نشرت صحيفة "
واشنطن بوست" تقريرا أعدته راشيل كاسون، تناولت فيه سياسة إدارة الرئيس الأمريكي دونالد
ترامب تجاه
مالي، حيث عملت على تحسين علاقاتها مع النظام العسكري القريب من
روسيا في محاولة لوقف تقدم المتشددين في غرب
أفريقيا.
وأوضحت الصحيفة أن واشنطن زادت من تعاونها الاستخباراتي مع السلطات في باماكو، وفق ما نقلته عن مسؤولين أمريكيين حاليين وسابقين.
وقالت الصحيفة إن المعلومات الاستخباراتية الأمريكية استُخدمت في ضربات شنها الجيش المالي، معتبرة أن هذه الخطوة جزء من حملة أوسع نطاقا لإدارة ترامب لإعادة التواصل مع المجلس العسكري الذي استولى على السلطة عام 2021 وتجاهلته واشنطن لفترة طويلة.
وأشارت إلى أنه في عهد الرئيس جو بايدن، ضغطت الولايات المتحدة على جنرالات مالي لتطبيق إصلاحات ديمقراطية دون جدوى، وفرضت عقوبات على عدد من كبار الضباط لشراكتهم مع مرتزقة "فاغنر" الروس، المتهمين بارتكاب انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان.
ونقلت "واشنطن بوست" عن مسؤول أمريكي سابق قوله إن إدارة ترامب أوضحت للجنرالات الماليين: "لا نعتقد أنه من حقنا الحكم على كيفية وصولكم إلى السلطة"، مضيفا أن الرسالة كانت: "نحن هنا إذا كنتم مستعدين".
اظهار أخبار متعلقة
وأكدت أن هذا التحول جاء في وقت حساس لمالي، التي شهدت أول انقلاب عسكري ضمن سلسلة انقلابات في منطقة الساحل والصحراء خلال السنوات الخمس الماضية، حيث استفاد قادة المجلس العسكري من دعم شعبي في البداية بسبب تصاعد عنف المتطرفين وخيبة الأمل من فرنسا، الحاكم الاستعماري السابق والشريك الأمني طويل الأمد.
وأضاف التقرير أن النظام المالي سارع إلى طرد القوات الفرنسية واستدعى المرتزقة الروس، وشن حملة "الأرض المحروقة" لاستعادة الأراضي من المتشددين، ما أدى إلى ارتفاع أعداد القتلى المدنيين، وفق تقارير منظمات حقوقية، إلى جانب اتهامات بالتعذيب والعنف الجنسي والاختفاء القسري.
وبالمقابل، تعزز نفوذ المتمردين، ما جعل منطقة الساحل مركزا عالميا للعنف المتطرف.
وذكرت الصحيفة أن محللين أكدوا أن مسلحي جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" المتحالفة مع القاعدة وسعوا طموحاتهم الإقليمية في غرب أفريقيا ويضغطون على حكومة مالي للدخول في مفاوضات مع اقترابهم من العاصمة.
وعزز فرع تنظيم الدولة في منطقة الساحل نفوذه على طول الحدود مع مالي، مستخدما النيجر قاعدة لشن هجمات على بنين ونيجيريا.
وقالت "واشنطن بوست" إن رودولف عطا الله، نائب المدير الأول لمكافحة الإرهاب في إدارة ترامب، زار باماكو في تموز/ يوليو الماضي وعقد مؤتمرا صحافيا أكد فيه رغبة الولايات المتحدة بمساعدة مالي في حربها ضد المتشددين إذا كانت "شريكا راغبا".
وأضافت أن عطا الله أبلغ المسؤولين الماليين في اجتماعات خاصة أن كل شيء مطروح على الطاولة، بدءا من تبادل المعلومات الاستخباراتية إلى تزويدهم بالمعدات والتدريب.
وأشارت الصحيفة إلى أن وكالة الاستخبارات المركزية منحت "حرية أكبر" لتبادل المعلومات مع السلطات المالية، وأن ويليام ستيفنز، نائب مساعد وزير الخارجية للشؤون الأفريقية، زار مالي في وقت لاحق من تموز/ يوليو، وتبعت ذلك وفود من مجلسي النواب والشيوخ. ولم يستجب عطا الله ولا وكالة المخابرات المركزية ولا وزارة الخارجية لطلبات التعليق، وفق الصحيفة.
اظهار أخبار متعلقة
ونقلت الصحيفة عن فرانكلين نوسيتر، محلل شؤون الساحل في مجموعة الأزمات الدولية، قوله إن بايدن "اتخذ نهجا أكثر تقليدية تجاه المعايير الأمريكية والديمقراطية في هذه المنطقة"، بينما "كان كل شيء مطروحا على الطاولة" مع ترامب.
كما نقلت عن موسى أغ أشاراتومان، عضو الحكومة الانتقالية في مالي، قوله إن المسؤولين الأمريكيين "احترموا السيادة" ولم يبدوا قلقهم من علاقة مالي الوثيقة مع روسيا، مضيفا: "إنهم يدركون أن لدينا عدوا واحدا".
ولاتزال الاستراتيجية الأمريكية قيد التطوير، وسط مخاوف من سجل المجلس العسكري في حقوق الإنسان، واحتمال تسريب معلومات استخباراتية أمريكية إلى موسكو. ونقلت عن مسؤول أمريكي حالي قوله إن "مالي شريك غير تام إلى حد كبير".
وقتل أكثر من 10 آلاف شخص العام الماضي نتيجة عمليات الجماعات المسلحة في منطقة الساحل. ونقلت عن مسؤول أمريكي سابق قوله إن مالي أصبحت "نقطة فارغة على الخريطة".
وأوضحت أن إدارة بايدن قللت من أهمية العلاقات مع مالي وبوركينا فاسو والنيجر، وركّزت بدلا من ذلك على دول ساحلية مثل بنين وساحل العاج وغانا، التي لم تتأثر إلا مؤخرا بامتداد العنف، مضيفة أن طلب المجلس العسكري في النيجر من القوات الأمريكية مغادرة قاعدة أغاديز زاد الوضع الإقليمي سوءا.
وقالت الصحيفة إن عطا الله، وهو مقدم متقاعد في سلاح الجو الأمريكي ذو خبرة طويلة في غرب أفريقيا، دفع باتجاه وضع سياسة خاصة بالساحل.
وأشارت إلى أنه بعد زيارته باماكو بفترة قصيرة، أعلن الجيش المالي أن الأمريكيين كانوا يأملون في استهداف زعيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي أبو عبيدة يوسف العنابي، لكن لم يُؤكد مقتله.
ونقلت عن سيباستيان غوركا، المدير الأول لمكافحة الإرهاب في إدارة ترامب، إشادته بالعملية العسكرية واصفا إياها بـ"المعقدة والاحترافية للغاية".
وأورد التقرير أن جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" أمرت مؤخرا بفرض حصار على الوقود في مالي، حيث أحرقت ناقلات نفط واختطفت طيارين رهائن، وهاجمت قاعدة عسكرية استراتيجية في منطقة سيغو شمال باماكو يوم 19 آب/ أغسطس، وأشعلت النار في الثكنات ونهبت أسلحة وذخيرة لعدة أيام.
كما وسعت هجماتها إلى أهداف اقتصادية بينها مصانع الأسمنت ومصافي السكر والمناجم، إضافة إلى خطف مواطنين أجانب من الصين وروسيا والهند، وفشلت قوات "فيلق أفريقيا"، التي أُرسلت لتحل محل مرتزقة فاغنر، في التصدي للمتشددين.
ونقلت الصحيفة عن هيني نسيبية، كبير محللي غرب أفريقيا في مشروع بيانات النزاعات المسلحة، قوله إن المسلحين "يسعون لتدمير الاقتصاد المالي وحرمان الحكومة من الموارد لإجبارها على التفاوض". كما نقلت عن كورين دوفكا، المحللة في شؤون الساحل، وصفها الوضع بأنه "لعبة اضرب الخلد"، مشيرة إلى غموض مآلاته.
وأشارت الصحيفة إلى أن الجنرال الأمريكي المتقاعد كينيث إيكمان، الذي قاد الانسحاب من النيجر، اعتبر عودة واشنطن للتعاون مع المجلس العسكري المالي "أمرا جيدا" لسد فراغ أمني وإعلامي خطير، لكنه حذر في الوقت ذاته من عيوب هذه الاستراتيجية.
ونقلت "واشنطن بوست" عن إيلاريا أليغروزي، الباحثة البارزة في "هيومن رايتس ووتش"، قولها إن توفير معلومات استخباراتية للجيش المالي "إشكالي للغاية"، موضحة أن الضربات تسببت في خسائر مدنية شملت إعدامات ميدانية واختفاءات قسرية وضربات عشوائية بطائرات مسيرة. وأكدت أن "الدول التي تساعدهم متواطئة في هذه الانتهاكات".
وأضافت الصحيفة أن هذه الشراكة الأمنية قد تعرض الولايات المتحدة لهجمات من جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"، التي لم تستهدف المصالح الأمريكية بشكل مباشر سابقا، بعكس تنظيم الدولة. ورأت أن ذلك قد يعطل محاولات الوساطة للتوصل إلى اتفاق سلام بين حكومة مالي والجماعة.
واختتمت "واشنطن بوست" تقريرها بالإشارة إلى أن مسؤولا أمريكيا أقر بأن من المستحيل تقريبا منع تسرب المعلومات الاستخباراتية الأمريكية إلى الروس، الذين يسيطرون على جزء كبير من المجال الجوي لمالي، في وقت تتزايد فيه هجمات الجماعات المسلحة وتتوسع لتشمل أهدافا اقتصادية واستراتيجية في المنطقة.