في مشهدٍ يبعث
على الأسى أكثر مما يثير الدهشة، تحوّل مولد السيد البدوي في طنطا إلى عرضٍ فجّ من
الممارسات والطقوس الغريبة التي لا تمت إلى الإسلام بصلة؛ مشاهد من التبرك بالقبور،
والرقص، والتمايل، والنداءات التي تتجاوز حدود التوحيد، كلّها تتم تحت رعاية رسمية
وبمباركة واضحة من رموز السلطة
الدينية التابعة للنظام، وعلى رأسهم علي جمعة وأسامة
الأزهري، اللذان يتصدران المشهد لتبرير هذه الممارسات وإضفاء طابع "الشرعية"
عليها.
لكن الحقيقة
الصارخة أن هذه الطقوس لم يأتِ بها الإسلام مطلقا، ولم تُستند إلى آية من القرآن أو
حديث من السنة، بل جاءت من خليطٍ من الخرافة والموروث الشعبي الذي تسلّل إلى الوعي
العام في غياب العلم والعقل والدين الصحيح.
منذ أن جاء
عبد الفتاح
السيسي إلى الحكم بعد انقلاب 2013، وهو يشن حملة منظمة لهدم الثوابت الدينية
تحت شعار خادع اسمه "تجديد الخطاب الديني"؛ شعارٌ براّق يخفي خلفه مشروعا
متكاملا لتفريغ الإسلام من مضمونه الحقيقي،
إن ما جرى في مولد السيد البدوي ليس سوى نتيجة مباشرة لهذا المشروع السلطوي الخطير الذي يسعى لتشويه الإسلام باسم "الإصلاح"، وإحلال الطقوس الميتة محل الإيمان الحي، وتبديل الوعي الديني بالاستعراض الشعبي، وتغذية الجهل بدلا من العلم
وتحويله إلى إسلامٍ رسمي مطيع للسلطة، يُستخدم
لتبرير القمع، وتغييب الوعي، وتجميل القبح السياسي والاجتماعي.
لقد فتح السيسي
الأبواب على مصراعيها لأمثال سعد الدين الهلالي وعلي جمعة وأسامة الأزهري، ليحتلوا
المنابر والإعلام، يقدّمون فتاوى مُعلّبة حسب مقاس السلطة، ويدعموا الانحرافات العقدية
تحت مسمى "التسامح" و"
الصوفية المعتدلة"، بينما تم إقصاء العلماء
الحقيقيين، وإغلاق البرامج الإسلامية التي كانت تعلّم الناس دينهم الصحيح.
تحت مسمى "محاربة
التطرف"، جرى تجريف الدين من مضمونه، وتم إقصاء القرآن والسنة من توجيه الوعي
الجمعي. وفي المقابل، أُطلقت يد الأجهزة الأمنية لتختار من يتحدث باسم الدين، ومن يُمنع،
ومن يُسجن، ومن يُلمّع في الإعلام.
إن ما جرى
في مولد السيد البدوي ليس سوى نتيجة مباشرة لهذا المشروع السلطوي الخطير الذي يسعى
لتشويه الإسلام باسم "الإصلاح"، وإحلال الطقوس الميتة محل الإيمان الحي،
وتبديل الوعي الديني بالاستعراض الشعبي، وتغذية الجهل بدلا من العلم.
لقد تم تجهيل
شريحة واسعة من الشعب
المصري، واستغلال بساطتهم الدينية وارتباطهم العاطفي بالتراث،
لتثبيت دعائم سلطةٍ تخشى وعي الناس، وتخاف أن يعود الدين إلى مكانه الطبيعي كقوة تحرر
وعدل ومحاسبة.
الحق يُقال:
ما يحدث اليوم ليس دينا، بل دين السلطة، بلا علم.. دينٌ يُصفّق فيه "العلماء الرسميون"
أمام كاميرات التلفاز، بينما يدفن فيه وعي الأمة في أضرحة الأولياء.