ملفات وتقارير

غزة تغرق الاحتلال في عزلة دولية تتعمق يوميا.. "كيان منبوذ"

الأصوات الرافضة لـ"إسرائيل" بدأت تتعالى داخل البرلمانات والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني في الغرب- الأناضول
الأصوات الرافضة لـ"إسرائيل" بدأت تتعالى داخل البرلمانات والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني في الغرب- الأناضول
تتفاقم الأزمات السياسية والدبلوماسية التي يواجهها الاحتلال الإسرائيلي مع دول عدة حول العالم، في ظل استمرار عدوانه على قطاع غزة المدمر، ووسط تأكيد حركة حماس على موافقتها على صفقة لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، إلى جانب مطالبات دول ومنظمات إنسانية بوقف الانتهاكات، تتعرض فيه دولة الاحتلال أيضا لانتقادات بسبب ممارساتها العدوانية على سوريا وإيران واليمن، ما وضعها في موقع أكثر عزلة على الساحة الدولية.

وتحظى دولة الاحتلال بدعم واسع من الولايات المتحدة وأغلب الحكومات الأوروبية، غير أن الأصوات الرافضة بدأت تتعالى داخل البرلمانات والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني في الغرب، حيث تصاعدت الدعوات إلى وقف تصدير السلاح للاحتلال وتجميد التعاون العسكري، كما استدعت عدة دول سفراء الاحتلال للاحتجاج على انتهاكاته، فيما جُمّدت مشاريع تجارية واتفاقيات تعاون، لتظهر "إسرائيل" أكثر فأكثر كدولة منبوذة في المجتمع الدولي.

وقال الدكتور علي أغوان، أستاذ العلاقات الدولية، لـ"عربي21"، إن "إسرائيل تعرضت لانكشاف دبلوماسي كبير بعد أحداث حرب غزة وما جرى عقب طوفان الأقصى، حيث لم يعد العالم قادراً على إخفاء ما تفعله إسرائيل تجاه المدنيين والمباني السكنية وحتى المستشفيات، وهو ما وضعها في موقف دبلوماسي سيئ للغاية، خاصة فيما يتعلق بعلاقاتها مع أوروبا".

أمريكا الجنوبية
منذ بدء العدوان على غزة في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، أعلنت بوليفيا قطع علاقاتها الدبلوماسية تماماً مع "إسرائيل"، معتبرة أن عملياتها تمثل "جرائم ضد الإنسانية"، حيث جاء القرار على خلفية الجرائم الإنسانية بحق الشعب الفلسطيني والدمار الواسع في القطاع.

وأكد فريدي ماماني نائب وزير الخارجية البوليفي على أن "الهجوم العسكري وغير المتناسب الذي تشنه إسرائيل في قطاع غزة يهدد السلام الدولي، وتجب إدانته بالطريقة نفسها، وينبغي عدم منع دخول الأغذية والأدوية والإمدادات الإنسانية إلى غزة".

وسريعا لحقت ببوليفيا جارتها تشيلي حيث قررت استدعاء سفيرها من "إسرائيل" للتشاور، مؤكدة أن العمليات العسكرية الإسرائيلية على غزة تقارب "العقاب الجماعي غير المقبول" بحق السكان المدنيين، مع مطالبة بوقف فوري للأعمال العدائية وتيسير دخول المساعدات الإنسانية.

وقالت الخارجية التشيلية على إن سفارتها أبلغت السلطات الإسرائيلية سحب الملحقيْن العسكرييْن اللذين كانا يؤديان مهامهما في بعثتنا في الأراضي المحتلة، وبررت القرار إلى الحالة الإنسانية البالغة الخطورة التي يعيشها السكان الفلسطينيون في قطاع غزة نتيجة العملية العسكرية غير المتناسبة والعشوائية لجيش الاحتلال الإسرائيلي.

كما استدعت كولومبيا سفيرها من "إسرائيل"، وقال الرئيس غوستافو بيترو إن ما يحدث في غزة يمثل "مجزرة بحق المدنيين"، وأعلن تعليق مبيعات الأسلحة لـ"إسرائيل"، في خطوة أبرزت اتساع دائرة التوتر الدبلوماسي منذ بداية الحرب

وأصدر الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو، في 25 تموز/ يوليو 2025، أمرًا للقوات البحرية بوقف أي سفينة محمّلة بالفحم متجهة إلى "إسرائيل"، مؤكّدًا أن بلاده «لن تتواطأ مع الإبادة الجماعية في قطاع غزة"، وذلك بعد مغادرة سفينة محمّلة بالفحم من ميناء سييناغا الخميس في تحدٍّ لقراره السابق.

ويأتي هذا الإجراء ضمن سياسة تصعيدية من بوغوتا تستهدف تضييق الخناق دبلوماسيًا واقتصاديًا على تل أبيب، بعد أن سبق أن فرضت حظر تصدير الفحم إليها منذ آب/أغسطس 2024 احتجاجًا على الجرائم الإسرائيلية في غزة.

اظهار أخبار متعلقة


أما الدولة الأكبر في القارة البرازيل، فقد أعلنت عن رفضها المصادقة على تعيين سفير إسرائيلي جديد في بلادها، مشيرة أنه "شخص غير مرحب"، مما دفع دولة الاحتلال الإسرائيلي إلى خفض مستوى التمثيل الدبلوماسي مع البرازيل.

وقال الرئيس البرازيلي، إن "ما يحدث في قطاع غزة ليس حربا، بل إبادة جماعية"، مضيفا أن "هذه ليست حرب جنود ضد جنود، بل هي حرب بين جيش مجهّز تجهيزا عاليا ونساء وأطفال. ما يحدث للشعب الفلسطيني في قطاع غزة لم يحدث في أي وقت مضى في التاريخ. بل حدث من قبل: عندما قرر هتلر قتل اليهود".

أوروبا من الدعم إلى الغضب
وعلى الصعيد الأوروبي، والتي تمثل شريانا حيويا للاحتلال الإسرائيلي بحكم العلاقات التجارية والعسكرية والسياسية الممتدة منذ عقود، إذ تعد القارة العجوز ثاني أكبر شريك اقتصادي بعد الولايات المتحدة، ومصدرا رئيسيا للأسلحة والدعم الدبلوماسي.

وتشهد المواقف الأوروبية من العدوان الإسرائيلي المستمرة على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023 تحولا تدريجيا يتجاوز بيانات التنديد الشكلية، ليمتد إلى إجراءات سياسية ودبلوماسية واقتصادية أكثر وضوحا، مثل مراجعة اتفاقيات الشراكة التجارية، وتجميد التعاون العسكري، والاعتراف المحتمل بالدولة الفلسطينية.

ويأتي هذا التحول بعد شهور من الدعم المباشر أو الصمت الغربيين حيال واحدة من أبشع الجرائم الجماعية في التاريخ الحديث، والتي تنطبق عليها كل معايير “الإبادة الجماعية” وفق تقارير أممية ومنظمات حقوقية بارزة

وبدأ العدوان على غزة يقلب المعادلة، حيث ارتفعت الأصوات داخل أوروبا للمطالبة بفرض عقوبات وتعليق التعاون، وتزايدت قرارات برلمانية وانتقادات رسمية ضد حكومة الاحتلال، ما وضعها أمام أزمة غير مسبوقة مع حليف تقليدي طالما وفر لها الغطاء في المحافل الدولية.

كما أوضح أغوان، أن "إسرائيل لم تعد قادرة على الحصول على كل ما تريده من أوروبا والولايات المتحدة، إذ هناك تقاطعات واضحة بين المشروع الإسرائيلي القائم على هدم المنطقة وإعادة بنائها وفق رؤية نتنياهو، وبين الرؤية الأمريكية والأوروبية التي تفضل تغيير سلوك الأنظمة بدلاً من هدمها وإعادة بنائها بالكامل".

اظهار أخبار متعلقة


حيث دعا رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز إلى استبعاد "إسرائيل" من الفعاليات الثقافية الدولية مثل "يوروفيجن"، مبررًا ذلك برفض ازدواج المعايير. كما أعلنت إسبانيا عن مشروع قرار للجمعية العامة للأمم المتحدة لإنهاء الحصار على غزة والسماح بدخول المساعدات.

كما أعلن صندوق الثروة السيادي النرويجي الذي يبلغ حجمه تريليوني دولار، وهو الأكبر في العالم، الاثنين، سحب استثماراته من مجموعة كاتربيلر الأمريكية وخمسة بنوك إسرائيلية لأسباب أخلاقية.

ومطلع آب/ أغسطس الجاري والأسبوع الماضي،  أعلن وزير المالية النرويجي، أن حكومة بلاده تدرس اتخاذ إجراءات أخرى تتعلق باستثماراتها في إسرائيل، مشيراً إلى أن هذا الملف يحظى باهتمام جاد من قبل السلطات النرويجية.

أما فرنسا، الحليف الأوثق للاحتلال، فقد أصدرت بيانا مشتركًا مع بريطانيا وكندا في 20 أيار/ مايو 2025، هددت فيه باتخاذ إجراءات ملموسة وعقوبات ضد إسرائيل بسبب توسيع عملياتها العسكرية في غزة ومنع المساعدات الإنسانية.

كما استدعت فرنسا السفير الإسرائيلي في 21 أيار/ مايو 2025 بشأن إطلاق نار من جنود إسرائيليين تجاه دبلوماسيين في جنين، مما أثار توترات دبلوماسية، لاحقا أعلنت نيتها الاعتراف بدولة فلسطين وعقد مؤتمر دولي لدعم حل الدولتين، مما يعكس تحولًا في الموقف الدبلوماسي تجاه إسرائيل.

فرضت ألمانيا حظرا على توريد الأسلحة إلى إسرائيل في خطوة غير مسبوقة لتقييد قدراتها العسكرية مع استمرار الحرب وتزايد الضغوط الدولية، لا سيما بعد إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، عزمه احتلال قطاع غزة.

وتواجه الشركات الإسرائيلية خطر فقدان أحد أهم أسواقها الإستراتيجية، إذ تحتل ألمانيا المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة من حيث حجم صادراتها الدفاعية لإسرائيل خلال العقود الأخيرة، وقد لعبت دورا بارزا في تزويد الجيش الإسرائيلي بأنظمة متطورة، من بينها الغواصات وسفن الصواريخ التي تحمي منصات الغاز الإسرائيلية.

عدوان متواصل أمام مرأى المحاكم الدولية
في آواخر عام 2024، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الحرب السابق يوآف غالانت، وقالت إن هناك "أسبابا منطقية" للاعتقاد بأنهما ارتكبا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة.

وأعتبر محللون، أن مذكرة المحكمة الجنائية الدولية كانت بمثابة "انتصار أخلاقي" لفلسطين أكثر من أي شيء آخر، إلا أن نتنياهو وغالانت تمكنا لاحقاً من السفر إلى عدد من تلك الدول بالفعل، ما يؤكد أن تأثير المذكرة بقي محصوراً في الجانب الرمزي والضغط السياسي على دولة الاحتلال.

من جانبه، أشار أغوان إلى أن "المحكمة الجنائية الدولية يمكن أن تضغط قليلاً على إسرائيل، لكن من المستبعد أن تصدر قرارات ضد نتنياهو أو دولة الاحتلال نفسها، في ظل تحول الموقف الأمريكي والأوروبي، وهذا يتطلب تغييرا جذريا في عمل اللوبيات داخل واشنطن وأوروبا حتى تتبدل مواقف هذه الدول، وهو أمر غير مطروح حالياً".

كيف يرى قادة الاحتلال علاقات دولتهم المزعومة؟
نشرت صحيفة "معاريف" العبرية، مقالا، للواء الاحتياط في جيش الاحتلال  الإسرائيلي، إسحاق بريك، في المقال الذي ترجمته "عربي21" ما وصفه بـ"تدهور العلاقات الدولية"، مردفا: "تفقد إسرائيل علاقاتها بالعالم في المجالات الاقتصادية والثقافية والعسكرية والسياحية وغيرها. نشهد تصاعدا في معاداة السامية ومظاهرات الملايين ضدها في الدول الأوروبية والآسيوية والأسترالية والأمريكية".

اظهار أخبار متعلقة


وتابع: "أصبحت إسرائيل منبوذة في نظر العالم أجمع تقريبًا، وسرعان ما ستواجه خطرًا حقيقيًا بزوالها. وصلنا إلى نقطة اللاعودة، وحتى بعد انتهاء الحرب، لن يعود الوضع إلى طبيعته. إن عزلة إسرائيل عالميًا، والمقاطعات الاقتصادية والثقافية، وحظر الأسلحة، وانهيار العلاقات الدولية، كلها عوامل كفيلة بانهيارها".

 وفي وقت سابق، نشرت شبكة سي إن إن الأمريكية، لقاء صحفيا مع السيناتور الأمريكي بيرني ساندرز، وتحدث خلال المقابلة أن ما فعله نتنياهو  وحكومة الاحتلال الإسرائيلية، أدى إلى أنها أصبحت دولةً منبوذة تقريبًا، متخوفاً بشدة أن تُنظر إسرائيل الآن بصورةٍ سلبيةٍ للغاية من قِبَل الناس في جميع أنحاء العالم، وليس فقط في الولايات المتحدة.

ووعد ساندرز بطرح عدة قرارات بمجلس الشيوخ، من شأنها إيقاف مبيعات أسلحة أميركية لإسرائيل تتجاوز قيمتها 20 مليار دولار، وهو جهد يبدو بعيد المنال، لكنه يُمثل أقوى محاولة في الكونجرس حتى الآن للرد على الدمار في غزة مع اقتراب الذكرى السنوية الأولى لحرب إسرائيل على غزة.

مستقبل الاحتلال أمام المشهد السياسي
ذكر الدكتور علي أغوان أن "العزلة التامة لإسرائيل غير مطروحة، لكن دولاً عدة بدأت بالفعل بتقييد علاقاتها معها، بعدما باتت مفضوحة عالمياً باستخدامها العنف المفرط تحت ذريعة الدفاع عن النفس. وهذا أضر بالصورة التي حاولت إسرائيل ترويجها ككيان يسعى للسلام، وهي صورة ستظل مشوهة لسنوات طويلة بسبب ما فعلته في غزة والمناطق المحيطة".

وختم بالقول إن "العزلة التي تواجهها إسرائيل يمكن وصفها بالمؤقتة وغير الشاملة، فما زالت هناك دول ترغب بالتعامل معها، لكن الضغوط الداخلية، خصوصاً من المؤسسات الحقوقية وبعض البرلمانات مثل إسبانيا ودول أخرى، دفعت باتجاه اتخاذ مواقف حادة مما تفعله إسرائيل".
التعليقات (0)