قضايا وآراء

معبر رفح بين الرواية المصرية الرسمية والاتهامات الحقوقية: قراءة تحليلية حول حصار غزة في ضوء البيانات الموثقة (1-2)

"هل تقاعست مصر عن دورها التاريخي وفرطت في أدوات ضغط كانت بحوزتها لوقف حرب الإبادة التي يتعرض لها القطاع، أم أنها استنفدت كافة خياراتها وأدواتها؟"- الأناضول
مقدمة

تعرضت الدولة المصرية ممثلة في نظامها الحاكم، لاتهامات شعبية وحقوقية دولية بالمشاركة في حرب التجويع التي تمارسها آلة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، حيث اتهمتها منظمات وهيئات وشخصيات اعتبارية محلية ودولية بالتواطؤ مع الاحتلال في حصار قطاع غزة، من خلال الإصرار على عدم السماح بعبور قوافل المساعدات من معبر رفح مباشرة من البوابة المصرية عبر البوابة الفلسطينية خلال الأشهر الأولى من الحرب وحتى سيطرة جيش الاحتلال على المعبر من الجهة الفلسطينية في أيار/ مايو 2024.

كما تعرضت الدولة المصرية إلى حملة شعبية عالمية واسعة اتهمتها بتعمد عرقلة وصول وعبور قوافل الإغاثة الدولية من البوابة المصرية باتجاه بوابة رفح الفلسطينية أو معبر كرم أبو سالم، للضغط على الاحتلال وإحراجه أمام الرأي العام العالمي.

هذه الحملات أسفرت عن رد فعل مصري رسمي اتسم بالتوتر، وربما في بعض المواقف كان عنيفا وخاليا من الدبلوماسية، كما حدث تجاه المشاركين في قافة الصمود في منتصف حزيران/ يونيو 2025، وهو الحدث الذي خلف مشاهد أساءت بشكل كبير لصورة الدولة المصرية عالميا.

تعرضت الدولة المصرية إلى حملة شعبية عالمية واسعة اتهمتها بتعمد عرقلة وصول وعبور قوافل الإغاثة الدولية من البوابة المصرية باتجاه بوابة رفح الفلسطينية أو معبر كرم أبو سالم، للضغط على الاحتلال وإحراجه أمام الرأي العام العالمي

فما بين مدافع عن الموقف الرسمي المصري ومهاجم له، وما بين التصريحات الرسمية المصرية التي تنفي بشكل قطعي ما يوجه إليها من اتهامات، وتقارير المنظمات الحقوقية والإنسانية الدولية التي تصر على موقفها، سعينا من خلال تلك الدراسة التحليلية لتفنيد ادعاءات الطرفين، وذلك اعتمادا على بيانات وإحصاءات رسمية موثقة عن حركة مرور الأفراد والبضائع عبر المعابر قبل وأثناء الحرب، تم تسجيلها على قاعدة بيانات "مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة" المعروف بالـ"OCHA"، الذي يقوم بتتبع وتوثيق وتدوين تلك البيانات بالتعاون مع الجهات الرسمية في الجانبين المصري والفلسطيني.

حاولنا في هذه الدراسة الإجابة على مجموعة من الأسئلة المهمة التي قدرنا أنها ستقودنا إلى استنتاجات نهائية متماسكة حول حقيقة المسألة وتفنيد مزاعم طرفي النزاع وهي:

- كيف تدار حركة العبور عبر الحدود المصرية الفلسطينية؟

- هل مصر ملزمة بالحصول على موافقة إسرائيل فيما يتعلق بالأشخاص العابرين من بوابتها؟

- هل معبر رفح منفذ عبور حر أم يتم استخدامه كأداة ضغط سياسية؟

- هل بالفعل السبب الذي يقف خلف تقييد مصر للحركة عبر المعبر هو خشيتها من هجرة الفلسطينيين من القطاع وتوطنهم في مصر؟

- هل معبر رفح هو منفذ لعبور الأفراد فقط ولا تستطيع مصر إدخال البضائع عبره كما تزعم؟

- هل مصر ملزمة بإخضاع كافة الشاحنات للتفتيش الإسرائيلي قبل دخولها إلى القطاع؟

- هل توجد أي شواهد تشير إلى أن إسرائيل نسقت مع مصر من أجل إبقاء دخول احتياجات القطاع الحيوية والرئيسية من البضائع والمستلزمات في يدها بشكل حصري؟

- هل تقاعست مصر عن دورها التاريخي وفرطت في أدوات ضغط كانت بحوزتها لوقف حرب الإبادة التي يتعرض لها القطاع، أم أنها استنفدت كافة خياراتها وأدواتها؟

أولا: كيف تدار حركة العبور عبر الحدود المصرية الفلسطينية؟

في تشرين الثاني/ نوفمبر 2005 وعقب الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، جرى توقيع "اتفاقية المعابر" بين دولة الاحتلال والسلطة الفلسطينية، لتنظيم عمل المعابر تحت إشراف الاتحاد الأوروبي.

يتكون معبر رفح من بوابتين، واحدة فلسطينية من جهة غزة والأخرى مصرية من جهة سيناء، تفصل بينهما منطقة عازلة على امتداد الحدود تم تعريفها في اتفاقية كامب ديفيد بالمنطقة "د"، وسميت لاحقا بمحور فيلادلفيا أو محور صلاح الدين، وهو شريط مستقطع من أراضي قطاع غزة، يتراوح عرضه ما بين 60 و100 متر وطوله 14 كم يمتد من البحر المتوسط شمالا وحتى معبر كرم أبو سالم جنوبا، وظل تحت سيطرة إسرائيل حتى انسحابها منه عام 2005.

أتاحت اتفاقية كامب ديفيد تواجد قوة عسكرية إسرائيلية محدودة داخل المنطقة "د" -محور فيلاديلفيا حاليا- مكونة من 4 كتائب مشاة بحد أقصى 4000 فرد، مسلحين بأسلحة خفيفة، و180 عربة مدرعة، بحيث لا تتضمن القوة دبابات أو مدفعية أو صواريخ، ما عدا الصواريخ الفردية أرض-جو.

بعد الانسحاب الإسرائيلي، تم توقيع "اتفاق فيلادلفيا" بين مصر وإسرائيل في أيلول/ سبتمبر 2005، كملحق لاتفاقية كامب ديفيد، بشكل يعيد تعريف المنطقة "د" والتواجد العسكري فيها، حيث أضافت إسرائيل بندا في الملحق ينص على أنه لا يُحدِث أي تعديلات على اتفاقية كامب ديفيد وأنه لا يعدو كونه جملة من التدابير الأمنية لمنع التسلل من الجانبين. هذا الاتفاق سمح لمصر بنشر قوة عسكرية بحد أقصى 750 عنصرا، مسلحين بـ500 بندقية هجومية و67 رشاشا خفيفا و20 قاذفة صواريخ مضادة للأفراد، و31 مركبة شرطية، و44 مركبة لوجستية مساعدة خفيفة، و8 مروحيات شرطية غير مسلحة، و4 زوارق دوريات بحرية، بحيث لا تتضمن القوة أية دبابات أو مدرعات ثقيلة أو مروحيات مسلحة أو ما شابه من المعدات الثقيلة، وفرض الاتفاق التنسيق الأمني والعسكري بين الطرفين، ومشاركة مصر المعلومات الاستخبارية مع الجانب الإسرائيلي.

وفق اتفاقية المعابر الموقعة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، تم تخصيص معبر رفح لعبور الأفراد في الاتجاهين وتصدير بعض البضائع من القطاع إلى مصر فقط، بحيث يتم "إشعار" حكومة الاحتلال الإسرائيلي بأسماء العابرين ذوي الحيثيات الاستثنائية مثل الدبلوماسيين وموظفي الهيئات الدولية والمستثمرين وغيرهم لإبداء أية ملاحظات، على أن يبقى "القرار النهائي" في يد السلطة الفلسطينية.

أما حركة البضائع إلى داخل القطاع، فقد خُصص لها معبر كرم أبو سالم الواقع عند المثلث الحدودي بين غزة ومصر وإسرائيل وتسيطر عليه إسرائيل، حيث تدخل الشاحنات عبر البوابة المصرية لمعبر رفح إلى محور فيلادلفيا ثم تتجه جنوبا باتجاه معبر كرم أبو سالم، حيث تقوم إسرائيل بعملية التفتيش قبل دخول الشاحنات إلى القطاع.

عقب سيطرة حركة حماس على قطاع غزة في حزيران/ يونيو 2007، أعلنت إسرائيل أن اتفاقية المعابر لم تعد سارية بسبب غياب السلطة الفلسطينية، الطرف الثاني فيها، كما انسحبت بعثة الاتحاد الأوروبي من معبر رفح، وأصبحت حركة العبور عبر المعبر تدار بالتنسيق بين الطرفين المصري وحركة حماس في القطاع، بدون وجود مذكرات أو اتفاقات موقعة بين الجانبين.

على بعد 4 كيلومترات شمالي معبر رفح، يوجد ما يسمى ببوابة صلاح الدين، وهي بوابة على الجانب الفلسطيني كانت المنفذ الوحيد للفلسطينيين للانتقال إلى مصر منذ اتفاقية كامب ديفيد وحتى انسحاب إسرائيل من القطاع في أيلول/ سبتمبر 2005.

في آذار/ مارس 2008، قامت السلطات المصرية بإزالة البوابة عقب واقعة اقتحام سكان القطاع للحدود المصرية وهدمهم للجدار الحدودي الفاصل مطلع عام 2008، حيث جعلت عملية العبور محصورة على معبر رفح فقط.

أعادت مصر استخدام البوابة بشكل طفيف منتصف عام 2017، ثم بشكل مكثف مطلع عام 2018، بالتنسيق بين مصر وحركة حماس، لإدخال وقود السيارات وغاز الطهي إلى القطاع دون أن تحظى البوابة رسميا بوضعية المعبر، وبعيدا عن التفتيش الإسرائيلي أو الرقابة الأممية.

في أيار/ مايو 2024، قام الجيش الإسرائيلي بالسيطرة على محور فيلادلفيا وبوابة رفح الفلسطينية، ونتج عن ذلك وقوع اشتباك مباشر مع قوات التأمين على الجانب الحدودي المصري، ما خلف شهيدا على الأقل من عناصر الجيش المصري، ومنذ ذلك الوقت، لم يعد هناك منفذ إلى القطاع على الحدود المصرية سوى معبر كرم أبو سالم.




(محور فيلادلفيا)



(صورة توضح الجدارين على حدود قطاع غزة وسيناء وبينهما ممر فيلادلفيا)

ثانيا: هل مصر ملزمة بالحصول على موافقة دولة الاحتلال فيما يتعلق بالأشخاص الذين سيعبرون من بوابتها؟

وفق اتفاقية المعابر، فأطراف الاتفاقية هم 3 أطراف فقط: سلطة الاحتلال الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية وجهة إشراف ومراقبة وهي بعثة الاتحاد الأوروبي، وعليه فمصر ليست طرفا في هذه الاتفاقية ولا يلزمها أي شيء من بنودها.

تلزم الاتفاقية الطرف الفلسطيني (وليس المصري) بـ"إعلام" (وليس الحصول على موافقة) دولة الاحتلال بالشخصيات الاعتبارية ذوي الصفات الاستثنائية الذين سينتقلون عبر المعبر لإبداء أي تحفظ أو ملاحظات، فيم يبقى القرار النهائي في يد الطرف الفلسطيني. إذا، ففي كل الأحوال، لا يُشترط الحصول على "موافقة" دولة الاحتلال على الأفراد الذين سيعبرون من البوابة الفلسطينية لمعبر رفح.

وعليه وبديهيا، فمصر غير ملزمة بإعلام دولة الاحتلال بطبيعة أو حيثيات الأشخاص الذين سيعبرون من بوابتها الخاصة، فضلا عن أخذ موافقتها. وأي تنسيق يتم بين الجانبين في هذا الشأن، وأي استجابة مصرية لطلبات من الطرف الإسرائيلي بمنع عبور أي فرد أو مجموعة، تُسأل الأنظمة المصرية المتعاقبة عن أسبابه ودوافعه وحيثياته.

ثالثا: هل معبر رفح منفذ عبور حر أم يتم استخدامه كأداة ضغط سياسية؟

تظهر المعلومات المتاحة على قاعدة بيانات "OCHA"، أن معبر رفح وعلى مدار 19 عاما كاملة، تم إغلاقه من الجانب المصري لفترات زمنية متقطعة بلغت نصف تلك المدة على الأقل، أي 10 سنوات إغلاق من أصل 19، وذلك من دون إبداء أية أسباب فنية أو أمنية أو سياسية واضحة ومقنعة.

نظام مبارك وتوظيف المعبر سياسيا

تكشف البيانات أن الدولة المصرية ممثلة في نظام مبارك وعقب الفوز غير المتوقع لحركة حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2005، تعمدت تقييد حركة دخول وخروج الفلسطينيين عبر معبر رفح، وهو ما شكل ضغطا وتضييقا كبيرا على الحكومة الفلسطينية الجديدة، حيث تم إغلاق معبر رفح أمام حركة الأفراد لمدة بلغت 60 في المئة من عدد أيام السنة خلال عام 2006 بدون إبداء أسباب واضحة.

بلغت سياسة التقييد ذروتها خلال عامي 2007 و2008، عقب سيطرة حركة حماس على قطاع غزة بقوة السلاح فيما عرف بـ"الحسم العسكري"، حيث بلغت معدلات إغلاق المعبر أمام الأفراد ما يقارب 80 في المئة من إجمالي عدد أيام السنة، بشكل بدا متسقا ومتماهيا مع سياسة الحصار والعقاب الجماعي التي فرضتها إسرائيل وأمريكا وحلفائهما على القطاع.

مطلع عام 2008، قام سكان القطاع بهدم الجدار المعدني الحدودي على الحدود المصرية، مدفوعين بضغط الحصار الذي فرض على القطاع، حيث عبر مئات الآلاف من سكان القطاع إلى الأراضي المصرية للتزود باحتياجاتهم الأساسية؛ حينها انتهج النظام المصري سياسة جديدة في التعامل مع تلك المسألة، حيث تشير البيانات إلى أن مصر أعادت فتح المعبر أمام عبور الأفراد خلال عامي 2009 و2010 بمعدلات هي الأعلى على الإطلاق خلال 19 عاما، بلغت ما بين 87 في المئة و93 في المئة من عدد أيام السنة، ولكن في المقابل تشير البيانات إلى وجود انخفاض حاد في أعداد العابرين، حيث سجلت نسبة العابرين أكثر النسب تدنيا على الإطلاق مقارنة بأعوام أخرى، بلغت ما بين 1 و2 في المئة من إجمالي الأفراد الذين عبروا على مدار 19 عاما.

تشير البيانات إلى وجود ارتفاع لافت غير مسبوق في عدد العابرين من معبر رفح بدءا من حزيران/ يونيو 2010، حيث تزامن ذلك مع إصدار الرئيس مبارك أوامر مباشرة بفتح المعبر بدون إغلاق إلى أجل غير مسمى. جاء ذلك القرار عقب يوم واحد من استهداف دولة الاحتلال لسفينة مافي مرمرة التركية، التي انطلقت باتجاه قطاع غزة لكسر الحصار المفروض عليه، حيث كانت تحمل على متنها برلمانيين مصريين، وأسفر الهجوم عن مقتل 10 نشطاء أتراك وإصابة 60 آخرين من المشاركين فيها.

الثورة المصرية.. نافذة في جدار العزلة الطويلة

لم تكن الثورة المصرية شأنا مصريا داخليا محدود بالتطلعات الشعبية فقط، بل أسهمت في تصحيح مسار علاقة الدولة المصرية بالقضية الفلسطينية، حين تبوّأت مصر دورها المنوط بها في دعم الفلسطينيين والانحياز الكامل لهم ضد العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2012.

مثّلت سنوات الثورة المصرية ما بين كانون الثاني/ يناير 2011 وحزيران/ يونيو 2013، فترة الازدهار بالنسبة لسكان قطاع غزة، حين تنفسوا نسيم الحرية، وشعروا للمرة الأولى بانفكاك القيود التي فرضت عليهم على مدار عقود، حيث تشير البيانات إلى أنه وخلال عامين ونصف فقط، عبر ما يقارب 33 في المئة من إجمالي عدد الأفراد الذين تنقلوا عبر المعبر ذهابا وإيابا على مدار 19 عاما، مقارنة بحقبة مبارك التي بلغت نسبة العابرين خلال 5 سنوات 23 في المئة، فيما لم تتجاوز النسبة خلال ولاية النظام الحالي 44 في المئة فقط، وذلك على مدار 10 سنوات كاملة.



كما تشير البيانات إلى أن تعامل الدولة المصرية بقيادة الرئيس الراحل محمد مرسي مع المعبر خلال سنوات الثورة وإبان العدوان على غزة عام 2012، كان نوعيا ولافتا بشكل كبير مقارنة بتعامل نظامي مبارك والسيسي خلال الاعتداءات المماثلة أعوام 2009 و2014 و2023، حيث بلغ عدد الأفراد الذين تنقلوا عبر المعبر ذهابا وإيابا خلال عدوان تشرين الثاني/ نوفمبر 2012 ما يقارب 37 ألف فرد بدون أن يحدث أي انخفاض في الأعداد مقارنة بالأشهر السابقة، مقابل عبور 5 آلاف فقط خلال عدوان كانون الثاني/ يناير 2009، و19 ألفا خلال عدوان شهري تموز/ يوليو وآب/ أغسطس 2014، و10 آلاف فقط خلال حرب الطوفان في تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

نظام السيسي وتحولات حادة في سياسة المعبر

وفق البيانات، كان النظام المصري الحالي بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، مقارنة بباقي الأنظمة السابقة، هو النظام الأكثر تعنتا وتشددا فيما يتعلق بتقييد عبور الفلسطينيين

وفق البيانات، كان النظام المصري الحالي بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، مقارنة بباقي الأنظمة السابقة، هو النظام الأكثر تعنتا وتشددا فيما يتعلق بتقييد عبور الفلسطينيين، حيث بلغ متوسط نسب الإغلاق خلال الأعوام الأربعة من 2014 إلى 2017، ما يقارب 80 في المئة من إجمالي عدد أيام السنة، مع أقل عدد على الإطلاق للأفراد العابرين، وهي الفترة التي شهدت توترا شديدا وصل إلى درجة القطيعة بين النظام المصري الحالي وحركة حماس على خلفية دعمها وتأييدها للرئيس محمد مرسي، واتهام النظام المصري للحركة بأن الهجمات التي كانت تتعرض إليها قوات الجيش المصري في سيناء على يد عناصر من تنظيم "داعش"، كانت تتم من خلال عبور لعناصر التنظيم من وإلى القطاع مع وجود دعم لوجيستي من داخله.

كلمة السر: الضغط على الاحتلال من أجل تخفيف القيود

شهد عام 2018 بداية مرحلة جديدة وتحولا واضحا في سياسة النظام المصري تجاه المعبر، حيث انخفضت نسب الإغلاقات من الجانب المصري من 90 في المئة إلى 45 في المئة، وزاد عدد العابرين 3 أضعاف مقارنة بالأعوام الأربعة السابقة. وقد تزامنت هذه الانفراجة اللافتة مع 3 سياقات مهمة، وهو تزامن لا يمكن اعتباره محض مصادفة زمنية بالضرورة، بل قد ينطوي على دلالات سببية وارتباطات أعمق بكثير وهي:

* انطلاق مسيرات العودة في آذار/ مارس 2018 على حدود القطاع للضغط على إسرائيل من أجل فك الحصار المفروض على غزة، حيث مثلت تلك الفعاليات ضغطا كبيرا على دولة الاحتلال وتسببت في إحراجها دوليا في ظل مشاهد سقوط المدنيين العزل بنيران جنودها.

* التعاون الكبير الذي أبدته حركة حماس في مواجهة تنظيم الدولة (داعش) وتأمين الحدود ومنع عبور أفراد التنظيم من وإلى قطاع غزة، وهو التعاون الذي أتى بثماره على صعيد العلاقات مع مصر خلال الأعوام التالية.

* قرار القيادة المصرية في تموز/ يوليو 2018، تعيين اللواء أحمد عبد الخالق مسؤولا للملف الفلسطيني في جهاز المخابرات العامة، حيث انتهج عبد الخالق سياسة مختلفة كلية مع حركة حماس وفصائل المقاومة، فقد كان اللواء عبد الخالق مسؤولا سابقا في نفس الملف إبان فترة حكم الرئيس مبارك، وكان ضمن فريق الوساطة في صفقة وفاء الأحرار التي أفرج فيها عن الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، ويعتبر أحد أهم الشخصيات الأمنية المصرية التي لديها قبول واسع في أوساط الفصائل الفلسطينية.

أيضا، تشير البيانات إلى أن 45 في المئة من عدد أيام فتح المعبر خلال 10 سنوات هي عمر حقبة النظام الحالي بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، تركزت خلال 3 أعوام فقط ما بين 2021 و2023، عبر خلالها 60 في المئة من إجمالي عدد العابرين من المعبر خلال السنوات الـعشر، وتحديدا بدءا من حزيران/ يونيو 2021. مرة أخرى، يمكن ملاحظة وجود علاقة ارتباط سببي واضحة بين حركة المرور عبر المعبر والوضع الأمني والعسكري في القطاع كانت كالتالي:

أتت تلك الانفراجة مباشرة عقب معركة سيف القدس التي وقعت في أيار/ مايو 2021، والتي تصنف كمنعطف في الصراع العسكري بين غزة وإسرائيل، حيث أظهرت المقاومة قدرة كبيرة على المبادرة والتأثير، وسارعت إسرائيل إلى الدفع بدول إقليمية على رأسها قطر والامارات ومصر من أجل تثبيت هدنة طويلة نسبيا، حيث انتهت المعركة بتوقيع اتفاق تهدئة مدعوم بوعود مصرية لإعادة إعمار غزة بقيمة 500 مليون دولار.