قضايا وآراء

عربة السلطة الفلسطينية بدون عجلات وطنية تمضي بها إلى القاهرة

حازم عيّاد
"أزمة الشرعية بلغت ذروتها باتخاذ خطوات استباقية اتخذها الرئيس محمود عباس"- جيتي
"أزمة الشرعية بلغت ذروتها باتخاذ خطوات استباقية اتخذها الرئيس محمود عباس"- جيتي
بعثت مصر برسائل واضحة إلى السلطة الفلسطينية، مفادها أن "القطار الذي انطلق من القاهرة سيسير على السكة التي شُيّدت له، سواء وافقت فتح أم لم توافق". الرسالة جاءت بعد حملة إعلامية أطلقتها سلطة رام الله، أنكرت فيها موافقتها على تشكيل لجنة تكنوقراط فلسطينية محلية يترأسها الناشط والحقوقي الفلسطيني أمجد الشوا.

التقلب والتذبذب السريع في مواقف وسلوك السلطة في رام الله عكس أزمة شرعية وثقة لدى نخبها المتحكمة بمراكز القرار محليا وإقليميا ودوليا، حاولت الاستعاضة عنها بلعب دور الثلث المعطل بعد تمنّع نائب الرئيس، حسين الشيخ، ومدير المخابرات في السلطة ماجد فرج، عن لقاء قيادات حركة حماس والفصائل الفلسطينية والتيارات السياسية في القاهرة، وبعد تنكرها لكل ما تم التوافق عليه في القاهرة فيما بعد بإشراف مصري، وهي أزمة عمّقها نجاح المقاومة الفلسطينية بقيادة حركة حماس في التعامل ميدانيا مع التحديات المحلية وإقليميا ودوليا وتوقيع اتفاق لوقف الحرب والعدوان على قطاع غزة.

تنشغل السلطة في رام الله بإعاقة إصلاح المنظومة السياسية الفلسطينية لمواكبة التطورات الدولية والإقليمية، وإعاقة عملها في التعامل مع التحديات المركزية والمصيرية المحلية

أزمة الشرعية بلغت ذروتها باتخاذ خطوات استباقية اتخذها الرئيس محمود عباس؛ بإعلان دستوري ينقل صلاحياته في حال شغور منصبه إلى حسين الشيخ، نائبه في رئاسية السلطة ومنظمة التحرير الفلسطينية، بديلا عن رئيس المجلس الوطني روحي فتوح، أو رئيس المجلس التشريعي عزيز دويك المعتقل لدى الاحتلال الإسرائيلي. وهي خطوة جاءت بعد يوم واحد من إعلان الرئيس الأمريكي إمكانية مناقشة إطلاق سراح القيادي في حركة فتح مروان البرغوثي من سجون الاحتلال، وهو توجه أمريكي فتح الباب أمام استقطابات داخلية في منظمة التحرير والسلطة وحركة فتح ذاتها، وتجديد الحركة الوطنية الفلسطينية بتحدي نفوذ النخب القائمة التي اكتسبت شرعيتها وفاعليتها من مشروع التنسيق الأمني وتفاصيله اليومية.

تذبذب مواقف السلطة وتحركاتها سلوك مكلف ويدفع ثمنه الشعب الفلسطيني، سواء في قطاع غزة، أو في الضفة الغربية التي تعاني من هجمات المستوطنين وإجراءات جيش الاحتلال وحكومة نتنياهو التي تضيف كل يوم مساحة جديدة إلى مناطق الضم والاستيطان، في حين تنشغل السلطة في رام الله بإعاقة إصلاح المنظومة السياسية الفلسطينية لمواكبة التطورات الدولية والإقليمية، وإعاقة عملها في التعامل مع التحديات المركزية والمصيرية المحلية.

قطار القاهرة لم يعد يحتمل تأخير الانطلاق على السكة بعد أن فقدت قاطرة السلطة عجلاتها الوطنية، فالقاهرة تُعد لمؤتمر الإعمار تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، وتسعى لتثبيت وقف إطلاق النار الذي يعمد الاحتلال لانتهاكه ومحاولة تفجيره بتأخير الانطلاق إلى المحطة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار.

النخبة في رام الله تكافح لتعطيل مسار الإصلاح ووضع العوائق أمام المرحلة الثانية، على أمل أن يتمكن الاحتلال من إعادة رسم المشهد السياسي والأمني الذي تشكل عقب اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وهو طموح غير مشروع، وتخادمٌ مؤذ للشعب الفلسطيني

مصالح السلطة في ضوء موقفها تبدو متقاطعة مع مصالح الاحتلال على نحو خطير تولد عنه تخادم أزعج القاهرة، وعبّر عنه مجددا منع سلطات الاحتلال كلا من نائب رئيس حركة فتح محمود العالول، وعضو اللجنتين التنفيذية والمركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية عزام الأحمد، ورئيس المجلس الوطني الفلسطيني روحي فتوح؛ من زيارة القاهرة للقاء الأسرى المحررين، ولمواصلة المشاورات مع الجانب المصري والفصائل الفلسطينية حول المرحلة الثانية لتفعيل لجنة التكنوقراط الفلسطينية في قطاع غزة.

التخادم يُكسب الاحتلال والنخبة التي اكتسبت مشروعيتها من التنسيق الأمني بعض الوقت، ولكنه لن يوقف قطار القاهرة عن المضي على سكته نحو محطة الإعمار لتشغيل لجنة التكنوقراط في قطاع غزة، وهي محطة يُتوقع أن تفتح الباب لأخرى ثالثة تشق طريقها إلى انتخابات رئاسية وتشريعية لا يريدها الاحتلال والسلطة في رام الله، وتخشاها قوى إقليمية تعول على الإقصاء والتهميش لفرض أجندتها الأمنية والتطبيعية مع الاحتلال.

ختاما.. النخبة في رام الله تكافح لتعطيل مسار الإصلاح ووضع العوائق أمام المرحلة الثانية، على أمل أن يتمكن الاحتلال من إعادة رسم المشهد السياسي والأمني الذي تشكل عقب اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وهو طموح غير مشروع، وتخادمٌ مؤذ للشعب الفلسطيني فضلا عن كونه مؤذيا لجمهورية مصر والوسطاء وللسلطة والنخبة في رام الله ذاتها، إذ يعمق أزمتها مبددا ما تبقّى لها من شرعية ومصداقية إقليمية لدى الشركاء في المنطقة وعلى رأسهم مصر، ودولية لدى الرعاة في أوروبا وأمريكا وأفريقيا وآسيا.

x.com/hma36
التعليقات (0)