ليست الضربة
الإسرائيلية للدوحة سوى خسارة صافية للرصيد الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط
والعالم، وبما أن رئيس حكومة الكيان الصهيوني المتطرفة، بنيامين نتنياهو، صرف كل
أرصدة إسرائيل، الأخلاقية والسياسية الشحيحة أصلا في حرب الإبادة التي يشنها على
الغزيين، فإنه بدأ بالتهام الرصيد الأمريكي، الدولة الوحيدة في العالم الباقية على
تأييده، بعد أن أدركت الدول الأوروبية هذه المعادلة وتُسارع للخروج منها.
ما فعله نتنياهو
باستهدافه للدوحة، بذريعة القضاء على الوفد
الفلسطيني المُفاوض، ليس سوى شكل من
أشكال الجنون الذي وصل له رئيس حكومة الكيان، وهذا الجنون هو نتاج حسابات ورهانات
غير حقيقية، إذ يعتقد نتنياهو والدوائر القريبة منه، أن قتل المفاوضين، أو القادة
الفلسطينيين، هو مقدمة لتنفيذ خطته القائمة على ترحيل الغزيين وتهجير أهل الضفة
الغربية، وجعل الفلسطينيين أيتاما وشعبا بلا قيادة وبلا قضية.
هذا الجنون هو نتاج حسابات ورهانات غير حقيقية، إذ يعتقد نتنياهو والدوائر القريبة منه، أن قتل المفاوضين، أو القادة الفلسطينيين، هو مقدمة لتنفيذ خطته
ومن الواضح أن
التقدير الإسرائيلي في هذه المرحلة يقوم على اعتبار وجود فرصة لا يمكن تعويضها
لإعادة ترتيب الأوضاع، في فلسطين والمنطقة، يمكن تحقيقها عبر سياسات خلط الأوراق،
واللعب على حافة الهاوية، واستخدام استراتيجية الرجل المجنون، ما يدفع جميع
الفاعلين والقوى في المنطقة إلى البحث عن مخرج للنجاة بدل التفكير في إنتاج استراتيجيات
مواجهة، ما يجعل إسرائيل تحقّق أهدافها بأكلاف متدنية، بعيدا عن عمليات التفاوض
والضمانات وسواها من هذه القضايا التي لا تحتاجها إسرائيل في ذروة قوتها وفي بيئة
معدومة المخاطر.
سياسة توزيع
المخاطر التي تتبعها حكومة الكيان على كل الجبهات، المُفعلة والنائمة، والتلميح
بأن الدور سيأتي على ذاك الطرف بعد التخلص من هذا الطرف، هي حرب مُعلنة على جميع
دول المنطقة بدون استثناء، هدفها تعطيل أي فعالية لتلك الدول في مواجهة استراتيجيات
الجنون التي يمارسها نتنياهو، وإبقاء تلك الدول على حالة من التوتر والاستنفار
تؤدي إلى انهيارها من مجرد اختراق طائراته لحاجز الصوت في سماواتها، أو تلويحه بيد
أحد وزراء "زعران" حكومته من أن إسرائيل "الكبرى" قادمة.
من المؤكد أن
قطر
لا تملك قوة عسكرية توازي قوة الكيان الصهيوني، وبالتالي يصعب تصوّر قيامها برد
مماثل على
الاعتداء الإسرائيلي، لكم المؤكد أيضا أن لدى قطر وزن في منظومة
العلاقات الدولية وتأثير على المستوى العالمي، يفوق ما لدى إسرائيل بدرجات، ولديها
خبرة في إدارة العلاقات الدولية واستثمارها، وهو ما بدا واضحا من حملة التعاطف
العالمي في مواجهة الاعتداء الإسرائيلي، واضطرار الرئيس الأمريكي إلى إعلان أسفه
وبروز حالة اشمئزاز لدى مطبخ القرار الأمريكي من التصرف الإسرائيلي الأرعن.
الاستهداف الإسرائيلي خلق نوعا من تصدع الثقة بين دول المنطقة والولايات المتحدة الأمريكية، وفي حسابات الدول أن هذا التصدع لن تتمكن واشنطن من ترميمه بمجرد الاعتذارات ولا الوعد بأن العملية لن تتكرر
لكن هل تقف
المسألة عند هذا الحد؟ بالطبع لا، فالاستهداف الإسرائيلي خلق نوعا من تصدع الثقة
بين دول المنطقة والولايات المتحدة الأمريكية، وفي حسابات الدول أن هذا التصدع لن
تتمكن واشنطن من ترميمه بمجرد الاعتذارات ولا الوعد بأن العملية لن تتكرر، فالدول
ومطابخها السياسية لا تقيّم علاقاتها وسياساتها إلا بناء على الأفعال ودراسة
المخاطر والتهديدات والأوراق التي تضمن لها حماية سيادتها وحقوقها، ومن ثم تتخذ
قراراتها بناء على ذلك.
ولا شك أن ضربة
الدوحة شكّلت صدمة لدول المنطقة التي ترتبط بعلاقات شراكة أمنية واستراتيجية مع
واشنطن، إذ ليس من الصعب على الشخص العادي إدراك الترابط بين استهداف إسرائيل
للدوحة ودور الجيش الأمريكي الموجود بكثافة في المنطقة، وعدم قدرة المنظومات
الدفاعية الأمريكية الصنع والتي تكلفت مليارات الدولارات على كشف الهجوم والتصدي
له!
المؤكد أن دوائر
صنع القرار في دول المنطقة باتت على يقين لا يمكن زعزعته أن الهجوم كان بتنسيق مع
الجيش الأمريكي، الذي من المفترض به أن يكون الأداة التنفيذية للاتفاقيات الأمنية
والعسكرية بين تلك الدول والولايات المتحدة الأمريكية، وأن يمارس دوره كشريك لجيوش
تلك الدول في مواجهة التهديدات الأمنية التي قد تتعرض لها، ما يعني أنه بات لزاما
مراجعة تلك الاتفاقيات وتحديد ماهية دور الجيش الأمريكي في المنطقة.
كما أصبح ضروريا
فحص فعالية منظومات الأسلحة الأمريكية وخصائصها ومزاياها، وهل هي بالفعل على تلك
الدرجة من عدم الفعالية في مواجهة التهديدات، ما يحتم البحث عن بدائل لها من مصادر
مختلفة، وربما بأسعار أقل واشتراطات أخف قد تكون ذات فعالية أكبر؟ بمعنى هل بات من
الضروري التفكير بمصادر تسليح من أطراف دولية، ولا سيما الصين التي أصبحت تتفوق
على الأمريكيين تقنيا في الكثير من المنتجات العسكرية؟
بالأمس القريب اشتكى
ترامب بحرقة من انزياح الهند وروسيا إلى الصين وتحولهما إلى شركاء لها في مواجهة
السياسات الأمريكية الطائشة، ولن يكون مستبعدا أن يتحسر ترامب على خروج دول
المنطقة من دائرة تحالفات أمريكا، طالما هو يضع رصيده بيد نتنياهو ليصرف منه كيفما
يشاء.
x.com/ghazidahman1