قضايا وآراء

اتفاق السويداء درس في إدارة الأزمات

"فخ جرى ترتيبه مع إسرائيل"- إكس
تشكّل إدارة الأزمات إحدى أهم عناصر قوّة النظام السياسي في أي بلد، بل ربما تشكّل عنصر القوّة الأساسي، لا سيما أننا نعيش في عالم مضطرب بالأزمات بكل أنواعها وأشكالها، حتى أن صناعة الأزمة باتت تكتيكا سياسيا، يمارسه الخصوم المحليون والخارجيون للحصول على مطالبهم من النظام السياسي. فالمظاهرات والإضرابات السلمية هي شكل من أشكال صناعة الأزمة للضغط على النظام السياسي، رغم أن هناك تكتيكات خادعة أيضا تهدف إلى خلق بيئة مأزومة لصانع القرار بهدف خلط الأوراق ودفعه إلى الاستجابة لطلبات سياسية يرفض التساهل معها في الظروف العادية.

على ذلك، فإن صناعة الأزمة غالبا ما تأتي في سياق عملية تفاوضية يستخدمها أطرافها، أو أحدهما، وغالبا في عمليات التفاوض السياسي، ومن ثم تحويل الأزمة إلى ورقة قوّة بيد الطرف الآخر، عبر التلويح بمضاعفتها أو تعميمها إن لم يستجب المفاوض أو صانع القرار لطلبات الخصم.

ما حصل في السويداء في سوريا كان أزمة بكل المقاييس، وهي أزمة مصنّعة، لكنها لم تكن مفاجئة، فقد رفض الخط الانعزالي في السويداء، منذ التغيير الذي حصل في سوريا، وقبل أن تظهر توجهات الحكم الجديد، التعاطي بالسياسة مع حكام دمشق الجدد

توصف بعض الأزمات، ولا سيما تلك التي تقع في ظرف مفصلي وتوقيت حساس، بالاختبار سواء لمسار الحكم أو لمسيرة البلد بأكمله صوب أهداف محدّدة، ورغم أن الأزمات تكون مصمّمة بدقة لإرباك الطرف الآخر ومفاجأته، بما يضعف خياراته ويحصرها في نطاق خيارين؛ إما الرضوخ والتراجع أو التهوّر والدخول في معركة خاسرة سلفا، إلا أن طريقة استجابة الطرف الآخر وبحثه عن مخارج آمنة من الأزمة، أو حتى عكس الأزمة على الجانب الآخر، هي ما يحدد نجاح صنّاع الأزمة من فشلهم. والنجاح أو الفشل هنا ليسا ضربة حظ ولا مصادفة، بقدر ما يستلزمه الأمر من تخطيط وخبرة وحنكة.

ما حصل في السويداء في سوريا كان أزمة بكل المقاييس، وهي أزمة مصنّعة، لكنها لم تكن مفاجئة، فقد رفض الخط الانعزالي في السويداء، منذ التغيير الذي حصل في سوريا، وقبل أن تظهر توجهات الحكم الجديد، التعاطي بالسياسة مع حكام دمشق الجدد، ووصفهم حكمت الهجري، قائد التوجه الانعزالي في المحافظة، بالإرهابيين الذين استولوا على السلطة، دون أن يحدد مطالب واضحة. وقد اتخذ من الأحداث "الأزمات" التي حصلت في الساحل وتفجير كنيسة في دمشق، سببا لتذرعه بعدم تسليم السلاح والسماح للمؤسسات العامة بالعمل تحت سلطة دمشق.

كان الهجري مرتبطا بشبكة علاقات إقليمية، وقد كان المشهد واضحا دون لبس وإخفاء، وشكّلت إسرائيل، عبر قناة الشيخ موفق طريف، مركز هذه العلاقات ومشغلها الأساسي، وشكّل حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في شرق سوري، الذي يقود قوات "قسد"، القوّة الرديفة في شبكة هذه العلاقات. وكانت للطرفين الإسرائيلي والكردي مطالب من نظام دمشق، وكانت الأبواب أمام تحقيق هذه المطالب مغلقة، إما بسبب مخاطر تنفيذ هذه المطالب على وحدة ومصير سوريا، أو نتيجة وجود تحالف إقليمي داعم لدمشق ورافض الرضوخ لمطالب الفريق الآخر.

كانت المعركة في السويداء، مخرجا مثاليا لاستعصاء دمشق عن الاستجابة لمطالب إسرائيل والكرد. وتكشف مواقف الهجري من المفاوضات مع دمشق، وتراجعه ثلاث مرات عن الاتفاقيات التي جرى التوصل لها مع إدارة الرئيس أحمد الشرع، ثم دعوته للقتال (يا غيرة الدين) بعد أن أصبحت القوات القادمة من دمشق في بعض أحياء السويداء، عن فخ جرى ترتيبه مع إسرائيل التي ألمحت عبر وفدها
أزمة السويداء لم تكن من النوع الانفجاري الذي يحصل بدون مقدمات ويفاجئ صانع القرار، فهي أزمة رافقت التغيير السياسي في دمشق، ولم تكن أزمة صامتة، وبالتالي كان يمكن بالفعل لو تمت إدارتها وفق تخطيط سياسي وخبرة في الإدارة أن يتم تجنب تداعياتها.
المفاوض في باكو قبل يومين من الأحداث بأنها لن تتدخل بالشؤون الداخلية السورية. وهو ما أدركته دمشق لاحقا، واعترف الشرع بالفعل بالوقوع في الفخ الذي هندسته إسرائيل بالتعاون مع الهجري.

بعد ذلك، استثمرت إسرائيل في نجاحها من خلال الاتفاق الثلاثي بشأن السويداء، الذي جرى التوقيع عليه بمشاركة أمريكية أردنية سورية، حيث جاء الاتفاق كجز من اتفاق أوسع يخص الجنوب السوري ترغب إسرائيل في فرضه على سوريا، فقد أعطى الاتفاق للدروز ما يشبه حكما ذاتيا، ونصّب الهجري مرجعية وحيدة في السويداء، ومنح الفصائل العسكرية الدرزية صفة شرعية، مقابل تجريد سكان الجنوب في درعا من السلاح، ومنع أي تواجد للسلاح الثقيل في المنطقة، ما يجعل الفصائل الدرزية الفاعل الأكثر قوّة في جنوب سوريا.

هل كان ممكنا تجنب هذا المأزق؟ أزمة السويداء لم تكن من النوع الانفجاري الذي يحصل بدون مقدمات ويفاجئ صانع القرار، فهي أزمة رافقت التغيير السياسي في دمشق، ولم تكن أزمة صامتة، وبالتالي كان يمكن بالفعل لو تمت إدارتها وفق تخطيط سياسي وخبرة في الإدارة أن يتم تجنب تداعياتها. ويبدو أن إدارة الرئيس الشرع، ليس لديها فريق خاص بإدارة الأزمات، كما أنها ترفض إشراك خبرات سياسية مدربة وخبيرة من خارج جماعة إدلب، الأمر الذي يدق جرس الإنذار في وقت تواجه في البلاد اختبارات أصعب ومع لاعبين أكثر خبرة بما لا يُقاس من خبرة الهجري في إدارة الأزمات.. فهل تعلمت إدارة الشرع كيفية إدارة الأزمات بعد الاعتراف بالوقوع في الفخ؟

x.com/ghazidahman1