صحافة دولية

زهران ممداني في عيون الصحافة الأمريكية: انتصار يغيّر قواعد اللعبة

هاجم ترامب ممداني وحذر من انتخابه عمدة للمدينة - حسابه الشخصي
هاجم ترامب ممداني وحذر من انتخابه عمدة للمدينة - حسابه الشخصي
تناولت الصحف الأمريكية فوز زهران ممداني بمنصب عمدة نيويورك بوصفه حدثًا سياسيًا مفصليًا، أعاد رسم ملامح المشهد المحلي ورسّخ حضور التيار اليساري في قلب السلطة.

وقد ركّزت التغطيات على رمزية هذا الانتصار، وتحدياته المحتملة، وما يشكله من تحولات في الخطاب العام، خصوصًا في ما يتعلق بتمثيل المسلمين والمهاجرين والطبقة العاملة في الحياة السياسية للمدينة.

ففي تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"، سلطت الضوء على الطريقة التي تمكن بها زهران ممداني من الفوز بمنصب عمدة نيويورك، رغم توجهاته التقدمية الحادة التي أثارت مخاوف نخبة الأعمال. ويبرز التقرير كيف استطاع تشكيل تحالف سياسي واسع ضم اليسار التقدمي وقيادات الحزب وحلفاء من قطاع الأعمال، متجاوزًا انتقادات خصومه والجدل حول مواقفه الداعمة لفلسطين.

وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي 21"، إن ممداني كان نائمًا في ساعات الصباح الأولى التي أعقبت الانتخابات التمهيدية في يونيو/ حزيران، حين بدأت الاتصالات تنهال عليه.

وبجانب رسائل التهنئة، ظهرت أيضًا إشارات تنذر بتحديات مقبلة. فقد تمكن الشاب الديمقراطي الاشتراكي من هزيمة الحاكم السابق أندرو كومو، في انقلاب سياسي مفاجئ على موازين القوة في نيويورك، لم يكن ممداني نفسه يتوقعه بهذا الحجم.

وأشارت الصحيفة إلى أنه على الرغم من امتعاض بعض الشخصيات البارزة في المؤسسة السياسية والاقتصادية، التي تواصلت مع ممداني وفريقه الصغير بعد الانتخابات التمهيدية، نجح في تحدي النظام القائم وبناء تحالف غير متوقع جمع بين الشباب التقدميين وشرائح شعبية غاضبة من ارتفاع تكاليف المعيشة، رغم أن حملته بدأت بنسبة دعم لا تتجاوز 1 بالمئة.

وأوضحت الصحيفة أنه بعد مسار مليء بالمفاجآت، أصبح ممداني في الرابعة والثلاثين أصغر عمدة منذ قرن، وأول مسلم وجنوب آسيوي يتولى المنصب، مدعومًا بحملة خلف الكواليس شملت اعتذارات، اتصالات دقيقة مع رموز المؤسسة، ومحاولات مدروسة لتهدئة مخاوف النخب، ما مكّنه من تجاوز الهجمات السياسية وإنهاء "الهستيريا" بأدنى تكلفة ممكنة.

وأفادت الصحيفة أن ممداني بدأ حملته قبل سنة في مقهى بأستوريا، كعضو عادي هاجر إلى نيويورك بعمر 7 سنوات، وسط منافسين أقوياء ومواقف مثيرة للجدل بشأن الشرطة و"إسرائيل"، وكان هدفه تقديم نموذج لحملة يسارية قوية، لا الفوز بالضرورة.

وتحولت حملته إلى ظاهرة عبر التركيز على أزمة السكن، والمحتوى الفيروسي، والتواصل المباشر مع الناخبين، متجاهلًا الإعلام والمؤسسات التقليدية، واعتماد "استراتيجية هدايا الميتس" وتنظيم فعاليات ميدانية مثل مسابقة البحث وبطولة كرة القدم في كوني آيلاند.

في المقابل، اعتمد كومو على المال والنفوذ، مستخدمًا 25 مليون دولار لدعم حملته. وفي ليلة الانتخابات التمهيدية، فاز ممداني من الجولة الأولى، معلنًا انتصاره على "المليارديرات وأموالهم الطائلة" والمسؤولين الذين يضعون مصالحهم الشخصية فوق الثقة العامة، وكشف عن محادثة مع كومو حول "توحيد المدينة"، رغم أن هذا الشعور لم يدم سوى ثماني ساعات.

وأفادت الصحيفة أن باتريك غاسبارد، الذي انضم كمستشار لممداني في أواخر الحملة التمهيدية، وجد نفسه محاطًا برسائل متوترة من شخصيات بارزة تشكك في قدراته.

وكان ممداني وفريقه منهكين، واضطروا لمضاعفة حجم الفريق وإعادة توزيع الأدوار، مع طاقم حماية يرافقه في كل خطوة. وبعد الانتخابات، حصل على دعم بعض النقابات وقادة الحزب، بينما تردد آخرون خشية ميوله اليسارية.

في المقابل، بدأ آدامز يستعيد قوته، وعاد كومو للسباق كمستقل. وبعد الانتخابات، سافر ممداني للاحتفال بزواجه في أوغندا، لكنه عاد فورًا بعد حادث إطلاق نار أسفر عن مقتل ضابط شرطة بنغلاديشي مسلم، فالتقى عائلته مباشرة من المطار. وفي مؤتمر صحفي، انتقد ممداني استغلال كومو للحادث سياسيًا، وأوضح تطور موقفه من الشرطة، واصفًا تلك اللحظة بأنها الأولى التي شعر فيها فعليًا بأنه عمدة نيويورك.

وأفادت الصحيفة أن ممداني كان يدرك أن أي عمدة لن يقود نيويورك دون دعم نخبة رجال الأعمال، ومع اقتراب الانتخابات العامة بدأ التواصل مع كبار الشخصيات مثل لاري فينك وهاميلتون إي. جيمس، مؤكدًا أن مواقفه الجوهرية لن تتغير، لكنه طلب نصائحهم وأبدى مرونة في بعض السياسات مثل الضرائب وخدمات رعاية الأطفال والنقل العام.

وفي اجتماع مع "جمعية نيويورك الأفضل"، قدّم ممداني تعازيه للسيد رودين، الذي كان والده أحد مؤسسي الجمعية، بعد حادثة إطلاق النار، وفاجأ الحضور باقتراح تعديلات تنظيمية لتسريع البناء، ما ترك انطباعًا إيجابيًا.

وسعى ممداني لتهدئة التوتر داخل الحزب من خلال التعاون مع الحاكمة كاثي هوكول بشأن رعاية الأطفال والشرطة، وتوصل الطرفان إلى اتفاق بإشراكها في تعيين المفوض جيسيكا تيش. وكان حذرًا من غضب بعض المؤسسات اليهودية بسبب عبارة "عولمة الانتفاضة" ومواقفه تجاه إسرائيل.

وقالت الصحيفة في النهاية إن ممداني عزز تحالفه قبل الانتخابات، وظهر ذلك جليًا عندما امتلأ ملعب فورست هيلز في كوينز، ووقف على المنصة بيرني ساندرز وألكساندريا أوكاسيو-كورتيز، إلى جانب هوكول وقادة المجلس التشريعي في ألباني، متحدين خلف مرشح الحزب الديمقراطي.

اظهار أخبار متعلقة



تحديات ممداني الكبرى
ونشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرًا بعنوان "ممداني يُنتخب عمدةً لنيويورك: ما هي التحديات المقبلة أمامه؟" أشارت فيه إلى أن انتخاب زهران ممداني، الاشتراكي الديمقراطي، أول عمدة مسلم للمدينة، جاء نتيجة نجاحه في تحفيز الناخبين الجدد والشباب والمستائين، بينما سيواجه تحديات تشمل إدارة المدينة بميزانية ضخمة، وكسب دعم الحاكم والمجلس التشريعي، ومواجهة تهديدات ترامب وانقسامات الديمقراطيين حول سياساته اليسارية.

وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي 21" أن زهران ممداني، البالغ من العمر 34 عامًا، فاز على حاكم نيويورك السابق أندرو كومو، الذي خاض الانتخابات كمستقل بعد خسارته أمام ممداني في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، وعلى المرشح الجمهوري كورتيس سليوا، في حين منح الرئيس دونالد ترامب، الناقد الصريح لممداني، تأييدًا في اللحظة الأخيرة لكومو عشية يوم الانتخابات.

وأشارت الصحيفة إلى أن فوز ممداني جاء نتيجة علاقته القوية مع الناخبين، واستخدامه الذكي لوسائل التواصل الاجتماعي، إضافة إلى وعده بسياسات شعبوية تشمل الرعاية الشاملة للأطفال والحافلات المجانية، وسيصبح قريبًا أول عمدة مسلم لنيويورك.

وأضافت أن ممداني سيُناط به تنفيذ أجندته الطموحة التي تتطلب دعم المجلس التشريعي للولاية وحاكم أكثر اعتدالًا، إلى جانب مواجهته هجمات من ترامب وحزب ديمقراطي منقسم حول سياساته اليسارية.

وأوضحت الصحيفة أنه عند أدائه اليمين الدستورية في 1 يناير/ كانون الثاني، سيتولى مسؤولية مدينة بميزانية تقارب 116 مليار دولار، وقوة عاملة تزيد عن 300 ألف موظف، وسكان يفوق عددهم 8 ملايين، مع تحديات كبيرة نظرًا لخبرته المحدودة بعد أربع سنوات في الجمعية التشريعية.

وتشمل بعض مقترحاته: تجميد إيجارات بعض السكان، وجعل الحافلات مجانية، وتوفير رعاية شاملة للأطفال، وزيادة الحد الأدنى للأجور، وإنشاء متاجر بقالة مملوكة للمدينة بأسعار الجملة، لكنها تتطلب دعم الحاكم كاثي هوشول والمشرعين والمجلس، إضافة إلى فريق تنفيذ وسياسات تمويل.

وأوضحت الصحيفة أن ممداني يسعى لجمع 9 مليارات دولار من الإيرادات الجديدة عبر زيادة الضرائب على الأغنياء والشركات، أي زيادة ستحتاج موافقة المشرعين، بينما تعارض هوشول زيادة الضرائب. وأكدت أن ممداني سيكون تحت ضغط لإثبات قدرته على التعاون مع الحاكم والمجلس التشريعي لتحقيق وعوده مثل الرعاية الشاملة للأطفال.

وأشارت الصحيفة إلى تهديدات ترامب المتكررة بمنع الأموال الفيدرالية عن نيويورك إذا فاز ممداني، واصفًا إياه بالشيوعي، مع التأكيد أن ممداني اشتراكي ديمقراطي وليس شيوعيًا، في حين تعتمد ميزانية تشغيل المدينة على 7.4 مليارات دولار من التمويل الفيدرالي للسنة المالية 2026، أي 6.4 بالمئة من إجمالي الإنفاق.

وأضافت أن مسؤولي المدينة كانوا مستعدين لتقليصات محتملة من إدارة ترامب منذ قبل فوز ممداني، حيث جمدت الإدارة 18 مليار دولار من إنفاق البنية التحتية، وتعهد ممداني بمواجهة ترامب في كل خطوة، مستشهدًا بتجارب مدن كاليفورنيا في معارضة سياساته.

وأوضحت الصحيفة أن ممداني يتناغم مع المدعية العامة لنيويورك ليتيتيا جيمس، التي رفعت دعوى قضائية ضد إدارة ترامب وكانت حازمة في مواجهة سياساته، علمًا بأنها وُجهت الشهر الماضي تهمًا من وزارة العدل بزعم تضليل بنك للحصول على شروط رهن عقاري أفضل، وقد أنكرت التهم.

وقالت الصحيفة إن ممداني أوضح في مقابلة مع مجلة نيويوركر أن إجراءات ترامب ضد منح البنية التحتية ونشر الحرس الوطني ليست ضده شخصيًا، بل ضد المدينة، فيما أشار الخبراء إلى أن أي تخفيضات في نيويورك قد تؤثر على الدوائر الانتخابية المحيطة وتنعكس على نتائج انتخابات منتصف الولاية 2026.

وأضافت الصحيفة أن المؤسسة الديمقراطية منقسمة حول تبني ممداني، مع إشادة البعض بتركيزه على تحمل تكاليف المعيشة واستخدامه وسائل التواصل الاجتماعي، بينما يخشى آخرون أن تؤثر مكانته كاشتراكي ديمقراطي على المعتدلين والديمقراطيين الضعفاء، خاصة وأنه أول عمدة مسلم لمدينة تضم أكبر تجمعين لليهود والمسلمين في الولايات المتحدة، وقد أثار موقفه من إسرائيل جدلاً واسعًا.

وفي الختام، قالت الصحيفة إن بعض الديمقراطيين سيظلون متشككين حتى تتضح مواقف ممداني في القضايا الحساسة، وقد يؤدي فوزه إلى استقطاب مرشحين شباب أكثر ميولًا لليسار.
خطاب الفوز

ونشرت صحيفة "نيوزويك" تقريرًا بعنوان "خطاب انتصار زهران ممداني" سلطت فيه الضوء على فوز ممداني وأهمية الأمل والعدالة الاجتماعية في سياسته. وأشار إلى التزامه بحقوق العمال والمهاجرين ومواجهته لسياسات دونالد ترامب.

ونقلت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "عربي 21" خطاب زهران ممداني، قائلاً: "شكرًا لكم، أصدقائي. قد غابت الشمس عن سماء مدينتنا، لكن كما قال يوجين ديبس: 'أستطيع رؤية فجر يوم أفضل للبشرية'.

لعقود طويلة، قيل للعمال في نيويورك من قبل الأثرياء وذوي النفوذ إن السلطة ليست في أيديهم، وأن أصابعهم المتعبة لم تُسمح لها بالإمساك زمامها. ومع ذلك، خلال الأشهر الـ12 الماضية، جرؤتم على الحلم بشيء أعظم، وسعيتم وراءه بشجاعة، وأسقطتم سلالة سياسية، مانحين بذلك تفويضًا للتغيير، ونهجًا جديدًا للسياسة، ومدينة تتحمل تكاليفها، وحكومة تنفذ ذلك بالفعل".

وقالت الصحيفة إن ممداني شكر الجيل القادم من سكان نيويورك، وأصحاب الحقوق المنسية، والمهاجرين وأصحاب المحلات وسائقي التاكسي والممرضات والطهاة، مؤكدًا أن المدينة وديمقراطيتها ملك لهم جميعًا.

كما أعرب عن تقديره لأكثر من 100,000 متطوع وفريق حملته ووالديه وزوجته، مشددًا على أن الأمل حي، وأن سكان نيويورك اختاروه معًا رغم الصعاب والإعلانات الهجومية، متجاوزين الطغيان والمال الكبير والأفكار الصغيرة واليأس.

وأوضح أن الانتصار ليس فرديًا بل جماعيًا، وأنهم خطوا من القديم إلى الجديد، داعيًا إلى الحديث بوضوح عن ما سيقدمه هذا العصر الجديد ولمن.

وأضاف أن هذا العصر الجديد سيشهد من قادة نيويورك رؤية جريئة تتجاوز الأعذار، مع جدول أعمال طموح لمواجهة أزمة تكاليف المعيشة، يشمل تجميد الإيجارات لأكثر من مليونَي مستأجر، وتحسين الحافلات، وتوفير رعاية أطفال شاملة.

كما سيكون عصرًا للتحسين المستمر من خلال توظيف آلاف المعلمين، وتقليص الهدر البيروقراطي، مع تعزيز الأمن والعدالة ومكافحة الانقسام والكراهية.

وأوضحت الصحيفة أن ممداني أكد أن نيويورك ستكون النور في الظلام السياسي، داعمة لجميع السكان من مهاجرين ومجتمعات متنوعة، وستقف ضد معاداة السامية والإسلاموفوبيا. كما أشار إلى أن الحكومة ستساعد الجميع، وستواجه التضليل الإعلامي والطبقة المليارديرية التي تحاول تشتيت الناس.

وأكد ممداني: "إذا كان هناك من يستطيع أن يُعلّم الأمة كيف تهزم ترامب، فهي هذه المدينة، ولن نسمح للمستبدين بإعادة إنتاج السلطة. سنواجه ترامب وكل من سيأتي بعده بالقوة والعزم، وسنثبت أن السياسة يمكن أن تُصنع من قبل الناس، وليس لهم فقط".

وأشار إلى أنه شاب، مسلم، ديمقراطي اشتراكي، ويرفض الاعتذار عن ذلك، مؤكدًا أن التقاليد كانت عائقًا أمامنا ودفعنا ثمن الانحناء عند مذبح الحذر.

وأضاف أن كثيرًا من العمال لا يجدون أنفسهم في الحزب، والعديد توجهوا إلى اليمين بحثًا عن إجابات.

وفي ختام خطابه، قالت الصحيفة إن ممداني شدد: "معًا، سنجمد الإيجارات، نجعل الحافلات سريعة ومجانية، نوفر رعاية الأطفال الشاملة، لتصبح الكلمات والأحلام التي شاركناها جدول أعمال ننفذه جميعًا. نيويورك، هذه السلطة لكم، وهذه المدينة ملك لكم".

اظهار أخبار متعلقة



بداية عهد ممداني
ونشرت مجلة "نيويوركر" تقريرًا بعنوان "بداية عهد ممداني" أشارت فيه إلى أن فكرة ترشّح زهران ممداني لمنصب عمدة نيويورك بدأت عام 2021، حين فاز إريك آدامز بفارق ضئيل في الانتخابات التمهيدية، مقدّمًا نفسه كشرطي سابق يؤمن بالقانون والنظام التقليدي. حينها، شعر ممداني بالإحباط، واعتبر أن ترشّحه غير واقعي بسبب صغر سنّه، كما روى زميله كيني بورغوس.

وسلطت المجلة الضوء على إدارة آدامز التي شابها اتهامات فساد، ولكنه نجا من الملاحقة القضائية بعقد صفقة مع الرئيس ترامب بعد إعادة انتخابه، مضيفة أن أندرو كومو، الحاكم السابق المستقيل على خلفية اتهامات بالتحرش وإساءة استخدام السلطة، رأى في الفراغ السياسي فرصة للعودة. وقد عبّر عن احتقاره للمنصب ولأهالي نيويورك، وهاجم ممداني بخطاب اتسم بالإسلاموفوبيا.

وأفادت المجلة أن ممداني كسب تأييد الناخبين في انتخابات شهدت أعلى نسبة مشاركة منذ نصف قرن، عبر طرح رؤية سياسية أقل فسادًا. وفي وقت بدا فيه قادة الحزب الديمقراطي متواطئين مع تجاوزات عهد ترامب، قدّم ممداني رسالة أمل نقية، وسلّط الضوء على التشابه بين ترامب وكومو وآدامز، واعتبر أن سجل كومو الطويل كان عبئًا لا ميزة.

وأوضحت المجلة أن ممداني ركّز خلال حملته على قدرة حكومة أغنى مدينة في أغنى دولة على تقديم المزيد لسكانها. وبينما وصفها خصومه بأنها مفلسة وفوضوية، تحدّث عنها كمكان جميل مليء بالحياة والإمكانات رغم الظلم.

وقدّم صورة سينمائية للمدينة، حيث يمكن الزواج من فتاة تعرّفت عليها عبر تطبيق، أو ممارسة التاي تشي مع المسنّين، أو السباحة في رأس السنة، أو المشي على امتداد مانهاتن في ليلة صيفية.

وقالت المجلة إن هذه الصورة الإيجابية جاءت مكمّلة لأسلوبه السياسي الحاد. فقد استمتع بالمواجهة العلنية، وسخر من كومو قائلًا: "حبيبي، انشر قائمة عملائك"، في إشارة إلى عمله الاستشاري الغامض.

ولم يتراجع حين طُلب منه تخفيف انتقاداته لإسرائيل. ولقد أقنعت هذه الصفات الشباب بأنه قادر على تنفيذ وعوده، مثل الحافلات المجانية، وتجميد الإيجارات، ورعاية الأطفال بدءًا من عمر ستة أسابيع. أما ما عرضه كومو- من دعوات جوفاء، وألاعيب في البلدية، وتجاهل جرائم إسرائيل في غزة - فكان كئيبًا للغاية.

وأبرزت المجلة أن تأخر دعم الحزب الديمقراطي في نيويورك لممداني، مثلما حدث مع حكيم جيفريز، بينما امتنع شومر وجيليبراند عن تأييده، بل اضطرت الأخيرة للاعتذار بعد تصريح مثير للجدل. لكن الرئيس السابق باراك أوباما اتصل به مرتين منذ حزيران/ يونيو.

كما ظهرت الحاكمة المعتدلة كاثي هوكول في تجمع انتخابي لدعمه، رغم أن الجمهور هتف ضدها: "افرّضوا الضرائب على الأغنياء!"، قبل أن يرفع ممداني يدها على المنصة وسط تصفيق حار.

وقالت المجلة إن ممداني، الذي كان قبل عامين نائبًا هامشيًا في ألباني، اعتُقل أثناء احتجاجه للمطالبة بوقف إطلاق النار أمام منزل شومر، وكان حينها بعيدًا عن مركز السلطة. لكنه بدا مؤخرًا أكثر قدرة على التعامل مع تناقضات المنصب، وأبدى تقديرًا جديدًا لدور التطوير العقاري الخاص، ووعد بالإبقاء على مفوضة الشرطة جيسيكا تيش.

ورغم افتقاره للخبرة والشبكات، فإن هذا ما أراده الناخبون: شخص من خارج المنظومة، لا صاحب تاريخ طويل فيها.

اظهار أخبار متعلقة



النجاح المستحيل
وفي تقرير نشرته مجلة "ذا نيشن" بعنوان "المهمة المستحيلة إلى العمدة"، أوضحت فيه أن زهران ممداني بات يتحمّل اليوم أعلى مسؤولية في حياته: أن يكون عمدةً عظيمًا لمدينة نيويورك، بعد أن اختاره سكانها لقيادة أكبر بلدية في الولايات المتحدة. لكن نجاحه لا يقتصر على المدينة، بل يحمل إمكانية إعادة تشكيل السياسة الوطنية في مواجهة ما وصفه بـ"قمع ترامب".

وقد صرّح بعد فوزه في الانتخابات التمهيدية: "لا يمكن هزيمة الهجوم على الديمقراطية دون إثبات جدواها".

وأضافت المجلة أن ممداني حوّل ترشّحه من حلم مستبعد إلى واقع بفهمه أن الديمقراطية تُثبت قيمتها بتحسين حياة الناس. واستلهم من روزفلت ولا غوارديا وساندرز، مقدّمًا برنامجًا يشمل تجميد الإيجارات، حافلات مجانية، رعاية أطفال شاملة، ومتاجر بلدية، بتمويل من ضرائب على المليارديرات.

وقالت المجلة إن النخب الإعلامية والسياسية رفضت تصديق أن سكان نيويورك قد ينتخبون اشتراكيًا ديمقراطيًا مسلمًا من أصول أوغندية. لكن ممداني، بعد ثلاث دورات تشريعية متواضعة، نجح في كسب تأييد قاعدة متعددة الأعراق، مستفيدًا من حضوره القوي على وسائل التواصل، وهدوئه وثقته التي بدت أكبر من عمره.

وعندما ندد بالإبادة في غزة، تعرّض لهجوم شرس، لكنه خرج منتصرًا بتفويض شعبي يطالب بالوضوح الأخلاقي في وجه قسوة الجمهوريين.

وأفادت المجلة أن حملته تمحورت حول رفض سياسات الماضي، كما مثّلها كومو، وإدراكه أن الديمقراطية لا تُهدَّد فقط من الخارج، بل أيضًا من الداخل، حين يفقد الناس إيمانهم بقدرتها على تلبية احتياجاتهم.

وقد سار على خطى روزفلت وساندرز وأوكاسيو-كورتيز، مركزًا على جعل الحكومة في خدمة الطبقة العاملة، وهو ما لامس روح عام 2025. وقد بلغ تأثيره حدّ أن ترامب هدّده بقطع التمويل الفيدرالي، وإرسال قوات، واعتقاله إن وفى بوعده بحماية المهاجرين، بينما ضخّت لجان مدعومة من المليارديرات 19 مليون دولار لمحاربته.

وأشارت المجلة إلى أن انتخابه سيزيد من حدة الهجمات ضده من واشنطن ووول ستريت، ما يتطلب منه إحاطة نفسه بفريق إداري قوي، والاستمرار في حملته الرقمية لتوحيد القاعدة الشعبية والضغط على الديمقراطيين المترددين، فنجاحه، كما ترى المجلة، يصب في مصلحة الحزب الديمقراطي، الذي يحتاج إلى طاقة ممداني وجرأته لتجديد نفسه.

وقالت المجلة إن ممداني يتسلّم المنصب في لحظة حرجة، كما فعل لا غوارديا عام 1933، حين قاد مدينة مهاجرين وعمال وسط الكساد. وقد احتفى ممداني بإرثه، مستذكرًا كيف واجه سلفه الكراهية ضد المهاجرين وإنكار كرامة العمال، وسعى لتحقيق الديمقراطية بلغة المدينة: المزيد من الحدائق، والجمال، والنور.

واختتمت المجلة بالإشارة إلى أن فوز ممداني يثبت وعد الديمقراطية السياسي. وإذا حكم كما خاض حملته، بشجاعة ومبادئ ونتائج ملموسة، فسيثبت، كما فعل لا غوارديا، أن الشعب قادر على رسم مستقبله. وهذا ما يخشاه ترامب والمليارديرات فعلًا، لأنهم يدركون، كما قال ممداني، "أننا إذا تحررنا، فلن نُقهر مجددًا".

اظهار أخبار متعلقة



موقف وول ستريت من ممداني
ونشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" تقريرًا بعنوان "وول ستريت عجزت عن إيقاف العمدة ممداني- والآن عليها أن تتعاون معه" قالت فيه إن كبار رجال المال في نيويورك أنفقوا ملايين الدولارات لدعم مرشحين آخرين، لكنهم فشلوا في منع فوز زهران ممداني، الاشتراكي الديمقراطي، بمنصب العمدة.

وقد سادت أجواء من الهزيمة في الأوساط المالية مساء الثلاثاء، حين تأكد فوزه، ما دفعهم إلى الترقب بقلق من تأثير سياساته على مناخ الأعمال في المدينة.

وأضافت الصحيفة أن فوز ممداني المفاجئ في الانتخابات التمهيدية دفع مؤسسات مالية مثل "أبولو" و"سيتادل" إلى حث موظفيها على التصويت، بينما أنفق الملياردير بيل آكمان أكثر من مليوني دولار لمحاولة إيقافه. ورغم ذلك، نشر آكمان لاحقًا تهنئة لممداني، عارضًا عليه المساعدة.

وأفادت الصحيفة أن ردود الفعل الأخرى كانت أكثر تشاؤمًا، إذ عبّر مستثمرون مثل كليف أسنيس عن غضبهم عبر منشورات ساخرة، بينما وصف أنطوني بومبليانو انتخاب اشتراكي في عاصمة المال العالمية بأنه "جنون". كما عبّر مطوّرو العقارات عن قلقهم من تجميد الإيجارات، رغم استمرارهم في مشاريعهم.

وأشارت الصحيفة إلى أن وول ستريت استفادت تاريخيًا من ازدهار المدينة، وأن شراكاتها ساهمت في تحسين البنية التحتية. لكن الجريمة العشوائية تبقى مصدر قلق، رغم انخفاض معدلات القتل منذ التسعينيات، وارتفاع جرائم الكراهية عام 2023، خصوصًا ضد اليهود.

وقالت الصحيفة إن بعض رجال الأعمال وجدوا بعض الطمأنينة في نية ممداني الإبقاء على مفوضة الشرطة جيسيكا تيش، التي تحظى بثقة الأوساط المالية. لكن قبولها بالبقاء لم يُحسم بعد، ما دفع روب ويسنثال، الرئيس التنفيذي لشركة "بليد"، إلى التحذير من أن رحيلها سيكون "إشارة سيئة".

وذكرت الصحيفة أن شركة "سيتادل"، التي يديرها كين غريفين، حذّرت موظفيها من المرشحين "ذوي الآراء المتطرفة"، في إشارة إلى ممداني، الذي سبق أن انتقد إسرائيل ودعا إلى تقليص تمويل الشرطة، قبل أن يتراجع عن ذلك لاحقًا. وقد نقل غريفين شركته من شيكاغو إلى ميامي بسبب الجريمة.

وتابعت الصحيفة أن البعض يخشى من توتر العلاقة بين ممداني والرئيس ترامب، الذي دعم كومو في اللحظات الأخيرة، وهدّد بإرسال قوات اتحادية واحتجاز 18 مليار دولار من تمويل البنية التحتية. واعتبر أنطونيو وايس، المسؤول السابق في "لازارد"، أن العلاقة مع واشنطن ستكون التحدي الأول.

وقالت المجلة إن وايس، على خلاف كثيرين في القطاع المالي، دعم ممداني جزئيًا بسبب تركيزه على قضية القدرة على تحمل التكاليف، داعيًا سكان نيويورك إلى التكاتف.

ورغم التوتر، تبقى المدينة رمزًا للطموح، كما تجسّد في افتتاح برج جديد بقيمة 3 مليارات دولار لشركة "جي بي مورغان"، بقيادة جيمي ديمون، الذي أكد بقاءه.

واختتمت المجلة بالإشارة إلى أن بعض المستثمرين، مثل مايكل غونتار، يفكرون في مغادرة المدينة، ليس بسبب الضرائب، بل بسبب خطط ممداني لإنشاء وكالة تركّز على الصحة النفسية ومنع العنف.

وقد عبّر غونتار عن شكوكه قائلًا: "هل ستستدعي أخصائيًا اجتماعيًا لأن رجلًا تبوّل أمام مدرسة؟ حظًا موفقًا".
التعليقات (0)