قضايا وآراء

"إسرائيل الكبرى" بين قمة النار وقمة العار

"لغة مكررة؛ في ظاهرها إدانة العدوان الإسرائيلي، ورفض التهجير، والدعوة لوقف النار، والتلويح بالمحاسبة الدولية.. وفي باطنها فراغ كامل من أدوات التنفيذ"- إكس
بين قاعةٍ في الدوحة تحوّلت إلى ساحة اغتيال، وقاعةٍ أخرى استضافت قادة الدول العربية والإسلامية، يقف المشهد السياسي على حافة تناقض صارخ: قمة النار التي دشّنتها إسرائيل بقرارها الدموي، وقمة العار التي خشي كثيرون أن تتحول إليها اجتماعات القادة إذا اكتفت بالبيانات الفارغة.. وهذا ما حصل.

قمة النار: اغتيال المفاوضات قبل اغتيال القيادات

قرار نتنياهو في الدوحة لم يكن يستهدف أجساد قادة حماس فحسب، بل استهدف روح المفاوضات ذاتها. الرسالة التي أراد إيصالها واضحة: لا وقف لإطلاق لنار بشروط غير إسرائيلية، ولا مسار سياسيا إلا بإملاءات القوة.

اختيار اسم العملية -قمة النار- لم يكن مجرد صدفة لغوية، إذ تحوّلت قاعة المفاوضات إلى ساحة استهداف دموي، واستحالت مائدة الحوار إلى مصيدة. أرادت إسرائيل أن تقول بلسان النار: نحن لا نفاوض؛ نحن نفرض، لا تنازل بل سحق، لا حلول وسطا بل أهداف نهائية تطال القلب السياسي للمقاومة.

ما جرى في الدوحة يوضح أن "إسرائيل الكبرى" ليست مجرد حلم بحدود جغرافية أوسع، بل مشروع هيمنة بلا حدود، يمتد ليشمل فرض الشروط بالقوة حتى داخل العواصم الحليفة

وما جرى في الدوحة يوضح أن "إسرائيل الكبرى" ليست مجرد حلم بحدود جغرافية أوسع، بل مشروع هيمنة بلا حدود، يمتد ليشمل فرض الشروط بالقوة حتى داخل العواصم الحليفة.

دبلوماسية قطر ووساطتها أُجهضت، وترامب أعاد صياغة دوره كغطاء سياسي، أما إسرائيل فقد قالت بوضوح: المشروع لا يتوقف عند غزة، بل يطال كل مساحة تتنفس منها المقاومة وحاضنتها.

النتائج التي أفرزتها عملية قمة النار ليست نهاية المطاف، فهي لم تكشف بشكل قاطع عن مصير القيادات الفلسطينية المستهدفة، ولم تغلق باب الاحتمالات.

لقد فُتح فصل جديد من حرب الغموض والاستخبارات، حيث يبقى المصير الشخصي للقيادات رهينة السرية، بينما تواصل إسرائيل محاولتها البائسة لاستثمار العملية كإنجاز سياسي.

وهنا تتضح خطورة المرحلة: بين نار تفرض نفسها، وغموض يحجب الحقيقة، يبقى مستقبل المفاوضات والقضية مفتوحا على كل السيناريوهات.

قمة العار: بين وعود القاعات وصمت الميادين

البيان الختامي الذي خرجت به القمة العربية-الإسلامية في الدوحة حمل لغة مكررة؛ في ظاهرها إدانة العدوان الإسرائيلي، ورفض التهجير، والدعوة لوقف النار، والتلويح بالمحاسبة الدولية.. وفي باطنها فراغ كامل من أدوات التنفيذ، بلا سقف زمنيا ولا توقيت محددا.

عمليا، لم يتغيّر شيء:

- لم تُعلن آلية تنفيذية لوقف النار.

- لم تُطرح خطط ميدانية عاجلة لحماية المدنيين.

- لم تُحدَّد أدوات ضغط حقيقية على إسرائيل أو داعميها.

الشعوب كانت تنتظر من هذه القمة أن تتحول إلى قمة وقف لإطلاق النار وكسر الحصار، لكنها انتهت كقمة تصريحات مُعادة، ونسخة منقحة من بيانات سابقة.

المطلوب كان خطوات ملموسة مثل:

- تجميد أو خفض العلاقات الدبلوماسية.

- تفعيل المقاطعة الاقتصادية.

- تشكيل جبهة قانونية دولية لمحاكمة إسرائيل.

- توفير دعم مادي وعسكري مباشر لغزة.

غياب هذه الإجراءات يجعل توصيف "قمة العار" ليس مبالغة، بل خلاصة خيبة أمل متراكمة، ومرآة لخذلان الشعوب.

أوراق ضغط بلا رصاصة واحدة
الرهان الحقيقي لم يعد على القاعات ولا على البيانات، بل على الميدان والشعوب والساحات؛ فهي وحدها القادرة على كسر معادلة القوة، وفتح طريق مغاير

ولمن يسأل: ماذا يمكن أن نفعل؟ وهل هناك أوراق ضغط ممكنة؟ الجواب: نعم. هذه مجموعة أوراق ضغط يمكن استخدامها عربيا وإسلاميا، رسميا وشعبيا، لوقف الإبادة الجماعية المستمرة في قطاع غزة، ومن دون إطلاق رصاصة واحدة، لو كانت هناك رغبة حقيقية وإرادة حاضرة. لكن مع الأسف، الرغبة غائبة والإرادة مسلوبة.

من هذه الأوراق:

- توظيف ملف الطاقة بشقيه النفط والغاز.

- وقف التطبيع.

- طرد السفراء عن طريق حصار السفارات.

- تفكيك القواعد العسكرية الأمريكية، أو أقله التلويح بذلك.

- منع استخدام الاحتلال للأجواء الإقليمية العربية والإسلامية.

- التفعيل العملي لملف المقاطعة.

وهذه -بصراحة- أوراق الحد الأدنى.

خاتمة

بين قمة النار التي أحرقت جسور المفاوضات، وقمة العار التي اكتفت برماد الكلمات، تتشكل ملامح مرحلة جديدة عنوانها: إسرائيل الكبرى مشروع يتمدد بخطى ثابتة، محمولا على عجز رسمي عربي وإسلامي، وصمت دولي متواطئ.

باختصار: الرهان الحقيقي لم يعد على القاعات ولا على البيانات، بل على الميدان والشعوب والساحات؛ فهي وحدها القادرة على كسر معادلة القوة، وفتح طريق مغاير لما أرادته إسرائيل بالنار، ولما قبلته القمة بالصمت تارة وبالعجز طورا آخر.