كتاب عربي 21

تناقض ترامب ونتنياهو

"نتنياهو يواجه أسوأ ميزان قوى حين يختلف مع ترامب"- جيتي
ما زالت هنالك قراءتان بعد اتفاق وقف الحرب، وتبادل الأسرى، وإطلاق المساعدات، وانسحاب جزئي لقوات الاحتلال، وهو ما سمّي بالمرحلة الأولى من "مشروع ترامب للسلام في المنطقة".

القراءة الأولى، اعتبرت نتنياهو المنتصر، ولا سيما بعد خطاب ترامب في الكنيست، وما أصبغه على نتنياهو من إطراء. وقد فسّره البعض تأكيدا على انتصاره، وفسّره البعض الآخر، في قراءة ثانية، تعويضا له عما تلقاه من هزيمة، بعد اضطراره للموافقة على المرحلة الأولى من مشروع ترامب. وأما الدليل، فيكمن في نجاح المرحلة الأولى نفسها، حيث جاءت كلها على الضدّ مما أراده نتنياهو.

بعد مضيّ أكثر من أسبوعين على وقف الحرب في قطاع غزة، يتميّز الوضع السياسي الآن بتفجر تناقض بين توجهات ترامب وتوجهات نتنياهو، وذلك في إدارة الصراع للمرحلة الثانية، كما من ناحية المضيّ أو عدم المضيّ في تثبيت اتفاق المرحلة الأولى، الذي تكرسّ في مؤتمر شرم الشيخ، وما حشد لتأييده من دول أوروبية وعربية وإسلامية وآسيوية.

هذا التناقض مثّله توجّه ترامب لاستكمال مراحل مشروعه، أو البناء على ما اعتبره نجاحا. أما نتنياهو، فاتجّه ليبحث عن أيّة ذريعة لينسف اتفاق المرحلة الأولى، والعودة إلى الحرب، إن أمكن، أو التأزيم، بما يشبه العودة إلى الحرب، وذلك باستمرار الاعتداءات، وعرقلة إتمام تبادل الجثامين، وإعادة التضييق الأقصى في فتح المعابر ودخول المساعدات، بما فيها الطبية.

إن إصرار نتنياهو على هذا التوجّه أوجب على ترامب إرسال مساعديه الأربعة تباعا إلى الكيان الصهيوني، للضغط عليه، وهم نائبه جيه دي فانس، ووزير خارجيته ماركو روبيو، ومستشاره الأول ستيف ويتكوف، وصهره جاريد كوشنر.

هذا التناقض يشكل المؤشر رقم واحد في الوضع السياسي، وميزان القوى للمرحلة الراهنة، وما يليها، لأن حسم "من سيتبع من" بالنسبة إلى كل من ترامب ونتنياهو، يقرّر التطورات

وقد تبيّن أن عدم حلّ هذا التناقض ما زال قائما، وكانت علامته، بعد عودة مساعدي ترامب، إعلان نتنياهو "أن إسرائيل دولة مستقلة". وهو يعرف أنها غير مستقلة، لاعتمادها المطلق على الدعم الأمريكي العسكري، وكل أشكال الدعم الأخرى. بل لولا الدعم الأمريكي العسكري خلال السنتين الماضيتين، لنفد مخزونها من الصواريخ والقنابل، مرتين أو ثلاث في الأقل، ولولا المدد الأمريكي لما استطاع الجيش الصهيوني إلقاء أكثر من مائتي ألف طن متفجرات، في الأقل، على قطاع غزة. وهذا من ناحية بُعد واحد، دون الحديث عن أبعاد أخرى.

هذا التناقض يشكل المؤشر رقم واحد في الوضع السياسي، وميزان القوى للمرحلة الراهنة، وما يليها، لأن حسم "من سيتبع من" بالنسبة إلى كل من ترامب ونتنياهو، يقرّر التطورات.

طبعا، إن الشيء المنطقي أن يتبع نتنياهو لترامب، أو يخرج من الساحة، ولكن صهيونية ترامب، وصهيونية مساعديه، جعلته في الأغلب يتبع نتنياهو، طوال أشهر رئاسته، حتى تشرين الأول/ أكتوبر الجاري 2025. وقد دفع ترامب من سمعته كثيرا بسبب هذه التبعية. وهذا ما جعله ينتفض عليها، ويأمر نتنياهو بالخضوع. وما لم يستمر هذا الإخضاع لنتنياهو ويحسم ضدّه، سوف ينتهي مشروع ترامب إلى الفشل. وفي هذا، إن حدث، خيرٌ كثير أيضان لأن ترامب يعود مأزوما في علاقاته العربية والإسلامية، وحتى العالمية.

وبهذا يكون نتنياهو يواجه أسوأ ميزان قوى حين يختلف مع ترامب، بعد عزلته الدولية، وبعد فشله في تحقيق هدفه العسكري في غزة. نتنياهو اليوم أضعف من أيّة مرحلة سابقة.