أصدر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات
ورقة علمية من إعداد الباحث
الأستاذ محمود عبده سالم، تعرض ظاهرة
الهجرة إلى "
إسرائيل"، حيث استقر
مئات الآلاف من المسيحيين وغير اليهود فيها بموجب قانون العودة الإسرائيلي الذي
وُضع أساساً ليكون مدخلاً حصرياً لليهود، ضمن موجات الهجرة الكبرى من دول الاتحاد
السوفييتي السابق وإثيوبيا منذ أواخر الثمانينيات، كما تبحث في بروز جماعات تعتنق
ما يُعرف بـ"اليهودية المسيانية"، وهي عقيدة تجمع بين اليهودية
والمسيحية.
وتهدف هذه الورقة التي صدرت تحت عنوان
"المسيحيون وغير اليهود في الهجرات اليهودية إلى "إسرائيل""،
إلى رصد حجم هذه الظاهرة وسياقها التاريخي، وظروفها السياسية والاجتماعية
والاقتصادية والقانونية، إلى جانب موقف المجتمع الإسرائيلي تجاهها، وكيف أسهم
الإطار القانوني للهجرة في صناعة هذه الظاهرة. وتكمن أهمية الورقة في كشفها
للتناقض البنيوي بين تعريف "إسرائيل" لنفسها كـ"دولة يهودية
ديموقراطية"، وبين واقع استيعابها لمهاجرين لا تعترف بيهوديتهم.
السماح لغير اليهود بالهجرة لم يكن خياراً إنسانياً بل ضرورة ديموغرافية لتعزيز القوة البشرية في "إسرائيل". إلا أن هذه الظاهرة وضعت "إسرائيل" أمام مأزق الهوية؛ فكلما ازداد التشديد على "يهودية الدولة"، تراجع البعد الديمقراطي وتزايد الطابع الإقصائي والعنصري.
حيث أوضح الباحث في هذه الورقة سياسات الهجرة الإسرائيلية، وبيّن
أنها ما تزال تفتقر إلى قانون حديث ومتماسك، فهي تعتمد على تشريعات قديمة تعود إلى
خمسينيات القرن العشرين، مثل "قانون العودة" لسنة 1950 و"قانون
الجنسية" لسنة 1952، وهو ما فتح الباب أمام دخول غير اليهود كأقارب للمهاجرين
اليهود. وقد جاءت الهجرة من الاتحاد السوفييتي السابق وحده بما يقارب 300 ألف
مهاجر غير يهودي في التسعينيات، كثير منهم سُجّلوا بلا دين أو كمسيحيين. كما حملت
الهجرات الإثيوبية معها جماعة "الفلاش مورا"، الذين اعتنقوا المسيحية ثم
سعوا للعودة إلى اليهودية للحصول على الجنسية الإسرائيلية.
أما "اليهود المسيانيون"، فقد واجهوا رفضاً رسمياً
لمعاملتهم كيهود، على الرغم من معاركهم القانونية لنيل حقّ الهجرة. وذكر الباحث،
وعرض الباحث على سبيل المثال، قضية جاري وشيرلي بيريسفورد أمام المحكمة العليا سنة
1989 في محاولة منهم للحصول على الجنسية الإسرائيلية، إلا أن المحكمة رفضت منحهم
إياها بحجة أنهم "أتباع دين آخر". وأشار الباحث أن هؤلاء المهاجرين
يعيشون في ظلّ تمييز اجتماعي وديني وقانوني يؤثر على الزواج والدفن والمشاركة
السياسية، ما يضعهم أمام تحديات هوية مباشرة في "إسرائيل"، وفي الوقت
نفسه يضطرون للتعامل مع الواقع الإسرائيلي الذي أصبحوا جزءاً قانونياً منه، إما
بالاندماج في المجتمع اليهودي والرضا بالهوية اليهودية، أو بالاحتفاظ بانتمائهم
الديني والثقافي والمطالبة بالمساواة مع غيرهم من اليهود الإسرائيليين.
وخلصت الورقة إلى أنّ السماح لغير اليهود بالهجرة لم يكن خياراً
إنسانياً بل ضرورة ديموغرافية لتعزيز القوة البشرية في "إسرائيل". إلا
أن هذه الظاهرة وضعت "إسرائيل" أمام مأزق الهوية؛ فكلما ازداد التشديد
على "يهودية الدولة"، تراجع البعد الديمقراطي وتزايد الطابع الإقصائي
والعنصري. وقد تجلى ذلك في "قانون القومية" لسنة 2018، الذي جعل اللغة
العبرية هي اللغة الرسمية الوحيدة وألغى المكانة الرسمية للغة العربية، في خطوة
تكشف تغليب الصفة اليهودية على أي بُعد ديموقراطي أو تعددي.