تبحث
القاهرة طوال عام ونصف عن صفقة مماثلة لصفقة "رأس الحكمة" بين
مصر والإمارات بالساحل الشمالي، تفك بعض شفرات
اقتصاد متأزم يعتمد في تسيير أعماله على الدين وبيع الأصول، حتى جرى الأحد، توقيع صفقة "قرن البحر الأحمر"، لتحويل إحدى أجمل شواطئه إلى "موناكو مصر"، وفق تعبير الإعلام المصري.
وشهد رئيس الوزراء مصطفى مدبولي ،من العاصمة الإدارية الجديدة، توقيع مشروع "مراسي ريد" السياحي على مساحة 10.2 مليون متر مربع (2380 فدانا) بـ"خليج سوما" بالساحل الغربي للبحر الأحمر بشراكة سعودية إماراتية، 50 بالمئة لمؤسس شركة "إعمار" الإماراتي محمد العبار، والنسبة المتبقية لشركة "سيتي ستارز" للسعوديين حسن شربتلي، وفهد الشبكشي، باستثمارات 900 مليار جنيه (20 مليار دولار).
مشروع قديم متجدد
وفق المعلن، عبر صفحة مجلس الوزراء يضم "مراسي ريد" في نسخته الثانية لإعمار في مصر بعد "مراسي" البحر المتوسط: مناطق ترفيهية، ومراسي لليخوت، وفنادق ومنتجعات سياحية فاخرة، ومناطق تجارية، و12 ألف غرفة فندقية، ومع توقعات بجذب 4 ملايين سائح سنويا، و400 علامة تجارية عالمية بالموضة والمطاعم والتجزئة.
اظهار أخبار متعلقة
وتضخ "إعمار مصر"، التابعة لـ"إعمار العقارية" الإماراتية، ووفق إفصاح لـ"بورصة مصر"، الأحد، 900 مليار جنيه بالمشروع، عبر شركتها التابعة "سكاي تاوز للتطوير العقاري" بعد أن استحوذت في شباط/ فبراير الماضي على تلك المساحة التي تتميز بشواطئها الرملية البيضاء، والمياه الفيروزية، والشعاب المرجانية.
فكرة المشروع قديمة
أعلنت شركة "غولدن كوست"، التابعة بنسبة 90 بالمئة لشركة "غولدن بيراميزا بلازا" ضخ
استثمارات في مشروعات "سيتى ستارز"، الثلاثة: في شرم الشيخ والساحل الشمالي، والبحر الأحمر "رد سي"، بخليج سوما في مساحة 10 ملايين مترمربع، وذلك بعد تنفيذ مشروع "سيتى ستارز هليوبوليس" بالقاهرة.
وبعد نحو 13 عاما، وفي حزيران/ يونيو الماضي، جرى الإعلان عن شراكة سعودية إماراتية، بين شركة "سيتي ستارز" السعودية التابعة للشربتلي والشبكشي والمالكة للأرض وفق المعلن وقتها، مع "إعمار" التابعة للعبار، لتنفيذ المشروع على 6 مراحل، بداية من 2026، مع تشغيل تجريبي في 2028، ليكتمل المشروع بحلول 2037، ليمثل أول توسع لإعمار بساحل البحر الأحمر.
وتتولى "إعمار العقارية"، أكبر مطور عقاري في الإمارات، والمالكة لـ"إعمار مصر للتنمية"، والتي استثمرت حوالي 20 مليار دولار في عقارات مصر، تطوير "مراسي ريد"، لتنضم إلى مشروعاتها السابقة في "مراسي الساحل الشمالي" (1500فدان في سيدي عبدالرحمن)، وفي "أب تاون كايرو" (4.5 مليون متر مربع بالقاهرة).
كما أن "مراسي ريد" ليس المشروع الأول لـ"سيتي ستارز" العقارية التي أسست فرعها في مصر عام 2007، وتمتلك محفظة مشروعات بالساحل الشمالي، وشرم الشيخ، و6 أكتوبر غرب القاهرة، والقاهرة الجديدة شرق العاصمة المصرية.
هل تلتهمها الديون؟
قال رئيس مجلس إدارة شركة إعمار مصر جمال بن ثنية، إن "العوائد السنوية تبلغ 200 مليون دولار".
ويفكر المصريون في عوائد الصفقة ودورها في إنقاذ اقتصاد مصر المتأزم، مع طرح "إعمار مصر" وحدات المرحلة الأولى للبيع، "بأسعار بين (14و18 مليون جنيه" للشاليه (غرفة واحدة) مع خطط سداد من 7 إلى 8 سنوات.
ولم تكشف تفاصيل الصفقة عن دور الحكومة المصرية، ولا قيمة ما حصلت عليه مقابل الأرض في وضع الشراكة الجديد، ولا عن حقوقها المستقبلية في المشروع، ولم تجيب على تساؤلات المصريين: هل للقاهرة شراكة بالمشروع، أم نسبة من الأرباح؟، وما الاختلاف بين تلك الصفقة وصفقة "رأس الحكمة"؟.
أعلن العبار نظريا عن مبلغ 900 مليار جنيه التي ، ستدخل نسبة منها خزينة الدولة المصرية ما يعني انتعاشة وحل بعض الأزمات، كما يتوقع مراقبون للصفقة أن "تستفيد المالية العامة للدولة عبر عائدات البيع أو تخصيص الأرض، ومن الضرائب والرسوم الجمركية على مدخلات البناء والتجهيز، والضرائب العقارية والسياحية عند التشغيل".
ويتخوف البعض من أن تذهب عوائد البيع، لسداد فوائد وأقساط ديون خارجية تتعدى 156.7 مليار دولار، بالربع الأول من 2025، كما جرى مع عوائد صفقة رأس الحكمة الموقعة شباط/ فراير 2024، والبالغة 35 مليار دولار.
وفي كانون الثاني/ يناير الماضي، اعترف وزير المالية، أحمد كجوك، باستخدام صفقة رأس الحكمة، في خفض الدين قائلا: "خفضنا المديونية من 96 إلى 89 بالمئة من الناتج المحلي"، و"تراجع حجم الدين الخارجي بنحو 3 مليارات دولار".
وفي آذار/ مارس الماضي، قالت رئيسة بعثة صندوق النقد الدولي لمصر، إيفانا فلادكوفا هولار، إن مصر خصصت مبالغ إضافية من مشروع "رأس الحكمة" لخفض الدين.
كيف يرى المصريون الصفقة؟
ربط البعض بين توقيع الصفقة وأحداث سياسية بالمنطقة، خاصة وأنه جاء بعد أسبوعين على زيارة رئيس الإمارات محمد بن زايد لمدينة العلمين الجديدة 25 آب/ أغسطس الماضي، ولقاء
السيسي، الذي كان قد زار قبلها بـ4 أيام مدينة نيوم السعودية والتقى ولي العهد محمد بن سلمان، 21 آب/ أغسطس الماضي.
اظهار أخبار متعلقة
ويرى مؤيدو الصفقة أنها تنعش قطاع السياحة الذي يمثل 12 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، ويوفر فرص العمل، بعيدا عن استفادة الحكومة المصرية بعوائد البيع لتلك المساحات الواسعة من الأراضي.
ويقع المشروع على بعد 45 كيلومتر من الغردقة، وعلى مشارف مدينة سفاجا، وجنوب "سهل حشيش"، و"خليج مكادي"، في حين يتوقع عاملون في قطاع السياحة أن يحقق طفرة سياحية كبيرة بالمنطقة، مع تشغيل عمالة وشركات البناء والتشييد، إلى جانب عوائد السياحة.
لكنه على الجانب الآخر، ينتقد مراقبون وخبراء "سياسة بيع الأصول وغياب الشفافية في تلك التعاقدات"، ويتخوفون من "تغلغل وكلاء الاحتلال الإسرائيلي في الأرض المصرية"، مؤكدين أن "مصر تنكمش على الخريطة"، متسائلين: "ما المشروع القادم لبيع أراضي مصر؟، ولمن؟".
ويلفت البعض إلى دعم العبار، دولة الاحتلال الإسرائيلي، والذي كشفت عنه وسائل إعلام عبرية، في آب/ أغسطس 2021، معلنة تقديمه و4 شخصيات أخرى 550 مليون شيكل (170 مليون دولار ) طوال 18 عاما كتبرعات لمشاريع الاحتلال، ومساعدة "فقراء إسرائيل".
وفي السياق، ينتقد مصريون توجه المستثمرين الخليجيين نحو الاستثمار العقاري في الفنادق والمنتجعات والاستحواذ على الأراضي فقط، دون إنشاء مصانع تقوم على التصدير وجلب العملة الصعبة، متسائلين: "لماذا لا تستثمر بقطاع التكنولوجيا العسكرية والطيران والذكاء الاصطناعي والبحث العلمي وتطوير التعليم؟".
حصر ومراجعة وطرح سواحل الأحمر
وتشهد مصر في عهد السيسي، موجة تنازلات عن الأراضي للأجانب للحصول على العملات الصعبة، فيما أقر مجلس النواب 4 كانون الثاني/ يناير 2024، تعديلات قانون تنظيم ملكية الأراضي الصحراوية، لمنح الأجانب حق تملك الأراضي للمشروعات الاستثمارية، مساواة بالمصريين.
ويأتي توقيع المشروع السياحي الضخم بحضور مدبولي، قبل أسبوع من انتهاء أعمال لجنة حكومية مصرية لحصر ومراجعة الأراضي المطلة على ساحل البحر الأحمر منتصف الشهر الجاري، تمهيدا لطرحها على مستثمرين استراتيجيين.
وأكد مدبولي، أن "المنطقة الواعدة سشهد مشروعات أخرى، نتطلع للإعلان عنها قريبا".
وقدر وزير الإسكان شريف الشربيني، قيمة مخزون الأراضي والوحدات التابعة لوزارة الإسكان التي تم حصرها وسيتم طرحها تباعا بتريليوني جنيه.
وفي أيلول/ سبتمبر 2024 أعلنت مصر طرح 5 مناطق بالبحر الأحمر للمستثمرين، بينها "رأس بناس"، وجزيرة "رأس جميلة"، ورأس شقير"، ما تبعه في 10 حزيران/ يونيو الماضي، تخصيص رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي، 174 مليون مترمربع بالبحر الأحمر لصالح وزارة المالية، لذات الغرض.
فتحت منطقة مغلقة
وفي رؤيته التحليلية للصفقة، قال الباحث الاقتصادي محمد نصر الحويطي، إن "أمر الصفقة التي تضم رجال أعمال سعوديين وإماراتيين متعلق بفكرة الاتفاقية بين الدول المشاطئة للبحر الأحمر، واهتمام السعودية بالاستثمار في الساحل الغربي للبحر".
في حديثه، لـ"عربي21"، أكد الحويطي، أن "المشروع بشكل عام يدعم التنمية بمنطقة البحر الأحمر التي تحتاج استثمارات كبيرة لطبيعتها حيث سلسلة جبال البحر الأحمر، على عكس ساحل المتوسط، ويفتح الباب أمام مشروعات أخرى كبيرة لشركات ومستثمرين خليجيين".
ولفت إلى أن "صفقة منتجع مراسي البحر الأحمر متفق عليها منذ فترة طويلة، وهناك معلومات عن شراكات جديدة بين إماراتيين وهيئات مصرية في رأس بناس، ورأس جميلة، لكنها لم ترق بعد لاتفاقيات مبرمة، لكنها تدعم الاستثمار بالمنطقة التي شهدت عزوفا من المستثمرين".
وحول دور الصفقة في تغيير واقع الاقتصاد المصري من حيث الديون والحصيلة الدولارية وسعر الصرف، قال الكاتب الصحفي، إن "حجم ما تحصل عليه مصر غير معلن لكن رقم 900 مليار جنيه رقم كبير يعزز الاستثمار، ورغم أن حصيلة مصر الدولارية من الصفقة غير معروفة لكن أي صفقة خارجية تعززها وتحسن سعر الصرف".
بيع مقنن لا استثمار حقيقي
وعبر مراقبون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، عن مخاوفهم من استمرار توجه الدولة المصرية لبيع الأراضي الاستراتيجية، للأجانب، محذرين من تبعات الأمر.
وكتب المستشار طارق مقلد، عبر فيسبوك يقول: "لا للبيع المقنّع تحت شعار الاستثمار"، مشيرا إلى أنه يجري بـ"أبخس الأثمان"، مؤكدا أن ما يثار عن "تحويل البحر الأحمر إلى (موناكو) محاولة لطمس الحقيقة: أن الأرض المصرية تُنتزع قطعةً قطعة لصالح الأجانب تحت مسميات منتجعات، فنادق، مراسي يخوت"، مبينا أن مصر تحتاج الاستثمار الحقيقي وأن "تُنشئ صناعة وتُوفر فرص عمل وتُنعش الاقتصاد".
وفي تحليلها للصفقة، قالت خبيرة التخطيط الاستراتيجي سالي صلاح، إن "الأموال ليست قرضا أو منحة، بل عوائد بيع أصل استراتيجي"، ملمحة إلى أن "المستثمرين سيديرون المشروع ويحصلون على الأرباح من الفنادق والوحدات والخدمات، والدولة تحصل فقط على الضرائب، ورسوم التراخيص والجمارك، وضرائب العمالة".
اظهار أخبار متعلقة
وتعتقد صلاح، أن "الصفقة رغم ضخامة قيمتها "لا تسدد الدين العام ولا تخفض سعر الصرف بشكل مباشر، لكنها تساعد في: تغطية عجز الموازنة، وتوفير سيولة مؤقتة، وتحسين صورة مصر كوجهة استثمارية"، مشيرة إلى بعض عيوب الصفقة مؤكدة أن "الأرباح التشغيلية ربح المستثمرين وليس الدولة"، متخوفة من "تركيز التنمية بمنطقة واحدة، ونقص استراتيجية استثمار العوائد في إنتاج حقيقي"، مؤكدة أن "بيع الأصول ليس بديلا عن التنمية المستدامة".