الكتاب: دليل إسرائيل العام 2025م
الكاتب: مجموعة من المؤلفين .
الناشر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، رام الله، 2025م
عكفت مؤسسة الدراسات
الفلسطينية على اصدار دليل شامل يدرس دولة
الاحتلال من الداخل تحت عنوان " دليل إسرائيل العام 2025م قراءة في التحولات،
حاول فيه كُتاب الدليل على رصد التطورات الأيديولوجية والسياسية والاقتصادية
والقانونية والأمنية والاجتماعية للمجتمع الإسرائيلي، يواكب طبيعة علاقات دولة
الاحتلال مع العالم الخارجي على المستوى الإقليمي والدولي، وبحث أسس علاقات
المنظمة للسيطرة على الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة عام 1948م، 1967م، وأعطى
هذه الدليل صورة متكاملة للمهتمين بدراسة دولة الاحتلال وصهيونته، وهو الدليل
الخامس الصادر عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية.
قدم الكاتب أريس بشارة في الفصل الثاني من دليل إسرائيل "تاريخ
الصناعات التكنولوجية في إسرائيل"، موضحاً أثر التحولات الاقتصادية، مثل
الخصصة والسياسات النيوليبرالية، والهجرة الروسية في التسعينيات والدفيئات
الصناعية، في تسريع نموه، مبيناً دور الحكومة الإسرائيلية في الاستثمارات المباشرة
وتشريع دعم الابتكار، والسياسات التي رسخت صورة إسرائيل ك" أمة الشركات
الناشئة"، وعرض أيضا ارتباط الصناعات التكنولوجية بالقطاع الأمني بصفته
عنصراً محورياً في الاستراتيجية الاقتصادية والعسكرية الإسرائيلية.
يعتبر الابتكار التكنولوجي العمود الفقري لتلك الصناعات، حيث تعتمد الحكومة الإسرائيلية بشكل كبير على البحث والتطوير لدفع عجلة النمو الاقتصادي، وتلعب الجامعات ومراكز الأبحاث دوراً محورياً في هذا المجال، إذ يتم تطوير تقنيات جديدة تساهم في تحسين الصناعات المختلفة، بدءاً من الطب والرعاية الصحية، وصولاً إلى الأمن السيبراني والتقنيات الزراعية المتقدمة.
تعد الصناعات التكنولوجية في إسرائيل من أهم محركات الاقتصاد، وتشمل
القطاعات القائمة على انتاج وتطوير تقنيات متقدمة بالاعتماد على البحث العلمي
والابتكار، مثل الصناعات الأمنية والعسكرية كتطوير أنظمة الدفاع الصاروخي،
والطائرات بدون الطيار، وتقنيات المراقبة والاستخبارات، وتكنولوجيا المعلومات
والاتصالات، والالكترونيات الدقيقة، والتقنيات الحيوية والطبية، وصناعات الفضاء،
والذكاء الاصطناعي، ومنذ خمسينيات القرن الماضي، اعتمد نمو هذه الصناعات على
المبادرات الحكومية، ولا سيما في المجالات الدفاعية، إذ قامت الدولة بدور حاسم في
تطوير البنية التحتية وتعزيز البحث العلمي والتطوير، قبل أن تمتد هذه الخبرات إلى
الاستخدامات المدنية، ما رسخ مكانة إسرائيل كإحدى أبرز البيئات العالمية للابتكار
التكنولوجي.
شهد عام 1966م تطور نوعي في تطوير تكنولوجيا عسكرية بتطبيقات تجارية،
بتأسيس شركة سيستمز بالتعاون بين مع شركة إلرون ووزارة الدفاع الإسرائيلية، وبدأت
شركات أمريكية مثل موتورولا، وإنتل، وما يكروسوفت بدخول السوق الإسرائيلية، أولاً
كموردين، ثم عبر إنشاء مراكز بحث وتطوير تعتمد على خريجي وحدات الاستخبارات
العسكرية، وفي ستينيات وسبعينيات القرن الماضي تسارع نمو القطاع التكنولوجي
الإسرائيلي، مدعوماً بإنشاء مؤسسات بحثية مثل معهد وايزمان، والتعاون المتزايد بين
الحكومة والقطاع المدني، وتزامن ذلك مع الاستثمارات العسكرية لتطوير قدرات الجيش
الإسرائيلي القتالية، مما ساهم لاحقاً في تحويل التقنيات العسكرية إلى منتجات
تجارية شكلت رافعة للتنمية الاقتصادية.
يعد قطاع الهايتك اليوم مكوناً أساسياً من سوق العمل الإسرائيلي،
ويشكل نظاماً اقتصادياً وتقنياً متكاملاً يضم شبكة واسعة من الأفراد، والمنظمات،
والمؤسسات، والشركات التكنولوجية، وتساهم هذه الشبكة في تشغيل ودعم عدد كبير من
رواد الأعمال، والمهندسين، والمختصين التقنيين، كما تعزز فرص نجاحهم على الصعيدين
الاقتصادي والتكنولوجي، ويعتمد نجاح هذا القطاع على مجموعة من العوامل أبرزها:
ترسيخ ثقافة الابتكار التكنولوجي، وتشجيع روح الريادة داخل المدراس والجامعات
اليهودية، وتوفير بيئة عمل تحتوي على كفاءات مهنية عالية، كما يشمل النظام
التكنولوجي وجود شركات ناشئة، وحاضنات ومسرعات أعمال، ودفيئات تكنولوجية، إلى جانب
صناديق رأس مال استثماري، وسياسات حكومية داعمة، وبرامج تشغيل وتدريب مهنية،
ومؤسسات تمويل واستثمار متخصصة.
دور الهجرة الروسية والدفيئات في تعزيز الصناعات التكنولوجية
المبتكرة
استغلت الحكومة الإسرائيلية انهيار الاتحاد السوفيتي في تسعينيات
القرن الماضي، لتسريع الهجرة اليهودية من روسية التي وصفت بأنها هجرة الأدمغة، في
دفع عجلة هذه الصناعات، وقامت بخصصة الاقتصاد والسياسات النيوليبرالية التي بدأت
إسرائيل بإنتاجها منذ أواخر الثمانينيات، لتلبية الحاجة الإسرائيلية من النقص
الحاد في الأيدي العاملة، حين قامت الحكومة الإسرائيلية بإنشاء نحو 26 دفيئة
تكنولوجية لتعزيز ريادة الأعمال التكنولوجية، باستيعاب نحو 2000مشروع حتى عام
2009م، بتمويل إجمالي بلغ 186مليون شيكل إسرائيلي.
يقول بشارة: "حاليا، يعمل في إسرائيل حوالي 100 صندوق لرأس
المال المخاطر، بإجمالي استثمارات سنوية تتجاوز 3 مليارات دولار، وقد أصبح القطاع
التكنولوجي مسؤولاً عن نحو 40% من اجمالي الصادرات الصناعية الإسرائيلية، ما يعكس
تأثيره الكبير على الاقتصاد المحلي والابتكار التكنولوجي".
بناء على ذلك، يعتبر الابتكار التكنولوجي العمود الفقري لتلك
الصناعات، حيث تعتمد الحكومة الإسرائيلية بشكل كبير على البحث والتطوير لدفع عجلة
النمو الاقتصادي، وتلعب الجامعات ومراكز الأبحاث دوراً محورياً في هذا المجال، إذ
يتم تطوير تقنيات جديدة تساهم في تحسين الصناعات المختلفة، بدءاً من الطب والرعاية
الصحية، وصولاً إلى الأمن السيبراني والتقنيات الزراعية المتقدمة. (ص10)
أمة الشركات الناشئة:
نشأ الشعار الإسرائيلي أمة الشركات الناشئة، المجبول بهوية صهيونية
ذات طابع تكنولوجي استعماري، ومن خلاله، تعمل إسرائيل على تسويق ذاتها كدولة رائدة
في الصناعات التكنولوجية الفائقة التي تمتد إلى قطاعات أخرى كالزراعة، وعلوم
الأحياء، والاتصالات، والطب وبناء على ذلك يحمل شعار أمة الشركات الناشئة خطاباً
أيديولوجيا صهيونيا يتضمن ممارسة اقتصادية ومادية عنيفة وطنية وتكنولوجية، مع منطق
نيوليبرالي واستعماري استيطاني.
فمن خلال هذا الخطاب، تسوق إسرائيل نفسها كدولة متقدمة تستحق الشراكة
الدولية، وهو ما يستخدم لتبرير ممارسات استعمارية وتكريس علاقاتها مع القوى
الغربية، وخصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية.
لذلك تعمل الحكومة الإسرائيلية على انتاج أفراد نيوليبراليين ذوي
طابع ذكوري يروجون للقيم العسكرية والاقتصادية الوطنية والدولية تحت ذريعة
الابتكار التكنولوجي في صناعة التكنولوجيا المتطورة داخل قطاع الهايتك الإسرائيلي،
وبهذا فإن الصناعات التكنولوجية في قطاع الهايتك الإسرائيلي ليست مجرد صناعات
مبتكرة، بل هي أيضاً آلية أيديولوجية تخدم القيم التي تغرس بالفعل في النظام
التعليمي، والأكاديمية، والجيش، بما يشمل تعزيز الحالة الصهيونية، وتبرير الهيمنة
الذكورية الصهيونية، وتدريب قوة عمل تواصل الحفاظ على مفاهيم القوة داخل المجتمع
الإسرائيلي.
يقول الكاتب: "يعتمد قطاع الهايتك الإسرائيلي بشكل أساسي على
نموذج رأس المال المغامر، حيث تستثمر مؤسسات مالية كبرى في شركات ناشئة لقاء حصص
ملكية، وينقسم هذا التمويل إلى نوعين، الأول: يركز على الشركات الناشئة ذات
الإمكانيات العالية، والثاني: يستهدف الشركات المستقرة الساعية للتوسع أو دخول
أسواق جديدة، وقد برزت أهمية الشركات المستقرة خلال الحرب الإسرائيلية على غزة،
نظراً إلى قدرتها على الصمود وتسويق منتجاتها أو نقل مراكزها عند الحاجة، عند
المقارنة بالتحديات التي تواجهها الشركات الناشئة".
نشأ الشعار الإسرائيلي أمة الشركات الناشئة، المجبول بهوية صهيونية ذات طابع تكنولوجي استعماري، ومن خلاله، تعمل إسرائيل على تسويق ذاتها كدولة رائدة في الصناعات التكنولوجية الفائقة التي تمتد إلى قطاعات أخرى كالزراعة، وعلوم الأحياء، والاتصالات، والطب وبناء على ذلك يحمل شعار أمة الشركات الناشئة خطاباً أيديولوجيا صهيونيا يتضمن ممارسة اقتصادية ومادية عنيفة وطنية وتكنولوجية، مع منطق نيوليبرالي واستعماري استيطاني.
في عام 2023م، شكل قطاع الهايتك نحو 19.7% من الناتج المحلي
الإجمالي، أي ما يعادل 340مليار شيكل، وساهم 53% من اجمالي الصادرات 73.5مليار
دولار، وعلى الرغم التحديات الناتجة من الأوضاع الإقليمية، فإن القطاع حافظ عام
2024م، على مرونته، إذ بلغت الاستثمارات في الشركات الناشئة 9.7مليارات دولار،
مقارنة ب 8.7 مليار دولار عام 2023م، وكان منها 42% منها في مجال الأمن السيبراني،
بحلول عام 2025 م بلغ عدد العاملين في قطاع الهايتك 410.000 شخص، وأغلبهم من
اليهود الاشكناز، يتقلدون مناصب رفيعة في شركات محلية أو فروع عالمية، نتيجة
خلفياتهم الاجتماعية ومسارهم التعليمي داخل الوحدات السيبرانية في المؤسسة
العسكرية، وقد أشار تقرير صادر عن هيئة الابتكار الإسرائيلية إلى أن أكثر تمثيلاً
ضمن العاملين في الهايتك هم الرجال (ً16).
وحدة 8200 وتشكيل النخب التكنولوجية السيبرانية:
يقوم الجيش الإسرائيلي بدور مهم فيما يتعلق بتشكيل وتدريب النخب
التكنولوجية، إذ يشكل دفيئة للتدريب والممارسة من خلال وحدة الاستخبارات والسايبر،
وفي مقدمتها وحدة 8200 الاستخبارات البشرية، وتعد هذه الوحدة من أبرز وحدات
الاستخبارات العسكرية، لا بسبب انتاجها الأمني والعسكري فحسب، بل بوصفها منصة
استراتيجية لأعداد كوادر تكنولوجية متقدمة، إذ يتلقى المجندون فيها تدريبا مكثفاً
في مجالات متطورة مثل الأمن السيبراني، وتحليل البيانات، وتطوير البرمجيات، ما
يؤهلهم إلى الانتقال مباشرة بعد الخدمة العسكرية إلى أدوار قيادية في قطاع
التكنولوجية المدني، وخصوصاً في مجال الشركات الناشئة وبفضل هذه البنية المؤسسية
أصبحت الوحدة 8200من أبرز روافد قطاع الهايتك الإسرائيلي، وساهمت في ترسيخ ما يعرف
بالاقتصاد الأمني، وبناء نموذج الرجل التكنولوجي الصهيوني كرمز للحداثة والسيادة
الرقمية (ص19).
في الحالة الفلسطينية وظفت إسرائيل الصناعات التكنولوجية لتأسيس نمط
هيمنة بنيوي ومستدام على الشعب الفلسطيني، تحت شعارات التقدم والابتكار والتحول
الرقمي، ويتجسد هذا النمط في مجموعة من الأبعاد، من بينها:
ـ بعد المراقبة والسيطرة من خلال ممارسات تكنولوجية دقيقة تستهدف
الأفراد والبنى المجتمعية.
ـ بعد المحو والرقابة في الفضاء الرقمي، من خلال التحكم في سرديات
الوجود الفلسطيني وحجبها.
ـ بعد نزع الملكية الاقتصادية
والأنطولوجية عبر السيطرة على الموارد والوجود المادي والرمزي للسكان الاصلانيين.
ـ بعد العنصرية الرقمية: حيث تمارس تفرقة
ممنهجة ضد الفلسطينيين في الفضاءات الاقتصادية والتكنولوجية، ما يعمق من التمييز
البنيوي على مستويات متعددة.
تقنيات المراقبة والسيطرة كأداة استعمارية استيطانية تكنولوجية:
شكل السيطرة على الأرض والحيز أحد المبادئ الأساسية في بنية
الاستعمار الاستيطاني، حيث تسعى الدولة الاستعمارية إلى إعادة تشكيل الوجود
المكاني والمعرفي للسكان الأصلانيين، وتقويض قدرتهم على التنقل ضمن بيئات جغرافية
محاصرة، ويتجلى هذا النمط في ممارسات الفصل العنصري من خلال فرض قيود حركية صارمة،
تعيد تنظيم المجتمع الأصلاني ضمن منظومة تراتبية قائمة على الإقصاء والتحكم.
لذلك اتخذ الاحتلال الإسرائيلي طابعا تكنولوجيا متقدماً، إذ يعتمد
الجيش الإسرائيلي على إدارة احتلاله للأراضي الفلسطينية بواسطة أدوات رقابة رقمية
حديثه يتم تطويرها في أطر تعاونية بين
الجيش، والجامعات، وقطاع الهايتك الإسرائيلي، مثل كاميرات التعرف على الوجوه،
وبرمجيات الذكاء الاصطناعي لجمع المعلومات، وقد رافق ذلك توسع في ميزانيات الأمن
القومي للدول نتيجة تبني السياسات النيوليبرالية، ما أدى إلى فائض في إنتاج أدوات
المراقبة، وعلى الرغم من التحولات البنيوية الحادة والإشكاليات الأخلاقية المحيطة
بتقنيات المراقبة، فإن العديد من الدراسات تؤكد أن النقاشات بشأن هذه التقنيات
غالباً ما تتجاهل سياقها الاستعماري الاستيطاني.
هناك نموذج اتبعته إسرائيل في تطوير تقنيات الرقابة والهيمنة وهو
النموذج الأمريكي في وادي سيليكون بكاليفورنيا تلك الشركة التي تأسست على أراض
يملكها السكان الأصلانيون تحت شعار الابتكار التكنولوجي، ومن ثم تطور اسرائيل نموذج مشابه من خلال
تقنيات أمنية وبيعها إلى حكومات وشركات خاصة، إلى جانب تنفيذ مشاريع تكنولوجية
أقيمت على أراض فلسطينية مسلوبة، أتاحت لها إدارة السكان والسيطرة عليهم، بحيث
تتحول الفضاءات الأمنية إلى فضاءات مراقبة شاملة، وفي السياق الاستعماري كما هو
الحال في قطاع غزة والضفة الغربية، تحول إسرائيل حياة المواطنين إلى موضع للتحكم
عبر تقنيات تكنولوجية حديثة تجسد مفاهيم السياسات الحيوية، وهذا يساهم في نزع
إنسانية السكان الإصلانيين من جهة، وفصل المبرمجين عن التقنيات التي يطورونها من
جهة أخرى، أي تحييد البعد الإنساني وتحويل السيطرة إلى عملية تقنية لا تستدعي
مساءلة أخلاقية.
عملية الرقابة وحجب المحتوى الفلسطيني من الفضاء الرقمي:
يرتبط هذا الجانب بممارسات ممنهجة تنفذها الحكومة الإسرائيلية
بالتعاون مع شركات التكنولوجيا بهدف اسكات
الوجود الفلسطيني في الفضاء الرقمي
وتنفيذه، ووفقا لمركز حملة
7amleh ، الذي يعمل على حماية
الحقوق الرقمية الفلسطينية، وحرية
التعبير، وحماية الخصوصية في الفضاء الرقمي، تتبع إسرائيل هذه السياسات بشكل مكثف عند الأحداث الدامية أو التظاهرات العنيفة،
مثل أحداث برافر 2013م، وهبة أيار/ مايو 2021م، والحرب الإسرائيلية على غزة 2023م،
حيث كثفت الحكومة الإسرائيلية تعاونها مع شركات التكنولوجيا الكبرى، وعلى رأسها
شركة ميتا، التي مارست بدورها رقابة ممنهجة على المحتوى الداعم لفلسطين عبر
منصاتها الرقمية، وخلقت هذه الممارسات حالة من الذعر والرقابة الذاتية بين
الفلسطينيين في الداخل.
أظهر قطاع الأمن السيبراني الإسرائيلي أداءً قوياً عام 2023م، ويتوقع
أن يواصل أداءه القوي مع انتقال الابتكار العالمي من هيمنة الانترنت والهواتف
المحمولة إلى تقنيات الذكاء الاصطناعي، وهي تحولات تتكيف معها الشركة الإسرائيلية،
ما يعزز من مكانتها الاستراتيجيةـ ولوحظ أيضا تزايد اهتمام إسرائيل بالتمويل
الخليجي، ولا سيما من الامارات والسعودية، في ظل تراجع الاستثمارات الغربية ـ
ويأتي هذا التوجه ضمن إعادة تموضع استثماري يسعى لتعزيز الشراكات الاقتصادية
الناتجة من اتفاقيات التطبيع، وتعويض تأكل الثقة من بعض الأسواق التقليدية.
لعبت تقنيات الذكاء الاصطناعي دوراً محورياً في الحرب على قطاع غزة
ولبنان، إذ تعتمد هذه التقنيات على تحليل أنماط التحركات، وتصنيف الأهداف، وتحديد
التهديدات قبل وقوعها، كما تسمح بإدارة عمليات معقدة بسرعة وفعاليةـ وقد كشفت
منظمة هيومن رايتس ووتش عن وجود أربعة برامج ذكاء اصطناعي تستخدمها قوات الاحتلال
الإسرائيلي في غزةـ معتمدة على بيانات معيبة وتقديرات غير دقيقة لتوجيه العلميات
العسكرية، وهو ما يمثل انتهاكا للقانون الدولي حين لا يتم التمييز بين الأهداف
العسكرية والمدنيين، وضرورة اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة قبل تنفيذ أي هجوم
لتقليل الأضرار التي تلحق بالمدنيين.
يقول الكاتب: "كشف تحقيق أجرته مجلة 972الإلكترونية الإسرائيلية
بالتعاون مع منصة لوكال كول العبرية، وصحيفة الغارديان البريطانية أن الجيش
الإسرائيلي يعمل على تطوير أداء ذكاء اصطناعي جديدة شبيهة بتطبيق شات جي بي تي
لجمع محادثات بين الفلسطينيين في الضفة الغربية والداخل".
يضيف الكاتب سمح الجيش الإسرائيلي بقتل المدنيين في هجمات استهدفت
كبار قادة حركة حماس، حيث تم تشغيل خدمات سحابة أمازون، وأوضح إن النظام القائم
على AWS ،
مفيد بصورة خاصة للمخابرات الإسرائيلية؛ لأنه قادر على الاحتفاظ بمعلومات عن
الجميع من دون قيود على التخزين، وهو ما شكل أحيانا ميزة عملياتية، " إن
سحابة أمازون هي مساحة تخزين لا نهاية لها... السحابة لديها معلومات عن
الجميع"، وهذا النظام يتيح
نشر قدرات الذكاء الاصطناعي لمايكروسوفت حتى ضمن
بيئة داخلية، أي السحابة الخاصة بالجيش الإسرائيلي، في بيئة غير متصلة بالأنترنت"
(ص50).
استخدم الجيش الإسرائيلي عملية الرقمنة بشكل كبير في الحرب على غزة،
فالجنود في الميدان باتوا يتجولون في الميدان وهم يحملون هواتف ذكية مشفرة،
ويرسلون رسائل عبر محادثة تشغيلية شبيهة بالواتساب، ويخزنون الملفات على محرك
أقراص مشترك، ويستخدمون عدداً لا يحصى من التطبيقات الجديدة، يقول ضابط إسرائيلي
في احدى غرف العمليات القتالية في غزة:" أنت تقاتل من داخل الكمبيوتر المحمول
الخاص بك، في الماضي كنت ترى بياض عيون عدوك، تنظر بالمنظار فتراه ينفجر، أما
اليوم فعندما يظهر الهدف تقول للجنود عبر الكمبيوتر، أطلقوا النار بالدبابة"
(ص53).
يتجاوز استخدام الصناعات التكنولوجية المتقدمة في النزاعات المعاصرة
البعد التقني ليعيد إنتاج بنى الهيمنة والعنف الاستعماري في سياقات محلية وعالمية،
وقد كشف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عن تورط شركات التكنولوجيا الكبرى، مثل
غوغل ومايكروسوفت وأمازون وميتا، في دعم البنية التحتية العسكرية الإسرائيلية عبر
تزويدها بأدوات الذكاء الاصطناعي، وتحليل البيانات، والحوسبة السحابية، مما يعني
أنها مساهمة بشكل مباشر في تسهيل الجرائم المرتكبة ضد المدنيين، بما في ذلك ما
يصنف قانونياً كجرائم إبادة جماعية وانتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني، وهذا
التورط لا يعد مجرد انحراف أخلاقي في استخدام التكنولوجيا، بل يجسد شكلاً جديداً
من الاستعمار الرقمي الذي يكرس الاحتلال الإسرائيلي عبر أدوات غير تقليدية، ويعيد
انتاج السيطرة المكانية والبيانية على الشعب الفلسطيني، تتحول تلك الشركات من مجرد
فاعل تجاري إلى شريك ضمني في بنية الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي، حيث تستخدم
منتجاتها وتقنياتها لترسيخ نظام الفصل العنصري والمراقبة الشاملة والاستهداف
العسكري الدقيق.
قدم الكاتب في دراسته رؤية مركبة تبين أن الصناعات التكنولوجية
الإسرائيلية ليست مجرد قطاع اقتصادي متطور، بل هي منظومة أمنية ـ سياسية ـ أيديولوجية متشابكة، فهي من جهة تعد مصدراً رئيسياً للنمو والابتكار، ومن جهة أخرى
تساهم في ترسيخ المشروع الاستعماري الصهيوني وتعزيز التفوق العسكري والأمني،
بالتالي في الاطلاع على هذه الدراسة الشاملة تظهر أن فهم التكنولوجيا في السياق
الإسرائيلي يتطلب النظر إليها كأداة اقتصادية وسياسية استعمارية في آن واحد.