في واحدة
من أكثر الصفقات إثارة للجدل في تاريخ
الطاقة بالمنطقة، تبرز
صفقة الغاز بين
النظام
المصري والاحتلال
الإسرائيلي كعنوان صارخ لاختلال ميزان المصالح، وكنموذج
فجّ لكيفية تحوّل القرار السيادي إلى ورقة تفاوض تُدار خارج إرادة الشعوب، وبعيدا
عن مفاهيم الأمن القومي الحقيقي.
من
الرابح؟
لا يحتاج
الأمر إلى كثير عناء للإجابة؛ الرابح الأول والأخير هو الاحتلال الإسرائيلي، الذي
ضمن عبر هذه الصفقة ما يقارب 35 مليار دولار تصب مباشرة في خزينته، في توقيت بالغ
الحساسية، يعاني فيه من خسائر اقتصادية وعسكرية فادحة بسبب حربه على غزة.
الغاز
الذي يتم تصديره لمصر ليس سوى غاز مسروق في الأصل من حقول فلسطينية في شرق
المتوسط، جرى الاستيلاء عليه بالقوة، ثم إعادة بيعه لدول المنطقة وكأنه منتج "شرعي"،
في واحدة من أكثر صور نهب الموارد وضوحا في العصر الحديث.
الخاسر:
مصر وأمنها القومي
يتضح المشهد بلا رتوش: الاحتلال يربح المال، ويعوّض خسائره، ويُحكم قبضته على الإقليم، ومصر تخسر قرارها، وأمنها القومي، وحقها في مواردها ومستقبلها. وما لم تُراجع هذه السياسات جذريا، فإن الثمن الحقيقي لن تدفعه السلطة، بل سيدفعه الشعب
في
المقابل، تقف مصر في موقع الخاسر استراتيجيا، مهما حاول إعلام النظام تلميع الصفقة.
فالخطر الحقيقي لا يكمن فقط في الأرقام، بل في تحويل مصير الطاقة المصري إلى ورقة
بيد الاحتلال الإسرائيلي.
عندما
تصبح دولة ما معتمدة في احتياجاتها الحيوية من الطاقة على كيان معادٍ تاريخيا،
فإنها تكون قد وضعت عنقها طوعا تحت سكين الابتزاز السياسي والأمني. هذه الصفقة لا
تضمن لمصر أمنا طاقويا مستداما، بل تُقيد قرارها الوطني، وتجعل أي خلاف سياسي أو
إقليمي محتمل تهديدا مباشرا للكهرباء والصناعة والاقتصاد.
سيناء..
الثمن المسكوت عنه
الأخطر من
ذلك، هو ما تكشفه المعطيات غير المعلنة حول ارتباط الصفقة بشروط أمنية، على رأسها
تخفيض أعداد القوات والآليات المصرية في سيناء.
وهنا
تتحول الصفقة من اتفاق اقتصادي إلى مساس مباشر بالسيادة العسكرية، وتفريغ تدريجي
لحق مصر في الانتشار الكامل لقواتها على أراضيها، تحت ذرائع "التنسيق" و"الالتزامات
الدولية"، بينما الحقيقة أنها قيود تُفرض لصالح أمن الاحتلال لا أمن مصر.
إعلام
التبرير.. دليل الإدانة
المفارقة
اللافتة أن حجم التبرير الإعلامي الهستيري الذي رافق الصفقة يكشف أكثر مما يخفي. إعلام
النظام، بدلا من تقديم أرقام شفافة وفوائد ملموسة تعود على المواطن المصري، انشغل
بتخوين المنتقدين، وترديد شعارات فضفاضة عن "مركز إقليمي للطاقة"، دون
الإجابة عن سؤال جوهري: كيف تكون مصر مركزا للطاقة وهي تشتري غازها من عدوها؟
إن هذا
الإصرار على التبرير، مع غياب أي رقابة برلمانية حقيقية أو نقاش مجتمعي، لا يؤكد
إلا أمرا واحدا: أن النظام نفسه يدرك أن الصفقة مشبوهة، وأن ميزانها يميل بالكامل
لصالح الاحتلال الإسرائيلي.
صفقة ضد
التاريخ والجغرافيا
ليست هذه
الصفقة مجرد خطأ اقتصادي، بل خطيئة سياسية واستراتيجية. فهي تعيد إنتاج التبعية،
وتضرب فكرة الاستقلال الوطني في الصميم، وتضع مصر بثقلها وتاريخها في موقع
المستهلك الضعيف، لا المنتج القادر.
في
النهاية، وبين الرابح والخاسر، يتضح المشهد بلا رتوش: الاحتلال يربح المال، ويعوّض
خسائره، ويُحكم قبضته على الإقليم، ومصر تخسر قرارها، وأمنها القومي، وحقها في
مواردها ومستقبلها. وما لم تُراجع هذه السياسات جذريا، فإن الثمن الحقيقي لن تدفعه
السلطة، بل سيدفعه الشعب.. اليوم وغدا.