صحافة دولية

نيويورك تايمز: إسرائيل تعرقل استراتيجية ترامب في الشرق الأوسط

قادة الشرق الأوسط قدموا لترامب جبهة موحدة - جيتي
قادة الشرق الأوسط قدموا لترامب جبهة موحدة - جيتي
شارك الخبر
حذرت تحليلات سياسية من أن السياسات الإسرائيلية الحالية تعرقل الجهود الأمريكية الهادفة إلى تهدئة الأوضاع في الشرق الأوسط، خاصة في ملفات غزة ولبنان وسوريا، مؤكدة أن استمرار العمليات العسكرية ورفض الانخراط في مسارات سياسية متكاملة يهددان فرص تثبيت وقف إطلاق النار والانتقال إلى مراحل تسوية أوسع في المنطقة.

نشرت صحيفة نيويورك تايمز مقالا لنمرود نوفيك، الذي عمل مستشارا سياسيا ومبعوثا خاصا لرئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي الأسبق لشمعون بيريز، قال فيه إن الرئيس ترامب يستحق الثناء على جهوده الرامية إلى استقرار ثلاث بؤر توتر في الشرق الأوسط - غزة ولبنان وسوريا، ومع ذلك، فإن إسرائيل، اللاعب الأقوى في المنطقة والحليف الأقرب ظاهريا للولايات المتحدة، تقوّض استراتيجية ترامب في الشرق الأوسط على الجبهات الثلاث.

وأضاف خلال المقال أنه بعد صدمة هجمات حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، تبنّت إسرائيل مبدأ "عدم المخاطرة" الذي يُعطي الأولوية لاستخدام القوة والسيطرة على الأراضي على حساب الدبلوماسية. التناقض صارخ: فسياسة الضربات الاستباقية المستمرة تزيد من خطر التصعيد - وهو عكس مبدأ "عدم المخاطرة".

وتابع أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يعتزم لقاء ترامب في الولايات المتحدة في 29 كانون الأول/ ديسمبر، ولمنع الانزلاق مجددا إلى الحرب، ينبغي على الرئيس الأمريكي أن يكون صريحا وحازما مع نتنياهو، وعليه أن يوضح بالتفصيل متطلبات استقرار المنطقة، وأن يبين توقعاته من نتنياهو بالتصرف وفقا لذلك، وقبل هذا الاجتماع، من الأجدر بالقادة العرب أن يبدوا دعمهم لبرنامج ترامب، وأن يجعلوا الانتقال إلى المرحلة الثانية من خطته للسلام في غزة أولوية.

وأردف أن في لبنان، تجاهلت دعوة الإدارة الأمريكية إلى نزع سلاح حزب الله، أقوى قوة عسكرية وسياسية في البلاد والعدو اللدود لإسرائيل، بشكل شبه فوري، الأعراف العالمية لنزع السلاح كعملية تدريجية، ووضعت توقعات غير واقعية. وعندما لم تُلبَّ هذه التوقعات، لوّحت إسرائيل بإمكانية شنّ عملية عسكرية واسعة النطاق، على الرغم من وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الولايات المتحدة وفرنسا لمدة عام. وتحتل إسرائيل بالفعل خمس نقاط استيطانية داخل لبنان، وتشن غارات وتوغلات يومية.

اظهار أخبار متعلقة


وتابع "في سوريا، تشن إسرائيل توغلات عسكرية متكررة، بينما تطالب بنزع سلاح المنطقة بأكملها بين دمشق وهضبة الجولان، المتاخمة لحدودها الشمالية الشرقية" وفي الوقت نفسه، تتمسك بما تعتبره منطقة أمنية داخل الأراضي السورية".

وقال كاتب المقال أنه لا يزال قطاع غزة بؤرة التوتر الأكثر خطورة. فرفض نتنياهو أي دور للسلطة الفلسطينية في القطاع يُهدد بتقويض خطة ترامب المكونة من 20 بندا والتي أفضت إلى اتفاق وقف إطلاق النار في تشرين الأول/ أكتوبر، ولا علاقة لاعتراضه بالأمن القومي، بل يتعلق بتهديد جماعات الضم التي اختارها شريكا له في الحكم بالانسحاب من ائتلافه إذا قبل بدور السلطة الفلسطينية في غزة، الأمر الذي سينهي ولايته.

وأشار إلى أن خطة ترامب تدعو إلى قوة استقرار دولية كضرورة لنزع سلاح حماس، وتمكين المزيد من الانسحابات الإسرائيلية، وحماية اللجنة المدنية التي ستُدير القطاع، وتوفير الأمن لعملية إعادة الإعمار اللاحقة. إلا أن الدول العربية، ومعظمها ذات أغلبية مسلمة، التي قد تُساهم بقوات في هذه القوة، تعتبر مشاركة السلطة الفلسطينية ضرورية، مهما كانت رمزية في البداية.

وتابع أنه بدونها، سينظر سكان الدول المشاركة في قوة الاستقرار، إلى جانب كثيرين غيرهم في العالم العربي وغزة، إلى هذه القوة على أنها مجرد استبدال احتلال إسرائيلي باحتلال آخر. لا يمكن إضفاء الشرعية على أي اتفاق إلا بدعوة من السلطة الفلسطينية، ومشاركتها منذ البداية. كما ترى الدول العربية في مشاركة السلطة خطوة نحو توحيد غزة والضفة الغربية، وهو شرط أساسي لحل الدولتين.

وأردف أن المرحلة الثانية من خطة ترامب - نزع سلاح حماس، والانسحاب الإسرائيلي الكامل من النصف المتبقي من غزة الذي لا تزال تسيطر عليه، وإعادة الإعمار، وتشكيل قوة الاستقرار - عالقة في غياب المشاركة العربية. وفي الوقت نفسه، فإن وقف إطلاق النار، الذي يُمثّل جوهر المرحلة الأولى، مُعرّض للخطر. فالاشتباكات اليومية تُهدّده، بينما يُعاني مليونا غزي من ظروف لا إنسانية.

أضاف كاتب المقال أن المسؤولون الإسرائيليون استقبلوا إعلانات واشنطن المُتفائلة بشأن قرب بدء المرحلة الثانية بالتشكيك والريبة، وبموقف يُوحي بأنه "إذا لم ننزع سلاح حماس، فلن يفعلها أحد" - وهو ما يُشير ضمنا إلى الاستعداد لاستئناف الحرب. ومع عودة الرهائن الإسرائيليين الأحياء جميعا والأموات باستثناء رهينة واحدة، فقد زال حافز هام لإسرائيل للوفاء بالتزاماتها في المرحلة الأولى.

وقال إن "إدراكا منه أن التصعيد الإسرائيلي يُهدّد بنيته الإقليمية بأكملها، تدخّل ترامب، ففي مكالمة هاتفية جرت في الأول من كانون الأول/ ديسمبر، أفادت التقارير بأنه حثّ نتنياهو على "التروي" في سوريا، ردّ نتنياهو بإيماءات تهدف إلى إظهار "أنني أسمعكم" دون تغيير حقيقي في السياسة.

اظهار أخبار متعلقة


وانطلاقا من هذا المبدأ، وافق على إعادة فتح معبر رفح إلى مصر، أحد أهم المعابر من وإلى غزة، ولكن في اتجاه واحد فقط: هناك مخارج، ولكن لا عودة ولا عبور للمساعدات الإنسانية، وهو ما يتعارض تماما مع ما ورد في خطة ترامب، التي دعت إلى السماح بحركة الأفراد والمساعدات الإنسانية في كلا الاتجاهين.

وأضاف أنه بشأن لبنان، خفّف نتنياهو من حدة الحديث عن تصعيد وشيك، وأرسل مسؤول اتصال مدني بمهمة اقتصادية محدودة. أما بشأن سوريا، فقد ادّعت الحكومة الإسرائيلية إمكانية التوصل إلى اتفاق - شريطة تلبية مطالب إسرائيل الأمنية القصوى.

قد تُفسّر هذه التنازلات الهزيلة سبب دعوة ترامب إلى اجتماع مباشر مع نتنياهو، وهو الاجتماع السادس له خلال ولايته الثانية.

وأشار كاتب المقال أنه على مدار العام الماضي، كلما قدم قادة الشرق الأوسط لترامب جبهة موحدة، وخطة قابلة للتنفيذ، واستعدادا لتحمّل العبء الأكبر مع الإشادة به على النجاح، كان يبادر إلى العمل. عشية تنصيبه، عرضوا ضمان موافقة حماس على وقف إطلاق النار إذا ما حصل ترامب على موافقة نتنياهو، وقد فعل. وفي آذار/ مارس، دعموا خطة إعادة إعمار مصرية تجاهلت حلم ترامب بـ"ريفييرا غزة"، فوافق. وفي تموز/ يوليو، ربطت مبادرة سعودية فرنسية استقرار غزة بمفاوضات إسرائيلية فلسطينية أوسع نطاقا وبالتكامل الإقليمي. وقد أُدرجت هذه العناصر في خطته المكونة من 20 بندا.

وتابع أنه يمكن أن يتكرر الأمر ينبغي على الشركاء العرب والأوروبيين وغيرهم تقديم قائمة مختصرة إلى البيت الأبيض تتضمن تغييرات في السياسة الإسرائيلية ضرورية لتفعيل المرحلة الثانية. قد تشمل هذه القائمة قبول مشاركة السلطة الفلسطينية ومزيدا من الانسحابات الإسرائيلية بالتزامن مع نزع سلاح حماس تدريجيا. وقد تشمل أيضا زيادة المساعدات الإنسانية وإعادة فتح معبر رفح في كلا الاتجاهين، بالإضافة إلى الموافقة على قائمة، تحت إشراف مصري، تضمّ خبراء فلسطينيين مستقلين للعمل في اللجنة المُكلّفة بإدارة غزة.

وتابع كاتب المقال أنه حتى يوافق ترامب على فرض هذه الشروط على نتنياهو، عليه أن يتلقى رسالة واضحة من هؤلاء القادة: "إذا سلمتم نتنياهو، فسنسلم حماس. وإذا التزمت إسرائيل ببنود خطة السلام الخاصة بكم، فإننا نتعهد بتقديم مساهمات لقوة الاستقرار الدولية ولصندوق إعادة إعمار غزة".

واختتم أن الخيار الذي يواجه الرئيس الآن واضح لا لبس فيه: إما فرض الانضباط على أقرب حلفاء أمريكا الإقليميين، أو مشاهدة بنية هشة تنهار تحت وطأة التصعيد التدريجي لنتنياهو. إن فرصة تجنب حرب أخرى تتقلص.
التعليقات (0)