الكتاب: دليل إسرائيل العام 2025م
الكاتب: مجموعة من المؤلفين.
الناشر: مؤسسة الدراسات
الفلسطينية، رام
الله، 2025م
كتب رائف زريق في دليل إسرائيل العام "
إسرائيل خلفية أيديولوجية وتاريخية" لتعريف القارئ على نحو أولي
بالأيديولوجيا الصهيونية، بالصيرورة التي قادت إلى اقامة دولة إسرائيل، ليشكل
الاثنان معاً نوعاً من الخلفية التاريخية الأيديولوجية التي قد تساهم في فهم طبيعة
دولة إسرائيل وسياستها الداخلية والخارجية، وهي مهمة صعبة بعض الشيء، استطاع
الكاتب الولوج في ثناياه، عارضاً تطوراتها على مدى قرن ونصف من الزمان.
تكمن الإشكالية التي عرضها زريق أنه في معرض
تحليله لممارسة وصيرورة الصهيونية واسرائيل لا تزالان في مراحل تشكلهما حتى إن كان
عمر هذه الصيرورة قرناً ونصف القرن، فمن الأمور التي كشفتها حرب الإبادة على غزة
هي حقيقة أن الصهيونية، نصاً وحركة، ما زالت في طور التشكل والتحول، ومن المبكر
التنبؤ بمصير المشروع الصهيوني وآفاقه المستقبلية، وقد لا يكون هذا بعيد عن
الحقيقة أن الصهيونية هي أساساً صيرورة مستمرة في جوهرها.
يضيف الكاتب: "إن المنظرين الصهيونيين
ينظرون إلى الصهيونية، في معظمهم، من وجهة نظر اللاعب الصهيوني الذي يشارك في
الحركة، بالتالي فإن هذا النوع من الرصد هو رصد ظاهراتي (فيمينمولوجي) يركز على الطريقة التي استوعب
فيها اللاعبون الصهيونيون دورهم ونشاطهم، ويولي أهمية كبرى لنياتهم واعتقاداتهم
وفهمهم للواقع ولأهدافهم، إلا إن نيات اللاعبين وأهدافهم، وإن كانت عاملاً مهماً
في فهم الأحداث والأفكار، تحجب النظر عن أثر فعل اللاعبين في غيرهم من الذوات، في
الواقع نفسه، ليصبحوا منغمسين في نياتهم مع اغفال أثر ما يفعلونه في حياة ومعاناة
الآخرين، الأمر الذين يصل إلى حد الانفصال عن الواقع تماماً وعدم الشعور
بالمسؤولية تجاه العالم ومآسيه.
يشير كثير من منتقدي الصهيونية، أنها لم تستطع أن تعرف نفسها، وماهيتها، وأن تبني مشروعها خارج المنظومة اللغوية الرمزية الدينية، وبالتالي لم تستطع قطع حبل السرة بينها كحركة علمانية قومية، وبين التراث الديني اليهودي قط، ويشير هذا الأمر إلى تواصل بين الديني والقومي، لا إلى الانقطاع بينهما، وهو ما أدركه هرتسل، بأنه لن يكون قادراً على تجنيد أوساط واسعة لمشروعه من دون أن يوظف رطانة تاريخية دينية، فهو ينهي كتابه ( البلاد القديمة الجديدة) بالقول بأنه سيقيم الدولة، في نهاية المطاف، لن تكون التكنولوجيا، ولا الثقة بالنفس، ولا الأمم المتحدة، وإنما الله!
ميز الكاتب بين تيارات متعددة داخل
الصهيونية فيما يتعلق بطبيعة علاقاتها بالسكان الفلسطينيين الأصليين، وبمدى
استعدادها للوصول إلى نوع من الحلول الوسط معهم، وبشأن مكانة حقوقهم الفردية،
والجماعية، والقومية، ففي أقصى اليسار نجد تيارات مثل بريت شالوم بقيادة يهودا
ماغنس ومارتن بوبر، التي سعت لشكل من أشكال التفاهم مع الفلسطينيين في دولة ثنائية
القومية تقوم على المساواة، في مقابل تيارات مركزية بقيادة بن غوريون تسعى لإقامة
دولة يهودية حصرية حتى لو على جزء من فلسطين، في فلسطين مقابل تيارات تنقيحية
يمينية رأت أنه من الضروري ان تقوم دولة إسرائيل على كامل أرض فلسطين، رافضة أي
نوع من المساومة أو الحلول الوسط مع الفلسطينيين، وعليه فإن هذه التيارات تمثل
توجهات متنوعة لكيفية التعامل مع الفلسطينيين كأفراد وجماعة قومية( ص34).
يشير كثير من منتقدي الصهيونية، أنها لم
تستطع أن تعرف نفسها، وماهيتها، وأن تبني مشروعها خارج المنظومة اللغوية الرمزية
الدينية، وبالتالي لم تستطع قطع حبل السرة بينها كحركة علمانية قومية، وبين التراث
الديني اليهودي قط، ويشير هذا الأمر إلى تواصل بين الديني والقومي، لا إلى
الانقطاع بينهما، وهو ما أدركه هرتسل، بأنه لن يكون قادراً على تجنيد أوساط واسعة
لمشروعه من دون أن يوظف رطانة تاريخية دينية، فهو ينهي كتابه ( البلاد القديمة
الجديدة) بالقول بأنه سيقيم الدولة، في نهاية المطاف، لن تكون التكنولوجيا، ولا
الثقة بالنفس، ولا الأمم المتحدة، وإنما الله!
الصهيونية واليهودية والدين- مشروع انقلابي:
من المهم جداً فهم علاقة الصهيونية بالدين
اليهودي أو اليهودية بصورة عامة، هل هي علاقة وصل أم علاقة قطع؟ هل الصهيونية نوع
من أنواع الثورة أو الانقلاب داخل اليهودية، أم حالة تواصل واستمرارية مع
اليهودية؟ يتسأل الكاتب...بل أنه يتعمق في تساؤلاته هل الصهيونية نوع من أنواع
الثورة أو الانقلاب داخل اليهودية، أم هي في حالة تواصل واستمرارية مع اليهودية؟
شدد كثيرون ممن يعرفون أنفسهم كعلمانيين
وصهيونيين في آن واحد على الطبيعة الثورية للحركة الصهيونية، وعلى أنها انقلاب على
اليهودية والدين، فالصهيونية من هذا المنظور هي مشروع لإعادة اليهود إلى مسرح
التاريخ، وبما أن اللاعبين على مسرح التاريخ مثلما تم فهمه في القرن التاسع عشر هم
الذوات القومية، فهذا يتطلب صوغ مشروع يهودي قومي جغرافي يعيد إلى اليهود دورهم
كلاعب، وكذات تاريخية فاعلة تأخذ مصيرها بيديها، وتخرج اليهود من الحالة السلبية
التي عاشوها في أوروبا إلى حالة عمل سياسي وفعلي، فالخلاص لا يأتي من الابتهال لله،
وإنما من العمل السياسي الجماعي القومي، أما فكرتا خلاص الأرض وجمع الشتات فلا
تتمان عبر الصلوات، وإنما عبر المبادرة والعمل، والعودة إلى صهيون لن تنتظر المسيح
المنتظر، بل يجب القيام بها هنا والآن وبجهد جماعي.
يضيف الكاتب هنا" ليس غريباً، والحال
كهذه أن يرى البعض أن الصهيونية ما هي أساساً إلا محاولة جديدة لتفسير الأسطورة
الدينية اليهودية، وهي ليست عملية استبدال جذرية للأسطورة، فجل ما فعلته الصهيونية
أنها أسبغت على الأسطورة الدينية مفاهيم قومية أوروبية، وعلى الرغم من حدة القطع
والصراع بين اليهودية كدين والمشروع القومي الصهيوني، فإن الفصل لم يتم بين الأمة
والدين أو بين الدين والدولة" (ص16).
هناك علاقة معقدة بين اليهودية والصهيونية
فمن ناحية يمكن رؤية العلاقة باعتبارها قطع وبتر مع الدين اليهودي، وبالتالي تبدو
الصهيونية أول وهلة كحركة علمانية تماماً، ومن الناحية الأخرى يمكن وصف العلاقة
بأنها استمرار بحيث من المتعذر فصل السياسي عن الديني، والصهيونية عن اليهودية،
والنسبي المطلق، والأرضي عن السماوي، إذ خلقت الصهيونية في حالة صراع معين مع
اليهودية وتوتر معها باعتبارها توجهاً جديداً للتعامل مع العصر الحديث الذي يجمع
التراث الليبرالي والقومي معاً.
تبدو الحركة الصهيونية أول وهلة كأنها في
حالة صدامية مع أوروبا القرن التاسع عشر وأفكارها، لكن سرعان ما يتضح لنا أن
الصهيونية أرادت الخروج من أوروبا كي تنضم إليه؛ أي أنها محاولة للخروج جغرافياً
وجسدياً من أوروبا من أجل الانضمام إليها نظرياً وأخلاقياً، إن الصهيونية لم تسع
لمقاومة المنطق العنصري المغلق، بل بالعكس من ذلك فقد تبنته بنفسها، ومارست على
سكان المشرق سياسة شبيهة بما مارسها ضدها الغرب العنصري الاستعلائي.
أي متابع للحرب الأخيرة على غزة والحرب على
إيران سيلاحظ بسهولة شديدة أن هذه الحرب لم تكن حرباً إسرائيلية فقط، بل حرب غربية
تقودها إسرائيل، لكن تشارك فيها قوى ودول غربية مباشرة مثل الولايات المتحدة أو
بشكل أقل مباشرة مثل ألمانيا، وفرنسا وبريطانيا، ووصفها الكاتب بأن الصهيونية هي
خروج من أوروبا من أجل العودة إليها، وهي ليست استئناف المشروع القومي الاستيطاني
الأوروبي بقدر ما هي انضمام إلى هذا المشروع.
الصهيونية ونفي المنفي ونفي الآخر:
تقوم فكرة الصهيونية على فكرة نفي المنفي،
أي أن المنفي يحضر بصفته صورة دينية وغير طبيعية ومؤقتة في حياة اليهودي، فإن حياة
اليهودي في المنفى هي حياة غير طبيعية وناقصة، ولا يكتمل الوجود والمعنى الروحي
تماما إلا عندما يلتقي يهودي المنفى بأرضه الموعودة، أرض إسرائيل ويقيم بيته
القومي، فاللقاء عضوي يحقق لليهودي اكتماله الروحي، ويجعل أرض إسرائيل، الأرض
الموعودة تتنفس الصعداء أخيراً برجوع الأبناء الضالين إليها، وهو منطق يظهر جليا
في وثيقة اعلان إسرائيل، وعدد من القوانين الأساسية.
إن المعنى المادي الفكري نفي المنفى يتمثل
في فكرة الهجرة ولم الشتات، وبالتالي فلا بد لأي مدخل لفهم إسرائيل من أن يأخذ
بعين الاعتبار أنها دولة مهاجرين، لكنها دولة مهاجرين من نوع خاص، أولاً: إن هوية
المهاجرين الدينية والإثنية محدد سلفاً، اليهودي يهاجر إلى فلسطين لأنه يهودي، أي
أن هويته تحدد مكان هجرته، فهو يحضر إلى المكان حاملاً هويته ومشروعه، وذلك بفارق
عن الذين يهاجرون إلى أميركا، أو كندا، أو استراليا حيث يصبح المرء اميركي بعد أن
يهاجر إلى أميركا لأنه أميركي ثانياً: إن الهجرة لا تحدث لأسباب مادية أو فقط ذلك،
وإنما لاعتبارات أيديولوجيا(ص37).
من حيث المبدأ نشأ في الفكر الصهيوني توجهان
متوازيان بكل ما يتعلق بالعرب كجماعة ذات حقوق سياسية، جرى نفي هذا الحق عنهم، أما
فيما يتعلق بهم كأفراد، فقد رأت تيارات واسعة في الصهيونية أنه من الممكن التعامل
مع العربي بشكل محترم ولائق؛ شرط أن يتنازل عن ادعائه أن يتنازل عن ادعائه أنه سيد
الأرض، وصاحب البلد الوحيد، وأن له حقوقا قومية فيه، فالجانب القومي في المشروع
الصهيوني يلزمهم بعدم الاعتراف بوجود جماعة قومية أخرى، لكن ما تبقى من تأثير
الفكر الليبرالي الأوروبي في الحركة في أحسن الأحوال التعامل بمساواة مع الفرد الفلسطيني
كفرد مجرد من الانتماء(ص38).
أدركت الهستدروت في مرحلة مبكرة من الصراع
أهمية الديموغرافيا، وأن النجاح في بناء مشروع قومي خالص يتطلب لجم أو فلنقل تأجيل
طابع الصهيونية الكولونيالي الصرف القائم على منطق الربح الفردي الرأسمالي إلى
مرحلة أخرى، وأن عليها حصر نشاطها في بقعة من الأرض تضمن فيها الوجود اليهودي، ففي
الواقع كان تقسيم فلسطين قد جرى قبل أعوام كثيرة قبل عام 1948م، ذلك بأنه كان هناك
مجتمعان منفصلان في كل شيء تقريباً، ومع اندلاع ثورة عام 1936م، ازدادت حدة هذا
الفصل ليصبح التقسيم حالة شبه حتمية، إلا أن ما يلفت النظر ولا يزال تأثيره حاضراً
حتى اليوم وبأشكال متعددة، هو أن عملية تقسيم الاقتصاد وسوق العمل على أساس قومي
لم يكن من الممكن أن تنجح لولا التدخل الخارجي الذي تمثل في عاملين أساسيين،
اقتصادي وسياسي، وتمثل العامل الاقتصادي في اعتماد اليشوف في مصادر مالية خارجية
أتته من الصهيونية العالمية، التي لولاها لم يكن من الممكن إرضاء العمال اليهود،
أما العامل الآخر، فكان الدعم السياسي الذي حظى به اليشوف من سلطات الانتداب التي
مكنت من تدفق الهجرة، واقتناء الأراضي.
إسرائيل مع سبق الإصرار:
تشكل دولة إسرائيل حالة فريدة من ناحية مدى
التخطيط المسبق الذي جرى لإقامتها، مع أنه لم يكن هناك أرض مشتركة، ولا لغة
مشتركة، ولا اقتصاد مشترك، وعلى الرغم من ذلك فإن الحركة الصهيونية، كحركة إرادية
تعتمد على الذات من ناحية، وعلى مساعدة الدولة الاستعمارية من ناحية أخرى، خططت
أولا لإنشاء حركتها القومية، وثانياً لإقامة دولتها، وذلك كله في غياب أي عامل
موحد على أرض الواقع تقريباً، وفي ظل غياب المشترك في الواقع تنشأ الحاجة إلى حضور
المشترك في الوعي، وإلى مقومات أخرى مادية تعوض عن غياب الجسم المركزي المنظم،
وبعد ان يتسلح الوعي بمقولات وأفكار معينة، يصبح الوعي بحد ذاته جزءاً من
الواقع(ص41).
عن العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية
يشير الكاتب: " بدرجة عالية من الثقة إن الحرب الأخيرة والمستمرة منذ أكثر من
سنتين على غزة ولبنان، هي ليست مجرد حرب إسرائيلية بقدر ما هي حرب أميركية في كل
شيء، من التمويل المالي إلى الدعم العسكري والدبلوماسي، ومن الواضح أنه كلما ازداد
منسوب عداء إسرائيل مع المنطقة ازداد ارتباطها، وزادت حاجتها إلى دعم القوى
الغربية" (ص81).
لكن القصة الأهم في تطور الدين والدولة، هي
قصة الصهيونية الدينية التي حاولت المزواجة بين الدين والدولة، بين السماء والأرض،
بين الاحتكام إلى المنطق الإنساني والمنطق الرباني، لذلك موقع القوى الدينية شرع
يتغير بعد حرب عام 1967م، وأصبحت هذه القوى تحظى بموقع مركزي أكثر فأكثر أيضاً،
ولا سيما ضمن القوى التي تخدم في الجيش، وإذا كانت النخب العسكرية التقليدية تأتي من الحركة الكيبوتسية العلمانية في العقود
الأربعة الأولى، فإن النخب العسكرية تأتي أكثر من القوى الدينية الصهيونية في
الأساس، بل أن المناخ الأيديولوجي لهذه القوى، بدأ يتغير باستمرار، ووصل هذا
التحول إلى ذروته في حرب الإبادة على غزة، فقد أعطى الراب كوك الأب، الدين بعداً
سياسياً يتيح استعمال العنف، إلا أن هناك فرقاً بين اباحة استعماله في حالات
معينة، وبين تمجيده والاعلاء من شأنه والتعامل معه بنوع من القدسية.
الصهيونية تجيد حل المشاكل التي هي المسبب الأساسي في انتاجها، وتدافع عن اليهود وتزج بهم في خطر في آن واحد، وتسعى لتطبيع حياة اليهود، وفي الوقت نفسه للإبقاء على اعتبارهم حالة استثنائية، داخل التاريخ، وفوق التاريخ حينا آخر.
اليوم لم تعد القوى الدينية ـ وأساساً القوى
الدينية الصهيونية ـ على هامش المشروع الصهيوني، بل أصبحت تشكل جوهر المشروع والقوى الرائدة فيه، وترى نفسها أنها تقوم
بتحقيق مشيئة إلهية، وليس مجرد مشروع سياسي أرضي عادي، وقد يكون أحسن وصف لهذا
التحول القول بأنه تحول من صهيونية دينية إلى دين متصهين(ص84).
ختم زريق دراسته: "قد تكون الصهيونية
في أزمة من ناحية، وليست في أزمة من ناحية أخرى، هي في أزمة لأنها لم تنجح في
تطبيع حياة اليهود، إذ أن حياة اليهودي في إسرائيل ليست أكثر طبيعية من حياة أي
يهودي آخر في أميركا أو في هولندا، وليست أكثر أمناً، عليه، وأنها تشكل ملاذاً
آمنا مثلما توقعت، فضلا عن أن يهود العالم لا يزالون، في أغلبيتهم، خارج إسرائيل،
ويفضلون العيش خارجها، وخصوصاً في الدول الغربية، لكنها ليست في أزمة بمعنى آخر،
فمما لا شك فيه أن إسرائيل قوية اقتصادياً، وعسكرياً، ودبلوماسياً، ولا تزال قادرة
إقامة تحالفات عسكرية ودبلوماسية، وعلى احداث دمار شامل وتوجيه ضربات قوية لجيوش
المنطقة، ولكن استمرار نجاحها يكمن في اخضاع وتركيع دول المنطقة جميعها"(
ص88).
تبدو الصهيونية اليوم، وأكثر من أي وقت مضى
في حالة عصاب مستمر، فهي تعتبر خسائرها الاستراتيجية ربحاً، وتعتبر ربحها
الاستراتيجي خسارة، وتحدثت الصهيونية عن تطبيع الوجود اليهودي، لكن أكثر ما تخشاه
هو تطبيع هذا الوجود، وتحدثت عن القضاء على اللاسامية وحالة العداء لليهود، إلا
أنها تعتاش وتنتعش مع صعود اللاسامية التي تشكل مبرراً لوجودها، وتنتشي مع التصعيد
في لهجة الحرب ومنسوب العداء للفلسطينيين والمنطقة.
الصهيونية تجيد حل المشاكل التي هي المسبب
الأساسي في انتاجها، وتدافع عن اليهود وتزج بهم في خطر في آن واحد، وتسعى لتطبيع
حياة اليهود، وفي الوقت نفسه للإبقاء على اعتبارهم حالة استثنائية، داخل التاريخ،
وفوق التاريخ حينا آخر.
إن الحرب الأخيرة المستمرة منذ عامين على
غزة بداية، وعلى لبنان وإيران لاحقاً، كشفت قوة إسرائيل وهشاشتها في الوقت نفسه،
فكشفت أنها متفوقة تكنولوجياً وعسكرياً، لكنها كشفت أيضاً أنها غير قادرة على
حماية نفسها بالمطلق، وأن الصواريخ قد تهطل على تل أبيب، وكشفت أن التكنولوجيا
العسكرية لا تستطيع أن تكون جواباً عن الأسئلة كلها، ولا حلاً لجميع المعضلات، ولا
يوجد إسرائيلي عاقل يعتقد أن الحرب الأخيرة على إيران، قد جلبت الأمن لإسرائيل
عدواً جديداً من الحجم الثقيل اسمه ايران، ينهي زريق دراسته بالسؤال حول معنى وجود
اليهود في المشرق العربي؟، وهل تم فتحه مجدداً، وهذا يشكل تحدياً لا لإسرائيل فقط،
بل للمثقف العربي أيضاً.