توقف
الإسرائيليون أمام التراجع الروسي المفاجئ عن دعم
إيران أمام الهجوم الذي تعرضت له، مما وضع قيادة الرئيس فلاديمير
بوتين، والموقع الاستراتيجي لبلاده على المحكّ، خاصة بعد انهيار النظام السوري.
وأكدت الخبيرة الإسرائيلية في الجغرافيا والسياسية والأزمات الدولية، عنات هوشبيرغ –ماروم، أنه "بعد إدانة الرئيس الروسي العلنية للهجوم الإسرائيلي على إيران، ووصفه للهجمات الإسرائيلية والأمريكية على مواقعها النووية بأنها "غير مبررة"، أعرب بوتين عن قلقه البالغ إزاء التصعيد الإقليمي، ومع ذلك، ورغم كونه حليفاً استراتيجياً وقعت معها مؤخراً اتفاقية لتعزيز التعاون، دون الالتزام بالدفاع المتبادل، فإن
روسيا امتنعت حتى الآن عن تقديم مساعدة عسكرية ملموسة لإيران".
وأضافت في مقال نشرته صحيفة "
معاريف"، وترجمته "عربي21" أنه "بينما توزع روسيا بيانات علنية داعمة لإيران، وبجانب تحذيراتها لواشنطن من الانضمام مباشرة للصراع، فإنها قدمت نفسها كوسيط محتمل بين جميع الأطراف، وهي تدرك جيدا ضعف موقفها في الشرق الأوسط، الذي كان سابقا عنصرا أساسيا في سياستها الخارجية".
مخاوف تمدد الصراع
وأوضحت أنه "من وجهة نظر بوتين، فإن التدخل الأمريكي بجانب إسرائيل ضد إيران ليس مجرد خطوة جذرية قد تؤدي لتصعيد الأزمة، بل إن الهجمات الأمريكية وانضمام أطراف إضافية للصراع، بما فيها قوى غير إقليمية، تدفع العالم، إلى نقطة متطرفة خطيرة للغاية، فإلى جانب التهديد الكامن في استمرار الحرب، وتصعيد الصراع مع إيران، تشعر موسكو بقلق متزايد إزاء زعزعة الاستقرار في المنطقة، لأنها قد تمتد لجيرانها في القوقاز وآسيا الوسطى، بل وربما تهددها".
وأكدت أنه "من منظور جيوسياسي وجيوستراتيجي روسي، فلا شك أن هذا وقت وموقف حرجان بالنسبة لها، ومعقدان للغاية، ومتفجران، لأن الصراع مع إيران، واحتمال تدهور الوضع الأمني في المنطقة يزيدان من التهديد لمصالحها وأصولها الاستراتيجية في جميع أنحاء الشرق الأوسط، مثل تدمير المنشآت العسكرية في إيران، وفقدان الأسلحة والمعدات العسكرية الروسية المتقدمة، بما فيها التقنيات النووية التي ساعدت ببناء محطة بوشهر للطاقة النووية، التي قصفتها إسرائيل والولايات المتحدة، إضافة للحدّ من وصولها لميناء طرطوس وقاعدة حميميم الجوية في سوريا، عقب سقوط الأسد".
اظهار أخبار متعلقة
وأشارت إلى أن "امتناع روسيا عن تقديم المساعدة العسكرية الحيوية لطهران، بما فيها الطائرات المقاتلة المتقدمة (سوخوي 35) وأنظمة الدفاع الجوي (إس 400 إس) التي وُعدت بها في الماضي، يمثل تحديًا كبيرًا لها، وليس الأمر مجرد أنها تقرأ الخريطة بشكل صحيح، وتتبنى "سياسة واقعية" واضحة في صراعها في أوكرانيا، بل إن دعمها العسكري لإيران ينطوي على "ثمن" باهظ للغاية، وقد تؤثر سلبا على علاقاتها مع إسرائيل، وكذلك مع الدول العربية والعالم الإسلامي، مع التركيز على دول الخليج بقيادة السعودية والإمارات العربية المتحدة".
المصالح الإقليمية
وأضافت أن "الأنشطة العسكرية والقدرات النووية الإيرانية تشكل تهديداً مباشراً ووجودياً وأمنياً لروسيا، وفيما يعيش مليوني يهودي روسي في إسرائيل فإن 15% من سكانها مسلمون".
وأوضحت أنه "رغم تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين طهران وموسكو، واتهام الغرب بمساعدة إسرائيل٬ فإن ترسيخ قوتها في الشرق الأوسط، ومكانتها كوسيط دولي، أهم من إنقاذ إيران وتطوير قدراتها العسكرية في وجه إسرائيل٬ فضلا عن إعطاء الأولوية للعلاقات المعقدة بين موسكو وواشنطن وتل أبيب، مع تأمين مصالحها الإقليمية في الوقت ذاته".
وتابعت بأنه "من الواضح أن بوتين على استعداد للمخاطرة بالتخلي عن إيران".
وأوضحت أن "إمدادات الأسلحة السرية الروسية لإيران تعتبر أيضاً غير معقولة وغير مجدية، على الأقل في الوقت الراهن، ربما بسبب الضربة القاتلة التي وجهتها إسرائيل لقمة القيادة العسكرية والأمنية والاستخباراتية الإيرانية، وقدراتها العسكرية، بل وأكثر من ذلك، في ضوء احتمال كبير لانهيار النظام، مما سينعكس على مكانة روسيا وصورتها".
وأضافت أنه "رغم دعوة روسيا جميع الأطراف لضبط النفس، وتجنب التصعيد، فمن الواضح أن الصراع ضد إيران يحمل لها العديد من الفرص الاقتصادية والاستراتيجية، لأن ارتفاع أسعار النفط يساعد على استقرار اقتصادها الذي يعاني من ارتفاع التضخم، كما أن تفاقم التوتر بين طهران وتل أبيب يؤدي لزيادة كبيرة في طلب الصين على الطاقة الروسية، لأنها زادت وارداتها من النفط الخام منها في 2024، وشكلت 21.5% من وارداتها النفطية، مقارنة بمتوسط 15.5% بين 2018 و2021، وهذا وضع معقد في حد ذاته، ونتج عن انخفاض صادرات النفط الإيرانية للصين، مما يؤدي في الوقت نفسه لتقليل اعتماد موسكو على بكين مع توسيع قدرتها على المناورة".
اظهار أخبار متعلقة
الموقف الانتهازي
وأكدت أن "تفاقم الأزمة الإيرانية، التي أصبحت محط أنظار العالم، يسمح لروسيا بجني إنجازات الحرب في أوكرانيا، لأن تحويل انتباه الموارد الغربية عن تحركاته يسمح له بمواصلة مهاجمتها بكثافة أكبر، والاستيلاء على الأراضي، وإخضاعها، حيث أطلقت 440 مُسيرة باتجاه كييف وأوديسا، وهذه فرصة أمامها لإلحاق الضرر بالتضامن الغربي، وإعادة تشكيل التوازن الإستراتيجي للقوى، والتأثير بشكل كبير على البنية الأمنية في أوروبا".
وأضاف أن "تعزيز علاقات واشنطن وتل أبيب يزيد من قلق موسكو من دفعها للخروج من الشرق الأوسط، مما سيؤثر على تقويض قوتها ومكانتها في القوقاز وآسيا الوسطى، رغم أن الضربة القاسية التي تلقتها طهران يعزز أهمية التدخل السياسي والأمني لروسيا في الشرق الأوسط، مع التأكيد على "الثمن" الذي ستدفعه لغيابها عنه، لأن قربها الجغرافي من منطقة الصراع، وكونها حليفاً متورطاً بشكل عميق في الساحة الإيرانية، يوضحان الحاجة الملحة لتغيير نهجها تجاه إيران، مع الحفاظ على التوازن الدقيق والمناورة مع إسرائيل والولايات المتحدة".
وختمت بالقول إن "المراقبة الجيو-سياسية الواسعة لوقف إطلاق النار المحدود والهش بين تل أبيب وطهران، يخدم مصالح موسكو، ويحافظ على مرونتها الدبلوماسية، ويمنع تورطها العسكري غير المرغوب فيه في الحرب، لكنها في الوقت ذاته تسلط الضوء على موقفها الانتهازي وهشاشة شراكاتها مع طهران".