قضايا وآراء

قمة شرم الشيخ وآباء العجز العربي والفلسطيني

نزار السهلي
"قمة شرم الشيخ، مؤشر مضاف على مؤشرات خذلان الفلسطينيين وقضيتهم عموما"- جيتي
"قمة شرم الشيخ، مؤشر مضاف على مؤشرات خذلان الفلسطينيين وقضيتهم عموما"- جيتي
السلطة الفلسطينية كانت حاضرة في قمة شرم الشيخ، للتوقيع على وقف إطلاق النار في غزة ونهاية العدوان، بعد محاولة أمريكية لإقصائها عن القمة، فقد تمت دعوة الرئيس أبي مازن أخيرا بحسب بعض المصادر الإعلامية، للمشاركة في القمة، بعد ممارسة ضغوط فلسطينية مكثفة على جميع الأطراف العربية المعنية، بهدف ضمان حضور القيادة الفلسطينية في القمة والمساهمة في مناقشة القضايا الإقليمية المتعلقة بالأوضاع في غزة.

غاب نتنياهو عن قمة شرم الشيخ، لكن ناب عنه الرئيس ترامب، كممثل لمصالح الحكومة الإسرائيلية، وهو أفضل مدافع عن هذه المصالح ودعمها بكل الوسائل المادية والعسكرية والدبلوماسية، فبتجاهله ذكر الشعب الفلسطيني ومعاناته من الاحتلال، وبعدم التطرق لحل القضية الفلسطينية ولحل الدولتين، فإن كلام ترامب وكل الإدارة الأمريكية ينحصر بنقطة التركيز على استعادة الرهائن الإسرائيليين في غزة، وتبنّي السردية الصهيونية، وعلى الفخر بالإنجاز الذي حققه لإسرائيل، لكن يبقى السؤال: ما هي الخطة العربية والدولية التي تقابل الموقف الأمريكي لناحية الحقوق الفلسطينية؟ لا نظن أن الرئيس ترامب يسمع من زعماء وقادة عرب شيئا يتعلق بـ11 ألف أسير فلسطيني يقبعون في معتقلات الاحتلال، ولا يسمع شيئا قويا يتعلق بالمستعمرات الإسرائيلية وعمليات التطهير العرقي والفصل العنصري في الضفة الغربية والقدس، وإن سمعَ فقد تلاشى في عامي الإبادة.

هناك من يؤمن بحل الدولتين، من الجانب الفلسطيني والعربي الرسمي، مع ادعاءات غربية منافقة، دون إدراك ما وصل عليه واقع حال الدولة المنتظرة بعد ثلاثين عاما من أوسلو، وبسبب دبلوماسية عربية فارغة أمام العدوان والاستيطان، وأمام مواقف أمريكية تنحدر نحو دونية مخزية وبخضوع كلي قضى على هذا الوهم

بمعنى آخر، هناك من يؤمن بحل الدولتين، من الجانب الفلسطيني والعربي الرسمي، مع ادعاءات غربية منافقة، دون إدراك ما وصل عليه واقع حال الدولة المنتظرة بعد ثلاثين عاما من أوسلو، وبسبب دبلوماسية عربية فارغة أمام العدوان والاستيطان، وأمام مواقف أمريكية تنحدر نحو دونية مخزية وبخضوع كلي قضى على هذا الوهم.

قمة شرم الشيخ، مؤشر مضاف على مؤشرات خذلان الفلسطينيين وقضيتهم عموما، ومع فشلهم في إنقاذ غزة من الإبادة، ودون معاقبة المجرم، فإن القمة وبجهد أمريكي تسعى لهندسة حصار قطاع غزة مجددا، والتحكم بكل تفاصيل الحياة. وللدخول في متاهة هذه التفاصيل شكلت أمريكا "لجنة السلام" برئاسة ترامب، وعضوية كوشنير وويتكوف وتوني بلير كمشرفين على إدارة هذه المتاهة لخدمة سياسات الاحتلال، والأهم السعي لترميم صورة إسرائيل من جرائم الإبادة الجماعية، وتأمين إفلاتها من العقاب، وضمان سيطرتها على الأرض الفلسطينية بما يحول دون قيام دولة فلسطينية على حدود 4 حزيران/ يونيو 67.

التفاصيل بعد وقف العدوان على غزة، هائلة في حجم أرقام الضحايا والخسائر، فحاجات ومتطلبات أكثر من مليوني فلسطيني في غزة، أيضا هائلة ولا تنحصر في البعد الإنساني والإغاثي فقط، فالجوهر سياسي لا أمني فقط، كما تريده الولايات المتحدة وإسرائيل، ومرتبط بالقضية الفلسطينية وحقوق شعبها، ومرتبط بغير ما يحمله المتناوبون على ترديد شعار "السلام" في المنطقة وحل الدولتين، فالسياسة الإسرائيلية في الضفة والقدس لا تقل بشاعة عما أحدثته في غزة للقضاء على هذا الحل وبدعم أمريكي وتخاذل نفاق عربي ودولي.

فتلميع صورة إسرائيل من مدينة عربية (شرم الشيخ)، وإعادة العبث بالقضية، والتركيز على مسؤولية الضحية لا المجرم، يعني أن خطة التعافي المبكر لإسرائيل من صورتها الملطخة بعار جرائم الحرب وضد الإنسانية في العالم مهمة يقودها دونالد ترامب أمام قيادات عربية تمثل العجز العربي في شرم الشيخ، ولا تؤسس لسلام بل لتأمين سيطرة صهيونية على المنطقة.

فإنقاذ غزة وإعانة شعبها، بعد جرائم الإبادة، يجب أن لا يخضع للمساومة، والنقاش تحت سقف المطلب الإسرائيلي والمداورة في التفاصيل التي تستنزف النقاش، بالمؤتمرات والكلام والوعود واللجان والترتيبات وما إلى ذلك.. كلها كانت عناصر تؤشر لعدم الاعتراف بالحقوق الفلسطينية؛ جُربت في محطات ومفاصل كثيرة، وعكست نفسها على ما يجري في الضفة والقدس وعلى ما جرى في غزة، كمقياس لمصير "السلام" المزعوم مع المشروع الصهيوني قبل السابع من أكتوبر 2023 بثلاثين عاما.

الخطاب الفلسطيني والعربي في شرم الشيخ، ليس مختلفا عما تردد في القمم والاجتماعات السابقة لأجداد وآباء العجز العربي، وعلى المنابر الدولية، وفي الجوهر الكل متفق على تفكيك وكسر صلابة الشعب الفلسطيني وثنيه عن مواجهة مستعمره

هي خلاصات يتحملها المجتمع الدولي ومؤسساته، وتتحملها الإدارة الأمريكية، والنظام الرسمي العربي، لما أصاب الشعب الفلسطيني تحت أنظارهم من ظلم وجرائم إبادة جماعية وتطهير عرقي، فإسرائيل قبلت وقف إطلاق النار في غزة، ليس إقرارا بعدالة حقوق الشعب الفلسطيني، بل لاسترجاع أسراها، وخطط الاحتلال باقية لغزة وللضفة والقدس.

والخطاب الفلسطيني والعربي في شرم الشيخ، ليس مختلفا عما تردد في القمم والاجتماعات السابقة لأجداد وآباء العجز العربي، وعلى المنابر الدولية، وفي الجوهر الكل متفق على تفكيك وكسر صلابة الشعب الفلسطيني وثنيه عن مواجهة مستعمره.

السلطة الفلسطينية حاضرة شكليا في شرم الشيخ، ولهذا السبب يحاول البعض العربي ويصرّ على أن يهدي ترامب مديحا لمحاولته إنقاذ إسرائيل من جرائمها "التي لا تستطيع مواجهة العالم كله" بحسب كلام ترامب نفسه، وهو هدف حضوره قمة شرم الشيخ. خطاب العجز لسلطة رام الله، بالتخلي عن كل مكامن القوة للدفاع عن الأرض والشعب، أفقد الفلسطينيين المزيد من حقوقهم.

فحين يستمع الفلسطيني والعربي والغربي لخطاب الرئيس الكولومبي والتشيلي، والخطاب الإسباني -على سبيل المثال- حول قضية فلسطين، مع جملة مواقف من جرائم الإبادة الجماعية، ومطالب مقاطعة وحصار إسرائيل، ويقارنها مع خطاب تقزيم الذات الفلسطينية والتخاذل العربي، يجد المرء أن كل ما تبعثر وتبخر من تلك الأوهام، باستمرار القفز عن الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني، لم تغير عقلية البؤس الفلسطيني والعربي، بل زادتها شراسة وفجورا في خصام الحقوق الفلسطينية، وستبقى صاعق تفجير محتمل ومستقبلي بغير ما يظن ويحلم آباء العجز الفلسطيني والعربي.

x.com/nizar_sahli
التعليقات (0)