قضايا وآراء

حتى تكون قمة الدوحة بابا للخروج من اليأس

"عدة قمم عربية وإسلامية انعقدت منذ طوفان الأقصى والنتيجة صفر" (قمة الرياض في تشرين الثاني/ نوفمبر 2024)- الأناضول
يأتي انعقاد القمة العربية الإسلامية في الدوحة اليوم وغدا في ظل ظروف استثنائية ندر أن مرت بها منطقتنا من قبل، فبخلاف العدوان الإسرائيلي الأخير على الدوحة -استهدافا لقيادات حركة حماس- وهو السبب المباشر لهذه القمة فإن المنطقة تمر بلحظات توتر شديد ينذر بانفجار حرب كبرى، مع تواصل وتصاعد العدوان الإسرائيلي وحرب التجويع والإبادة والسعي لتهجير أهل غزة، ومع سياسات وقرارات حكومة الاحتلال لضم الضفة الغربية وتهويد القدس، ومع التحرش الإسرائيلي المتواصل والمتصاعد ضد سوريا، وكذا التحرش بمصر ولبنان.

تتعامل مصر بجدية واضحة مع هذا التحرش الإسرائيلي، وقد صدرت تصريحات غاضبة من مسئولين سياسيين أو عسكريين حاليين أو سابقين ضد التهديدات الإسرائيلية التي لم تقتصر على الكلام النظري بل اتخذت أبعادا عملية منذ احتلال ممر فيلادلفيا، وتحطيم بوابات معبر رفح وإغلاقها من الناحية الفلسطينية، ثم تأكيد رئيس حكومة الكيان نتنياهو بأنه ملتزم بالرؤية التوراتية لإسرائيل الكبرى التي تضم أجزاء من مصر ودول عربية أخرى.

الرد حتى الآن ليس في المستوى المأمول، أو المكافئ لاستباحة سيادة دولة مسالمة، كاملة السيادة، تركز جهودها على نشر السلام وحل النزاعات الدولية

الاعتداء الإسرائيلي على قطر كان طعنة غائرة ليس فقط لقطر، بل لكل الدول العربية، والإسلامية، وزاد الطين بلة تصريحات نتنياهو عقب العدوان بأنه سيلاحق قادة المقاومة في أي مكان، وهو يعلم أن هؤلاء القادة يتجولون بين العديد من الدول العربية، كما أن تصريحات رئيس الكنيست الإسرائيلي بأن ضربة قطر هي رسالة لكل دول الشرق الأوسط كانت كاشفة عن مستوى الغطرسة والهيجان الإسرائيلي، وعدم وجود أي خطوط حمراء لدى هذا الكيان المارق.

رد الفعل العربي والإسلامي وحتى الدولي على العدوان كان غاضبا، كما ظهر في بيانات الدول المختلفة، وكما ظهر في بيان مجلس الأمن، والزيارات التضامنية من بعض المسئولين العرب للدوحة، لكن الرد حتى الآن ليس في المستوى المأمول، أو المكافئ لاستباحة سيادة دولة مسالمة، كاملة السيادة، تركز جهودها على نشر السلام وحل النزاعات الدولية.

من هنا ترنو الأبصار إلى القمة العربية الإسلامية الطارئة التي تستضيفها الدوحة اليوم وغدا، والتي ينبغي أن تختلف تماما عما سبقها من قمم نظرا للظروف والملابسات التي تسبقها والتي استوجبتها، وقد أشرنا إليها سلفا، لا ينتظر العرب والمسلمون من هذه القمة بيانات شجب واستنكار للعدوان، حتى لو كانت بأفظع الكلمات، ولا ينتظرون توصيات فارغة المضمون، ينتهي أثرها بانتهاء الاجتماعات.

فقدت الشعوب العربية أي تقدير أو احترام للقمم، لأنها كانت تمثل طعنات في قلوبها في كل مرة عبر إصدارها بيانات هزيلة لا تبلسم جراح شعوبنا، ولا تردع غطرسة عدونا. عدة قمم عربية وإسلامية انعقدت منذ طوفان الأقصى والنتيجة صفر، رغم أن تلك القمم اتخذت توصيات وقرارات كان منها كسر الحصار عن غزة؛ وهو ما لم تستطع الدول العربية والإسلامية تنفيذه بطريقة توقف حرب التجويع في القطاع، واكتفى البعض بعمليات استعراضية برية أو جوية لإدخال شحنات رمزية لا تسمن ولا تغني من جوع، وظلت الحجج بالنسبة لهم هي إغلاق الكيان للمعابر. الجميع يعرف أن سلطات الاحتلال تغلق المعابر، لكن الجميع كان يتوقع أن تستخدم الحكومات العربية والإسلامية ما لديها من أوراق ضغط لإجبار هذا الكيان على فتح المعابر لإدخال المساعدات بشكل طبيعي، بل ووقف الحرب أساسا.

لا تريد الشعوب العربية والإسلامية أن تكون قمة الدوحة تكرارا لما سبق، بل تريد أولا مشاركة ملوكها ورؤسائها وأمرائها من الصف الأول مباشرة في هذه القمة، وعدم الاكتفاء بإرسال من يمثلهم، وتريد ثانيا قرارات عملية تعيد الاحترام للمنطقة بأسرها، وتضع العدو في الموقع اللائق به؛ كيانا غريبا ملفوظا، محاصرا، وعدم السماح له بالعربدة، والتهديد للدول العربية والإسلامية.

إذا نجحت قمة الدوحة في اتخاذ قرارات تروي غليل الشعوب العربية والإسلامية، وتردع العدوان الإسرائيلي، وتفرض عليه كلمتها، وتجبره على وقف العدوان، والسماح فورا بدخول المساعدات؛ فسوف تكون هذه القمة هي باب الخروج الحقيقي من حالة اليأس والضعف والتردي التي عاشت فيه أمتنا

من القرارات (وليس التوصيات)التي ينتظرها الجميع قطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية والثقافية فورا للدول ذات العلاقة مع الكيان، ووقف مسار التطبيع الإبراهيمي للدول التي كانت تستعد للتطبيع، والسماح للشعوب العربية للتظاهر والتعبير عن دعمها للمقاومة الفلسطينية في مواجهة العدوان، وانضمام الدول العربية والإسلامية بشكل فردي وبشكل جماعي (جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي) للدعوى المرفوعة ضد الكيان أمام محكمة العدل الدولية، وكذا الدعوى الأخرى في محكمة الجنايات الدولية والمختصة بحرب الإبادة في غزة، وكذا رفع دعاوى جديدة ضد العدوان على قطر، والاعتداءات المستمرة ضد سوريا ولبنان، والانضمام فورا إلى مجموعة لاهاي التي تعمل على حصار الكيان دوليا، بل وإعداد خطة عربية إسلامية لمحاصرة الكيان والسعي لطرده من كل المحافل الدولية؛ وأولها الأمم المتحدة وهيئاتها، وكل المحافل السياسية والاقتصادية والثقافية والرياضية الدولية.

مع تصاعد الحديث عن تفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك التي عقدت في العام 1950، وحتى لا يكون الحديث مجرد تنفيس، أو المطالبة بمستحيل في ظل الظرف العربي الراهن، فإن البداية المنطقية هي التعاون في بناء صناعة عسكرية مشتركة من خلال توسيع الهيئة العربية للتصنيع، أو حتى إنشاء كيان عربي إسلامي جديد، للاستفادة بالتطور العسكري لدى بعض الدول الإسلامية الأخرى مثل تركيا وباكستان وإيران، فقد ثبت أن السلاح الأمريكي الذي يعتمد عليه العرب لا يصلح لحمايتهم، مع ضرورة السعي لإنهاء النزاعات والمخاوف الخليجية والعربية مع إيران، والتي توظفها الولايات المتحدة والكيان الصهيوني لصالحهما.

إذا نجحت قمة الدوحة في اتخاذ قرارات تروي غليل الشعوب العربية والإسلامية، وتردع العدوان الإسرائيلي، وتفرض عليه كلمتها، وتجبره على وقف العدوان، والسماح فورا بدخول المساعدات؛ فسوف تكون هذه القمة هي باب الخروج الحقيقي من حالة اليأس والضعف والتردي التي عاشت فيه أمتنا ردحا من الزمان، أما إذا كررت بيانات وتوصيات القمم السابقة فقل على المنطقة السلام!!

x.com/kotbelaraby