قضايا وآراء

انتهاك السيادة وسؤال الأمة والأزمة والمرحلة: الدوحة والعواصم العربية والإسلامية.. إلى أين؟

"رسالة واضحة بأن العواصم العربية مهما كانت علاقتها بأمريكا أو بغير أمريكا لم تعد لها حصانة أمنية أو سياسية"- إكس
هناك من اختار الحياة والعمران فيها لأن اختياره يوافق طموحه المتألق وطبيعة الخير فيه، وهناك من اختار الهدم والقتل والتجويع وتجارة الموت، لأنه يوافق جنوح الشر في نفسه الخبيثة وطبيعة الوحش فيها.

- هناك من اختار العدل والكرامة والحرية لأنها دعائم الخير، والمحبة، والاستقرار، والأمان، وهناك من اختار الظلم والغدر والخديعة، واحتلال الأرض واغتصاب الحقوق، لأنها أسباب للسيطرة والابتزاز وإشباع غرور القوة وجنون العظمة والبحث في التاريخ عن دور ولو كان دور القاتل المجرم، المهم أن يذكره التاريخ ولو في صفحات الخزي والعار.

- هناك من اختار السلام ليحمي إنجازاته، وثروات بلاده، وسلامة أرضه، وشرفه، وهناك من اختار الحرب والتدمير ليداري فشله وخيبته، وليهرب بالفوضى من محاكمات مخلة بالأمانة والشرف.

- هناك من يساند الحق ويطفئ حرائق الكراهية ويساعد في وجود مناخ آمن للبشر أفرادا ودولا، وهناك أيضا من يشعل الحرائق ويثير الكراهية ويستفز البشر والشجر والحجر.

- هناك من يحترم سيادة الدول ويحرص على حقوق الشعوب، وهناك من هو مهووس بسرقة أرض الأغيار والعدوان عليهم، ويعمل ليلا ونهارا على إثارة الفتن وابتزاز الآخرين.

- هناك من يحترم أقدار الله في الخلق، ويرعى في كل مخلوق حق من خلقه، فلا يستعلي بدينه أو جنسه على الآخرين ويرى نفسه واحدا من الناس ويرى الجميع إخوة له في الإنسانية، يجب أن تحترم عقائدهم واختياراتهم، والجميع متساوون معه في الحقوق والواجبات. وهناك من ينتسب بهتانا وزورا إلى عقيدة دينية سماوية محترمة، بُعث بها نبي محترم هو نبي الله موسي عليه الصلاة والسلام، فيأتي هذا ويسيء بأوهامه وخرافاته إلى تلك العقيدة، فيرى في كل الأغيار في العالم شعوبا وزعماء عبيدا وخدما له، بل حيوانات ودواب خلقت لتخدمه ويركبها، وكلما نفق حمار أو دابة خلق الإله لهم غيره.

- هناك من يحترم شعبه ويعيش واقعه، ويقود شعبه وأهله إلي الخير والتقدم والنماء والنهضة ويسعى دوما لنفس ولشعبه وأمته والإنسانية كلها أن تعيش بعيدا عن الصراع وفي أمان ورخاء ورفاهية، وأن يسود بينها السلام والمحبة وأن تتأسس العلاقات على تبادل المصالح والخبرات والاحترام. وهناك المهووس بالعظمة، والمخدوع بالقوة، والمسكون بالسيطرة على الدنيا كلها، والمخادع الغادر الذي يصنع الأكاذيب دوما ولا يفي بعهد ولا يوفي بوعد ولا يصدق في حديث ولا يؤتمن على بشر، ويسعى دائما لإشعال الحروب وتهديد الجيران واصطناع الأزمات وادعاء كل الأباطيل، فيمارس الإبادة والتجويع والتهجير القسري ويجعل من قتل المدنيين -نساء وأطفالا- وقودا لأطماعه، فيورد قومه المهالك ويعرّضهم لسخط الدنيا وغضب الوجود والكون كله.

هل يعي ذلك المطبعون والمنتظرون دورهم في التطبيع، والمتعاونون ومن يربطون أنفسهم ومصالحهم بهذا الكيان، ومن يتمنى ويشتهي.. لكن الحياء يمنعه؟

- هناك دولة تحظى بمكانة واحترام بين الجميع، عُرف عنها النزاهة والحرص والحيادية، واختارت في رقي إنساني عظيم أن تضع كل إمكانياتها لحل الكثير من الأزمات الدولية، فبذلت وتبذل من مالها وجهدها لاستضافة وفود وإنجاح مبادرات في ظروف أزمات معقدة غابت فيها الوساطات النظيفة، وكان منها وفود من دولة الاحتلال تفاوضت من قبل حول هدنة بين أحرار من أهل فلسطين في سعي ممدوح ومحمود ومشكور لحقن الدماء ووقف الحروب وإطعام المجوعين في غزة، وإعادة الأسرى لعائلاتهم وإطلاق سراحهم، ورأت الدنيا كلها فرحة الناس في دولة الاحتلال بعودة بعض أسراهم، ومع ذلك حاولت القيادة السياسية وبخاصة "العصابة المتطرفة" في دولة الاحتلال الانتقاص من دور قطر، والضغط عليها خلال المفاوضات حتى تفشل. لكن القطريين صبروا وتحملوا على أنفسهم حتى يبقى للمجتمع الدولي شيء من المروءة والمرونة، والحرص على استقرار المنطقة ونزع أسباب الحروب والتوترات، حرصا على السلام العالمي وتجنبا لتوريط قوى كثيرة يمكن بدخولها حلبة الصراع أن تشتعل الدنيا كلها وينتقل الحريق لكل مناطق العالم.

وهناك أيضا من سيطر عليه عشق الذات وجنون العظمة وتورم الأطماع وهوس الزعامة ومرض السادية والنازية الجديدة، فشده الحنين وجذبه مسّ من إجرام العصابات القديمة في تاريخ كيانه المحتل، فأراد أن يحيي دور عصابات: الهاجانا والبلماح والأرجون وبيتار وليحي وشتيرن، ولكن بطريقة جديدة أكثر عنفا وتدميرا، وبمبررات دينية هذه المرة، فقدم نفسه كمبعوث للعناية الإلهية لتأديب ومطاردة المارقين -في خياله الديني المريض- وتعديل خرائط كل دول الشرق الأوسط، ومن ثم فهو فوق كل القوانين والمواثيق الدولية، ومن حقه أن يعلن الحرب على من يشاء فيهاجم من يشاء في أي وقت يشاء وينتهك سيادة قطر على مرأى ومسمع من العالم كله، ويرسل طيرانه الحربي ليغتال الوفد المفاوض، ثم يصرح رئيس الكنيست مهددا كل العواصم العربية وغير العربية فيقول: هذه رسالة للجميع، بينما المجرم المطارد من العدالة الدولية والهارب من المحاكمة في قضايا فساد وانحراف داخل الكيان المحتل ينصّب من نفسه رمزا للعدالة، ويعلن في صفاقة أن "قطر تؤوي إرهابيين وعليها أن تسلمهم للعدالة لنحاكمهم، أو سنفعل ذلك نحن".

الهجوم على دولة قطر الشقيقة وانتهاك سيادتها، وتلك التصريحات من أكبر مسؤولين في دولة الاحتلال (رئيس البرلمان، ورئيس الوزراء)، كانت رسالة واضحة من هذا القاتل السادي ورئيس برلمانه بأن العواصم العربية مهما كانت علاقتها بأمريكا أو بغير أمريكا لم تعد لها حصانة أمنية أو سياسية، ولن تكون سماؤها أو مجالها الجوي بمنأى عن قاذفات المحتل.

فهل يعي ذلك المطبعون والمنتظرون دورهم في التطبيع، والمتعاونون ومن يربطون أنفسهم ومصالحهم بهذا الكيان، ومن يتمنى ويشتهي.. لكن الحياء يمنعه؟

لقد اختار الشعب القطري بوعيه العالي وبصيرته المدركة، وفوّض قيادته، وقد أثبتت الدوحة برجالها في أكثر من أزمة ومعضلة أنهم أهل للاختيار والثقة بقدرتهم ومصداقيتهم وكفاءتهم وحسهم السياسي العالي في تقدير المواقف، والتصرف أمام الأزمات الكبرى والمعقدة.

والحق أن هذه القيادة والريادة مارست دورها المتألق بتواضع الكبار وحرفية المقتدر الناجح واختارت أن تكون في موكب الحق.. لا في موكب الزور، وفي ركاب العلا.. لا مربط العير.

وسؤال الأزمة والمرحلة هو: أي موكب. وأي موقع.. ستختار العواصم العربية والإسلامية يا ترى..؟