قضايا وآراء

خطة "إي ـ 1" الإسرائيلية.. بين الحرب على غزة ومصير حل الدولتين

رغم طرح "إي ـ 1" لأول مرة في التسعينيات، إلا أنها واجهت تجميدًا متكررًا بفعل ضغوط دولية، أبرزها عام 2012 حين جُمّدت بعد معارضة قوية من إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما والاتحاد الأوروبي. الأناضول
ما هي "إي ـ 1"؟

خطة "إي ـ 1" الاستيطانية عادت إلى واجهة الأحداث في أغسطس 2025، بعد سنوات من التجميد والجدل. المنطقة المستهدفة تمتد شرق القدس حتى تخوم مستوطنة معاليه أدوميم، على مساحة تقارب 12 ألف دونم، وتشمل بناء أكثر من 3,500 وحدة استيطانية، بينها 2,182 شقة في "الحي الشرقي" الذي يغطي 1,271 دونم. إضافةً إلى مساكن المستوطنين، تتضمن الخطة مرافق عامة، مدارس، وشبكات طرق. هذه المعطيات الرقمية تكشف أن الهدف يتجاوز بناء مساكن، إذ يراد بها إحداث تغيير جغرافي استراتيجي في قلب الضفة الغربية.

إن تزامن الإعلان عن "إي ـ 1" مع الحرب على غزة يوضح أن ما يجري ليس مسارين منفصلين، بل استراتيجية واحدة: استخدام القوة العسكرية لتصفية المقاومة في القطاع، والخرائط لتفكيك الضفة. هكذا تتحول القضية الفلسطينية إلى معركة مزدوجة، حيث تُستنزف غزة بالنار ويُبتلع ما تبقى من الضفة عبر الاستيطان.
تنفيذ "إي ـ 1" يعني عمليًا شطر الضفة الغربية إلى شمال وجنوب، وفصل القدس الشرقية عن محيطها الفلسطيني الطبيعي. الاتحاد الأوروبي أوضح في بيانه أن "إقامة مستوطنات في (إي ـ 1) ستقطع التواصل الجغرافي بين القدس الشرقية وبقية الضفة، مما يجعل حل الدولتين غير قابل للتحقيق". هذا ما حذّر منه أيضًا الممثل الأعلى السابق للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية جوزيب بوريل، الذي أكد أن الخطة "تقوض إمكانية وجود دولة فلسطينية متواصلة وقابلة للحياة".

توقيت متزامن مع حرب غزة

أعلنت الحكومة الإسرائيلية المضي في الخطة بين 20 و22 أغسطس 2025، بينما كانت توسع عملياتها العسكرية في قطاع غزة وتستعد لهجوم كبير على مدينة غزة. هذا التزامن لم يكن بريئًا؛ فقد صرّح وزير المالية الإسرائيلي وزعيم حزب الصهيونية الدينية تسلئيل سموتريتش أن خطة "إي ـ 1" تهدف إلى "دفن فكرة الدولة الفلسطينية ودفن حل الدولتين تحت دخان القصف في غزة". وبذلك بدا واضحًا أن إسرائيل تستغل انشغال العالم بالحرب الدامية في القطاع لفرض واقع جديد في الضفة الغربية، عبر هندسة جغرافية تجعل أي حديث عن تسوية سياسية أقرب إلى الوهم.

أثارت خطة "إي ـ 1" موجة إدانات غربية متتالية، عبّرت عن قلق عميق من تداعياتها. فقد صرّح جوزيب بوريل، الممثل الأعلى السابق للاتحاد الأوروبي، بأن المشروع يشكّل "انتهاكًا متعمدًا للقانون الدولي ويقضي نهائيًا على إمكانية قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة". وفي لندن، شدّد وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي على أن الاستيطان في هذه المنطقة "سيقطع أي إمكانية لتواصل الأراضي الفلسطينية، وهو ما يعيدنا إلى نقطة انسداد سياسي كامل".

أما الأمم المتحدة، وعلى لسان المتحدث باسم أمينها العام ستيفان دوجاريك، فقد عبّرت عن "قلق بالغ" من الخطة التي عُدت "مقوضة لجهود السلام الأممية ومهددة للاستقرار الإقليمي". من جانبها، حذّر وزير خارجية هولندا ستيفان دي يونغ من أن "إي ـ 1" تمثل بداية ضم فعلي للضفة الغربية بحكم الأمر الواقع. وتضافرت هذه الأصوات مع بيانات مشتركة صادرة عن وزراء خارجية كندا وأستراليا والاتحاد الأوروبي لتؤكد أن إسرائيل، بخطوتها هذه، لا تضعف فقط فرص التسوية، بل تعمّق أيضًا عزلتها الدولية.

جذور الخطة بين التجميد والإحياء

رغم طرح "إي ـ 1" لأول مرة في التسعينيات، إلا أنها واجهت تجميدًا متكررًا بفعل ضغوط دولية، أبرزها عام 2012 حين جُمّدت بعد معارضة قوية من إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما والاتحاد الأوروبي. ثم أعيد طرحها في 2020 خلال حكومة بنيامين نتنياهو، لكنها توقفت مجددًا. غير أن حكومة 2025 بدت أكثر إصرارًا، إذ دفعت بالمشروع بقوة ضمن سياسة واضحة لتوسيع ما يسمى "القدس الكبرى" وقطع الطريق أمام أي تسوية سياسية قائمة على حل الدولتين.

خطة "إي ـ 1" لا يمكن النظر إليها بمعزل عن مشاريع استيطانية أخرى. فإلى جانبها، طرحت إسرائيل خطة "إي ـ 2" جنوب شرق بيت لحم، التي تهدف إلى توسيع مستوطنة "تكواع" وربطها بالقدس، وهو ما يعمّق الطوق الاستيطاني حول المدينة. كما يجري العمل على تعزيز الكتل الاستيطانية الكبرى مثل "غوش عتصيون" جنوب بيت لحم و"أريئيل" في شمال الضفة. هذه المشاريع مجتمعة تخلق ما يسميه خبراء التخطيط "حزام العزل"، أي شبكة من المستوطنات والطرق الالتفافية التي تفكك الضفة الغربية إلى كانتونات معزولة. وبذلك تُحوّل الدولة الفلسطينية المستقبلية إلى جزر متناثرة دون تواصل جغرافي أو سيادة فعلية.

لا يمكن فهم خطورة خطة "إي ـ 1" بمعزل عن الإطار القانوني الدولي الذي يحكم قضية الاستيطان. فقد أكد مجلس الأمن الدولي في قراره رقم 2334 (ديسمبر/كانون الأول 2016) أن "المستوطنات الإسرائيلية في الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، بما فيها القدس الشرقية، ليس لها أي شرعية قانونية وتشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي". القرار أُقرّ بأغلبية 14 صوتًا وامتناع الولايات المتحدة عن التصويت، في خطوة غير مسبوقة. وفي تفسيره، أوضح وزير الخارجية الأمريكي آنذاك جون كيري أن الاستيطان "يهدد مباشرة آفاق السلام ويجعل من المستحيل إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة".

خطة "إي ـ 1" ليست مجرد توسع استيطاني، بل إعلان واضح عن دفن حلّ الدولتين تحت دخان القصف في غزة. هذه اللحظة تمثل اختبارًا مصيريًا للحكام العرب والمسلمين: إمّا أن يواجهوا التاريخ بشجاعة، فيحوّلوا بيانات الشجب والإدانة إلى سياسات عملية، عقوبات دبلوماسية، ضغوط اقتصادية، تحركات قانونية أمام المحاكم الدولية، وحشد للرأي العام العالمي، وإمّا أن يتركوا الأجيال القادمة شاهدة على عجز سطّر ضياع القدس والضفة في خرائط القوة.
إلى جانب ذلك، تنص اتفاقية جنيف الرابعة (1949) على أن قوة الاحتلال "لا يجوز لها نقل سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها"، وهو نص ينطبق بشكل مباشر على مشاريع استيطانية مثل "إي-1". ووفق خبراء قانونيين، فإن تنفيذ الخطة سيُعدّ شكلًا من أشكال "الضم غير المشروع"، ما قد يعرّض إسرائيل لمزيد من العزلة الدولية وربما لمساءلات أمام محكمة الجنايات الدولية.

قوبلت خطة "إي ـ 1" أيضًا برفض واسع من الدول العربية والإسلامية. فقد حذر الأردن، عبر وزير خارجيتها أيمن الصفدي، من أن المشروع "يقتل آمال السلام" ويهدد الوضع القانوني والتاريخي للقدس. أما جامعة الدول العربية، فقد اعتبرت على لسان أمينها العام أحمد أبو الغيط أن الخطة "تجعل من الحديث عن دولة فلسطينية أمرًا عبثيًا"، مؤكدة أنها "تتحدى قرارات مجلس الأمن مباشرة". في السياق ذاته، وصفت منظمة التعاون الإسلامي الخطة بأنها "تصعيد خطير" ودعت المجتمع الدولي إلى التدخل لوقفها، فيما اعتبرت دول مثل الجزائر وقطر وتركيا أن المضي في المشروع قد يقود إلى "موجة توتر إقليمي لا يمكن السيطرة عليها".

إن تزامن الإعلان عن "إي ـ 1" مع الحرب على غزة يوضح أن ما يجري ليس مسارين منفصلين، بل استراتيجية واحدة: استخدام القوة العسكرية لتصفية المقاومة في القطاع، والخرائط لتفكيك الضفة. هكذا تتحول القضية الفلسطينية إلى معركة مزدوجة، حيث تُستنزف غزة بالنار ويُبتلع ما تبقى من الضفة عبر الاستيطان.

مسؤولية لا مهرب منها

خطة "إي ـ 1" ليست مجرد توسع استيطاني، بل إعلان واضح عن دفن حلّ الدولتين تحت دخان القصف في غزة. هذه اللحظة تمثل اختبارًا مصيريًا للحكام العرب والمسلمين: إمّا أن يواجهوا التاريخ بشجاعة، فيحوّلوا بيانات الشجب والإدانة إلى سياسات عملية، عقوبات دبلوماسية، ضغوط اقتصادية، تحركات قانونية أمام المحاكم الدولية، وحشد للرأي العام العالمي، وإمّا أن يتركوا الأجيال القادمة شاهدة على عجز سطّر ضياع القدس والضفة في خرائط القوة.

المعادلة لم تعد تحتمل الرمادية؛ فالتاريخ لا يسجّل الخطب والبيانات، بل يقيس الأفعال والنتائج. من يختبئ اليوم وراء الصمت أو المراوغة سيُسجَّل غدًا شريكًا في الجريمة، بينما من يختار المواجهة الفعلية سيحفظ مكانه كصانع قرار يحمي الكرامة والحقوق. إنها لحظة الحقيقة: إمّا أن تكون السياسات في مستوى التحدي، أو أن تُكتب شهادة عار جماعية لا يمحوها الزمن.