كتاب عربي 21

غزة بين نتنياهو وترامب

"توجهات نتنياهو الحقيقية الذاهبة إلى تحويل وقف الحرب إلى نصف حرب، أو نصف وقفٍ للحرب"- جيتي
في قطاع غزة، لا يُقبَل من نتنياهو أن يحوّل وقف الحرب إلى نصف حرب؛ أن يستمر بالقصف ضدّ المدنيين، وممارسة الاغتيال، مما يعطّل، ويجب أن يعطّل، اتفاق المرحلة الأولى من مشروع ترامب، الذي تحوّل إلى ما يشبه الاتفاق الدولي، وذلك خصوصا بعد أن كُرِّس في مؤتمر شرم الشيخ، الذي أراده ترامب أن يؤيَّد دوليا.

ما كان لنتنياهو أصلا ليقبل بوقف الحرب، أو أن يوقع على الاتفاق، لولا الضغط الحاسم الذي مارسه ترامب ومساعدوه عليه. ولكنه سرعان ما راح يبحث عن حجّة، حتى لو كانت تتعلق باستخراج بضعة جثث من تحت الردم، أو تتعلق بالوضع الآيل في غزة، بعد مرور أيام على وقف إطلاق النار.

هنا كان التناقض بين توجهات ترامب ما بعد الاتفاق وتثبيته، وبين توجهات نتنياهو الحقيقية الذاهبة إلى تحويل وقف الحرب إلى نصف حرب، أو نصف وقفٍ للحرب، وهو الأمر الذي إذا ما أصبح واقعا، سوف يُعطل عمليا استمرار ترامب في تنفيذ وقف الحرب، والمضيّ بتحقيق الأهداف الأخرى لمشروعه، الأمر الذي يوجب قراءة المشروع بأهدافه الظاهرة والباطنة، وخلاصتها، اندفاع ترامب لهيمنة محكمة على البلاد العربية والإسلامية، أو ما يمكن أن يُسمّى بالشرق الأوسط الجديد، بل وما بعده من دول إسلامية كذلك.

يجب أن يُضاف أن موازين القوى في غير مصلحة نتنياهو، ولا سيما في العودة للحرب، ومواجهة المعارضة العالمية من جديد، كما إرباك علاقات ترامب، عربيا وإسلاميا، في تمرير مشروعه حين يصبح مشروع نتنياهو

إن هذه "النهاية" لمشروع ترامب، إذا لم يُعطله نتنياهو، تعتبر كارثة على الأمن القومي العربي، وعلى كل من سيُدخلهم في "المشروع الإبراهيمي"، والتطبيع العربي والإسلامي المحكم مع الكيان الصهيوني. وإن في هذا، بالطبع، مصلحة عليا للكيان الصهيوني مستقبلا، ولكن أنّى لنتنياهو أن يستوعب ذلك؛ لأنه يعيش اللحظة الراهنة التي يطلب ترامب منه فيها الرضوخ لوقف الحرب، والقبول بما ستؤول إليه مفاوضات المرحلة الثانية من مشروعه. أما تفسير ذلك، فيرجع إلى عزلة نتنياهو، وشعوره بالهزيمة في اتفاق المرحلة الأولى من المشروع، والخوف من أن يؤدي وقف الحرب إلى منعه من فرض رؤيته للمرحلة القادمة في غزة، كما على مستوى المنطقة.

لجأ نتنياهو وحلفاؤه، لتخريب وقف الحرب وإملاء سياساتهم على ترامب، إلى رفع شعار "إسرائيل دولة مستقلة". وهذا الشعار يعني عدم الرضوخ لترامب، وإفشال مشروعه، وحتى إفشال ما تحقق منه؛ لأن من غير الممكن أن تتحوّل غزة إلى حالة من نصف الحرب، حيث الحرب أفضل منها.

هنا يصبح أمام ترامب، إذا لم يُرِد لمشروعه أن يفشل، ضرورة التهديد، وحتى التنفيذ، بوقف المساعدات العسكرية، الأمر الذي يفرض على نتنياهو أن ينزل على ركبتيه. ولكنه قرار لا يسهل اتخاذه على ترامب، بسبب صهيونيته، وخوفه على نتنياهو والكيان الصهيوني.

ولهذا يواجه ترامب مأزقا، بين قرار التهديد بوقف المساعدات العسكرية لإنجاح مشروعه، من جهة، وبين المخاطرة بتنفيذ هذا القرار، مما يتيح فرصة لغزة بألاّ تسمح لنتنياهو بفرض حالة نصف الحرب. ويجب أن يُضاف أن موازين القوى في غير مصلحة نتنياهو، ولا سيما في العودة للحرب، ومواجهة المعارضة العالمية من جديد، كما إرباك علاقات ترامب، عربيا وإسلاميا، في تمرير مشروعه حين يصبح مشروع نتنياهو.