالي الإيرادات،
بالتأكيد هذا خاضع للتفاوض، وهذا سيخلق 200 ألف فرصة للأمريكيين".
هذا الحوار كفيل بفهم ما بدأنا به هذه المادة الصحفية حول سعي السويسري
لكسب ود الرئيس الأمريكي تجنبا للإحراج الذي أضحى متخصصا في وضع أغلب من يقابلهم
فيه على غرار ما يفعله برؤساء الأنظمة العربية، حتى بات البعض منهم يتحاشى لقاءه
علنية، لكن هل نجح رئيس الفيفا في مسعاه؟
انتهاك واجب الحياد:
تعوّد "صهر لبنان" على اللعب بالمفردات "الإنسانية"
وقت الحاجة والضرورة القصوى، كما فعل بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية وتحول
لحمل وديع وبقلب مرهف يتمزق كمدا على الضحايا من أصحاب البشرة البيضاء والعيون
الملونة، لكنه يتغاضى بل ويُشهر سيف العقاب لكل من يتحدى "قواعد الفيفا"
حين يتعلق الموضوع بمجازر غزة والبلدان العربية، رغم أنه يتزعم شبكة المستفيدين من
الدعم العربي دائما.
لكن سبحان الله، يبدو أن غلطة الشاطر بألف حيث بدأت عدة منظمات حقوقية
بالتحرك بعد خطوته مع أبي إيفانكا، حيث اشتكته منظمة الدفاع عن حقوق الإنسان
المعروفة باسم "فير سكوير" إلى لجنة
الأخلاقيات في الاتحاد الدولي،
متهمة إياه بانتهاك "واجب الحياد" لصالح الرئيس الأمريكي، حيث اعتبرت منح
مثل هذه الجائزة لقائد سياسي يمارس مهامه يشكل انتهاكا صارخا لواجب الحياد المفروض
على فيفا بموجب المادة 15 من قانون الأخلاقيات الخاص بها"، ودعت إلى "فحص
الظروف" المحيطة بالإعلان مستحضرة دعوة رئيس الفيفا في تشرين الأول/ أكتوبر
بمنح ترامب جائزة نوبل للسلام، إضافة إلى تصريحاته المؤيدة لسياساته الداخلية. وأكدت
المنظمة التي تتخذ من العاصمة لندن مقرا لها بأن "دعمه الواضح لأجندة الرئيس
الأمريكي السياسية على المستويين الوطني والدولي يهدد نزاهة وسمعة كرة القدم وفيفا
نفسه".
المؤكد أن هذا التحرك أصبح ضرورة ملحة في ظل بلوغ هذا الجهاز لمرحلة التوحش،
وذلك ما اشتكاه منه اللاعبون والمدربون منذ فترة لا بأس بها، لإصرار الفيفا على
تحويلهم إلى "آلات" لجني الأموال، والدليل ما عشناه الصيف الماضي من
خلال مهزلة توسيع بطولة كأس العالم للأندية والصورة الباهتة التي ظهرت عليها في
الملاعب الأمريكية، فهل سيتحول أبو إيفانكا لكابوس يقض مضجع رئيس الفيفا، ويعيد
فتح ملفات هذه الهيئة التي يكتنفها الغموض ولا سيما في الآونة الأخيرة؟