كتب

الطائفية والسياسة.. قراءة في كتاب موقف الموارنة من الوجود الفلسطيني في لبنان

هذه الدراسة تمثل إضافة معرفية وسجل تاريخي، ويملأ فراغاً في المكتبة العربية عامة والفلسطينية خاصة
الكتاب: موقف الموارنة من الوجود الفلسطيني في لبنان 1948-1982م
 الكاتب: سناء فهمي الغول.
 الناشر: دار الكلمة، فلسطين، 2023م
عدد الصفحات: 370 صفحة.


تناولت هذه الدراسة موقف الموارنة من الوجود الفلسطيني في لبنان خلال الفترة 1948م-1982م، فما بين الأصول التاريخية للموارنة، وأحزابهم السياسية وعلاقاتهم بالحركة الصهيونية، وموقفهم من الأحداث الفلسطينية زمن الانتداب البريطاني، ما جعل مسرح لبنان السياسي في حالة توتر دائم وعدم استقرار، ما بين الأكثرية الإسلامية، والأقلية المسيحية، وخصوصا طائفة الموارنة، الذين يتبعون الطائفة المسيحية الشرقية لكنيسة روما الكاثوليكية، وهم أتباع الكنيسة البطريركية السريانية المارونية في أنطاكية، ويشكلون أهم الطوائف المسيحية في الشرق، التي كان لها دور كبير في ترسيخ فكرة أن الموارنة شعب قائم بذاته، وله خصائصه المميزة في تكريس فكرة الكيان الوطني، ورسخت في وجدانهم المبدأ الثلاثي القائم على الأرض، الطائفة، الأمة.

عند وصول اللاجئين الفلسطينيين إلى لبنان عام 1948م، استقبلوا بترحيب رسمي وشعبي، خاصة أن العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والروابط القوية، كانت تجمع الفلسطينيين واللبنانيين، الذين كانوا يقظين للخطر الصهيوني، ويدركون نتائج الاحتلال، لكن ذلك الترحيب والتعاطف اتسم بالتقلب، تبعا لطبيعة القوى المؤثرة في الشارع اللبناني، كون اللجوء الفلسطيني يخل بالتوازن الطائفي الدقيق في لبنان، والخوف من انتقام إسرائيل من لبنان لمساعدتها للفدائيين الفلسطينيين.
تشير الكاتبة أن الشخصية المارونية تبلورت" في عهد الأمير الدرزي فخر الدين المعني الثاني 1592م، عندما قام بتولية الشيخ أبي نادر الخازن الذي كان يميل للموارنة في بلاد جبيل وجبة بشرى، وأصبح جبل لبنان وطناً خاصاً بهم، واستطاع الموارنة تحويل الإمارة الدرزية إلى إمارة مارونية في عهد الأمير يوسف الشهابي عام 1770م، برز دورهم السياسي مع ظهور طبقة متعلمة اعتمد عليها الشهابيون في تنفيذ أعمالهم، وقام بدور كبير في محاولة تنصير بعض الأمراء الشهابين والمعنيين، وعموماً اتسم الموارنة بالعزلة والاستقلالية حيناً، ونزعة التحالف مع الآخرين حيناً آخر، جعلهم في صراع دائم ضد الغرب، الذي كان يريد استغلالهم من أجل تحقيق مشاريعه ضد الشرق الإسلامي من جهة، وضد المذاهب المسيحية الأخرى.

نمت الأيديولوجية المارونية السياسة في الدول الأوروبية؛ لإيجاد ما سمي بالأمة المارونية أو الأمة اللبنانية، وقام الطلاب الموارنة في فرنسا بدور كبير من أجل تكريس هذه الأيديولوجية، بعد تشكل مجموعة من الأحزاب السياسة المارونية بالشراكة مع طوائف مسيحية أخرى أمثال حزب الوحدة اللبنانية، الجبهة القومية، حزب الكتائب اللبنانية، الذي يعد من أكثر الأحزاب السياسية اليمينية تنظيماً في لبنان، وهو القوة المعبرة عن الهيمنة المارونية، ويدعمها عسكرياً بقواته المسلحة داخل الجيش اللبناني نفسه(ص18).

موقف الموارنة من اللاجئين الفلسطينيين:

عند وصول اللاجئين الفلسطينيين إلى لبنان عام 1948م، استقبلوا بترحيب رسمي وشعبي، خاصة أن العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والروابط القوية، كانت تجمع الفلسطينيين واللبنانيين، الذين كانوا يقظين للخطر الصهيوني، ويدركون نتائج الاحتلال، لكن ذلك الترحيب والتعاطف اتسم بالتقلب، تبعا لطبيعة القوى المؤثرة في الشارع اللبناني، كون اللجوء الفلسطيني يخل بالتوازن الطائفي الدقيق في لبنان، والخوف من انتقام إسرائيل من لبنان لمساعدتها للفدائيين الفلسطينيين.

قبل عام 1948م كانت هناك مساندة حقيقية للقضية الفلسطينية، وكان الموارنة في موقع الدافع عنها، وشاركوا في المحافل الدولية لنصرته، وقدموا الدعم للثوار، ورفضوا تقسيم فلسطين، واتهموا القائمين على تطبيق تلك الاتفاقيات بالخونة، الذين يجب مقاومتهم، ولكن منهم من نادى بتقسيم لبنان لإقامة الدولة المسيحية المارونية.

كان الموقف الماروني الرسمي مندمجاً مع الحكومة اللبنانية، خصوصاً بعد زيادة أعداد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، إذ قررت الحكومة قراراً يقضي بمنع دخولهم إلى الأراضي اللبناني، إذ عدت أن كل لاجئ يصل إلى أراضيها هو مخالف للقانون، وأن اخلاء فلسطين من العرب قد يضر بمصلحة العرب ومعنوياتهم، وبررت الحكومة اللبنانية قرارها آنذاك إلى:

1 ـ إرضاء الهيئات الفلسطينية، وخاصة الهيئة العربية العليا التي طالبت بمنع قبول اللاجئين الفلسطينيين في الدول العربية؛ لأن ذلك يؤثر على مستقبل الصراع العربي- الصهيوني.

2 ـ تخوف الجهات الرسمية من أن يشكل اللاجئون عبئاً سياسياً واقتصادياً على لبنان.

أوضح النائب الماروني جورج زوين في 12 مايو عام 1948م أن لبنان لا يستطيع وحدة تقديم المساعدة المطلوبة للاجئين الفلسطينيين الذين بلغ عددهم حوالي 70 ألف لاجئ، ولا يمكن دفع ثمن اعانتهم، ونفقات اعادتهم إلى بلادهم، بينما الغير لا يفعل شيئاً(ص73)

كما رفضت القوية اليمينية المسيحية اللجوء الفلسطيني؛ بحجة عدم إمكانية استيعابهم اقتصادياً، ولكن السبب الحقيقي للرفض كان أن غالبية اللاجئين الفلسطينيين من المسلمين السنة، وهذا يؤثر على هيكلية النظام السياسي، والواقع الديمغرافي اللبناني.

تحول الترحيب الرسمي الماروني باللاجئين الفلسطينيين عام 1951م إلى شعور بالقلق، وذلك بسبب بقاء الفلسطينيين في لبنان، وعدم ظهور بوادر دولية لحل المشكلة، مع استمرار رفض إسرائيل تطبيق القرار 194 الخاص بعودة اللاجئين، وكذلك تغير الموقف الماروني الرسمي لعدة أسباب منها:

1 ـ أن لبنان كان يعاني من عجز اقتصادي، وانعكس ذلك على عجزه في استيعاب اللاجئين الفلسطينيين.

2 ـ اعتبار أغلبية اللاجئين الفلسطينيين من المسلمين والسنة، ما يؤثر على التوازن الديموغرافي، خاصة المسيحيين، مما يهدد بتحويلهم إلى أقلية في لبنان.

يختلف لبنان عن غيره من الدول العربية بأنه يقوم بتدابير صارمة تجاه اللاجئين الفلسطينيين، فلا تمنحهم السلطات اللبنانية ذات الزعامة المارونية والنظام القائم على التوازن الدقيق بين مختلف الطوائف الدينية تأشيرات للإقامة، ولا يتمتعون بالحقوق السياسية، ولا الخدمة العسكرية، ولا يجوز لهم الحصول على الجنسية اللبنانية، معتبرين ذلك شأناً أمنياً، أخضعوا بموجبه الفلسطينيين لقوانين الأجانب أحياناً، ولقوانين إدارية تصدر عن الأجهزة الأمنية"( ص95).

اتسم فرض القوانين اللبنانية بعدم الثبات، إضافة إلى التباين الرسمي لتحديد قانون ينظم حقوق اللاجئين الفلسطينيين الإنسانية كونهم أفراداً، ويعود ذلك إلى انقسام الرأي العام اللبناني حول موضوع اللاجئين، حيث أطلق المسيحيون الموارنة عليهم صفة " ضيوف غير المدعوين"، وطالبوا بعودتهم إلى ديارهم، ومنهم من طالب بتعزيز وضعهم الإنساني لحين تحقيق العودة الكريمة لهم.

النشاط الفدائي الفلسطيني في لبنان:

تعددت الآثار المترتبة على حرب عام 1967م، وكان منها أهمها نزوح عدد كبير من الفلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة إلى المملكة الأردنية، وكان الموقف الرسمي اللبناني تجاه النازحين الفلسطينيين متوازناً، إذ سمحت الحكومة اللبنانية بتقديم ملاجئ للنازحين في ظل رعاية الأونروا، إلا أنهم لم يسجلوا رسمياً لدى الأونروا، فأصبح وجودهم غير شرعي في لبنان، إذ أظهرت الأحزاب المسيحية والقوى المارونية بشكل علني عدم تأييدهم للوجود الفلسطيني، لأن ذلك يخل بموازين القوى لصالح الطوائف الإسلامية، وحصرت الغول مبررات ذلك في:

يختلف لبنان عن غيره من الدول العربية بأنه يقوم بتدابير صارمة تجاه اللاجئين الفلسطينيين، فلا تمنحهم السلطات اللبنانية ذات الزعامة المارونية والنظام القائم على التوازن الدقيق بين مختلف الطوائف الدينية تأشيرات للإقامة، ولا يتمتعون بالحقوق السياسية، ولا الخدمة العسكرية، ولا يجوز لهم الحصول على الجنسية اللبنانية، معتبرين ذلك شأناً أمنياً، أخضعوا بموجبه الفلسطينيين لقوانين الأجانب أحياناً، ولقوانين إدارية تصدر عن الأجهزة الأمنية"
ـ التأثير على التوازن الطائفي، اعتادت القوى المارونية القول بأن عملية النزوح ستزيد من الاعداد الفلسطينية مما قد يزيد من الخلل في التوازن الطائفي لصالح المسلمين.

ـ التحالف اليساري الفلسطيني، اتفقت المقاومة الفلسطينية مع بعض القوى التقدمية، ولا سيما تلك التي حملت المشاعر القومية العربية، إذ عد حزب الكتائب وحزب الوطنيين الأحرار تعاون الفلسطينيين مع القوى اليسارية تحدياً للموارنة، ودخول المقاومة الفلسطينية كطرف في الصراع السياسي والاجتماعي اللبناني.

ـ توريط لبنان في الصراع مع إسرائيل، يرى اليمين اللبناني والقوى المارونية بأن لبنان قدم الكثير من أجل الفلسطينيين، وكانت النتيجة تعرض الجنوب اللبناني إلى اعتداءات إسرائيلية متكررة.

رفضت السلطات اللبنانية أي تواجد للقوات التابعة للمقاومة الفلسطينية فوق أراضيها، مع أنها كانت أول بلد عربي وافق على فتح مكاتب لمنظمة التحرير الفلسطينية، ومركز الأبحاث الفلسطينية في بيروت، واتسمت علاقاتها مع المنظمة بالتوتر المتصاعد نتيجة لتصادم قوة العمل السياسي والعسكري السري، والنقابي، والثقافي الفلسطيني، رغم تعسف المخابرات اللبنانية والجيش، فإن قوة النشاط الفلسطيني بتنظيماته المختلفة كانت تتنامى بشكل كبير وسريع ، وعبر الفدائيون الحدود اللبنانية لتنفيذ عمليات عسكرية ضد دولة الاحتلال على الرغم من العراقيل المستمرة التي أقامتها السلطات اللبنانية أمامهم، والمناوشات التي كانت تحصل من حين إلى آخر بينهم وبين قوات الجيش اللبناني.

أصبح العمل الفدائي في لبنان يفرض قيمة وجوده على الساحة اللبنانية، وتمكن من استقطاب مشاركة لبنانية واسعة، وكان أحد تجلياته استشهاد خليل عز الدين الجمل، الذي كان أول شهيد لبناني ضمن قوات الثورة الفلسطينية، مما عزز من مكانة المقاومة الفلسطينية على الساحة اللبنانية، في الوقت نفسه كان الموارنة، وخصوصاً أحزاب الحلف الثلاثي ترفض العمل الفدائي وتندد به، واستطاعت المقاومة الفلسطينية في لبنان أواخر عام 1968م، تثبيت عملها الفدائي على الساحة اللبنانية، إذ تمركز الفدائيون في منطقتين رئيستين:

أولاً ـ مناطق وقف إطلاق النار مع إسرائيل في الجنوب اللبناني.

ثانياً ـ انتشار مخيمات اللاجئين على امتداد الأراضي الفلسطينية، ما دفع المقاومة إلى إيجاد قاعدة آمنة للعمل الفدائي في لبنان.

"ركزت الفصائل الفلسطينية جهودها على تسليح المخيمات الفلسطينية التي تحولت تدريجياً الى قلاع محصنة، يتم داخلها تدريب الفدائيين وتسليحهم"، ومن ثم بدأت عملية تدريب المقاتلين الفلسطينيين في معسكرات التدريب تحت شعار الكفاح المسلح من أجل تحرير فلسطين في سورية والأردن، ولبنان ابتداء من عام 1969م، في ظل تشديد القبضة الأمنية اللبنانية على المخيمات الفلسطينية؛ لتحييدها عن المشاركة في الأعمال العسكرية، لم تعترض السلطات اللبنانية على نشاط الوحدات الفدائية، وذلك لصغر حجمها، وعملها الفدائي المحدود، ورغبة السلطات اللبنانية في امتصاص غضب الدول العربية الناتج عن عدم مشاركة لبنان مرات عديدة مع الدول في صد العدوان الإسرائيلي عن الدول العربية (ًص128).

تؤكد الكاتبة هنا: "أن السلطات اللبنانية الحاكمة ذات الزعامة المارونية المؤثرة، مجمعة أمرها تقريباً على رفض العمل الفدائي، أو على الأقل رفض الوجود العلني للعمل الفدائي الفلسطيني؛ لأن ضروريات المصلحة اللبنانية تقتضي بأن يبقى العمل الفدائي سرياً حتى لا تتذرع إسرائيل ذات المطامع بالمياه والأرض اللبنانية لتمارس سياستها التوسعية" (ً ص131).

الأزمات اللبنانية الفلسطينية:

ناصبت القوى المارونية اللبنانية العمل الفدائي الفلسطيني العداء، وتذرعت تلك القوى بالهجمات العسكرية الإسرائيلية على لبنان، لذا كان طبيعياً أن تتصادم العناصر المتعارضة فوق الأرض اللبنانية، فاندلعت الصدامات بين الفدائيين والقوى الوطنية المتحالفة معها، وبين القوى المارونية وبعض الفئات التابعة للجيش اللبناني من جهة أخرى فكانت أزمة نيسان عام 1969م، أما الأزمة الثانية فكانت في أكتوبر من نفس العام، بعد جملة من التناقضات الداخلية والصدامات المستمرة بين الجيش اللبناني المدافع عن الامتيازات المارونية، وبين الفلسطينيين الساعين لتثبت نفوذهم عبر تحالفاتهم مع اليسار والمسلمين في لبنان؛ أدت تلك الأزمات إلى انحياز كبير من الشارع اللبناني إلى جانب المقاومة الفلسطينية، ووقعت اشتباكات مع قوات الأمن اللبنانية، ومن ثم أخذ الأزمات تأخذ بعداً عربياً لحل الخلاف بين الطرفين والخروج من الأزمة باتفاق القاهرة نوفمبر عام 1969م، الذي جاء في صالح المقاومة الفلسطينية؛ كونها اعترفت بالوجود العسكري، والسياسي لمنظمة التحرير مع حرية العمل الفدائي، كما وضعت حداً مؤقتاً للصدام، من غير حل مشكلة التوفيق بين الوجود الفلسطيني المسلح، وقيامه بواجبه النضالي، وبين التصدي لإسرائيل، وعدم مجابهتها، وهي التي تنتهك حدود لبنان بشكل متكرر.

يعد اتفاق القاهرة حدثاً مهماً في تاريخ منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان، فقد أصبح وجودها العسكري وجوداً شرعياً، وصرح بذلك ياسر عرفات بقوله:" إن الثورة الفلسطينية خرجت قوية من الأزمة، إذ خصت المقاومة بنوع من الحصانة السياسية في المخيمات، وأعفيت القوات العسكرية الفلسطينية بصورة قانونية من الخضوع للقانون اللبناني، وأصبحت حرة في العمل ضد مصالح البلد يستضيفها من غير أن تخشى أي عقاب، وهي لم تتوان عن القيام بذلك"(ص151).

تعزز الوجود المسلح الفلسطيني على الساحة اللبنانية، فتولدت مشكلة الوجود الفلسطيني المسلح الذي أضحى متمرساً على القتال ضمن مواقع عسكرية ثابتة، فأصبح ذلك يشكل مصدر قلق لدى الموارنة وحلفائها من الإسرائيليين، فبدأت الأحزاب المارونية تنظر إلى الوجود المسلح الفلسطيني من منطلق الرفض التام لكل وجود مسلح غير السلطة الشرعية، واعتباره وجوداً مسلحاً مضاداً، ويمثل ممارسات شاذة، وخرقاً للنظام والقانون، وتم رفض الوجود الفلسطيني المسلح من باب رفض أي وجود لثورة فلسطينية وبالتالي للقضية الفلسطينية
نتيجة لتنامي القدرات العسكرية للمقاومة الفلسطينية على الساحة اللبنانية ازداد الخطر الإسرائيلي على الجنوب اللبناني، فمع بداية عام 1972م، لجأت إسرائيل للرد الانتقامي على العمليات الفدائية، فقامت بهجوم واسع اشتركت به مئات الطائرات والآليات في منطقة العرقوب وحاصبيا 25 شباط/فبراير 1972م، بغية تحقيق عدة أهداف منها:

1 ـ احتلال مناطق استراتيجية من جنوب لبنان بحجة تدمير المواقع الفدائية للفلسطينيين.

2 ـ إكمال خطة تصفية الثورة الفلسطينية، لتمهيد الأجواء لتمرير الشروط السلمية الإسرائيلية.

3 ـ شق الطرق اللازمة لخدمة الاستراتيجية الإسرائيلية في حال وقوع حرب نظامية في الجولان.

4 ـ التأثير المعنوي على الثورة الفلسطينية؛ لأهمية منطقة العرقوب لفتح لاند.

5 ـ خلق توتر واضح في العلاقات الفلسطينية واللبنانية، ما دفع بعض السياسيين، وخاصة الموارنة إلى المناداة بإعادة النظر ببنود اتفاق القاهرة وأساليب تنفيذه.

الحرب الأهلية اللبنانية:

وقعت الحرب الأهلية اللبنانية نتيجة عدة مسببات اجتماعية، وسياسية، واقتصادية، وتبعية النظام الاقتصادي والسياسي اللبناني للنظام الرأسمالي الغربي، وانهيار القطاع الصناعي في لبنان، وخصوصاً في الغزل والنسيج قبل انفجار 1975م، وقد عبرت الأزمة اللبنانية عن نفسها في الاضطرابات الاجتماعية التي شهدها لبنان خلال السنوات الماضية، وعجزت النظام اللبناني الطائفي شبه الاقطاعي عن استيعاب تطلعات السنوات الماضية، وعجز النظام اللبناني الطائفي شبه الاقطاعي عن استيعاب تطلعات الطبقة البرجوازية ذات الصبغة المارونية الناشئة، ومحاولة الأنظمة العربية مصادرة القرارات السياسية الفلسطينية لصالحها، وتطويع الموقف الفلسطيني، وادخاله في معادلة الصراع العربي الإسرائيلي مجرداً من أي فعالية أو تأثير(ص212).

"تعزز الوجود المسلح الفلسطيني على الساحة اللبنانية، فتولدت مشكلة الوجود الفلسطيني المسلح الذي أضحى متمرساً على القتال ضمن مواقع عسكرية ثابتة، فأصبح ذلك يشكل مصدر قلق لدى الموارنة وحلفائها من الإسرائيليين، فبدأت الأحزاب المارونية تنظر إلى الوجود المسلح الفلسطيني من منطلق الرفض التام لكل وجود مسلح غير السلطة الشرعية، واعتباره وجوداً مسلحاً مضاداً، ويمثل ممارسات شاذة، وخرقاً للنظام والقانون، وتم رفض الوجود الفلسطيني المسلح من باب رفض أي وجود لثورة فلسطينية وبالتالي للقضية الفلسطينية"، ويمكن إجمال مسببات الحرب إلى:

ـ الاستفراد بالثورة الفلسطينية لوضع حد للتواجد الفلسطيني بكل صورة على الأرض اللبنانية.

ـ كسر شوكة القوى الوطنية التقدمية اللبنانية المتعاطفة والمتعاونة مع الثورة الفلسطينية.

ـ استنزاف القدرة العسكرية البشرية للفدائيين بعدما استطاعت المنظمة تطوير إمكاناتها العسكرية، ودعم مبادرتها السياسية على المستويين الإقليمي والدولي، مما دفع أعداؤها إلى التعجيل في تفجير الحرب الأهلية اللبنانية(ص217).

التحالف الماروني الإسرائيلي:

ازداد التقارب الماروني الإسرائيلي خلال أحداث الحرب الأهلية اللبنانية، وهدف التعاون الماروني الإسرائيلي إلى ما يلي:

ـ جر المقاومة الفلسطينية قسراً إلى معارك التصفية، واستنزاف قدراتها العسكرية والسياسية لصرفها عن الكفاح المسلح ضد إسرائيل.

ـ ترحيل الفلسطينيين من لبنان بعد تدمير المخيمات الفلسطينية، وإزالتها نهائياً عن الوجود.

ـ رغبة إسرائيل في تحقيق مطامعها الاستراتيجية، إذ تعد منطقة جنوب لبنان بمياهه الوفيرة هدفاً استراتيجيا؛ لذلك طالبت إسرائيل بضخ مياه الليطاني إلى الأردن لاقتسامه بين إسرائيل والأردن ولبنان .

ـ رغبة إسرائيل في المحافظة على التوازن الطائفي اللبناني؛ لأنه يمنع الانخراط مع دول المواجهة العربية، ورغبتها في القضاء على الحركات الفدائية الممتدة على حدودها الشمالية، والقضاء على نشاطهم المسلح من خلال التعاون مع القوى المارونية .

ـ مساعدة إسرائيل للموارنة من أجل السيطرة الكاملة على الوضع اللبناني، وذلك بهدف إيجاد دولة طائفية مارونية ككيان ديني حليف لإسرائيل(ص235).

قامت إسرائيل بتقديم الدعم العسكري والمادي للأحزاب المارونية، والقوى الانعزالية المارونية، قامت بدور فعالا في تدمير لبنان، وضد فصائل المقاومة الفلسطينية، والقوى اللبنانية المتحالفة معها، التي شكلت عائقاً اقتصادياً وسياسياً امام الاطماع الإسرائيلية.

"يعود أول اتصال للحصول على الأسلحة من إسرائيل إلى الأزمة اللبنانية التي وقعت عام 1958، إذ طلب رئيس الجمهورية كميل شمعون آنذاك من اسحق رابين قائد الجبهة الشمالية الإٍسرائيلية حمولة شاحنة من 500 بندقية، وقد حصل عليها".

تجدد الاتفاق عام 1975م، وكان اسحق رابين حاسماً بتزويد الموارنة بالأسلحة، وتدريب القوى المارونية، ولكنه يحبذ آنذاك التدخل المباشر في الأزمة اللبنانية، وقال رابين :" نحن نقدم لكم العون؛ لأننا يهود، ونشعر بأننا مجبرون أخلاقيا على نجدة أقلية دينية مضطهدة، إلا أنني لا أخفى عليكم أن وراء قررانا سببا سياسياً، فعدوكم هو عدونا، وسوف نؤمن لكم المساعدة"، كان الهدف من تزويد الموارنة بالأسلحة، والمعدات والأموال هو إيجاد قوات مؤيدة لإسرائيل؛ لتحقيق هذه الغاية بدأت إسرائيل أيضا بتدريب وتسليح ميليشيا لبنانية جنوبية تحت قيادة الرائد سعد حداد، مع أن حداد من الروم الكاثوليك وغير ماروني؛ إلا أنه كان يمثل مصالح الموارنة في الجنوب اللبناني، إذ بالتعاون مع الموساد الإسرائيلي جيش لبنان الجنوبي، لتكون هذه الميليشيا بمثابة أكياس رمل أو منطقة عازلة، بين مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية ومنطقة الجليل (ص238)

الموارنة والتصدي للاجتياح الإسرائيلي للبنان 1978م:

أرادت إسرائيل من وراء اجتياحها للبنان خلق وضعاً جديداً من تعميق الخلافات والتناقضات بين الشعب اللبناني والثورة الفلسطينية، واجتثاث المقاومة الفلسطينية، واخراجها نهائياً من الجنوب اللبناني كله، بالإضافة لتوفير الحماية للمستوطنات الإسرائيلية على الحدود الشمالية، وجعل لبنان نقطة ضعف للداخل اللبناني، ونقطة قوة له، وإقامة حزام أمني على طول الحدود اللبنانية يصل إلى مرجعيون وقليا في الشرق.

قامت إسرائيل بتقديم الدعم العسكري والمادي للأحزاب المارونية، والقوى الانعزالية المارونية، قامت بدور فعالا في تدمير لبنان، وضد فصائل المقاومة الفلسطينية، والقوى اللبنانية المتحالفة معها، التي شكلت عائقاً اقتصادياً وسياسياً امام الاطماع الإسرائيلية.
أرغمت المقاومة رئيس هيئة الأركان الإسرائيلية مردخاي غور على الاعتراف بصعوبة التقدم حيث قال:" إنني لا استطيع التقدم؛ لأنني أواجه رجالاً يطلبون الموت" دليل على المقاومة الفلسطينية الشرسة التي كانت تعي جيداً المساعي الإسرائيلية من خلال تدخلها في الحرب الأهلية اللبنانية.

أبرز التدخلات الإسرائيلية في الحرب:

ـ احتجزت إسرائيل سفينة محملة بذخائر ومعدات حربية كانت تسير بطريقها من الإسكندرية إلى مدينة صور لتفريغ حمولتها لصالح الفدائيين الفلسطينيين.

ـ أمنت إسرائيل القوى المارونية أثناء حصارها تل الزعتر بأسلحة ومعدات جعلت القوى اليمينية المارونية تمطر تل الزعتر بحوالي 18 ألف قذيفة إسرائيلية الصنع.

حققت إسرائيل عدة مكاسب من الحرب الأهلية، وبما أحدثته من مجازر جماعية وعمليات النهب، والحرق والخطف، والقتل على الهوية، وتدمير أماكن العبادة، وقتل رجال الدين؛ لإعطاء العالم صورة عن الشخص العربي بأنه يستبيح دم أخيه.

كذلك استغلت الخوف الغريزي لدى موارنة الجنوب، الذي زاد تأجيجه مجريات الحرب الأهلية، وما تخلله من اعلام طائفي، وتقديم إسرائيل كدولة إنسانية تعمل على حماية القوى المسيحية المارونية في الجنوب وتدافع عنها. ( ص243).

تقول الكاتبة: "كانت اللقاءات الإسرائيلية المارونية تشكل فرصة بالدرجة الأولى لحاجة كل طرف للأخر، وهو ما كان ظاهراً عبر تطورات الحرب الأهلية، ولقاء الزعماء من كلا الطرفين، وكيف أن كل عنصر كان له مصالح ذاتية مع الآخر، فكل طرف كان يرغب بتوريط الأخر للاستفادة منه قدر الإمكان، وفي هذا السياق لم يخف اسحق رابين في لقائه مع بيار الجميل المصالح السياسة الإسرائيلية بقوله:" إننا نشعر بواجب أدبي يقضي بمساعدة أقلية دينية مضطهدة... ولا أخفي عليك وجود حافز سياسي أيضاً لمساعدتكم، إن أعداءنا هم أعداؤكم" (ًص244)

ختمت الكاتبة دراستها بمجموعة من النتائج أهمها:" قيام القوى المارونية تحديدا حزب الكتائب بدور كبير في تسهيل المهام الإسرائيلية من أجل تنفيذ سلسلة من الاغتيالات ضد قادة المقاومة الفلسطينية داخل لبنان، كما تعاون حزب الكتائب مع الاحتلال الإسرائيلي أثناء عدوانها على لبنان عامي 1978-1982م، الذي مهد لخروج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان عام 1982م ضربة قوية للوجود الفلسطيني في لبنان، حيث ارتفع الغطاء الأمني عن المخيمات الفلسطينية، مما ساعد القوى المارونية الكتائبية، والنمور الأحرار، وحراس الأرز، وقوات سعد حداد على ارتكاب مجزرة صبرا وشاتيلا، بتغطية ومساعدة لوجستية وعسكرية إسرائيلية بحتة.

هذه الدراسة تمثل إضافة معرفية وسجل تاريخي، ويملأ فراغاً في المكتبة العربية عامة والفلسطينية خاصة، كونه يصف واقع الحال الفلسطيني في لبنان، ويوثق شهادات تاريخية لما كان أمراً واقعاً وحدث فعلاً على الأرض في ظل حقبة مهمة ومفصلية من تاريخ الشعب الفلسطيني في لبنان.