قضايا وآراء

300 سيدة في معتقلات السيسي تجعلنا جميعا نحمل العار

محمد حمدي
"أن تُعتقل 300 امرأة بسبب الرأي، ولم يرتكبن أي جريمة أخلاقية أو جنائية؛ فهذا يجعل من الضروري علينا نحن كشعب أن نراجع أنفسنا"- جيتي
"أن تُعتقل 300 امرأة بسبب الرأي، ولم يرتكبن أي جريمة أخلاقية أو جنائية؛ فهذا يجعل من الضروري علينا نحن كشعب أن نراجع أنفسنا"- جيتي
في مشهد يختصر طبيعة النظام المصري الحالي، تقبع ما يقرب من 300 سيدة خلف القضبان، لا لخطأ ارتكبنه، ولا لجريمة واضحة، بل فقط لأنهن امتلكن رأيا سياسيا مختلفا، أو لأن القدر وضعهن في علاقة قربى مع معارض يرفض السلطة القائمة.

وجود هذا العدد من النساء في السجون السياسية ليس رقما عابرا، بل إدانة صريحة لنظام جعل من المرأة هدفا مباشرا لصناعة الخوف وإدارة الانتقام.

السلطة التي تتغنى بتمكين المرأة هي نفسها التي زجّت بالأمهات والطالبات والناشطات وربّات البيوت في الزنازين. بعضهن اعتُقلن فقط لأن زوجا أو أخا أو ابنا كتب منشورا، أو شارك في مظاهرة، أو ظهر على قناة معارضة.

بهذه الممارسات تحوّل الاعتقال من عقوبة فردية إلى عقوبة عائلية، وتحوّلت الأسرة بأكملها إلى رهينة بيد السلطة. ليس هذا فقط قمعا سياسيا، بل انهيار فاضح لقيم الدولة والقانون والأخلاق.

تحوّل الاعتقال من عقوبة فردية إلى عقوبة عائلية، وتحوّلت الأسرة بأكملها إلى رهينة بيد السلطة. ليس هذا فقط قمعا سياسيا، بل انهيار فاضح لقيم الدولة والقانون والأخلاق

في مصر اليوم، يمكن اعتقال امرأة لأنها رفعت لافتة، أو صورت طابورا للخبز، أو تحدثت عن معاناة قريتها، أو حتى لمجرد أنها تنتمي إلى بيت "غير مرغوب فيه" أو حتى انتقاما من زوجها أو شقيقها أو والدها المعارض للنظام؛ مثلما حدث مع علا القرضاوي وعائشة الشاطر وحسيبة محسوب وغيرهن.

فهذا النظام ليس لديه أي خطوط حمراء ولا يتمتع ولو بالقليل من النخوة، وإلا ما وجدنا مثل هذه النماذج، ولا وجدنا فتاة أو سيدة واحدة معتقلة سياسيا.

ولعل البعض لا يعلم أن هناك حاليا متهمات كل جريمتهن إنشاء "جروب" مطبخ لصنع طعام للمعتقلين تخفيفا على أهالي المعتقلين.

ولم يكتفِ النظام بهذا، بل لا تتوقف الانتهاكات عند لحظة الاعتقال، بل تمتد داخل السجون إلى منع الزيارات لشهور وسنوات، والحرمان من العلاج حتى في حالات الخطر، والحبس الانفرادي لفترات طويلة، وقضايا ملفقة بتهم معلبة، وضغوط وتهديدات للأهل والأبناء..

هذه الانتهاكات ليست "تجاوزات فردية"، بل سياسة دولة كاملة ترى في جسد المرأة ووجودها وسيلة للترهيب والانتقام السياسي.

الصمت المخزي لمنظمات المرأة.. شراكة كاملة في الجريمة

المشهد الأكثر خزيا ليس فقط وجود 300 سيدة خلف القضبان، بل صمت منظمات المرأة المصرية التي تملأ الشاشات حديثا عن "التمكين" و"الدعم" و"العنف ضد المرأة".

هذه المنظمات التي تتحرك بسرعة إذا اختلف فنان مع فنانة، أو ظهر إعلان مسيء؛ هي نفسها التي تخرس تماما عندما تُسجن أمّ أو طالبة أو معلمة بسبب رأي سياسي. إنه صمت ليس حيادا.. بل تواطؤا مع القمع.

المنظمات الدولية.. معيار مزدوج يفضحهم

أما منظمات حقوق المرأة العالمية التي تنفق ملايين الدولارات على مؤتمرات "تمكين النساء في الشرق الأوسط" فقد أثبتت أن مبادئها تتبدل حسب هوية الجاني.

فعندما يكون القمع صادرا عن نظام مدعوم دوليا، تصبح الإدانة "معقدة"، والسؤال "سياسيا"، والبيان "قيد المراجعة".

هذه المنظمات التي تقيم الدنيا من أجل قرار إداري ضد امرأة في دولة غربية، هي نفسها التي تتجاهل عمدا نساء يُحاكمن في محاكم أمن دولة، نساء يُخفَين قسريا ويقعن تحت التعذيب والذي يصل في بعض الأحيان إلى التحرش والانتهاك الجسدي، نساء يُحتجزن فقط لأن أحد أقاربهن معارض.. إنه نفاق عالمي مكتمل الأركان، يساوي بين حقوق المرأة والمصالح الجيوسياسية.

ورغم هذا القمع، لم تنكسر المرأة المصرية. لا تزال رسائل صمودهن تتسلل عبر الجدران، شاهدة على حقبة سوداء ومحاولة دولة إسكات المجتمع بالخوف.

من الضروري أن تكون تلك القضية هي الأولوية اليومية للجميع حتى يتم الإفراج عنهن جميعا ولا تبقى معتقلة واحدة في سجون هذا النظام

لكن الصمود وحده لا يكفي.. على كل صوت حر، وكل منصة إعلامية، وكل حركة سياسية، أن تجعل قضية هؤلاء النساء ملفا غير قابل للتجاهل، مهما صمت المتواطئون محليا ودوليا.

علينا أن نشعر بالعار

أن تُعتقل 300 امرأة بسبب الرأي، ولم يرتكبن أي جريمة أخلاقية أو جنائية؛ فهذا يجعل من الضروري علينا نحن كشعب أن نراجع أنفسنا.

في الماضي القريب كنا نتباهى بأننا ننتمي إلى تلك العروبة التي تجعل من النخوة والكرامة مكونا أصيلا لهذا الشعب، ولكن من أُسس هذا المكون أن النساء أعراض وجميعهن خط أحمر.

ولا بد أن نسأل أنفسنا كيف سمحنا أن تعتقل تلك النساء وأن يظللن كل هذه السنوات في هذا المستنقع القمعي والإجرامي؟ حالة واحدة كانت تكفي أن يهتز وينتفض من أجلها الشعب، ولكن الصمت جعلها تتكرر وستتكرر، ولن يقف الأمر عند حد سجينات الرأي، فقد يطال الجميع في كافة جوانب الحياة.

فالنظام واحد والقمع واحد، ولكنه نجح أن يجعل كلا منا لا يفكر إلا في نفسه وأسرته فقط، ظنا أنه بذلك ينجو من بطش السلطة؛ والحقيقة أن السلطة التي تجرأت على الأعراض لن يقف أمامها شيء.

أخيرا.. من الضروري أن تكون تلك القضية هي الأولوية اليومية للجميع حتى يتم الإفراج عنهن جميعا ولا تبقى معتقلة واحدة في سجون هذا النظام.
التعليقات (0)