كتب

النكبة الثانية.. كيف تحوّلت فلسطين إلى مسرح إبادة وشعبها إلى ضحية استعمار دائم؟

بدأ الوضع يتغير مع ظهور الاستعمار الاستيطاني الصهيوني في ثمانينيات القرن التاسع عشر، حيث تم إنشاء الحركة الصهيونية العالمية على يد أقلية من اليهود في أوروبا في القرن التاسع عشر.
الكتاب: نكبتان فلسطين 1948 ـ غزة 2023
الكاتب: خورخي راموس تولوسا-ترجمة د. محمد مصطفى
الناشر: دار كنعان للدراسات  والنشر،دمشق،الطبعة الأولى 2024،(عدد الصفحات 259 من القطع المتوسط)


تُشكّل القضية الفلسطينية، منذ أواخر القرن التاسع عشر وحتى اليوم، النموذج الأكثر دلالة على تواطؤ الإمبريالية الغربية مع المشروع الصهيوني الاستيطاني، الذي لم يكتفِ بتهويد الأرض وسلب التاريخ والجغرافيا، بل جعل من فلسطين ساحة مفتوحة لتجارب الإبادة الممنهجة وتهجير السكان الأصليين، على غرار ما حدث مع شعوب أخرى أبادها الاستعمار الأوروبي عبر العالم.

واليوم، بعد مرور أكثر من سبعين عاماً على النكبة الأولى عام 1948، نشهد بأمّ أعيننا نكبة ثانية في غزة، أشدّ فظاعة وأكثر سفوراً، تُدار بغطاء أمريكي غربي، وتهدف إلى تصفية الوجود الفلسطيني برمّته، أرضاً وشعباً وذاكرةً وحقاً تاريخياً في وطن. هذه ليست حرباً عابرة، بل استكمال لمخطط استعماري طويل المدى، يربط بين وعد بلفور، والانتداب البريطاني، والاغتصاب الصهيوني الأول، وصولاً إلى حرب الإبادة الراهنة التي تتخذ غزة عنوانها المأساوي.

هذا الجزء الأول من قراءة لكتاب "نكبتان فلسطين 1948 ـ غزة 2023" يكتبها خصيصاً لـ"عربي21" الكاتب والباحث التونسي توفيق المديني.


تاريخ من المؤامرات

يتناول هذا الكتاب بالتحديد تاريخ المؤامرات الاستعمارية الأوروبية التي تبنت مشروع الحركة الصهيونية العالمية في نهاية القرن التاسع عشر، وكيف تم اختراع دولة إسرائيل وتأسيسها وترسيخها، وكيف تطلب ذلك إبادة فلسطين وشعبها وأرضها وتاريخها. لأنه على عكس الحيل الكلامية للقادة الإسرائيليين الحاليين، لم تُخف غولدا مائير أبدأ الملحمة الاستعمارية الصهيونية، التي لا يمكن أن تكتمل إلا بانقراض فلسطين والفلسطينيين، تماماً كما حدث مع السكان الأصليين في أمريكا الشمالية. لنلاحظ هنا وفي تشبيه بليغ كيف استقبل ياسر عرفات زعيم منظمة التحرير الفلسطينية، وفقاً للمؤرخ الفلسطيني إلياس صنبر، وفداً من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي في مكتبه في بيروت وقد غطت جدران المكتب صور الهنود الحمر!

منذ نهاية القرن التاسع عشر ولغاية العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، تتعرض فلسطين أرضًا وشعبًا إلى المصادرة التاريخية ومع ذلك، حيث يخوض كل من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الحكومة الصهيونية الفاشية بنيامين نتنياهو، بضجيجهما المعتاد، حرب الإبادة الجماعية في غزة، ويطرحان خطة تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه: تلتهم 6 ملايين فلسطيني يعيشون في فلسطين المحتلة لتلقي بهم في حفرة التاريخ، كما تلغي حقوق ستة ملايين لاجئ فلسطينيي عيشون في الشتات.. في هذا المسعى الأخير للولايات المتحدة والكيان الصهيوني لا يكترثان للقانون الدولي ولا لحقوق الإنسان ولا للاعتبارات الديموغرافية ولا للاستقرار الإقليمي، لكن الأمر الأكثر فظاعة هو أن منطق خطة ترامب ليس مؤقتاً، وليس مشروطاً أو ظرفياً. ليس ذلك بالأمر الجديد، ولكنه النتيجة الطبيعية لسياسة الأمر الواقع، وهو المنطق الذي فرض على فلسطين والذي عبرت عنه الإمبراطورية البريطانية عام 1917 بصمت لا يغتفر في وعد ات الاستعمار الصهيوني الأولى أو العليا، التي تمتد كذلك عبر بلفور.

فلسطين في العهد العثماني

في سياق عرض السردية التاريخية لفلسطين، يبدأ الكاتب بالعقود الأخيرة من فلسطين العثمانيةـ حيث شكلت فلسطين في نهاية القرن التاسع عشر جزءا من السلطة العثمانية التي كان يُطلق عليها بشكل عام الإمبراطورية العثمانية، وإن كان يمكن اعتبار هذه التسمية أقل صرامة من الناحية العلمية، كما أنها صيغة أوروبية المركز ، ذلك أنه كان على رأس أعلى سلطة عثمانية سُلطان. تأسست السلطنة العثمانية عام 1299، وكانت تحكمها على وجه الدوام الأسرة العثمانية، وكانت القسطنطينية - إسطنبول هي عاصمة تلك السلطنة منذ عام 1453.

منذ نهاية القرن التاسع عشر ولغاية العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، تتعرض فلسطين أرضًا وشعبًا إلى المصادرة التاريخية ومع ذلك، حيث يخوض كل من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الحكومة الصهيونية الفاشية بنيامين نتنياهو، بضجيجهما المعتاد، حرب الإبادة الجماعية في غزة، ويطرحان خطة تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه: تلتهم 6 ملايين فلسطيني يعيشون في فلسطين المحتلة لتلقي بهم في حفرة التاريخ، كما تلغي حقوق ستة ملايين لاجئ فلسطينيي عيشون في الشتات..
وعلى الرغم من أن الإسلام كان دين السلطنة الرسمي، واللغة التركية لغتها الرسمية، إلا أنها كانت سلطنة متعددة الأعراق واللغات والطوائف. دخلت السلطنة، خلال القرن التاسع عشر، مرحلتها الأخيرة من التدهور، حيث تجرعت مرارة الهزيمة في عدة حروب وفقدت عدة مناطق مثل الجزئر وبلغاريا ومصر واليونان ورومانيا وتونس وغيرها. في تلك الفترة، لم تكن فلسطين تشكل بنية سياسية محددة، وكانت مقسمة إلى ثلاثة أجزاء.

وبداية من ستينيات وسبعينيات القرن التاسع عشر عدل الباب العالي الحكومة العثمانية من هيكله الإقليمي وأصبح ينتظم في ولايات، تم تقسيمها إلى سناجق ومتصرفيات. وكان النصف الشمالي من فلسطين يتألف من سنجقي عكا ونابلس التابعين لولاية بيروت. وكان الجزء الجنوبي من يافا، جزءاً من متصرفية القدس منذ عام 1872. خلال الفترة الأخيرة من حياة السلطنة، كانت هذه المنطقة بأسرها تعرف باسم جنوب سوريا، أو الأرض المقدسة، أو على نحو أكثر شيوعاً، فلسطين وهم اسم كان يستخدم منذ غابر العصور.

كانت الأغلبية العظمى للسكان في فلسطين عرباً، وفقاً لمعيار الهوية اللغوية الثقافية. وبين عامي 1850 و1880 عاش حوالي نصف مليون شخص في فلسطين، التي تبلغ مساحتها حوالي 27 ألف كيلومتر مربع، وهي منطقة تقارب إلى حد كبير مساحة ألبانيا. كان ما يقرب من 3% من السكان يهوداً (عُرفوا باسم اليشوف القدامى)، و11% مسيحيين وحوالي 86% مسلمين، أغلبيتهم العظمى من السنة. كما كانت هناك كذلك أقليات درزية وشيعية مسلمة. وتميزت المنطقة بالتعددية والتسامح الديني. ولم تكن هناك مشاكل تعيق الوصول إلى الأماكن المقدسة للديانات الإبراهيمية الثلاث. وفي الواقع، لم تشهد فلسطين أي موجة لكراهية اليهود كتلك التي اندلعت في بعض أجزاء أوروبا في نهاية القرن التاسع عشر.

بدايات الاستعمار الاستيطاني الصهيوني

بدأ الوضع يتغير مع ظهور الاستعمار الاستيطاني الصهيوني في ثمانينيات القرن التاسع عشر، حيث تم إنشاء الحركة الصهيونية العالمية على يد أقلية من اليهود في أوروبا في القرن التاسع عشر. وقد سعت تلك الحركة لتنفيذ العديد من المخططات الاجتماعية والسياسية الرامية للهيمنة. من بين تلك المخططات الإحياء القومي الذي رأى أنه لئن كانت المجتمعات الأوروبية تعمل ككائنات حية متجانسة، فإن اليهود يعدون جسماً غريباً لا يمكن له الاندماج في تلك المجتمعات. وفي هذا السياق العنصري، ومع صعود الإمبريالية الأوروبية المعادية لليهودية، اعتبر تيودور هرتزل، أبو الحركة الصهيونية، أن "الشعب اليهودي" ليس له دين مشترك فحسب، بل إنه يُشكل أمة مضطهدة في أوروبا كذلك، فرأى أن المشكلة اليهودية ليست مشكلة دينية، بل قومية. وباعتبارهم شعباً مختلفاً ومضطهداً، فقد كان اليهود بحاجة إلى وطن خاص بهم.

لكن الصهيونية كانت قومية بلا أرض، لذا فقد كان عليها أن تتبنى طريق الاستعمار الاستيطاني خارج قارة أوروبا. ويمكن هنا التمييز بين أشكال مختلفة من الاستعمار التي يوجد بينها بعض الفروق الملموسة؛ فمن ناحية، يمكن التمييز بين الاستعمار الخارجي ويتضمن عموماً استعمار دولة أو مجموعة من الأشخاص في منطقة بعيدة أو في قارة أخرى والاستعمار الداخلي لإقليم مجاور أو يقع حالياً تحت شكل من أشكال السيطرة.

ومن ناحية أخرى، يمكن التمييز بين الاستيطان من خلال دولة أو حاضرة مركزية (وأحد نماذجه الرئيسية هو نموذج الراج البريطاني في الهند بين عام 1858 و1947) والاستيطان أو الاستعمار الاستيطاني (من خلال العرق، مثل حركة البوير في جنوب إفريقيا)، أو الاستيطان البحث (مثل حالة الحركة الصهيونية في فلسطين منذ الموجة الاستعمارية الثانية). وعلى الرغم من أن كلاً من الاستعمار الاستيطاني والاستيطان من خلال دولة أو حاضرة مركزية يشتركان في العديد من العناصر، إلا أن هناك فروقاً ديناميكية بين الاثنين. يتمثل الهدف الأساسي للاستعمار الاستيطاني، بادئ ذي بدء، في إنشاء مجتمع أو وطن خاص به في الأراضي المستعمرة، وهو ما ينطوي على تهجير واستبعاد واستبدال و/ أو القضاء على السكان الأصليين أو أغلبيتهم. لقد تم إنشاء الحركة الصهيونية باعتبارها مزارع استيطانية عرقية استعمارية خارجية، وسرعان ما تحولت إلى مستوطنات خالصة.

اقترحت الحركة الصهيونية، إبان السنوات الأولى عدة مناطق لإنشاء الوطن اليهودي الجديد، ومن بين هذه الأماكن قبرص وجزء من كينيا ومدغشقر أو باتاغونيا. ومع ذلك، في النهاية، كان المكان المختار هو فلسطين أرض إسرائيل. وكان الدافع وراء ذلك هو المصالح الجيواستراتيجية للقوى الإمبريالية مثل المملكة المتحدة فضلاً عن النبوءات المسيحية الإنجيلية التي اعتبرت أن المسيح سوف يعود في الوقت الذي يتواجد فيه أكبر عدد ممكن من اليهود في المنطقة)، إضافة إلى الروابط التاريخية والدينية التي تربط فلسطين أرض إسرائيل بالديانة اليهودية. كان القادة الصهاينة ومعظمهم من غير المتدينين، الذين يُعرفون أنفسهم إلى حد كبير على أنهم اشتراكيون، يعتبرون قضيتهم بمثابة نضال من أجل تحرير شعب مضطهد، شعب لا يملك أرضاً يعود إلى موطن أجداده بعد ما يقرب من ألفي عام في المنفى. بدأ النظر إلى هذه الأرض، فلسطين، وتمثيلها في أماكن عدة في شمال الأطلسي، على أنها أرض بلا شعب، أرض مهجورة وقاحلة، حيث تعيش قبائل محدودة العدد من البرابرة أو الهمج في إطار السلطة العثمانية المتردية.

الانتداب البريطاني على فلسطين(1917/1923 – 1947/1948)

في عام 1917 بدأ الاحتلال البريطاني لفلسطين، التي تم ضمها إلى الامبراطورية البريطانية. كانت هذه المنطقة تحت حكم إدارة عسكرية حتى عام 1920، حيث تحولت بعد ذلك إلى إدارة مدنية. وقد تم إضفاء الصبغة المؤسسية النهائية على ذلك الاحتلال ما بين يوليو / تموز 1922، عندما أقر مجلس عصبة الأمم الانتداب البريطاني على فلسطين، وسبتمبر/ أيلول 1923، عندما دخل الانتداب رسمياً حيز التنفيذ. ومن الجدير بالذكر أنه قد تم تصنيف الانتدابات التي منحت للقوى التي انتصرت في الحرب العالمية الأولى على أراض أو مستعمرات تابعة لدول مهزومة، إلى مستويات مختلفة. وقد احتلت فلسطين الفئة (أ) أي الفئة الأعلى، التي تقر بأن البلاد كانت على وشك تحقيق الظروف المثالية للاستقلال. وكان يقع على عاتق سلطة الانتداب من الناحية النظرية مسؤولية تحقيق الشروط اللازمة لتحقيق السيادة والاستقلال.

ومع ذلك، كانت الانتدابات شكلاً آخر من أشكال الحكم الاستعماري وإن تحت اسم مختلف، وبموافقة المؤسسة الدولية الأكثر أهمية في ذلك الوقت، وهي عصبة الأمم (1920–1939 /1946). وفي حالة الانتداب البريطاني على فلسطين، تم تمديد الانتداب حتى 15 مايو 1948. وهكذا أضيف الاستعمار البريطاني إلى الاستعمار الاستيطاني الصهيوني. أعلن هربرت صموئيل -اليهودي الصهيوني الإنجليزي الذي أصبح أول مفوض سام بريطاني لدى الانتداب البريطاني على فلسطين- أن حكومته غزت البلاد لتحويلها إلى الحضارة.

أي أنه تم استخدام ذات الخطاب الاستعماري الكلاسيكي المتمثل في المهمة الحضارية التي تشير إلى وجود ذلك الخط السحيق بين أوروبا، التي تم تقديمها كحاملة لمشعل الحضارة، وبقية العالم الذي تم تصويره ككيان بربري أو همجي سلبي لا بد من استعماره. وهكذا تم دمج وعد بلفور في النص التأسيسي للانتداب البريطاني مما أضفى عليه نوعاً من الصلاحية القانونية الجديدة.

وعلى هذا النحو ولد الانتداب البريطاني على فلسطين بتناقض لا يمكن حله. فمن ناحية، كان على بريطانيا أن تقود البلاد إلى سيادتها السياسية، كما طالبت بذلك قطاعات واسعة من المجتمع الفلسطيني، وكذلك كما ورد في المادة 24 من ميثاق عصبة الأمم، ومن ناحية أخرى، كان هناك وعد بلفور، الذي فسره العديد من الصهاينة على أنه لا يتضمن فحسب تلك الصيغة الغامضة لـ وطن قومي يهودي، بل أيضاً إنشاء دولة حصرية ذات أغلبية يهودية.

الثورة الفلسطينية الكبرى (1936-1939)

كان عام 1929، فضلاً عن ثلاثينيات القرن العشرين، فترة من الصراعات والاستقطاب السياسي الكبير في فلسطين، حيث اشتدت المواجهة الاستعمارية الصهيونية - الفلسطينية تدريجياً. وفي عام 1936 شاركت العديد من فئات الشعب الفلسطيني في الانتفاضة الكبرى، التي استمرت حتى عام 1939، وكان ذلك تتويجاً لعدة عقود من الاحتجاجات ضد الاستعمار الصهيوني والهيمنة البريطانية، التي كانت قد اشتدت في القدس لاسيما عام 1920 وفي يافا. تل أبيب عام 1921 وفي القدس مرة أخرى عام 1928. وفي عام 1929 حدثت أعمال شغب في عدة مدن، بما في ذلك القدس وصفد والخليل، ففي الخليل قُتل 67 يهودياً. وعلى مدى عام 1929، تم احصاء 133 قتيلاً يهودياً مقابل 116 فلسطينياً. وعلاوة على ذلك، فقد تضافرت عدة عوامل لتضفي على الصراع بعداً دينياً أكبر فبادئ ذي بدء، كانت هناك خلافات على الأماكن المقدسة في القدس، وتحديداً حول حق الوصول إلى حائط المبكى.

لقد شكل القرار رقم 181 مرحلة فاصلة في التاريخ الفلسطيني المعاصر. وقد صوتت 33 دولة لصالح خطة التقسيم مقابل 13 دولة صوتت ضد الخطة، وامتنعت 10 دول عن التصويت وتغيبت دولة واحدة. وقد تمثل الاقتراح في إنشاء ما يُسمى بدولة يهودية ودولة أخرى عربية، فضلاً عن تدويل القدس والمنطقة المحيطة بها بما في ذلك بيت لحم ليكون لها وضع منفصل.
ويعد هذا الجدار، وفقاً للتقاليد اليهودية، الجزء الوحيد المتبقي من الهيكل الثاني لسليمان، حيث تم تدمير باقي الهيكل عام 70م. إن ذلك المكان يعد أقدس مكان في الديانة اليهودية، ويقع على جانب واحد من جبل الهيكل (الاسم اليهودي) أو الحرم الشريف ساحة المساجد (الاسم الاسلامي). ويُشكل هذا الأخير، مع المسجد الأقصى وقبة الصخرة، ثالث أقدس الأماكن في الاسلام. وعلى بعد بضع مئات من الأمتار، إلى الشرق والغرب، نجد كنيسة القيامة وطريق الآلام، وجبل الزيتون. في عام 1929، حاول العديد من زعماء الدين اليهود تغيير الوضع الراهن في المنطقة. وفي الوقت نفسه ظهرت صور تبين نجمة داود والعلم الصهيوني وهو يرفرف في ساحة المسجد الأقصى. ولد ذلك توترات أدت إلى هجمات فلسطينية ويهودية متبادلة بين الطرفين. في ظل هذه البيئة، زاد تأثير المفتي أمين الحسيني، كما جاء بعض التأثير من جماعة الإخوان المسلمين في مصر، وهي منظمة إسلامية تم تأسيسها عم 1928.

القرار 181.. خطة تقسيم فلسطين

في سيرته الذاتية الخيالية بعنوان قصة حب وظلام، كتب الكاتب الإسرائيلي عاموس عوز أن أحد معارفه، السيد أبرامسكي صرخ يوم السبت 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 1947 قائلاً إن ذلك اليوم يعني الحياة أو الموت وفي فلسطين، كما هو الحال في أماكن أخرى، كانت التوقعات هائلة. وقد وصف الروائي كيف كان هناك اهتمام بين المستوطنين اليهود بـ معرفة ما سيكون عليه مالنا، وما سيحمله لنا المستقبل (إن كان هناك أي مستقبل بعد ذلك السبت).

لقد شكل القرار رقم 181 مرحلة فاصلة في التاريخ الفلسطيني المعاصر. وقد صوتت 33 دولة لصالح خطة التقسيم مقابل 13 دولة صوتت ضد الخطة، وامتنعت 10 دول عن التصويت وتغيبت دولة واحدة. وقد تمثل الاقتراح في إنشاء ما يُسمى بدولة يهودية ودولة أخرى عربية، فضلاً عن تدويل القدس والمنطقة المحيطة بها بما في ذلك بيت لحم ليكون لها وضع منفصل.

وقد قبلت الوكالة اليهودية الخطة، في حين رفضتها اللجنة العربية العليا في فلسطين وبقية الدول العربية الأعضاء في المنظمة الدولية. لكن القرار 181 اتسم أيضاً بوجود بعض العوار، فقد تم انتهاك بنود مختلفة من المعاهدة التي أنشئت على أساسها الأمم المتحدة، كما تم انتهاك المساواة بين الأطراف المشاركة عند التصديق على القرار سواء من خلال عدم مراعاة إرادة السكان المتضررين، أو من خلال انتهاك مبدأ حق تقرير المصير، الوارد في المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة.

علاوة على ذلك، فقد اشتمل مضمون هذا القرار على عناصر أخرى تخل بالمساواة بين الطرفين على الرغم من أن خطة التقسيم قد تم تفسيرها في كثير من الأحيان - لاسيما في التاريخ الإسرائيلي التقليدي على أنها تسوية تاريخية عادلة وقانونية وعملية قبلها الجانب الصهيوني بعد تقديم تنازلات عدة، إلا أن قرار 29 نوفمبر/ تشرين الثاني قد تضمن العديد من العناصر التي استفاد منها المستوطنون اليهود في فلسطين (اليشوف). ورغم أن تلك الجالية كانت تشكل ثلث السكان في ذلك الوقت، وتمتلك ما بين 6 و11% من الأراضي، إلا أن خطة التقسيم أوصت بإقامة ما يُسمى بالدولة اليهودية على 55% من أراضي الانتداب البريطاني على فلسطين وفضلاً عن ذلك، فقد كانت تلك الأراضي هي المناطق الأكثر خصوبة وكانت تنتج معظم الصادرات كذلك. كما تقرر أن تؤول أراضي مثل النقب، التي يُشكل فيها السكان اليهود أقل من 1% إلى الدولة اليهودية. وعلى الرغم من أن ممتلكات اليهود في كل فلسطين كانت عام 1947 حوالي 1,7 مليون دونم، إلا أن المساحة المنصوص عليها للدولة المخصصة للمستوطنين اليهود في القرار رقم 181 كانت حوالي 15 مليون دونم.