قضايا وآراء

رفع مستوى التأهب التركي- الإيراني.. دوافعه ومبرراته

حازم عيّاد
"الاستراتيجية الأمريكية العسكرية الجديدة أثارت شهية الأصدقاء وحذر الأعداء"- الأناضول
"الاستراتيجية الأمريكية العسكرية الجديدة أثارت شهية الأصدقاء وحذر الأعداء"- الأناضول
مؤشرات أمنية وسياسية متطايرة تدفع كلا من إيران وتركيا لرفع مستوى التأهب العسكري والدبلوماسي في البلدين، فتركيا تستشعر تهديدا متصاعدا قادما من الجنوب بفعل العقبات التي تضعها قوات "قسد" الانفصالية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (PYD)، الذي يرى في شرق الفرات كيانا سياسيا مستقلا يخضع لإدارته تحت مسمى "روج افا"، أي "كردستان الغربية" الذي يقابل "كردستان الشرقية" في العراق بحسب تصوراتهم.

تركيا وعلى لسان رئيسها طيب رجب أردوغان أكد الأربعاء، أن "تركيا لن تسمح بتفتيت سوريا والمساس بسلامة أراضيها في حال فشلت الحلول الدبلوماسية بدمج قسد وإدارتها الذاتية بالدولة السورية. أما وزارة الدفاع التركية فأعلنت أنها تتابع من كثب إدماج ما يُسمَّى "قوات سوريا الديمقراطية" بدقة وحساسية، وحرصها على التصدي لكل أنشطة الجانب اليوناني التي تهدّد أمن جمهورية شمال قبرص التركية، مؤكدة استمرار دفاعها عن حقوقها ومصالحها المشروعة في شرق البحر المتوسط خصوصا بعد نشر رادارات إسرائيلية بالقرب من شواطئها.

التدافع والاستقطاب تعاظم بتأثير من التموضع العسكري للولايات المتحدة في العراق وسوريا والمنطقة برمتها، فأمريكا في طور إعادة النظر في استراتيجيتها وتحالفاتها العسكرية

هذه التصريحات تزامنت مع بدء الانسحاب الأمريكي العسكري من العراق، واندلاع اشتباكات بين الجيش السوري وقوات قسد لتعكس صراعا على تموضع القوات الأمريكية المقبل في المنطقة، إذ تطمح قسد بانتقال مركز الثقل العسكري الأمريكي من العراق إلى سوريا، كما عبرت عنه القيادية إلهام أحمد، مسؤولة الشؤون الخارجية في حزب الاتحاد (PYD) غير مرة؛ كان آخرها خلال مقابلة أجرتها معها مجلة "المجلة" اللندنية الناطقة بالعربية وبُثت على قناة الشرق بلومبيرغ يوم الاثنين الفائت.

التأهب التركي لم تقتصر مبرراته على تفاعلات الانسحاب الأمريكي وتداعياته على سوريا والعراق، فالتحركات الإسرائيلية المفرطة في جنوب سوريا والجهود المبذولة لإفشال الاتفاق الثلاثي (السوري الأردني الأمريكي) لإنهاء أزمة السويداء؛ لا تقل أهمية وخطورة عن تلك المتخلقة في شمال شرق سوريا، ذلك أن الكيان الإسرائيلي عمد إلى نشر رادارات ومنظومات دفاع جوي في جزيرة قبرص الرومية ليصبح أكثر عدوانية في التعامل مع تركيا جوا وبحرا وبرا.

التدافع والاستقطاب تعاظم بتأثير من التموضع العسكري للولايات المتحدة في العراق وسوريا والمنطقة برمتها، فأمريكا في طور إعادة النظر في استراتيجيتها وتحالفاتها العسكرية، إذ وفقا لمسودة الاستراتيجية الأمريكية التي سرب المطلعون عليها بعض تفاصيلها؛ تبرز رغبة أمريكية جامحة للتركيز على "حماية الوطن" على حساب الالتزامات التقليدية للولايات المتحدة في أوروبا وأفريقيا، وأخرى كامنة لتضييق نطاق المواجهة الاستراتيجية مع الصين إلى أقصى حد في محيطها الحيوي المباشر في أمريكا الجنوبية وشمال الاسكا.

أمريكا متجهة وفقا للمسودة التي طرحها وزير الحرب بيت هيغست نحو التخلي عن التحالفات التي تعتبرها مكلفة؛ كونها تثقل كاهلها بالأعباء وتقيد حركتها في الدفاع والهجوم، لتستعيض بحسب هيغست بالتركيز على "أمن الولايات المتحدة المباشر في مواجهة الهجرة والتهريب والمخدرات والجريمة المنظمة" ومجالها الحيوي القريب في أمريكا اللاتينية والجنوبية، إضافة إلى تعزيز الجاهزية لأي مواجهة محتملة مع الصين في تايوان، بحسب ما صرح وزير الحرب في اجتماعه بجنرالات الجيش الأمريكي الثلاثاء الفائت في قاعدة كوانتيكو بولاية فرجينيا.

الاستراتيجية الأمريكية التي دخلت طور النقاش الداخلي بعد لقاء وزير الحرب الأمريكي بيت هيغست والرئيس الأمريكي دونالد ترامب بكبار الجنرالات في الجيش، فتحت شهية الدول الإقليمية من ضمنها إيران، وأثارت مخاوفها في الآن ذاته من إمكانية أن يفضي التموضع الأمريكي السياسي والعسكري إلى نتائج مغايرة لتوقعاتها ورغباتها، إذ تخشى طهران من هجوم أمريكي جديد ومباغت لتقويض أمنها دون الأخذ بعين الاعتبار تداعيات ذلك على حلفاء أمريكا وشركائها في المنطقة، ما رفع من حالة التأهب الإيراني بإعلان نائب مسؤول التفتيش (العمليات) في مقر خاتم الأنبياء العسكري المركزي، محمد جعفر أسدي، أن الصواريخ الإيرانية "ستصل إلى المدى الذي تحتاج إليه"، في إشارة إلى إمكانية تجاوز السقف الحالي المحدد بنحو ألفي كيلومتر لتقترب من 5500 كم.

التحولات داخل الولايات المتحدة وفي الإقليم ديناميكية متقلبة بمتغيرات فائقة التفاعل والتأثير؛ على نحو يرفع من مستوى انعدام اليقين ومعه الفرص والمخاطر الناجمة عن إعادة التموضع الاستراتيجي الأمريكي وجهود ملء الفراغ التي يقودها الكيان الإسرائيلي وشركاؤه

ذهبت إيران قبل ذلك وعبر مجلس الشورى البرلمان الإيراني إلى تعزيز قبضتها في الجبهة الداخلية، بإقرار قانون يعاقب بالإعدام على التعاون مع إسرائيل أو الولايات المتحدة، ويجرّم استخدام أدوات اتصال مثل "ستارلينك"، كما يحظر القانون "المسيرات والتجمعات غير المرخصة في زمن الحرب"، وهو قانون ترافق مع إعدامات طالت أكثر من ألفي شخص خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة؛ نُفذت بناء على قرارات المحاكم الإيرانية بحق جواسيس وعملاء متهمين بالتخابر وإثارة الفوضى. فإيران دخلت حالة تأهب قصوى وأدخلت أسلحة جديدة للخدمة من ضمنها طائرات ميغ 29 الروسية.

فالاستراتيجية الأمريكية العسكرية الجديدة أثارت شهية الأصدقاء وحذر الأعداء، والأهم مخاوف جنرالات أمريكا، إذ حذر من تداعياتها رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكي الجنرال دان كين، في ملاحظات وُصفت بـ"الصريحة للغاية" قُدمت للوزير هيغسث، قال فيها إن "تقليص الحضور الأمريكي في الساحات الدولية قد يقوض الردع الذي شكّل لعقود حجر الأساس للأمن القومي الأمريكي، فاتحا الباب أمام تمدد خصوم مثل روسيا والصين، بإضعاف شبكة الردع التي استثمرت فيها الولايات المتحدة عقودا من الموارد والنفوذ"، في حين عبّر ضباط آخرون في الجيش عن خشيتهم من أن تؤدي الاستراتيجية إلى شلل مؤسسي بإضعاف فاعلية القيادة العسكرية؛ كونها تتضمن خفض أعداد الجنرالات بنسبة تصل إلى 20 في المائة.

ختاما.. حالة التأهب الإيراني التركي لها ما يبررها في الإقليم، فالتحولات داخل الولايات المتحدة وفي الإقليم ديناميكية متقلبة بمتغيرات فائقة التفاعل والتأثير؛ على نحو يرفع من مستوى انعدام اليقين ومعه الفرص والمخاطر الناجمة عن إعادة التموضع الاستراتيجي الأمريكي وجهود ملء الفراغ التي يقودها الكيان الإسرائيلي وشركاؤه، مدعومة بمقولات أيديولوجية وعقائدية بحثا عن دعم يكاد يفتقد للمبررات العقلانية أمريكيا وأوروبيا، وهو سبب آخر ومهم لرفع حالة التأهب التي انضمت باكستان إليه مكرهة لمواجهة الجنون الإسرائيلي غير المحدود بعقل أو منطق.

x.com/hma36
التعليقات (0)